الحلقة رقم (441)
تفسير وتدبر الآيتين (56) و (57) سورة "الأَعْرَاف" (صفحة 157)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56) وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)
(وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا) كأن الله خلق الأرض على هيئة الإصلاح، وأنتم جئتم فأفسدتم في الأرض، يعنى لا تعملوا في الأرض بالمعاصي.
وقوله تعالى (بَعْدَ إِصْلَاحِهَا) يعنى أن الله تعالى خلق الأرض على هيئة الصلاح، ثم جاء الانسان فأفسدها بالمعاصي، وكلما أفسد الانسان الأرض بالمعاصي، يبعث الله تعالى إليهم نبيًا حتى يصلح الأرض مرة أخري.
(وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا)
وَادْعُوهُ تعالى خَوْفًا من عقابه وَطَمَعًا في ثوابه ورحمته.
يقول العلماء أن الخوف والرجاء للمؤمن، كالجناحين للطائر، يحملانه في طريق الاستقامة، وإذا انفرد أحدهما هلك الانسان.
كما قال تعالى في سورة الحجر: (نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم)
وقال كثير من العلماء ينبغي أن يغلب الخوف الرجاء طول الحياة، فإذا جاء الموت غلب الرجاء.
ولذلك تمني الحسن البصري أن يكون هو الرجل الذي هو آخر من يدخل الجنة، وتمنى سالم مولى أبي حذيفة أن يكون من أصحاب الأعراف، وسالم هذا من الفضل بحيث قال عمر بن الخطاب فيه لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيّاً لولّيته الخلافة.
خرج اثنان من الصالحين الى الحج، وفي يوم عرفة وقف أحدهم وقال "ما أحسن هذا الجمع لولا أنني فيهم"، وقال الآخر: "اللهم لا ترد هذه الجموع بسببي".
المهم ألا يغلب الخوف جدًا بحيث يؤدي الى اليأس والقنوط، ولا يغلب الرجاء جدًا بحيث يؤدي الى التجزؤ على محارم الله.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(إن رحمة الله قريب من المحسنين) رحمته تعالى هي للمحسنين أي المطيعين من عباده، الذين يتبعون أوامره ويتركون معاصيه، كما قال تعالى (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ)
وقال مَطَراً الوَرَّاقَ من التابعين "اطلبوا موعود الله بطاعته فإنه قضى أن رحمته قريب من المحسنين"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57)
يتحدث - تعالى - عن بعض مظاهر رحمته، فقال تعالى:
(وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ)
يعنى يرسل الرياح مقدمات ومبشرات قبل نزول المطر
المقصود برَحْمَتِهِ هو نزول المطر، لأن نزول المطر هو أحد مظاهر رحمة الله سبحانه وتعالى.
لأن قوله تعالى (بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) يعنى قبل نزول المطر.
كما نقول الفتن التى بين يدي الساعة، يعنى الفتن التى قبل الساعة.
فقوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) يعنى: وَهُوَ تعالى الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ مقدمات ومبشرات قبل نزول المطر.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا) يعنى حَتَّى إِذَا حملت هذه الرياح سَحَابًا ثِقَيلًا بالماء.
(سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ)
البلد في اللغة هو أي مكان من الأرض سواء كان خاليًا أو مسكونًا.
فيكون المعني: سقنا هذا السحاب لأرض ميتة ليس فيها نبات أو مرعي.
(فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ) فَأَنْزَلْنَا بِهِ ِيعنى بهِذا السحاب الْمَاءَ، او أَنْزَلْنَا بِهِ يعنى في هذا المكان الميت الماء.
(فَأَخْرَجْنَا بِهِ) فَأَخْرَجْنَا بِهِذا الماء.
(مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ) يعنى مختلف أنواع الثمار.
(كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى) يعنى كما نخرج النبات من الأرض الميتة، نخرج الموتى من قبورهم يوم القيامة.
(لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) يعنى لَعَلَّكُمْ تستدلون بذلك على قدرة الله على احياء الموتى.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
أخرج البيهقي وغيره عن أبي رُزَينٍ العُقَيلِيِّ قال: قلت يا رسول الله، كيف يعيد الله الخلق، وما آية ذلك -أي علامة ذلك- في خلقه؟ قال ﷺ أما مررت بوادي جدبا ثم مررت به يهتز خضرا، قال: نعم، قال ﷺ: فتلك آية الله في خلقه
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقد رود في الأثر أن الله تعالى يوم القيامة سينزل مطرًا على الأرض، فتنبت من الأرض أجساد الناس، ثم تعود إليهم أرواحهم.
روي مسلم من حديث عبد الله بن عمرو أن النبي ﷺ قال:" ثم ينزل الله - مطرا كأنه الطل فتنبت منه أجساد الناس ثم يقال يا أيها الناس هلموا إلى ربك."
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
قوله تعالى (سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ) تعبير دقيق، لأن الهواء هو الذي يقوم بتحريك السحب وتوزيعها الى مختلف مناطق اليابسة.
ذكرنا من قبل أن دورة المياه التى تعمل على سطح الأرض منذ مليارات السنين تبدأ بأن تقوم الشمس بتسخين المياه في البحار والمحيطات، والتي تتحول الى بخار ماء، والذي يصعد الى أعلى فيتكثف بخار الماء بسبب برودة الجو في الطبقات الجو ويتحول الى سحاب، ثم تسقط الأمطار من هذه السحب على الأرض مرة أخري بعد أن تم تنقيتها من خلال هذه الدورة.
والنسبة الأكبر من تبخير المياه وبالتالي تكون السحب تكون فوق سطح البحار والمحيطات، ولولا أن الهواء يقوم بتحريك هذه السحب في اتجاه اليابسة لسقطت الأمطار مرة اخري على البحار والمحيطات وتكون عديمة الجدوى.
وهكذا فان الرياح هي عنصر أساسي من عناصر دورة المياه لأن الرياح هي المسئولة عن تحريك وتوزيع السحب التي تتكون فوق البحار والمحيطات الى مختلف أنحاء اليابسة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
قوله تعالى (سَحَابًا ثِقَالًا) تعبير دقيق، والعجيب أن علماء الأرصاد الغربيين في العصر الحديث استخدموا هذا التعبير، وهو (Heavy clouds) أي السحب الثقيلة، للتعبير عن السحب المحملة بكميات كبيرة من الماء.
وقال العلماء أن غيمة متوسطة من هذه السحب تزن حوالي مليار كيلو جرام.
وقد استخدم القرآن العظيم هذا التعبير في وقت لم يكن أحد من العرب أو من غيرهم يتصور أن يحمل الهواء هذه الأوزان الضخمة من المياه.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا)
ذكر تعالى الرِّيَاحَ بصيغة الجمع، وقد انتبه العلماء الى أن كل موضع ذكر الله تعالى فيه الرِّيَاحَ بصيغة الجمع كان للخير والرحمة، وكل موضع ذكر الله تعالى فيه ارسال الريح بلفظ المفرد كان للعذاب.
يقول تعالى في سورة الروم (ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات)
وفي سورة الروم أيضًا (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا)
في سورة الحجر (وأرسلنا الرياح لواقح)
أما إذا ذكرت مفردة فإنها تفترن غالبًا بالعذاب:
في الذاريات (وفي عاد إذا أرسلنا عليهم الريح العقيم)
وفي الحاقة (وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية)
وفي الأحقاف (بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بأمر ربها)
ومن دعاء الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا هبت الريح كان يقول "اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً."
لأن الجمع يشير الى هبوب الرياح من جهات مختلفة وذلك فانه يكون رحمة، أما إذا جاء من جهة واحدة فهو يكون عذابًا، وقال العلماء لو أتيت ببناية قوية وفرغت الهواء من ثلاث جهات وتركت جهة واحدة، فان ضغط الهواء من هذه الجهة الواحدة سيسقط البناية لأنه جاء من جهة واحدة، أما إذا تركت البناية كما هي فان تعادل ضغط الهواء من الجهات الأربعة يجعلها ثابتة في مكانها.
أما مواضع ذكرها مفردة دون أن تشير الى العذاب فهي في سورة يونس، قول الله تعالى (وجرين بهم بريح طيبة) لأن السفينة تحتاج حتى تسير الى الرياح من جهة واحدة، أما إذا جاءتها الرياح من جهات مختلفة فإنها تضطرب، ثم وصفها تعالى بأنها ريح طيبة حتى يزول الاشراك بينها وبين ريح العذاب.
الموضع الآخر الذي ذكرت فيه الرياح مفردة دون ان تشير الى العذاب فهو قوله تعالى (فَسَخَّرْنَا لَهُ الريح تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَآءً حَيْثُ أَصَابَ) لأن سليمان كان يحتاج أن تحمل الرياح جنوده الى جهة واحدة، ولو كانت من عدة جهات لهلكوا، ووصفها تعالى أيضًا بأنه (رُخَآءً) يعنى لينة وليست عاصفة، وبأنها تجري بأمر سليمان أي مطيعة له –عليه السلام-
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"
لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
|