Untitled Document

عدد المشاهدات : 1562

الحلقة (452) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تفسير وتدبر الآيات من (113) الى (126) من سورة "الأَعْرَاف" ) وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا ….

الحلقة رقم (452)
تفسير وتدبر الآيات من (113) الى (126) من سورة "الأَعْرَاف" (ص 164)

        

(وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114) قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115) قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُو بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116) وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120) قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122) قَالَ فِرْعَوْنُ آَمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124) قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (125) وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِآَيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (126)

        

ما زالت الآيات تتناول قصة موسي -عليه السلام- وقلنا إن موسي -عليه السلام- طلب من فرعون أن يعتق رقاب بنى إسرائيل، وان يتركهم ليخرجوا من مصر، وطلب منه فرعون معجزة تدل على صدق نبوته، وجاء موسي بمعجزة العصا التى تتحول الى حية، واليد التي تصبح بيضاء من غير سوء، فاتهمه فرعون وحاشيته بأنه ساحر، واقترحت حاشية فرعون ورجال الدولة أن تكون هناك مواجهة ومباراة بين موسي وبين السحرة، فجمعوا لموسى أمهر السحرة في الدولة المصرية، وكان السحر منتشرًا وفاشيًا في مصر، وكانت له معاهد خاصة لتعليمه.
وطلب موسي ان تكون هذه المباراة بينه وبين السحرة، في يوم الزينة، وهو أحد أعياد المصريين، وأن يكون في وقت الضحى، وهو وقت طلوع الشمس، حتى تكون الرؤية واضحة تمامًا، يقول تعالى في سورة طه (قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى) وكلمة (يُحْشَرَ) وقلنا إن الحشر هو السوق بإكراه، يعنى أن من لا يريد أن يأتي، يؤتي به رغمًا عنه.


        

(وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) 
في سورة الشعراء يقول تعالى (فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ) اذن في الأعراف (إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا) وفي الشعراء (أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا) فهل قال السحرة (إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا) أم قالوا (أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا)؟
الإجابة: أن اختلاف الكلمات بين السحرة هو امر منطقي، فهم قد اتفقوا قبل الدخول على فِرْعَوْنَ أن يطلبوا منه أجر، ولكنهم عندما دخلوا على فِرْعَوْنَ لم يقرؤا من ورقة مكتوبة، فقال بعضهم مخاطبًا فِرْعَوْنَ (أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ) يعنى هل يمكن أن يكون لَنَا أجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ؟ والبعض الآخر كان أكثر شجاعة في مواجهة فِرْعَوْنَ، فقالوا بأسلوب الخبر، كأنهم يشترطون على فِرْعَوْنَ أن يعطيهم أجرًا فقالوا (إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ)

        

(قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114) 
قَالَ نَعَمْ ستكون لكم مكافأة 
(وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) وستكونون -أيضًا فوق الجائزة- مِنَ الْمُقَرَّبِينَ يعنى من ضمن حاشيتي.
وهذه المناقشة تدل على عدة أمور:
أولًا: أن فرعون استشعر خطر موسي، بدليل أنه بعد أن جمع لمواجهة موسي أمهر السحرة من كل ربوع مصر، أجاب السحرة فورًا عندما طلبوا مقابل لعملهم، بل ووعدهم بأكثر مما طلبوا، وهو أن يكونوا من المقربين اليه إذا غلبوا موسى.
ثانيًا: ثقة السحرة المطقة في الانتصار في المواجهة مع موسي، بدليل أنهم يناقشون الجائزة عند الفوز.
ثالثًا: أن فرعون لم يكن بالشخصية الظالمة المخيفة بالنسبة للمصريين، وانما كان كذلك فقط مع بنى إسرائيل، بدليل أن السحرة يشترطون على فرعون، وبدليل أن جزء من المكافأة أن يكونوا مقربين اليه، وانما كان ظلم فرعون وتجبره وبطشه منصب على بنى إسرائيل، ولذلك قال تعالى في موضع آخر (إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم)

فرعون موسي
        

(قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115) 
يعنى قَال السحرة: يَا مُوسَى اختر إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ ما معك وهي العصا أولا، وَإِمَّا أَنْ نلقى نَحْنُ أولًا ما معنا وهي العصي والحبال.
وهذا التخيير من السحرة يدل على ثقة السحرة في أن الجولة ستكون لهم على موسي.
ومع ذلك فان السحرة أظهروا رغبتهم في أن يبدأوا هم بالإلقاء، لأنهم حين تكلموا عن القائهم قالوا
(وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ) جاءوا بالضمير "نحن" بعد الضمير المستتر، وجعلوا الخبر معرفة لا نكرة، وحين تكلموا عن القاء موسي قالوا (إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ) بدون تأكيد.
وقد أظهر السحرة أن يبدؤا بالإلقاء، مع أن الذي يعقب تكون عنده ميزة نسبية، رغبتهم في أن يهزموا موسي من الجولة الأولى: أنت جئت بسحر -من وجهة نظرهم- أنك تقلب العصا ثعبان، نحن سنأتي بسحر مثله وسنجعل مئات العصي والحبال تتحول الى ثعابين وحيات، فتهزم قبل أن تبدأ المواجهة.

        

في هذه الآية يقول تعالى (وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ) وفي آية أخري يقول تعالى (وإما أن نكون أول من ألقى)، فهل قال السحرة العبارة الأولى، أم قالوا العبارة الثانية؟
الإجابة: أنهم لم يكونوا ساحر واحد، كانوا مجموعة كبيرة من السحرة، وقد اتفقوا على أن يخيروا موسي بين أن يبدأ هو بالإلقاء أو يبدؤا هم، وعند لقاء موسي قال بعضهم (إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ) وقال البعض الآخر (إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وإما أن نكون أول من ألقى) وفي العبارتين تظهر رغبة السحرة في أن يبدؤا بالإلقاء.

        

(قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُو بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116) 
(قَالَ أَلْقُوا) يعنى قَالَ لهم موسي أَلْقُوا أنتم أولًا.
لماذا اختار موسي أن يلقوا هم أولًا؟ اما انه وحي من الله تعالى، واما لأن موسي أراد أن يحقق لهم رغبتهم في أن يلقوا أولًا حتى يكون ذلك اقطع لحجتهم وأقوي في اقناعهم
(حتى لا يأتي في ذهن واحد منهم اذا اختار موسي أن يلقي أولًا ويقول لو كنا ألقينا اولًا لتفوقنا عليه) 

        

(فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُو بِسِحْرٍ عَظِيمٍ)
يعنى (فَلَمَّا أَلْقَوْا) حبالهم وعصيهم (سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ) يعنى جعلوا الناس يتخيلون أن هذه العصي والحبال ثعابين وحيات، كما قال تعالى في موضع آخر (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تسعى)
هذا هو عمل الساحر أن يخيل للناس الأشياء على غير طبيعتها، ولكن الساحر لا يستطيع أبدًا أن يغير طبيعة الأشياء، فالساحر لا يستطيع مثلًا أن يحول قطعة خشب أو قطعة حديد الى ذهب، ولا يستطيع أن يحول الورق الى نقود، ولا أصبح السحرة أغنى الناس وهم ليسوا كذلك، بل أغلبهم فقراء.

(وَاسْتَرْهَبُوهُمْ) يعنى ملئوا نفوس الناس بالرهبة والخوف والرعب بسبب هذا العدد الكبير من الثعابين والحيات التي ملأت المكان (وَجَاءُو بِسِحْرٍ عَظِيمٍ)
يعنى كان سحرهم متقن، وتخييلهم للناس أن هذه العصي والحبال ثعابين تخييل متقن.


        

(وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117) 
أمر الله تعالى مُوسَى عن طريق الوحي أن يلقي عصاه 
(فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ) 
(فَإِذَا) إِذَا الفجائية، والفاء تدل على السرعة.
(فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ) يعنى تأكل وتبتلع 
وأصل اللقف هو التناول بسرعة، كما تقول "ألقف هذه"
فالمعنى أن عصا موسي، والتي تحولت الى حية حقيقية أخذت تبتلع حبالهم وعصيهم والتي هي في عيون الناس ثعابين بسرعة شديدة.

(مَا يَأْفِكُونَ) الإفك هو الكذب الذي لا أصل له، ولذلك سمي اتهام أمنا "عائشة" بحديث الافك، لأنه لا أصل له، وسمي اتهام بنى إسرائيل للسيدة مريم بالإفك لأنه لا أصل له.
فسمي الله تعالى حيات السحرة بالإفك لأنها ليس لها علاقة بالحيات وانما هي حبال وعصي.
يقول تعالى (فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ) يعنى فَإِذَا عصى موسي التي تحولت الى ثعبان حقيقي تبتلع كل ما في الوادي من حيات وثعابين.
وقيل إن عدد الحيات والثعابين كان كبيرًا جدًا، وقيل إن السحرة جاءوا بحبال وعصي حمل ثلاثمائة بعير، وقيل أن الحيات والثعابين ملئت الوادي حتى كانت كالجبل بعضها فوق بعض.
وبعد أن أكل ثعبان موسي كل الحيات والثعابين في الوادي أخذها موسي فعادت عصا كما كانت.


        

(فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118)
(فَوَقَعَ الْحَقُّ)
يعنى فظهر وتبين الحق. 
(وَبَطَلَ) يعنى وفسد وذهب  
(مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) يعنى مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ من السحر.
والتعبير بـ
(فَوَقَعَ الْحَقُّ) كأن الْحَقُّ شيء ثقيل نزل على شيء آخر خفيف الوزن فأزاله ومحاه من الوجود.
❇        

(فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119) 
(فَغُلِبُوا هُنَالِكَ) أي فَغُلِبَ السحرة وغُلِبَ فرعون ورجال دولته 
(هُنَالِكَ) أي في ذلك المجمع العظيم والذي كان يوم عيد لهم، وهو الموعد الذي اختاره موسي كما جاء في سورة طه (قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى) حتى تكون هزيمتهم أمام جماهير الناس.
(وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ) يعنى وانقلب حالهم بعد أن كانوا في ثقة وعزة وكبر، الى أذلاء مقهورين مهزومين. 
و
(صَاغِرِينَ) من الصغر.


        

(وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120) 
عندما حدثت هذه المعجزة العظيمة، علم السحرة ان هذا ليس سحرًا، وقالوا لو كان هذا سحرا لبقيت حبالنا وعصينا، فآمن جميع السحرة دفعة واحدة، حتى قيل أن أكبر عدد في التاريخ آمن دفعة واحدة، هم سحرة فرعون.
يقول تعالى
(وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ)
(أُلْقِيَ) تدل على سرعة سجودهم وشدته كأن ملقيا ألقاهم على الأرض.
من الذي علمهم السجود لله؟
اما أنهم ألهموا السجود لله تعالى.
أو أنهم سجدوا لموسى تسليمًا له وايمانًا بنبوته
أو: أن موسى وهارون سجدا شكراً لله عند ظهور الحق على الباطل، فاقتدوا بهما في السجود لله طاعة.
يقول الحسن البصري: تراه ولد في الإسلام ونشأ بين المسلمين يبيع دينه بكذا وكذا، وهؤلاء كفار نشؤوا في الكفر بذلوا أنفسهم لله تعالى.
عَنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ في هذه الآية قَالَ: رَأَوْا مَنَازِلَهُمْ تُبْنَى لَهُمْ وَهُمْ فِي سُجُودِهِمْ


        

(قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122) 
لماذا قالوا (آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ) ولم يكتفوا بقولهم (آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ) ؟
لو قالوا فقط
(آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ) ربما يتوهم فرعون أو تتوهم الجموع من الناس المحتشدة أن المقصود هو فرعون، لأن فرعون كان يدعي الألوهية.
ولو قالوا
(آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى) ربما يعتقد البعض أيضًا أن المقصود فرعون، لأن فرعون هو الذي ربي موسي في قصره.
حتى قيل إنهم عندما قالوا: آمنا برب العالمين، قال فرعون: إياي تعنون، فقالوا: ربَّ موسى، فقال لهم: أنا ربيت موسي، فقالوا: ربَّ موسى وهارون 

يقول قتادة: كانوا أول النهار كفاراً سحرة وفي آخره شهداء بررة 


        

(قَالَ فِرْعَوْنُ آَمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) 
(قَالَ فِرْعَوْنُ آَمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ) 
أي قَالَ فِرْعَوْنُ للسحرة آَمَنْتُمْ بموسى قَبْلَ أَنْ تستأذنوني؟
لماذا قال فِرْعَوْنُ هذه الكلمة؟ لأن المصريين كانوا يعبدون آلهة كثيرة، اله خصب، واله سعادة، واله فيضان، واله صحراء غربية، والاهة تساعد النساء على الولادة، وأي اله يعبد كان لابد من اذن فرعون.

        

(إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ)
المكر هو التدبير بخفاء، يعنى ما حدث كان تمثيلية واتفاق كان بينكم وبين موسي.
(لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا) يعنى لِتُخْرِجُوا مِنْ مصر (أَهْلَهَا) وهم بنى إسرائيل.
هنا يستخدم فِرْعَوْنُ الدعاية المضللة، ويرتدي عباءة المدافع عن مصالح شعبه، ويدعي ان مصر هي وطن بنى إسرائيل، وأن موسي رجل شرير يريد أن يخرجهم من وطنهم.
واستغل فِرْعَوْنُ حدوث لقاء بين موسي وبين كبير السحرة واسمه شمعون قبل يوم المواجهة، قال كبير السحر لموسى: لآتين غدًا بسحر لا يغلبه سحر، فقال له موسي: أرأيت ان غلبتك أتؤمن بي؟ قال له الساحر: لئن غلبتني لأؤمن لك وفرعون ينظر.
فاستغل فِرْعَوْنُ حدوث هذا اللقاء، وادعي أن في هذا اللقاء حدث اتفاق بين موسي وبين السحرة.

(فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) تهديد ووعيد من فِرْعَوْنُ للسحرة.


        

(لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124) 
(لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ) 
اللام لام القسم، يعنى سأقطع من كل واحد منكم يده اليمنى مع رجله اليسري، أو يده اليسرى مع رجله اليمنى.
(ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ)
ثُمَّ بعد ذلك أصلبكم جميعًا تنكيلًا بكم.
في آية أخري أنه صلبهم على جذوع النخل.
وقيل إن فرعون هو أول من قطع من خلاف، وأنه أول من صلب.


        

(قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (125) 
يعنى ان قتلتنا -كما تقول- فإننا سننقلب يعنى سنعود ونرجع الى الله.
فالذي تتوعدنا به نحن نريده ونطلبه 
وأيضًا المعنى نحن وأنت سننقلب ونعود الى ربنا، وعند الله تجتمع الخصوم، وسيقضى الله بعدله بيننا وبينك.

        

(وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِآَيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (126)
(وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِآَيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا) 
يعنى وما تعيب علينا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِآَيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا.
(رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ) يعنى يا رَبَّنَا صب علينا الصبر واجعله يغمرنا، عند تعذيب فرعون لنا وعند القطع والصلب حتى لا نرجع كفارًا.
وقال ابن عباس‏:‏ لما آمنت السحرة اتبع موسى ستمائة ألف من بني إسرائيل.

 

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇