الحلقة رقم (454)
تفسير وتدبر الآيات من (130) الى (136) من سورة "الأَعْرَاف" (ص 165)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130) فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (131) وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آَيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آَيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (133) وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (134) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (135) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
بعد أن رفض فِرْعَوْنَ دعوة موسي، ورفض خروج بنى إسرائيل من مصر، بل واشتد ايذائه وتعذيبه لبنى إسرائيل، فعاد الى قتل أولادهم واستحياء نسائهم، أصاب الله تعالى آَلَ فِرْعَوْنَ بأنواع من العذاب، لعلهم يعودون إلى رشدهم؛ ويتذكرون ضعفهم أمام قوة خالقهم، ويرجعون عما هم فيه من الكفر والعصيان، فأصابهم الله تعالى كما ستذكر لنا الآيات الكريمة: بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ، ثم أصابهم بالطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ، وأخيرًا أصابهم بالرِّجْز، فلما أصابهم بالرِّجْز لجأ فرعون وملئه الى موسي واعتذروا له ، وقالوا له لو رفعت عنا العذاب سنؤمن بك، ونرسل معك بَنِي إِسْرَائِيلَ، فلما رُفع عنهم العذاب، أصروا على كفرهم، فأمر الله تعالى مُوسَى بالخروج ببنى إِسْرَائِيلَ، فاتبعهم فِرْعَوْنَ وجيشه، وانتهي الأمر بغرق فرعون وجيشه وهلكوا جميعًا.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالي (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130)
يعنى بعد أن رفض فِرْعَوْنَ دعوة موسي، ورفض خروج بنى إسرائيل من مصر، واشتد ايذائه وتعذيبه لبنى إسرائيل، وعاد الى قتل أولادهم واستحياء نسائهم، أصاب الله تعالى آَلَ فِرْعَوْنَ بألوان من العذاب
يقول تعالى (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ)
يعنى عاقبنا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ.
كلمة "السنة" تأتي على معنيين:
الأول: يراد بها الحول أو العام.
والآخر: يراد بها الجدب والقحط وقلة المطر، كانت العرب تقول: "أصابتهم سنة" يعنى أجدبوا وانقطع عنهم المطر.
ومنه دعاء الرسول -صلى الله عليه وسلم – على كفار قريش بعد ان اشتد ايذائهم للمستضعفين من المؤمنين: "اللهم اجعلها عليهم سِنِين َكَسِنِي يُوسُف"
فقوله تعالى (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ)
يعنى أصبنا آَلَ فِرْعَوْنَ بالجدب والقحط، حتى جف ماء النيل، وهلك الزرع، ونفقت الماشية، وقيل أن هذا القحط استمر سبعة سنوات.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
قول تعالى (وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ) يعنى قلة ثمار الزروع والأشجار، والجدب وقلة المطر غير نَقْصٍ الثَّمَرَاتِ، قد يكون المطر متوفرًا طوال العام، ولكن تأتي ظروف طبيعية تفسد المحصول، فقد تأتي حشرة تفسد الثمار، أو تأتي رياح قوية أو حرارة شديدة تسقط التزهير.
ونقص الثمرات أشد من السنين والقحط، لأن صاحب الزرع يبذل الجهد وينفق على زرعه، ثم لا يكون عنده محصول في نهاية الأمر.
قال بعض المفسرون: كانت النخلة لا تنتج الا تمرة واحدة.
يقول تعالى (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) لَعَلَّهُمْ يتنبهوا ويتَّعظوا ويعودوا الى الله تعالى.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ولنا هنا وقفة: يقول تعالى (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ) وقلنا إن (آَلَ فِرْعَوْنَ) يعنى حاشيته ورجال دولته، مع أن القحط ونقص الثمرات أصاب كل أهل مصر، كأن القرآن العظيم جعل أهل مصر من ضمن آَلَ فِرْعَوْنَ.
لماذا؟
لأنهم كانوا موافقين على ظلم فِرْعَوْنَ وعلى قهره لبنى إسرائيل، وعلى كفره، حتى لو كانوا خائفين أو مقهورين من فِرْعَوْنَ، فانهم كان عليهم أن ينكروا عليه ظلمه ولو بقلوبهم، لا أن يرضوا بظلمه ويصفقوا له، ولذلك قيل (ان لم تستطع قول الحق فلا تصفق للباطل)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (131)
(فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ) فَإِذَا جَاءَ آَلَ فِرْعَوْنَ أي خير.
(قَالُوا لَنَا هَذِهِ) هذه من مهارتنا، كما قال قارون (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي)
(وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ) وَإِنْ ينزل بهم بلاء
(يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ)
(يَطَّيَّرُوا) أصلها (يَتطَّيَّرُوا) ثم ادغمت التاء والطاء.
ومعنى (يَطَّيَّرُوا) أو (يَتطَّيَّرُوا) يعنى يتشائموا
أصل التطير من الطير، كانت العرب إذا هم أحدهم بأمر يقصد الى عش طائر ويزجره، فاذا طار جهة اليمين تفاءل بذلك ومضي في الأمر، ويسمونه "البارح" وإذا طار جهة اليسار تشاءم، ورجع عما عزم عليه، ويسمونه "السانح"، وكانوا يتشاءمون من بعض الطيور، فكانوا يتشاءمون من الغراب، ويتشاءمون من البومة.
وقد أبطل الرسول ﷺ هذا الأمر ونهي عنه، فقال ﷺ "لا طيرة ولا هامة" "أنا أصطبحت بوش بومة النهارده"
وقال ﷺ "من ردته الطيرة عن شيء فقد قارف الشرك"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
فقوله تعالى (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ) يعنى وَإِنْ ينزل بهم بلاء يتشاءموا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ من بنى إسرائيل.
كَمَا قَالَ قَوْمُ صَالِحٍ: (إِنَّا تَطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ)
وكما تشاءمت اليهود بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وقالوا: غلت أسعارنا، وقلت أمطارنا مُذْ أتانا.
المهم أن فرعون استطاع أن يقنع الناس أن أي بلاء يقع بهم هو بسبب شؤم موسي وشؤم بنى إسرائيل.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ) يعنى ما يصبهم من شر هو من عِنْدَ اللَّهِ تعالى، بسبب كفرهم بالله تعالى.
(وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)
يعنى وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ أن ما يصيبهم من مصائب هي بسبب كفرهم بالله تعالى.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آَيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132)
(وَقَالُوا) يعنى وقال فِرْعَوْنَ وحاشيته (مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آَيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ)
يعنى مَهْمَا تأتي من خوارق فلن نؤمن لك، لأن هذه الخوارق ليست معجزات وانما هي سحر
وهذه هي الدعاية التي عمل فِرْعَوْنَ على اشاعتها، وهي أن مُوسَى ساحر ماهر، عندما جاء له مُوسَى لأول مرة بمعجزة العصا واليد (قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ) وبعد أن جمع له السحرة وغلبهم مُوسَى قال (إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ)
فمن لؤم فِرْعَوْنَ أنه عمل على إشاعة هذا الكذب على مُوسَى، لأنه بهذه الكذبة يغلق الباب أما أي معجزة يأتي بها مُوسَى، لأن أي معجزة مهما كانت عظيمة سيقال إنها سحر،) وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آَيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يقول تعالى (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آَيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (133)
ذكر الله تعالى في هذه الآية أنه أصاب آَلَ فِرْعَوْنَ بخمسة أنواع العذاب، لعلهم يرجعون عما هم فيه من الكفر والعصيان.
يقول تعالى (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ) الطُّوفَانَ هو الماء الكثير المغرق، فأصابهم الله تعالى بهذا الماء المغرق، سواء من الأمطار -سيول- أو بسبب علو فيضان النيل، أو هما معًا، فأتلف الماء زروعهم وأغرق بيوتهم، ولم يقترب الماء من بيوت بنى اسرائيل، واستمر هذا الماء سبعة أيام وقيل أربعين يومًا.
بعد أن توقف الماء خرج من الأرض من الزروع والثمار ما لم يخرج من قبل، فقال أهل مصر لقد جزعنا من أمر فيه خير كثير، فأرسل الله عليهم الْجَرَادَ.
يقول تعالى (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ) يعنى فأرسلنا عليهم الْجَرَادَ -وهي الحشرة المعروفة- حتى كانوا لا يرون شعاع الشمس من كثرة الجراد، وغطي الجراد جميع الأرض، ولم يبق شيء من الخضرة على الشجر، حتى أكلوا عشب الصحراء، واستمر ذلك زمنًا، حتى أرسل الله ريحا فحملت الجراد كله وألقته في بحر القلزم -كما جاء في التوراة-
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يقول تعالى (وَالْقُمَّلَ) اختلف المفسرون في معنى الْقُمَّلَ، وان اتفقوا في أن الْقُمَّلَ نوع من الحشرات، فقال البعض أنه السوس أرسله الله عليهم فأكل حبوبهم، وقيل أنه البعوض، وقيل صغار الذباب، وقال البعض أنه حشرة القمل المعروفة، وهي حشرة تعيش على شعر الراس وشعر الجسم وجسم الانسان نفسه، ويقوم بمص دم الانسان، ويسبب حكة شديدة.
فأرسل الله تعالى هذه الحشرة على آل فرعون ولم تصب بنى إسرائيل.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يقول تعالى (وَالضَّفَادِعَ) أرسل الله عليهم الضَّفَادِعَ، فكثرت حتى تركت الأنهار وغطت الأرض، ودخلت بيوتهم، وضايقتهم في معاشهم، حتى قالوا أن أحدهم إِذا تكلم وثبت الضفدع إلى فمه، ولم يستطيعوا النوم من أصواتها، ولم يعذب الله أحد بالضفادع قبل آل فرعون، ولم تقترب الضفادع من بيوت بنى إسرائيل.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (وَالدَّمَ) وهي الآية الخامسة، يعنى انقلبت مياه الأنهار والابار وغيرها الى دم، أو صارت مختلطة بالدم، وماتت الأسماك التي فيها، وأصبح الماء لا يسقي الزرع بل يميت الزرع، ولم يجدوا ماءًا ليشربوا منه، بينما ظل الماء عند بنى إسرائيل ماءًا كما هو، فجاء فرعون بمصري ورجل من بنى اسرائيل، ودفع اليهما بإناء واحد فيه ماء، فشرب الرجل من بنى اسرائيل، ثم ناوله للمصري ليشرب منه فاذا هو دم.
وقيل إن امرأة مصرية قالت لجارة لها من بنى إسرائيل، اجعلى الماء في فيك ثم مجيه في فمي، ففعلت فخرج من فم المرأة من بنى اسرائيل ماء، ووصل الى فم المصرية دمًا.
واستمر ذلك ثلاثة أيام وقيل أكثر من ذلك حتى كادوا يهلكون من العطش.
أو أن قوله (وَالدَّمَ) أن أصابتهم أمراض مرتبطة بالدم، فقيل إنه قد أصابهم الرعاف، يعنى نزيف الدم من الأنف، وهذا يسبب مضاعفات كثيرة، مثل الدوار والاغماء وعدم التركيز والارتباك.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (آَيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ)
(آَيَاتٍ) يعنى علامات تدل على صدق مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلامُ- لأن مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلامُ- كان يخبرهم قبل نزول العذاب بهم، ولأن العذاب كان يصيب المصريين فقط ولا يصيب بنى إسرائيل.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
و(مُفَصَّلَاتٍ) يعنى هذه الآيات لم تصبهم دفعة واحدة، وانما جاءت كل آية منفصلة عن غيرها، فيكون عندهم في كل مرة فرصة للتوبة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ)
يعنى موقف آل فرعون من هذه الابتلاءات أنهم استكبروا عن الإيمان بها (وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ) وَكَانُوا قَوْمًا طبيعتهم الإجرام.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (134)
يعنى لما أصاب آل فرعون هذه الآيات السابقة وهي السنين ونقص الثمرات، والطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ، أصروا على عنادهم، وأصروا على كفرهم، وأصروا على منع بنى إسرائيل من الخروج من مصر، فأصابهم الله بهذا العذاب الأخير وهو (الرِّجْزُ) والذي كان أشد أنواع العذاب وأعظمها.
جمهور المفسرون على أن (الرِّجْزُ) هو الطاعون، وأصل (الرِّجْزُ) في اللغة هو الاضطراب، وأطلق على الطاعون لأن الطاعون من الأوبئة التي تضطرب لها القلوب.
فقيل إن الله تعالى أرسل على آل فرعون الطاعون، وكثر فيهم الموت حتى توقفوا عن دفن موتاهم.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ولا شك ان الطاعون كان هو اشد أنواع العذاب، لأن كل ما أصابهم قبل ذلك هي أمور تفسد عليهم حياتهم، أما الطاعون فقد هدد حياتهم.
وذلك عبر عن هذا العذاب بقوله تعالى (وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ) التعبير بـ(وَقَعَ) يدل على ثقل العذاب النازل بهم وشدته.
يقول تعالى (وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ) يعنى قال فرعون ورجال الدولة الى موسي: (يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ)
في سورة الزخرف أن َالَ فرعون قالوا لموسى (يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ) وفي هذه الآية أنهم قَالُوا (يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ)
فقيل إنهم لما قالوا لموسى (يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ) قال لهم موسي فَقَالَ: لا أدعو وأنتم تزعمون أني ساحر، فَقَالوا (يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ)
(ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ) يعنى بِمَا اختصك به من إجابة دعائك.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ) يعنى كَشَفْتَ عَنَّا هذا الطاعون، وكَشَفْتَ عَنَّا هذا الموت.
(لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ)
يعنى سنؤمن بنوبتك، وسنترك بنى إسرائيل حتى يخرجوا معك من مصر.
هذه هي مطالب موسي منهم، قلنا أن مهمة موسي مع آل فرعون أمرين: الأول أن يدعوهم الى عبادة الله وحده، والثاني: أن يحرر بنى إسرائيل من عبودية فرعون وأن يتركهم حتى يخرجوا مع موسي من مصر.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (135) َ
(فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ) يعنى فَلَمَّا رفعنا عَنْهُمُ الطاعون والموت.
(إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ)
(إِلَى أَجَلٍ) يعنى إِلَى وقت محدد مؤجل.
(هُمْ بَالِغُوهُ) يعنى هذا الأجل سيبلغوه وسيصلوا اليه لا محالة، وهو وقت الإهلاك والغرق في البحر.
(إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ) يعنى إِذَا هُمْ ينقضون عهودهم التي عاهدوا عليها موسي.
(إِذَا) الفجائية تدل على السرعة، يعنى بمجرد رفع العذاب، نقضوا العهد.
وأصل النكث في اللغة هو نقض ما غزل.
كما قال تعالى في سورة النحل (ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا) فالأنكاث هي الخيوط التي كانت غزلًا ونقضت.
ثم استعمل النكث في نقض العهود والمواثيق
فإذن قوله تعالى (فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ) يعنى بمجرد رفع العذاب عنهم، نقضوا عهدهم مع موسي.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136)
(فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ) سمى الله تعالى عقابه لهم بأنه انتقام، للإشارة الى شدة ما نزل بهم من عقاب.
(فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ) أي في البحر، والبحر المقصود هو البحر الأحمر.
(بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا) يعنى بسبب تكذيبهم لآياتنا، وهي المعجزات التي جاءت على يد موسي.
(وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ)
يعنى أعرضوا عن هذه الآيات ولم يبالوا بها.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يقول تعالى (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137)
يعنى تحقق وعد الله تعالى لبنى إسرائيل بالنصر.
ولكن نتناول هذه الآية في حلقة منفصلة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"
لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
|