Untitled Document

عدد المشاهدات : 1276

الحلقة (465) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" الآية (167) من سورة "الأَعْرَاف" (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ ….

الحلقة رقم (465)
تفسير وتدبر الآية (167) من سورة "الأَعْرَاف" (ص 172)

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167) 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

ما معنى (تَأَذَّنَ)؟ مادة الألف والذال والنون تأتي بمعنى الإعلام، ومن الأذان للصلاة، ومنها قوله تعالى: (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ) وقوله تعالى (وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) يعنى اعلام مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ.
اذن قوله تعالى
(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ) يعنى أعلم رَبُّكَ بذلك، وطالما أعلم رَبُّكَ يعنى هو أمر قضى به الله تعالى. 
فقوله تعالى
(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ) يعنى قضى الله أمرًا ويعلمكم بهذا الأمر.
ما الذي قضي به تعالى؟
يقول تعالى
(لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ)
(لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ) يعنى على بنى اسرائيل 
(إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) يعنى هذا القانون قائم إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
(مَنْ يَسُومُهُمْ) يعنى يذيقهم.
(سُوءَ الْعَذَابِ) أشد أنواع العذاب.
(إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ) 
يقول ابن عباس أي في الدنيا والآخرة.
(وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)
، وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ لمن تاب عن ذنوبه.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

قوله تعالى (لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ)
 فيها تقديم وتأخير يعنى: لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، ولكن قدم "يَوْمِ الْقِيَامَة" ليؤكد استمرارية هذا القانون الى يوم القيامة.

هذا القضاء من الله تعالى موجود بالتفصيل في أوائل سورة الإسراء.
ولكن التفصيل الموجود في سورة الإسراء خاص بتسليط المؤمنين على بنى اسرائيل، لقوله تعالى (بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا) وأن هذا التسليط سكون مرتين في تاريخ بنى اسرائيل.
أما في هذه الآية فالتنكيل ببنى اسرائيل ليس خاصًا بالمؤمنين فقط، ولكن بالمؤمنين وغير المؤمنين، وهذا أمر مشاهد في تاريخ اليهود القديم والحديث.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
باختصار شديد من كتاب "موجز تاريخ اليهود" للدكتور محمود عبد الرحمن.
سلط الله عَلَي اليهود: الآشوريين، والفراعنة المصريين، والبابليين، واليونانيين، والبطالسة المصريين الوثنيين، ثمَّ الرومان الوثنيين والنصرانيين لقرون عديدة، 
ثمَّ بعد بعثة النَّبِي ﷺ أجلي الرسول ﷺ بني قينقاع وَبني النَّضِير عَن الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة بعد نقضهم العهد، وقاتل "بني قُرَيْظَة" بعد تعاونهم مع المشركين في غزوة الأحزاب، ثم حَارب يهود خَيْبَر وانتصر عليهم.

وَفِي الْعَصْر الحَدِيث كَانَ الْيَهُود يسامون سوء الْعَذَاب فِي الدول الأوروبية النَّصْرَانِيَّة وَغَيرهَا، فمثلاً اضطهدوا فِي بريطانيا سنة ١٢٩٨م حينما أَمر الْملك ادوارد الأول بطرد الْيَهُود من جَمِيع الْبِلَاد البريطانية، وفتك البريطانيون باليهود فتكاً ذريعاً. 
وَفِي فرنسا اضطهدهم الْملك لويس التَّاسِع، وَفِي عهد الْملك فيليب سنة ١٣٠٦م، وَفِي سنة ١٣٢١م نكل بهم الفرنسيون وطردوهم، وَأَيْضًا فِي سنة ١٥٨٢م طردوا مرّة أُخْرَى. 
وَفِي إيطاليا حاربهم بابوات الْكَنِيسَة الكاثوليكية حَربًا شعواء، وَفِي سنة ١٥٤٠م ثار عَلَيْهِم الإيطاليون فَقَتَلُوهُمْ وطردوهم. 
وَفِي روسيا حدثت مذابح فظيعة فِي عهد الحكم القيصري النَّصْرَانِي خَاصَّة فِي سنة ١٨٨١م، و ١٨٨٢م، و ١٩٠٢م حَيْثُ قتل الْيَهُود بالآلاف. 
وَفِي ألمانيا ظلّ الْقَتْل والطرد باليهود قَائِما فِي القرنين الثَّانِي عشر الميلادي، وَالرَّابِع عشر الميلادي، وَكَانَ آخر مَا لاقوه من تقتيل وتشريد على يَد هتلر النازي إبتداء من توليه الحكم فِي ألمانيا ١٩٣٣ إِلَى ١٩٤٥م. 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
قد يقول قائل أن هذا الوعيد الآلاهي غير متحقق الآن، فاليهود أصبح لهم دولة معترف بها عالميًا، بل ودولة مصنفة من اكثر الدول تأثيرًا وقوة في العالم.
في دارسة لترتيب أقوى الدول على وجه الأرض حسب التأثيرات السياسية والاقتصادية كان ترتيب اسرائيل الدولة الثامنة، بعد الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وألمانيا، وانجلترا، وفرنسا، واليابان.

ونقول أن القرآن العظيم أخبرنا في سورة الإسراء بأن هناك فترات من العلو لبنى اسرائيل، قال تعالي في سورة الإسراء (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4)  
ولكن القرآن العظيم أيضًا أخبرنا أن هذا العلو لبنى اسرائيل، علو مؤقت ولن يستمر. 
(فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُئُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
في "ظلال القرآن" يقول يبعث الله على اليهود بين آونة وأخرى من يسومهم سوء العذاب . وكلما انتعشوا وانتفشوا وطغوا في الأرض وبغوا ، جاءتهم الضربة ممن يسلطهم الله من عباده على هذه الفئة الباغية النكدة ، الناكثة العاصية ، التي لا تخرج من معصية إلا لتقع في معصية ؛ ولا تثوب من انحراف حتى تجنح إلى انحراف . . 
ولقد يبدو أحياناً أن اللعنة قد توقفت ، وأن يهود قد عزت واستطالت ! وإن هي إلا فترة عارضة من فترات التاريخ . . ولا يدري إلا الله من ذا الذي سيسلط عليهم في الجولة التالية ، وما بعدها إلى يوم القيامة . لقد تأذن الله بهذا الأمر الدائم إلى يوم القيامة"

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول الشيخ "محمد سيد طنطاوي" في تفسيره الوسيط 
(ما قامت لليهود تلك الدولة إلا لأن المسلمين قد فرطوا فى حق خالقهم، ولم يأخذوا بالأسباب التى شرعها الله لهم لحرب أعدائهم، وعندما يعود المسلمون إلى الأخذ التام الكامل بتعاليم دينهم وإلى مباشرة الأسباب التى شرعها الله مباشرة سليمة، تعود إليهم عزتهم المسلوبة وكرامتهم المغصوبة)

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
هذه الاية بشارة للمسملين وتحذير لهم في نفس الوقت.
هي أولًا بشارة للمسملين بزوال هذا الكيان الصهيوني الذي زرع في قلب الأمة الإسلامية.
وهي بشارة مؤكدة بلام القسم ونون التوكيد، قال تعالى (لَيَبْعَثَنَّ) 
ثم هي تحذير للمسلمين، لأن الله تعالى حين قضى بهذا الأمر على اليهود، لم يقضه عليهم لكونهم يهود، أو لكونهم من بنى اسرائيل، لأننا جميعا خلق الله، والله تعالى هو العدل، ويستحيل في  حق عدله تعالى أن يخلق عرقًا من الأعراق، فيحبه لعرقه، أو يبغضه لعرقه.
فالله تعالى لم يقضي على اليهود بذلك لأنهم يهود، وانما قضي بذلك لفسادهم.
اذن فهذا العقاب الإلاهي ليس خاصًا باليهود فقط، ، ولكنها سنة الله في عقاب الأمم التي تفسق عن امر الله تعالى، وهى كما تنطبق على اليهود تنطبق على غيرهم من الأمم التى تتمادى فى فجورها وطغيانها.
وذلك حين نري ما يتعرض له المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها من تنكيل وتعذيب وابادات جماعية وتطهير عرقي، وكل أنواع التعذيب، ليس في الدول الغير اسلامية فقط، ولكن في داخل الأمم الإسلامية، اعلم أن هذا هو قضاء الله الذي قضاه، والذي أعلمنا به في هذه الاية الكريمة.

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇