Untitled Document

عدد المشاهدات : 1337

الحلقة (469) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" الآية (179) من سورة "الأَعْرَاف" (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ….

الحلقة رقم (469)
تفسير وتدبر الآية (179) من سورة "الأَعْرَاف" (ص 174)

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179) 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

بدأت هذه الآية بالتأكيد (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا) 
الذرء: لغة: الخلق، ومنها الذرية.
فقوله تعالى
(وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ)
يعنى: وَلَقَدْ خلقنا كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ مصيرهم ومآلهم هو دخول جَهَنَّمَ يوم القيامة.
أو أن المعنى وَلَقَدْ خلقنا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ليكونوا حطباً لها
وليس معنى هذا أن الله تعالى خلقهم ليكونوا من أصحاب النار، ولكن المعنى أن الله تعالى في علمه الأزلي الذي أحاط بكل شيء، أن مصيرهم هو دخول النار.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يقول تعالى (لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا)
المقصود بالقلوب هنا هو العقول، فيكون المعنى: لَهُمْ عقول لَا يفهمون بِهَا.
والقرآن العظيم عبر في أكثر من موضع على أن محل العقل هو القلب، من ذلك قوله تعالى في سورة الحج
(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا) وهناك مواضع أخري في القرآن وفي السنة.
وهنا يقول تعالى (لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا) يعنى لَهُمْ عقول لَا يفهمون بِهَا.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وهذا ربما يستوقف البعض، لأن المعروف عندنا أن العقل مكانه هو الدماغ، بينما القلب هو فقط مضخة للدم.
ونقول أن هناك الآن عدد كبير  من الدراسات التى انتهت الى أن القلب له دور في الادراك والتفكير.

من ذلك مثلًا دراسة قام بها "معهد رياضيات القلب" في الولايات المتحدة الأمريكية، ونُشِّرَ في هذه الدراسة صورة لخلايا عصبية موجودة داخل القلب، وقالت الدراسة أن هذه الخلايا مسئولة عن تخزين المعلومات، وهذه المعلومات تحملها خلايا الدم الى سائر أنحاء الجسم.
ولذلك عندما بدأت عمليات نقل القلب في سنة 1967 -وعمليات نقل القلب يعنى نقوم بنقل قلب شخص تُوُفِّيَ حديثُا الى شخص آخر وهو المريض يعاني من فشل القلب- عندما بدأت هذه العمليات وجدوا أن المريض الذي نقل اليه القلب يهذي بوقائع خاصة بصاحب القلب الأصلى، مع أنه لم يكن بينهما أي علاقة.
وهذا ما جعل أول طبيب قام بعملية زرع قلب، وهو "كريستيان برنارد" يتوقف عن اجراء هذه العمليات، بعد أن قام بعمليتين فقط، وأعلن ذلك في مؤتمر صحفي، وقال "ما قيمة حياة الانسان اذا كان يعيش في فلك انسان آخر، يفكر بتفكيره، ويعيش أحلامه".... ولذلك فأنا أقول أن الذي يجب أن نؤمن به كمسلمون أن العقل مكانه هو القلب، وأن الدماغ تابع له في ذك.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

نعود مرة أخري الى الآية الكريمة، يقول تعالى (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ)
يعنى: وَلَقَدْ خلقنا كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ مصيرهم يوم القيامة هو دخول جَهَنَّمَ.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم ذكر تعالى صفتهم التى استحقوا بها دخول جهنم، فقال تعالى:
(لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا) يعنى لَهُمْ عقول لَا يفهمون بِهَا.
(وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا)  
وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا الحق.
(وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا)
وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا الحق
أحيانًا تتحدث مع انسان وتقول: فلان هذا لا يفهم ولا يري ولا يسمع
 كما قال تعالى في سورة الأحقاف
(وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَارُهُمْ وَلاَ أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْء إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ)
اذن الله تعالى اعطاه الأدوات لمعرفته تعالى، ولكنه لا يريد أن يستخدمها
والأسوأ من هذا -والذي اصبح الآن فيما يشبه الظاهرة- شخص له درجات علمية، وله علم عزير في أحد مجالات الحياة، سواء الاقتصاد أو القانون أو الهندسة أو الطب، ولكنه لا يعرف مباديء دينه، لا يعرف أحكام الطهارة ولا أحكام الصلاة ولا أحكام الزواج ولا الطلاق ولا يعرف الحلال من الحرام، وقد صح عن النبي ﷺ أنه قال "إنَّ اللهَ تعالى يَبغِضُ كلَّ عالِمٍ بالدنْيا، جاهِلٍ بالآخِرَةِ" لماذا يبغض الله هذا الرجل؟ لأنه كان عنده المقدرة أن يتعلم علم الآخرة، ولكنه لم يوظف امكاناته الا للدنيا فقط. 
يقول الشيخ "ابراهيم السكران": "أنا اجاهد نفسي حتى أحترم هؤلاء"

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ) الأنعام هي الإبل والبقر والغنم.
فهؤلاء كَالْأَنْعَامِ، في أن الأنعام لاهم لهم الا الأكل والشرب والجماع، لا تفكر -حتى- من الذي أطعمها، وما هو المطلوب منها، ، وهؤلاء -كذلك- لا هم لهم الا الأكل والشرب واشباع شهواتهم.
الحضارة الغربية الآن قائمة على اشباع الشهوات، (أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ) مهما كانوا متقدمين فهم كَالْأَنْعَامِ.
شاب هاجر الى ألمانيا، يقول دخلت الى سوانا، وجدت جميع الرجال والنساء عراة تمامًا.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ)
لماذا هم أضل من الأنعام؟
لأن الإنعام لم تخرج عن الطريق الذي خلقت له، وغير مطلوب منها طاعة الله، وهي مسخرة ولم تحمل أمانة الاختيار. 
أما هؤلاء فقد ضلوا عن الطريق الذي خلقوا لأجله، وهو عبادة الله تعالى.
وقلنا من قبل أن المؤمن الطائع يكون في مرتبة أعلى من الملائكة، والانسان العاصي يكون في مرتبة أحط من الحيوانات.

قال مقاتل: هم أخطأ طريقًا من الأنعام؛ لأن الأنعام تعرف ربها وتذكره، وهم لا يعرفون ربهم ولا يذكرونه.
وقال الكلبي: لأن الأنعام مطيعة لله، والكافر غير مطيع لله.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)
كما نقول فلان هذا مغفل.
يعنى غافلون عن سبب وجودهم في الحياة، وهو عبادة الله تعالى، قال تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) 

مر الحسن البصري على مجموعة من الشباب وهم يضحكون بصوت مرتفع، فال لهم: هل تدرون الى الجنة تذهبون أم الى النار؟ قالوا: لا، قال ففيم هذا الضحك؟!

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇