الحلقة رقم (471)
تفسير وتدبر الآيات (181) و(182) و(183) من سورة "الأَعْرَاف" (ص 174)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181)
قال تعالى في الآية (179) (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ...) يعنى خلقنا الكثير مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ مصيرهم هو دخول جهنم، ثم قال تعالى في هذه الاية (وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ) يعنى: وفي المقابل هناك جماعة أخري، خلقهم الله تعالى للجنة
اذن قوله تعالى (وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ) يعنى وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ، خلقها الله تعالى للجنة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ما صفة هؤلاء؟
قال تعالى (يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ)
(يَهْدُونَ بِالْحَقِّ) يعنى: يَهْدُونَ الناس بِالْحَقِّ الذي معهم.
(وَبِهِ يَعْدِلُونَ) يعنى وَبِهِذا الحق يَعْدِلُونَ ولا يظلمون في حركتهم في الحياة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وهذه الاية نزلت في الأمة الإسلامية
روي عن النبي ﷺ أنه كان اذا قرأ هذه الآية قال"هذه لكم، وقد أعطي القوم بين أيديكم مثلَها"
"هذه لكم" يعنى هذه الآية نزلت فيكم، يعنى في الأمة الإسلامية.
"وقد أعطي القوم بين أيديكم مثلَها" يعنى أعطي بنو اسرائيل الذين كانوا من قبلكم مثل هذه الآية.
لأن بنو إسرائيل نزلت فيهم -في نفس السورة- في الاية (159) قول الله تعالى (وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ )
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اذن قوله تعالى (وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181)
نزلت في الأمة السلامية، والله تعالى مدح الأمة الإسلامية في هذه الاية بأمرين:
(يَهْدُونَ بِالْحَقِّ) يَهْدُونَ الناس بِالْحَقِّ الذي معهم، وهو الاسلام، وهذه فيها فضل الدعوة الى الاسلام، وفضل الدعاة، وفضل العلماء.
(وَبِهِ يَعْدِلُونَ) يعنى يطبقون هذا الحق على أنفسهم، ويطبقونه في حركتهم في الحياة.
روي عن النبي ﷺ أنه قال في هذه الآية "هذه أمتى، بالحق يحكمون ويقضون، ويأخذون ويعطون"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182)
(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا) يعنى وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بآيات القرآن العظيم، وبالرسول ﷺ، وبالآيات الكونية الدالة على وجوده تعالى وعلى وحدانيته.
(سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ)
الاستدراج مشتقة من درجة السلم، ومنه "الأخذ بالتدريج"
كما نقول استدرجه لهذا المكان
فقوله تعالى (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ)
يعنى سنأخذهم درجة درجة، خطوة خطوة.
والدرج يدل على الارتفاع، كما أن الدرك يدل على النزول.
فاستدراج الله يكون بأن تفتح عليهم الدنيا، ويعطيه الله ما يتمنون، وفوق ما يتمنون.
وهذا مثل قوله تعالى في سورة الأنعام (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حتى إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أوتوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً)
وهو مثل المثل الشعبي يقول "ما حدش بيرمي حد من على الحصيرة"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ) يعنى مِنْ حَيْثُ لَا يدركون أن هذا استدراج من الله تعالى.
يقول الضحاك بن مزاحم، وهو من أئمة التفسير من التابعين في هذه الآية: كلما جددوا لنا معصية، جددنا لهم نعمة.
يقول تعالى في سورة المؤمنون (أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ)
روي أحمد والطبراني أن الرسول ﷺ قال "إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنْ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ، فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ"
ولذلك فان أهل الورع اذا فتحت لهم الدنيا، يتوقفون ويراجعوا أنفسهم، خوفًا من أن يكون ذلك استدراجًا من الله تعالى، ولذلك لما حملت الى عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- كنوز كسرى قال: اللهم إنى أعوذ بك أن أكون مستدرجًا، فأنى سمعتك تقول (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ)
وقال الحسن: كم مًستدرَج بالإحسان إليه، وكم مفتون بالثناء عليه، وكم مغرور بالستر عليه.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
أغني رجل في العام في القرن الثامن عشر الميلادي وهو "ماير روتشيلد" وهو مؤسس عائلة "روتشيلد" الشهيرة، التى تحكم العالم الآن، وتفسد العالم عاش من 1744 الى 1812 م
من كثرة ثروته كان يقرض أحيانًا الحكومة البريطانية، وكانت له خزينة في أحد قصوره عبارة عن غرفة كبيرة في بيته، دخل مرة الخزينة وأغلق على نفسه الباب بالخطأ، أخذ يصيح فلم يسمع صوته أحد، أخذ يصرخ ويصرخ وظل أيامًا حتى مات من الجوع والعطش، ولم يكتشفوا موته الا بعد عدة أسابيع، وقيل بعد عدة أعوام، وجد هيكلًا عظمي، ووجدوا أنه قبل أن يموت جرح اصبعه وكتب على أحد الجدران "أغنى أغنياء العالم يموت جائعاً وعطشاً" هذه قصة شهيرة، وهي صورة من صور استدراج الله تعالى.
ميلياردير آخر وضع كل ثروته في خزينة بأحد بنوك سويسرا لا تفتح الا ببصمة الصوت، ثم أصيب بسرطان الحنجرة، فلم يستطع أن يفتح خزينته، ولا حتى أن يعالج نفسه بـأمواله.
أغنى رجل في لبنان، اسمه "أميل البستاني" بنى لنفسه قبرًا يطل على شاطيء البحر، في أجمل مناطق بيروت، وكانت له طائرة خاصة، وفي أحد رحلاته سقطت الطائرة في البحر أمام قبره مباشرة، كان قبل السفر يرتدي قبعة من الفرو، وفي يده ملف، دًفِعَت الملايين لانتشال جثته، ولكن لم يعثروا عليها، لم يعثروا الا على قبعته التى كانت على رأسه، والملف الذي كان في يده
قصص استدراج الله تعالى، كثيرة جدًا لا حصر لها.
"ماير روتشيلد"
"ماير روتشيلد"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183)
(وَأُمْلِي لَهُمْ) يعنى و أتركهم وأمهلهم.
كنت العرب تقول "أملى للبعير" يعنى تركه في المرعي.
قال تعالى في سورة مريم، قول آزر لإبنه ابراهيم (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) يعنى واتركنى فترة طويلة.
فقوله تعالى(وَأُمْلِي لَهُمْ) يعنى وأتركهم في النعمة وهم مقيمون على المعصية.
يقول الرسول ﷺ في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم عن ابي موسي الأشعري "ان الله لَيملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلته"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ)
الكيد هو التدبير بخفاء.
والمتين هو القوي الشديد، وهو من المتن أي الظهر.
ووصف الله تعالى كيده يعنى تدبيره بالمتين، لأنه لا يمكن لأحد أن يفلت منه.
ولا يمكن لأحد أن يطلع عليه.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
هذه الآية تذكرني في بعض الدول تستخدم الشرطة ما يطلق عليه السوار الالكتروني أو Electronic tagging عندما يكون هناك شخص محبوس احتياطيًا على ذمة قضية، يعنى ايه محبوس احتياطيًا؟ يعنى شخص قبض عليه عشان متهم في قضية، ولم يصدر عليه حكم قضائي، لكن ترك سيهرب، فالسلطات في بعض الدول تخلى المتهم يلبس المتهم سوار الكتروني وتتركه يذهب الى بيته، والى عمله ويمارس حياته بصورة طبيعية، طب مش ممكن يهرب، يستحيل يهرب، لأن حركته مراقبة بالـ GPS
ولله المثل الأعلى، فالله تعالى يترك هذا الظالم أو هذا الكافر، يرتع في الدنيا كما يشاء لن حيخرج من مملكة الله.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اذن سنة الله تعالى في التعامل مع الظالم ومع العاصي:
لو تدخل الله تعالى وعاقب الظالم مباشرة، لما كان للإبتلاء معنى.
أولًا: أن الله تعالى يمهله، لا يعجل بعقوبته، يمكن يتوب (وأملى لهم)
ثم بعد ذلك، عندما يصر على المعصية: الاستدراج، يعطي له الله من الدنيا (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون)
ثم المرحلة الثالثة والأخيرة، وهي مرحلة الأخذ (وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)
ولذلك فنحن نقول أن الأمم المتقدمة الآن سواء في الشرق أو الغرب، والأمم التى فتح الله عليها من النعم، وفتح لها من خزائن الأرض، وهي بعيدة عن شرع الله، هذا استدراج من الله تعالى، وسينزل الله عقوبته عليها ان عاجلًا أو آجلًا.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
روي أحمد وابن حبان "أَنَّ رَجُلاً لَقِيَ امْرَأَةً كَانَتْ بَغِيًّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَجَعَلَ يُلاعِبُهَا حَتَّى بَسَطَ يَدَهُ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: مَهْ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ ذَهَبَ بِالْجَاهِلِيَّةِ وَجَاءَنَا بِالإِسْلامِ، فَوَلَّى الرَّجُلُ فَأَصَابَ وَجْهَهُ الْحَائِطُ فَشَجَّهُ ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: "أَنْتَ عَبْدٌ أَرَادَ اللَّهُ بِكَ خَيْرًا، إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعَبْدٍ خَيْرًا، عَجَّلَ لَهُ عُقُوبَةَ ذَنْبِهِ، وَإِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ شَرًّا، أَمْسَكَ عَلَيْهِ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَفَّى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ عَيْرٌ" و "عَيْرٌ" اسم جبل من جبال المدينة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اتصل بي من كام يوم رجل فاضل أعرفه شخصيًا
قالى أنا حاسس اني متضايق على طول.
قلت له: هل فيه مشكلة معينة؟ هل هناك أمر بعينه؟
قال: لا .. لكن على طول متضايق.
قلت له فورًا: هناك حل واحد وهو قيام الليل.
قلت له: أنت تعرف حديث الرسول ﷺ "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد"
هناك حديث آخر يقول الرسول ﷺ "أقرب ما يكون الربُّ من العبد في جوف الليل الآخر."
اذن اذا صليت في ثلث الليل الأخير قبل صلاة الفجر، وسجدت الى الله تعالى، فأنت اقتربت من الله واقترب الله منك.
عندما تسجد الى الله تعالى، قل كما جاء عن النبي ﷺ "اللهمَّ إني عبدُك، و ابنُ عبدِك، وابنُ أَمَتِك، ناصيتي بيدِك، ماضٍ فيَّ حكمُك، عدلٌ فيَّ قضاؤُك، أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك، سميتَ به نفسَك، أو علَّمتَه أحدًا من خلقِك، أو أنزلتَه في كتابِك، أو استأثرتَ به في علمِ الغيبِ عندَك، أن تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلبي، ونورَ صدري، و جلاءَ حزني، وذَهابَ همِّي"
وقلت له نحن نعيش في عالم مليء بالفتن، سواء فتن الشيطان، فتن المال والنساء وغير ذلك.
أو فتن آخر ازمان، نحن نعيش في فتن آخر الزمان.
لن ينجينا من هذا العالم المخيف الا قيام الليل.
قابلت هذا الرجل بالأمس، قال لى جربت نصيحتك، وشعرت أن همي قد ذهب في لحظة واحدة،
فاوصيكم جميعًا أن يكون لك ويكون لك ورد كل ليلة في الثلث الأخير من الليل
رُوي أن الله أوحى إلى داوود وقال: يا داوود إن لي عبادًا يحبونني وأحبهم، ويشتاقون إلي وأشتاق إليهم، فإن حذوت حذوهم أحببتك، قال داوود: يا رب دلنى عليهم، قال: يراعون الظلال بالنهار كما يُراعي الراعي الشفيق غنمه -يعنى يحافظون على صلوات في أوقاتها- ويحنُّون إلى غروب الشمس كما يحنُّ الطائر إلى وكْره عند الغروب، فإذا جنَّ الليل، وخلا كل حبيب بحبيبه، نصبوا إليَّ أقدامهم, وافترشوا إليَّ وجوههم، وناجوَني بكلامي، وتملقوا إلي بإنعامي، فبين صارخ وباكٍ، وبين متأوهٍ وشاكٍ، وبين قائم وقاعد، وبين راكع وساجد، بعيني ما يتحمَّلون من أجلي، وبسمعي ما يشتكون من حبي، أوَّل ما أعطيهم ثلاث: أقذف من نوري في وجوههم, فيخبرون عني كما أخبر عنهم, الثانية: لو كانت السموات والأرض في موازينهم لاستقللتها عليهم, الثالثة: أُقبل عليهم بوجهي، أرأيت يا داود مَن أقبل عليه بوجهي أيعلم أحد ماذا أريد أن أعطيه؟
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"
لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
|