الحلقة رقم (472)
تفسير وتدبر الآيات من (184) الى (188) من سورة "الأَعْرَاف" (ص 174)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (184) أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185) مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (186) يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187) قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (184)
(أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ) وهو الرسول ﷺ (مِنْ جِنَّةٍ) أي من جنون
روي في سبب نزول هذه الآية الكريمة أن الرسول ﷺ صعد ليلًا عَلَى الصَّفَا، وأخذ يدعو قُرَيْشًا ببطونهم، يَا بَنِي فُلانٍ، يَا بَنِي فُلانٍ، يَا بَنِي فُلانٍ، وأخذ الرسول ﷺ يعظهم، ويخوفهم الله تعالى وعذابه، ويوم القيامة، وظل الرسول ﷺ كذلك حتى الصباح، فقال كفار قريش: هذا مجنون بات يصوّت حتى الصباح، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى: (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ) وهو الرسول ﷺ (مِنْ جِنَّةٍ) أي من جنون
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقوله تعالى (بِصَاحِبِهِمْ) يعنى أنتم تعرفونه جيدًا، وتعرفون أخلاقه، وعاش بينكم في مكة منذ كان عمره ستة سنوات حتى أربعين سنة عندما جاءه الوحي، وأنتم الذين كنتم تدعونه "الصادق الأمين"
عندما سَمِع "هرقل" قيصر الروم ببعثة الرسول ﷺ -وكان "هرقل" بالشام- أمر جنوده بأن يأتوا له بأحد من اهل مكة، وكان "أبو سفيان" في الشام، وكان "أبو سفيان" لا يزال على الشرك، وأخذ "هرقل" يسال "أبو سفيان" أسئلة كثيرة، فكان مما سأله هرقل:
كيفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ؟ قال أبو سفيان: هو فِينَا ذُو نَسَبٍ.
قال هرقل: هلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بالكَذِبِ قَبْلَ أنْ يَقُولَ ما قَالَ؟
قال أبو سفيان: لا.
قال: هرقل: فَهلْ يَغْدِرُ؟
قال أبو سفيان: لا، ثم قال "أبو سفيان" ونَحْنُ منه في هذِه المُدَّةِ لا نَدْرِي ما هو صَانِعٌ فِيهَا، قَالَ: واللَّهِ ما أمْكَنَنِي مِن كَلِمَةٍ أُدْخِلُ فِيهَا شيئًا غيرَه
الى آخر مناقشة طويلة كانت بين "هرقل" وبين "أبو سفيان"
وحتى آخر لحظة قبل هجرة الرسول ﷺ كانت قريش تضع أماناتها عند الرسول ﷺ.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِين).
(نَذِيرٌ) من الإنذار وهو التخويف
(مُبِين) يعنى واضح أنه نَذِيرٌ، وواضح أنه نبي، وواضح أنه ليس مجنون.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وجميع رسل الله اتهمهم الكفار من أقوامهم بالجنون، قال تعالى (كَذَٰلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) ثم يقول تعالى (أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ) يعنى هل هم يوصي بعضهم بعضا بأن يقولوا ذلك.
وهكذا أهل الباطل يقلبون الحقائق مئة وثمانون درجة، فالأنبياء أكثر الناس عقلًا وحكمة وصفهم أهل الباطل بالجون.
يقول فرعون (ذروني أقتل موسي وليدع ربه إني أخاف ان يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد)
موسي أكثر الناس صلاحًا في الأرض في ذلك الوقت، (يظهر في الأرض الفساد) والذي يقول هذا، أكبر مفسد في التاريخ.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185)
(أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ) السؤال سؤال انكار وتعجب وتوبيخ، يعنى: أَوَلَمْ يتفكروا ويتدبروا في (مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ) والمَلَكُوتِ هو الملك الواسع العظيم، يعنى ما في السماوات من كواكب ونجوم وأجرام، وما في الأرض من جبال وأنهار ومخلوقات.
يقول علماء الفلك أن كوكب المشتري وهو أحد كواكب المجموعة الشمسية أكبر من الأرض بـ 1200 مرة، والشمس أكبر من كوكب المشتري بـ 1000 مرة، ولذلك فانه يمكن لأحد ألسنة لهب الشمس أن تبتلع الأرض في لحظة واحدة.
وكوكب الشمس هو أحد نجوم مجرتنا وهو مجرة "درب التبانة" والتي تحوي تقريبا 200 مليار نجم مثل الشمس أو أصغر منه أو أكبر، ويبلغ قطر مجرة "درب التبانة" 185.000 سنة ضوئية، يعنى حتى تسافر من طرف المجرة الى طرفها الثاني تحتاج الى أن تسير 185.000 سنة بسرعة الضوء، والتي هي 300.000 كيلو متر في الثانية.
والكون الذي نعيش فيه، أو مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ الذي يأمرنا الله -تعالى- أن ننظر فيه، فيه ألفين مليار مجرة مثل مجرة "درب التبانة"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى: (وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ)
يعنى: أَوَلَمْ يَنْظُرُوا الى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ؟
قوله تعالى (مِنْ شَيْءٍ) يعنى من بداية ما يقال له شَيْءٍ.
يعنى أنت لا تحتاج الى أن تنظر فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ حتى تستدل على وجود الله تعالى، بل ان أقل شيء في السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، هو دليل على وجود الله تعالى وعلمه وقدرته وحكمته.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
أحد العلماء الغربيين يقول عندما تكون مسافرًا بسيارتك من مدينة الى أخري، فان عشبة صغيرة على جانب الطريق، لا تلق أنت لها بالًا، أكثر تعقيدًا من أعقد ماكينة صنعها الإنسان على وجه الأرض.
ومن قدرة الله تعالى أن مهما صنع الانسان من آلات معقدة، ومهما أبدع في الصناعات، فانه لا يستطيع ولن يستطيع أن ينتج آلة واحدة تأتي بمثلها، يعنى أن ينتج آلة تتكاثر، بينما كل مخلوقات الله تعالى في هذه العالم لها القدرة على التكاثر.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ)
يعنى أَوَلَمْ يتفكروا -أيضًا- الى أن أَجَلُهُمْ أو موتهم يمكن أن يكون قريبًا.
ولذلك يجب أن يسرعوا الى طلب الحق، والى التوبة، قبل أن يفاجئهم الموت، وينزل بهم العذاب.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ)
فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ القرآن يمكن أن يُؤْمِنُوا
يعنى إذا لم يؤمنوا بهذا القرآن فبأي كلام بعده يؤمنون؟
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (186)
الهداية والضلال بيد الله وحده، فمن كتب الله عليه الضلالة فلا يمكن أن يهديه أحد.
(وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) يعنى ويتركهم في ضلالهم متحيرين مترددين.
والعمه هو فقدان القلب للبصيرة، كما ان العمي هو فقدان العين للبصر.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187)
(يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا)
يعنى يَسْأَلُونَكَ يا محمد متى ستقع القيامة.
من الذي سأل الرسول ﷺ هذا السؤال؟
روي عن ابن عباس أن جماعة من اليهود، قالوا: يا محمد ان كنت نبيًا فأخبرنا متى السَّاعَةِ، فانا نعلم متى هي؟ وأرادوا بذلك امتحان الرسول ﷺ لأنهم كانوا يعلمون أن الله -تعالى- قد استأثر بعلم السَّاعَةِ.
وري عن "قتادة" أن كفار قريش كانوا يسألون الرسول ﷺ عَنِ السَّاعَةِ، وغير هؤلاء كان الأعراب وبعض الصحابة يسألون الرسول ﷺ عن الساعة، روي أن أعرابيًا جاء الى الرسول ﷺ وناداه بصوت جهوري: يا محمد، فقال له الرسول ﷺ "هاؤم" فقال الأعرابي: يا محمد متى الساعة؟ فقال له الرسول ﷺ "ويحك إن الساعة آتية فما أعددت لها"؟
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا)
(يَسْأَلُونَكَ) يعنى يسألك الناس يا محمد.
(عَنِ السَّاعَةِ) يعنى عن يوم القيامة، والسَّاعَةِ اسم من أسماء يوم القيامة
وسمي يوم القيامة بالساعة: لسرعة الحساب في هذا اليوم.
وقد ورد أن الله يفرغ من حساب كل الخلائق في مقدار نصف يوم.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(أَيَّانَ مُرْسَاهَا)
يعنى متى ستقع القيامة؟
وكلمة (مُرْسَاهَا) من الإرساء وهو الاستقرار.
وهي تستخدم في الشيء الثقيل.
ومنه قوله تعالى (والجبال أرسالها)
وقوله تعالى (وَقُدُورٍۢ رَّاسِيَٰتٍ) يعنى قُدُورٍۢ ثابتة مستقرة لضخامتها.
وكما نقول "رست السفينة" يعنى استقرت.
فالتعبير بزمن وقوع يوم القيامة بالإرساء يدل على عظم هذا اليوم، كأن الحياة سفينة ضخمة تسير في البحر ثم تستقر يوم القيامة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي)
قل لهم يا محمد: لا يعلم وقت وقوع القيامة إلا الله وحده، ولم يطلع الله تعالى أحد عن موعد يوم القيامة، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، كما قال تعالى (إن الله عنده علم الساعة)
ولذلك لما جاء جبريل -عليه السلام- الى الرسول ﷺ في صورة رجل ليعلم الناس أمر دينهم، وسأل الرسول ﷺ عن الإسلام ثم عن الإيمان ثم عن الإحسان، ثم قال: فمتى الساعة؟ فقال له الرسول ﷺ: "ما المسئول عنها بأعلم من السائل"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ)
يعنى لا يظهرها في وقتها إِلَّا هُوَ.
والتعبير بقوله تعالى (لَا يُجَلِّيهَا) فيها التأكيد على وقوعها، وأنه لا شك في وقوعها، لأن (لَا يُجَلِّيهَا) يعنى لا يظهرها، كأنها موجودة وقائمة بالفعل، والله تعالى -فقط- سيظهرها عندما يأتي وقتها.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يقول تعالى (ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ)
يعنى هذا اليوم وهو يوم القيامة سيكون يومًا ثقيلًا على أهل السماوات وأهل الأرض.
كما قال تعالى (إِنَّ هَٰؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا)
حتى أهل الإيمان، لن يمر عليهم هذا اليوم سهلًا أبدًا، يقول ابن عباس في هذه الآية "ليس شيء من الخلق إلا يصيبه من ضرر يوم القيامة"
وهو ثقيل ليس فقط على الخلائق، وانما يومًا ثقيلًا حتى على السماوات والأرض نفسها، لأن السماء تنشق والنجوم تتناثر، والجبال تنسف والبحار تتفجر.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً) يعنى: لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا فجأة
كما قال ﷺ: "إن الساعة تهيج بالناس والرجل يصلح حوضه، والرجل يسقي ماشيته، والرجل يقوم سلعته في سوقه، والرجل يخفض ميزانه ويرفعه"
يعنى ستقوم الساعة والناس منهمكون في أمور معيشتهم.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا)
يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ عالم بها.
كانت العرب تقول "حَفِيٌّ بِالشَّيْءِ" يعنى: عَالِمٌ بِهِ عِلْماً عَمِيقاً.
وهي من الإحفاء في السؤال، يعنى الالحاح في السؤال، لأن الذي يكثر السؤال عن شيء يكون عالمًا به.
ولذك قال (يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا) يعنى: كَأَنَّكَ أكثرت السؤال عنها، حتى أصبحت عالمًا بها.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ)
وهذا ليس تكرارًا لأن قوله تعالى (قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي)
يعنى هو تعالى وحدة يعلم وقتها.
أما قوله تعالى (قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ)
يعنى لا يعلم كنهنا ولا يعلم أهوالها وما يحدث فيها، ومصير الخلائق فيها الا الله تعالى وحده.
(وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)
وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ أن الله وحده هو الذي اختص بعلمها، ولَا يَعْلَمُونَ حكمة ذلك، وأن الله تعالى أخفاها لمصلحة البشر، حتى يكون ذلك أدعي الى الطاعة، وأزجر عن المعصية، ولَا يَعْلَمُونَ ثقل هذا اليوم وأهواله وكرباته، ولَا يَعْلَمُونَ ما أعده الله في هذا اليوم لأوليائه من الكرامة والثواب الجزيل، وما أعده لأعدائه من الإهانة والعذاب والمشقة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)
يؤكد الله تعالى أن علم الغيب كله مرجعه الى الله تعالى، فيقول تعالى.
(قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ) يعنى قل لهم يا محمد أنا لا أملك أن أنفع نفسي، ولا أملك أن أدفع الضر عن نفسي، الا إذا شاء الله أن يمكنني من ذلك.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ)
يعنى والدليل على أنني لا أعلم الغيب، أننى لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ، يعنى كنت -مثلًا- ربحت في كل التجارات، ولما غلبت في بعض الحروب، مثل معركة أحد مثلًا، ولما حدثت -مثلًا- حادثة بئر معونة التي قتل فيها سبعون من خيرة الصحابة غدرًا وخيانة، وغير ذلك الكثير.
وهذا لا يمنع أن الله تعالى أطلع الرسول ﷺ على بعض الغيب، وأخبر به الرسول ﷺ ليكون دليلًا على نبوته ﷺ
يقول تعالي (عَالِمُ الغيب فَلاَ يُظْهِرُ على غَيْبِهِ أَحَداً إِلاَّ مَنِ ارتضى مِن رَّسُول)
ولكن الرسول ﷺ لا يعلم الغيب المطلق، يعنى لا يعلم كل الغيب، وليس هناك مخلوق سواء من الإنس او الجن أو الملائكة يعلم كل الغيب، فهذا مما استأثر الله بعلمه.
تقول السيدة عائشة: مَنْ زَعَمَ أَنّ الرسول ﷺ يُخْبِرُ بِمَا يَكُونُ فِي غَدٍ، فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى الله الْفِرْيَةَ. وَالله يَقُولُ (قُلْ لاَ يَعْلَمُ مَنْ فِي السّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاّ الله)
ثم يقول تعالى (إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) يعنى أن الله تعالى لم يرسلنى إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ ، وليس من مهمتى أو وظيفتى معرفة الغيب .
وقوله تعالى (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) لأن المؤمنون هم الذين ينتفعون بالإنذار والتبشير.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"
لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
|