Untitled Document

عدد المشاهدات : 1390

الحلقة رقم (477) بين يدي سورة "الأَنْفًال"

الحلقة رقم (477)
بين يدي سورة الأنفال
        

ما معنى آية؟  ما معنى آية من آيات القرآن الكريم؟ 
الآية لغة يعنى: الشيء العجيب.
 لو انته مسافر بعربيتك من بلد لبلد، كنت بتعدي على شجر، عادي مش حتلتفتله، لكن لو بين الشجر، شجرة ضخمة جدًا، ومليانة ثمار، وشكلها غريب، وانته معدي حتلفت نظرك، وتقول ايه الشجرة الجميلة دي، لكت ما وقفتش بالعربية كملت، بعديها بشوية عديت على شجرة دهب، وقفت بالعربية ونزلت وقعدن تتفرج عليها، ليه؟ لأنها حاجة غريبة جدا، أهي الشجرة الدهب دي نقدر نقول عليها "آية" الشحرة الأولانية الضحمة ما أقدرش أقول عليها آية، لأنها لفتت نظرك بس ما وقفتش عندها. 
عاوز تقول ايه؟ عاوز اقول ان ربنا سمي آيات القرآن العظيم بالآيات، عشان يقولك لازم تقف عند كل آية، لازم تتدبر كل آية 

        

قيل أنه ورد في التوراة: يا عبدي أما تستحي مني، يأتيك كتاب من بعض إخوانك وأنت في الطريق تمشي، فتعدل عن الطريق، وتقعد لأجله وتقرؤه وتتدبره حرفاً حرفاً حتى لا يفوتك شيء منه، وهذا كتابي أنزلته إليك، انظر كم فصلت لك فيه من القول، وكم كررت عليك فيه، لتتأمل طوله وعرضه، ثم أنت معرض عنه، أفكنت أهون عليك من بعض إخوانك؟ 
يا عبدي يقعد إليك بعض إخوانك، فتقبل عليه بكل وجهك، وتصغي إلى حديثه بكل قلبك، فإن تكلم متكلم أو شغلك شاغل عن حديثه أومأت إليه أن كف، وها أنا ذا مقبل عليك، ومحدث لك، وأنت معرض بقلبك عني، أفجعلتني أهون عندك من بعض إخوانك؟
        

 يقول ابن عمر - رضي الله عنهما-: لقد عشنا دهراً طويلاً، وأحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن، فتنزل السورة على محمد ﷺ فيتعلم حلالها وحرامها وآمرها وزاجرها وما ينبغي أن يقف عنده منها، ثم لقد رأيت رجالاً يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان، فيقرأ ما بين فاتحة الكتاب إلى خاتمته، لا يدري ما آمره ولا زاجره ولا ما ينبغي أن يقف عنده منه، ينثره نثر الدقل 
        

(سُورَةُ الْأَنْفَالِ) سورة مدنية، أي أنها نزلت بعد الهجرة. 
وسُورَةُ الْأَنْفَالِ نزلت في المدينة، ونزلت بعد سورة البقرة. 
وهي السورة الثامنة في ترتيب المصحف، وعدد آياتها 75 آية.
فهي نصف جزء من القرآن، أو حزب من القرآن.


        

قسم الرسول ﷺ سور القرآن الى أربعة أقسام وهي: (الطِّوال) و(المئين) و(المثاني) و(المُفَصَّل)
وجاء هذا التقسيم في حديث رواه أحمد وغيره عن واثلة بن الأسقع ،أن النبي ﷺ قال: "أُعطِيتُ مكانَ التَّوراةِ السَّبعَ الطِّوالَ، وأُعطِيتُ مكانَ الزَّبورِ المئين، وأُعطِيتُ مكانَ الإنجيلِ المثانيَ، وفُضِّلتُ بالمُفصَّلِ "

        

(السبع الطوال) هي: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال والتوبة؛ أما السورة السابعة فاختلف فيها، فقيل أنها الأنفال مع التوبة لأنها كسورة واحدة، إذ ليس بينهما بسملة، وقيل أنها سورة يونس.
أما
(المئين) فهي السور التى تزيد عدد آياتها عن مائة آية 
أما
(المثاني) فهي السور أقل من مائة آية الى (ق) وسميت بذلك لأن الله تعالى ثنَّى فيها، أكرر فيها، الفرائض والحدود، والقصص والأمثال 
وأما
(المفصل) فهي السور من (ق) الى آخر المصحف، وسميت بذلك لكثرة الفصل بين سوره بالبسملة
        

ثم قسم العلماء (المفصَّل) إلى ثلاثة أقسام: (طوال المفصَّل) ويبدأ من سورة (ق) إلى سورة (عم يتساءلون) و(أوسط المفصَّل) وهو من سورة (عم) إلى سورة (الضحى) و(قصار المفصَّل) وهو من سورة (الضحى) إلى آخر المصحف الشريف. .
        

سميت سورة الْأَنْفَالِ بهذا الاسم، لأنها تناولت الحديث عن الأنفال، وهي غنائم الحرب. 
فرق العلماء بين "الغنائم" أو"الأنفال" من جهة، وبين "الفيء" من جهة أخري.
فقالوا إن ما يأخذه المسلمون بعد حرب عدوهم فهو غنيمة، أو "أنفال" 
أما ما يأخذونه بدون قتال، كما حدث في غزوة "بنى قريظة" فهو "فيء" (وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ) وهذه لها أحكامها، وهذه لها احكامها.

        

اذن كلمة "أنفال" مرادفة" لكلمة "غنائم" 
والْأَنْفَالِ جمع "نَفَل" بفتح الفاء، والنفل لغة هو الشيء الزائد، كما نطلق على الصلوات غير الفريضة أنها "نافلة" وكما قال تعالى عن إبراهيم (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً) يعنى وَوَهَبْنَا لإبراهيم إِسْحَاقَ، وَوَهَبْنَا أيضًا "يَعْقُوبَ" نَافِلَةً يعنى زيادة، لأنه ابن ابنه، ومن أسماء العرب "نوفل" يعنى: كثير العطاء.

        

(سُورَةُ الْأَنْفَالِ) نزلت بعد غزوة بدر، ونزلت تعقيبًا على غزوة بدر، كما أن سورة "آل عمران" عقبت على غزوة "أحد" وسورة الأحزاب عقبت على غزوة "الأحزاب" أو "الخندق" وسورة "التوبة" على غزوة "مؤتة" 
كأن القرآن العظيم يقول لنا أننا يجب أن نقف مع كل حدث كبير، حتى نأخذ منه العبر والدروس، ليس مهمًا النصر او الهزيمة التي وقعت، النصر مر، والهزيمة مرت، ممكن بعد النصر تفقد مكاسب النصر، ممكن بعد الهزيمة تعالج توابع الهزيمة، ولكن المهم  -والذي سيستمر معك-  الدروس التي تتعلمها من النصر، والدروس التي تتعلمها من الهزيمة.
اذن سُورَةُ (الْأَنْفَالِ) نزلت تعقب على غزوة بدر، ولذلك من أسماء سُورَةُ (الْأَنْفَالِ) سُورَةُ (بدر)


        

وسورة الأنفال لها عدة مقاصد، وتناولت عدة مواضيع، لكن المحور الأساسي لسورة (الْأَنْفَالِ) هو قوانين النصر.
تناولت سُورَةُ (الْأَنْفَالِ) -من خلال الحديث عن غزوة بدر- القوانين التي يتحقق بها النصر، وأشارت الى أن القوانين التي يتحقق بها النصر: قوانين مادية، وقوانين سماوية.
القوانين المادية هي الأخذ بجميع أسباب النصر المادية، من العدد والعدة، ووضع الخطط، وصبر على القتال، وبذل النفس في سبيل الله تعالى.
القوانين السماوية هي المدد الذي يرسله الله تعالى لنصرة عبادة المؤمنين.

        

ولذلك من أسماء سورة الأنفال سورة "الجهاد" لأنها تضع قوانين الجهاد في سبيل الله.
ولذلك كان الصحابة يقرؤن هذه السورة عندما يخرجون للجهاد في سبيل الله، لأن فيها قوانين النصر على الإعداء.

        

اسم السورة وهو سُورَةُ (الْأَنْفَالِ) مرتبط بالمحور الأساسي للسورة  ودائمًا اسم السورة له ارتباط بأهم محور من محاور السورة.
كيف؟.
يقول "عبادة بن الصامت" -رضي الله عنه-:
"فينا مَعشَرَ أصحابِ بَدرٍ نَزَلَتْ سورة الْأَنْفَالِ، حين اختَلَفْنا في النَّفَلِ، وساءتْ فيه أخلاقُنا، فنَزَعَه اللهُ مِن أيدينا، فجَعَلَه إلى رسولِ اللهِ ﷺ فقَسَمَه رسولُ اللهِ ﷺ فينا عن بَواءٍ، يقولُ: على السَّواءِ"
وقوله "وساءتْ فيه أخلاقُنا" وصف "عبادة بن الصامت" اختلافهم سوء خلق، لشديد أدبهم.
كيف اختلف الصحابة على توزيع الغنائم؟ بعد هزيمة المشركين وانسحابهم، تركوا غنائم في أرض المعركة، اما ان أدوات حرب، أو حصان أو ناقة، أموال، فأكب بعض الصحابة على هذه الغنائم وأخذوها لأنفسهم، وانطلق بعضهم يطارد المشركين، وانشغل قسم ثالث بحراسة الرسول ﷺ 
فلما انتهت المعركة وجاء الليل، قال الذين انشغلوا بمطاردة المشركين، وقال الذين انشغلوا بحراسة الرسول ﷺ لنا حق في هذه الغنائم، ورفض ذلك الذين جمعوا الغنائم، وقالوا نحن جمعناها ولا حق لكم فيها، ورفعوا الأمر الى الرسول ﷺ
اذن الصحابة الكرام الذين خرجوا الى بدر، وتركوا الدنيا كلها خلف ظهورهم، لحقت بهم الدنيا، ووقع بينهم الخلاف بسبب الدنيا.
ولذلك كان تسمية السورة بسورة (الْأَنْفَالِ) لإلقاء الضوء على أهم عامل من عوامل النصر، وأهم عامل من عوامل الهزيمة.
فاذا أخلصت النية لله يأتيك المدد من السماء، وهذا المدد هو الذي يتحقق به النصر.
أما اذا لم تخلص النية لله، وكان همك هو (الْأَنْفَالِ) وكان همك هو الدنيا، سينقطع المدد من السماء، ويتحول النصر الى هزيمة.
وهذا ما حدث بالفعل بعد عام واحد، عندما خالف بعض الصحابة أوامر الرسول ﷺ في غزوة أحد وتركوا أماكنهم لجمع الغنائم، وتركوا أماكنهم لجمع (الْأَنْفَالِ) فكانت الهزيمة المريرة

        

يقول تعالى في سورة الصافات (وَلَقَدۡ سَبَقَتۡ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلۡمُرۡسَلِين* إِنَّهُمۡ لَهُمُ ٱلۡمَنصُورُونَ* وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلۡغَٰلِبُون) يقول قائل: كيف يا رب تقع الهزيمة بالمسلمين، نقول اذا وقعت هزيمة بالمسلمين، فهم ليسوا جنودًا لله، كما وقعت الهزيمة بالمسلمين في الجزء الثاني من غزوة أحد، لأنهم فقدوا شرطًا من شروط الجندية لله، وهو طاعة الرسول ﷺ بالرغم من أن ٱلرَّسُولِ معهم ﷺ وبالرغم من أنهم كبار الصحابة، وهم أهل بدر.
        

ومن دقة القرآن أن السورة سميت بالأنفال وليس الغنائم، لأن الأنفال -كما حللنا الكلمة- أصلها الزيادة، كأن الله تعالى يقول إن هذه الغنائم ليست مقابل الجهاد، انما هي أمر زائد، ومنحة من الله تعالى لكم، ولكنكم خرجتم في الأصل لبذل النفس في سبيل لله تعالى 


        ❇'

ولذلك أيضًا أنزل الله تعالى في الآية رقم (1) من هذه السورة الكريمة، قوله تعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلانفَالِ قُلِ ٱلانفَالُ لله وَٱلرَّسُولِ) يعنى اتركوها لله ولرسوله ﷺ يقسمها الله كيفما شاء،
ثم تأخرت الأجابة على هذا السؤال حتى الآية 41 يعنى بعد أربعين آية جائت اجابة السؤال: (وَٱعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مّن شَىْء فَأَنَّ لله خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَـٰمَىٰ...).
مع أن أي سؤال في القرآن تأتي عليه الإجابة في نفس الآية أو الآية التي تليها:
(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ)
(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ ۖ قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ)
(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ)
(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي)
(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ)
(يسئولنك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير)
كأن الله تعالى يقول لهم أن موضع الغنائم، حين نتكلم عن الجهاد، وحين نتكلم عن قواعد النصر لا يحب أن يكون له أي ترتيب في أولوياتكم، لا الترتيب الأول ولا الثاني ولا حتى العاشر.

        

اذن الخلاصة أن المحور الأساسي في سُورَةُ (الْأَنْفَالِ) أنها تناولت من خلال الحديث عن غزوة بدر، القوانين التي يتحقق بها النصر، وهي قوانين مادية، وقوانين سماوية، والقوانين السماوية هو اخلاص النية لله تعالى، فاذا أخلصت النية لله تعالى، جاء المدد من السماء وتحقق النصر -كما حدث في غزوة بدر- ولذلك كان هذا الاختيار الدقيق لتسمية السورة بسورة (الْأَنْفَالِ) للإشارة الى أن العامل الذي يمكن أن يحول دون نصر المؤمنين هو (الْأَنْفَالِ) هو الدنيا، هو عدم اخلاص النية لله تعالى.


❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇