Untitled Document

عدد المشاهدات : 1304

الحلقة (480) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" الآيات من (9) الى (14) من سورة "الأنْفًال"( إِذۡ تَسۡتَغِيثُونَ رَبَّكُمۡ فَٱسۡتَجَابَ لَكُمۡ ……

الحلقة رقم (480)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)

تفسير وتدبر الآيات من (9) الى (14) من سورة "الأنْفًال"
        

( إِذۡ تَسۡتَغِيثُونَ رَبَّكُمۡ فَٱسۡتَجَابَ لَكُمۡ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلۡفٖ مِّنَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ مُرۡدِفِينَ  (9) وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلَّا بُشۡرَىٰ وَلِتَطۡمَئِنَّ بِهِۦ قُلُوبُكُمۡۚ وَمَا ٱلنَّصۡرُ إِلَّا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ  (10) إِذۡ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةٗ مِّنۡهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيۡكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ لِّيُطَهِّرَكُم بِهِۦ وَيُذۡهِبَ عَنكُمۡ رِجۡزَ ٱلشَّيۡطَٰنِ وَلِيَرۡبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمۡ وَيُثَبِّتَ بِهِ ٱلۡأَقۡدَامَ  (11) إِذۡ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمۡ فَثَبِّتُواْ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ سَأُلۡقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعۡبَ فَٱضۡرِبُواْ فَوۡقَ ٱلۡأَعۡنَاقِ وَٱضۡرِبُواْ مِنۡهُمۡ كُلَّ بَنَانٖ (12) ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۚ وَمَن يُشَاقِقِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ  (13) ذَٰلِكُمۡ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابَ ٱلنَّارِ (14) 


        

(إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴿9﴾ 
(تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ) يعنى تطلبون الغوث من الله، وأصلها من طلب "الغيث" وهو المطر، لأن الماء هو أصل الحياة، ثم استعمل في غير ذلك.
والتعبير بقوله تعالى (تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ) يدل على أنهم كانوا يتضرعون الى الله تعالى في الدعاء.
وصيغة الجمع
(تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ) تدل على أن كل جيش المسلمين دعا الله تعالى، وكل جيش المسلمين تضرع الى الله تعالى.
وان كان لم ينقل لنا في كتب الحديث الا دعاء الرسول ﷺ وحده، ولكن هذا لا يمنع أن كل الجيش كان يدعو الله تعالى.

        

عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، نَظَرَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، وَهُوَ وَأَصْحَابُهُ ثَلاثُمِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً، قَالَ: فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ:
اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ أَيْنَ مَا وَعَدْتَنِي؟ 
اللَّهُمَّ إِنْ تَهْلَكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ مِنْ أَهْلِ الإِسْلامِ لَا تُعْبَدْ فِي الأَرْضِ أَبَدًا.
اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك، اللهم فنصرك الذى وعدتني.
اللهم ربنا أنـزلت على الكتاب، وأمرتني بالقتال، ووعدتني بالنصر، وأنت لا تخلف الميعاد.

 يقول عمر: فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ، مَادًّا يَدَيْهِ، مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، حَتَّى سقط رداؤه عن مكبيه، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتَكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ.

        

يقول تعالى (فَاسْتَجَابَ لَكُمْ) يعنى فَاسْتَجَابَ الله لدعائكم، والفاء تدل على السرعة.
(أَنِّي مُمِدُّكُمْ) وأصل المدد الزيادة، وفي الجيوش الآن هيئات خاصة بالإمداد والتموين

        

(بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ) 
لماذا ألف مِنَ الْمَلَائِكَةِ؟ لأن عدد المشركين كان ألفًا، فأرسل الله تعالى ملك أمام كل واحد من المشركين.
وكلمة
(مُرْدِفِينَ) وقرأت "مُرْدَفِينَ"، بنصب الدال، يعنى متتابعين.
كانت العرب تقول: أردفه خلفه، يعنى أركبه خلفه.
كأن الملائكة لم تنزل دفعة واحدة، ولكنها نزلت متتابعة، ليكون أقوي في تثبيت قلوب المؤمنين.


        

ممكن لمن يتدبر القرآن أن يلفت نظره أن الله تعالى قال في سورة "آل عمران" في الآية (124) (بِثَلاَثَةِ ءالاَفٍ مّنَ الملائكة مُنزَلِينَ) وفي الآية (125) (بِخَمْسَةِ ءالافٍ مّنَ الملائكة مُسَوّمِينَ) فهل عدد الملائكة ألف، أم ثلاثة آلاف، أم خمسة آلاف؟ 
نقول أن الآيتين في سورة "آل عمران" تتحدث عن غزوة أحد وليس غزوة بدر، وعلى فرض -ما ذهب اليه بعض المفسرون- أنها تتحدث عن غزوة بدر، فالمعنى ان الله تعالى أرسل ألف من الملائكة، ثم أرسل ثلاثة آلاف، ثم أرسل خمسة آلاف، بدليل أن الله تعالى ذكر لكل عدد صفة خاصة به، فقال في "الأعراف" (بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ) وقال في آل عمران في الآية (124) (بِثَلاَثَةِ ءالاَفٍ مّنَ الملائكة مُنزَلِينَ) وفي الآية (125) (بِخَمْسَةِ ءالافٍ مّنَ الملائكة مُسَوّمِينَ) اذن الألف ملك، غير الثلاثة آلاف، غير الخمسة آلاف.

        

ثم يقول تعالى (وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ۚ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴿10﴾ 
هذه الآية تجيب على السؤال: هل الملائكة اشتركت في القتال، أم انها نزلت فقط لتثبيت قلوب المؤمنين؟
أولًا: لو أن الملائكة كانت قد اشتركت في القتال، لانتهت المعركة في لحظة واحدة، لأن البشر لا طاقة لهم بالملائكة، وهناك أمم أهلكوا بصيحة ملك، مثل قوم ثمود (إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَٰحِدَةً فَكَانُواْ كَهَشِيمِ ٱلْمُحْتَظِرِ) 
وقد ورد أن الله تعالى أهلك قري لوط بأن أرسل إليهم جبريل فحملها بطرف ريشة من جناحه الى عنان السماء وقلبها، وجبريل له ستمائة جناح، 
وقد كان جبريل -عليه السلام- موجود في ارض المعركة، عن النبي ﷺ أنه قال "هذا جبريلُ آخِذٌ برأْسِ فرَسِهِ، عليه أداةُ الحرْبِ" فلو كان جبريل قد اشترك في القتال لأبيد جيش المشركين بالكامل في لحظة واحدة
ولكن معركة بدر استمرت فترة من الوقت، وكان هناك شهداء قتلوا في بدر من المسلمين -أربعة عشر قتيل من المسلمين: ستة من المهاجرين، وثمانية من الأنصار- بينما قتل من المشركين سبعون، وأسر سبعون، ونجا بقية الألف.
ولو أن الملائكة كانت قد اشتركت في القتال، لما كان هناك حاجة الى هذه الأعداد من الملائكة، وكان يكفي ملك واحد، ولكن الله تعالى ذكر أنه أرسل ألف من الملائكة، ثم ثلاثة آلاف، ثم خمسة آلاف,
اذن الملائكة لم تشترك في القتال، بمعنى أنها لم تباشر القتال بنفسها، وكان دورها هو تثبت يعنى تقوية قلوب المؤمنين، كما سيأتي في آيات تالية.


        

ومع ذلك هناك روايات تذكر أن الملائكة اشتركت في القتال، وأنها باشرت القتال.
من ذلك ما روي أن أبو جهل -قبل أن يقتل- قال لعبد الله بن مسعود: من أين كان ذلك الصوت الذي كنا نسمع ولا نرى شخصاً؟ قال ابن مسعود: هذه الملائكة.
وروي: أنّ رجلاً من الأنصار بينما هو يشتد في أثر رجل من المشركين: إذ سمع صوت ضربة بالسوط فوقه، فنظر إلى المشرك قد خر مستلقياً وشقّ وجهه، فحدث الأنصاري رسول الله ﷺ بذلك، فقال ﷺ: صدقت ذاك من مدد السماء.
 وعن أبي داود المازني من الأنصار قال: تبعت رجلاً من المشركين لأضربه يوم بدر فوقع رأسه بين يدي قبل أن يصل إليه سيفي.
وعن أبي أسيد بن مالك بن ربيعة، كان قد شهد بدراً، أنه قال لأصحابه بعدما ذهب بصره: لو كان معي بصري لأريتكم الشعب الذي خرجت منه الملائكة.
وعن ابن عباس أن الملائكة يوم بدر كانوا يلبسون ثيابًا بيضاء، وعليهم عمائم بيضاء.

        

فهل اشتركت الملائكة في القتال أم لم تشترك؟
نقول ان الملائكة اشتركت في القتال يوم بدر، ولكنه كان اشتراكًا رمزيًا، وذلك بدليل جميع الروايات التي تثبت اشتراك الملائكة، مثل سماع صوت مرعب يزلزل القلوب، في قصة عبد الله بن مسعود وأبو جهل.
وقصة الرجل من الأنصار: هو كان يطارد المشرك، يعنى كان سيقتله سيقتله، وقبل أن يصل اليه ضربه الملك بسوط في وجهه، فسقط بين يدي الأنصاري.
وفي رواية "أبي داود المازني" رفع سيفه يريد أن يقتله، وقبل أن يصل سيفه الى المشرك، سقطت رأس المشرك بين يده، فلو لم يقتل الملك هذا المشرك، كان سيقتله "أبي داود المازني"
اذن اشتراك الملائكة لم يكن اشتراكًا يغير سير المعركة، ولكنه كان اشتراكًا رمزيًا لتثبيت وتقوية قلوب المؤمنين.
فعندما يري المسلمون آثار اشتراك الملائكة في القتال -كما في الروايات السابقة- أو يري بعضهم الملائكة بأعينهم -كما جاء في رواية "أبي داود المازني"- فيعلمون أن الله تعالى معهم، ومن كان الله معه فسيكون له النصر والغلبة لا محالة.
وهكذا اشارت الآية التي معنا
(وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ) 
يعنى ومَا جَعَلَ اللَّهُ -تعالى- نزول الملائكة إِلَّا بُشْرَىٰ للمسملين بتحقق النصر، وَحتى تَطْمَئِنَّ وتسكن وتثبت قلوبهم.
وستأتي آية أخري تؤكد هذا المعنى

        

(َومَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) 
قال تعالى أن النَّصْرُ مِنْ عِنْدِه تعالى حتى لا يفتن المسلمون بالملائكة.
فالملائكة لا تحقق النصر، ولكن الله تعالى هو الذي يحقق النصر.

        

( إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)
تكرر اسم الله العَزِيزٌ مع اسم الله الحَكِيمٌ ثلاثة عشرة مرة في القرآن العظيم.
والعزيز هو القوي الذي لا يغلب.
و(الحَكِيمٌ) هو الذي يضع كل شيء في موضعه.
ومن كمال صفاته تعالى أن تأتي الحكمة مع العزة، لأن العزة بدون حكمة تكون قوة باطشة، أما اذا جاءت الحكمة مع العزة، فان الحكمة تضبط هذه القوة.

        

(إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ ﴿11﴾ 
تتحدث الآيات عن آية أخري، وكرامة أخري حدثت لجيش المسلمين. قبل المعركة، وهي أن الله تعالى أنزل النوم على جيش المسلمين بالكامل، في ليلة المعركة.
والنوم في هذا الظرف -وهو ظرف المعركة- كرامة للجيش، لأن الانسان إذا كان قلقًا فانه لا يستطيع أن ينام، كانت العرب تقول "الأمن منيم، والخوف مسهر"
ولذلك قرأت أن الجيش الأمريكي يقوم بتدريبات على النوم، لأنهم في وقت المعركة يمكن أن يظل الجندي عدة أيام دون نوم.
فاذا نام الجيش وهم مقبلون على معركة في اليوم التالى، فهذه كرامة للجيش، خصوصًا أن النوم نزل على الجيش بالكامل.
وهذا النُّعَاسَ أراح أجساد المسلمين، لأن الانسان إذا نام ترتخي كل عضلاته، واراح أعصابهم، لأنهم مقبلون على مواجهة صعبةـ ولذلك فهم في حاجة الى اراحة أعصابهم، يقول المثل "تبات نار تصبح رماد"


        

يقول تعالى (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ)
(يُغَشِّيكُمُ) من الغشاء وهم الغطاء، كأن النوم غطاء غطي كل الجيش.
و
(النُّعَاسَ) هو أول النوم.
لأن النوم اذا كان عميقًا فانه يمكن أن يداهمهم عدوهم.

        

وعن على -رضى الله عنه- لقد رأيتنا وما فينا إلا نائم سوى رسول الله ﷺ تحت شجرة يصلى حتى أصبح 
وفي الصحيح أن الرسول ﷺ بعد أن دعا أخذته سنة من النوم، ثم أفاق ﷺ مبتسمًا، وقال لأبي بكر: "أبشر يا أبا بكر ، هذا جبريل آخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب" وفي رواية "على ثناياه النقع" يعنى التراب يتصاعد حول الفرس وهو يركض متجهًا الى ميدان المعركة، ثم  خرج ﷺ من تحت  العريش وهو يتلو قول الله (سَيُهْزَمُ الجمع وَيُوَلُّونَ الدبر )

        

يقول تعالى (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ)
هذه كرامة أخري حدثت للجيش، وهي كرامة نزول المطر، وكان ذلك في اليوم قبل المعركة. 
والآية تدل على أن المسلمين كان عندهم مشكلة مياه، وأن المياه مع المسلمين كانت تكفي فقط لشربهم وشرب دوابهم، ولكنها لا تكفي للوضوء أو الاغتسال.
يقول تعالى
(وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) يعنى أنزل عليكم مطرًا مِنَ السَّمَاءِ لتتطهروا به للصلاة. 
(وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ) أي: وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ وسوسة الشيطان، لأن الشيطان كان يوسوس للمسلمين، ويقول لهم أنتم تدعون أنكم على الحق، وفيكم رسول الله، وأنتم تصلون وأنتم جنب.
والله -سبحانه وتعالى-اعطي رخصة لمن لم يجد الماء أن يتيمم ويصلي، ولكن الإمام الرازي يعلق على ذلك ويقول: أن المسلم يستقذر نفسه إذا كان جنبا، ويغتم إذا لم يتمكن من الاغتسال.

        

(وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ)
يعنى نزول هذا المطر قوي قلوب وأنزل فيها السكينة والاطمئنان، لأنهم كانت كرامة من الله تعالى للجيش، جعلتهم يشعرون بتأييد الله تعالى لهم.
 (وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ) يعنى نزول المطر ثبت أقدامهم وأقدام دوابهم على الأرض، لأن جيش المسلمين كان في مكان الرمال فيه ناعمة ولينة فكانوا يمشون عليها عليها بجهد، فلما نزل المطر تماسكت الأرض تحت أقدامهم، وسهل عليهم المشي عليها.  
قال الطبري: ثبّت بالمطر أقدامهم لأنهم كانوا التقوا مع عدوهم على رملةٍ ميثاء -يعنى لينة- فلبّدها المطر، حتى صارت الأقدام عليها ثابتة لا تسوخ فيها.
يقول ابن القيم أن المطر نزل على معسكر المسلمين بحيث جعل الرمال تتماسك تحت أقدام المسلمين، ونزل المطر في نفس الوقت وابلًا شديدًا على معسكر المشركين، حتى اوحلت الأرض، واصبح المشي عليها أكثر صعوبة مما كانت عليه.

        
(إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ۚ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ﴿12﴾ 
(ِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ) يعنى أن الله تعالى أوحي إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مع المؤمنين.
(فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ۚ) يعنى فَثَبِّتُوا قلوب المؤمنين، اذن فهذا كان دور الْمَلَائِكَةِ أن تثبت وتقوي قلوب المؤمنين، وليس أن تباشر القتال، أو ان تشترك في القتال بنفسها.
وهذا يدل على أن الْمَلَائِكَةِ تستطيع أن تلقي الخير في قلوب المؤمنين، كما ان الشيطان يستطيع أن يلقي الشر في القلوب بالوسوسة

(سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) الرُّعْبَ هو الخوف الشديد.
اذن قلوب المؤمنين أصبحت قوية ثابتة، وقلوب الكفار ضعيفة وممتلئة بالرعب.

        

(فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) 
طالما قلوبهم ممتلئة بالرعب، فاذن أصبحوا بالنسبة لكم صيد سهل.
(فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ) 
اضرب فَوْقَ الْأَعْنَاقِ يعنى ضرب الرءوس، ويعنى أعلى الْأَعْنَاقِ، وهو موطن الذبح، ويعنى العنق نفسه فتكون فَوْقَ بمعنى على، وكل هذه مواضع قاتلة.
(وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) 
يعنى اذا نجح عدوك في حماية رأسه، فاضرب البَنَانٍ، وهي تعنى الأصابع وتعنى الأطراف.
لأن ضرب الأصابع والأطراف يشل حركة المقاتل، فيمكن أسره أو قتله.
وكل ذلك توجيه من الله تعالى للمسلمين بأن يقاتلوا بقوة وغلظة، وألا تأخذهم الرحمة في قتال أعداء الله وأعدائهم.


        

(ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴿13﴾ 
(ذَٰلِكَ) يعنى هذه الهزيمة وذلك الخزي وذَٰلِكَ العذاب الذي نزل بهم.
(بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ) يعنى عادوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ. 
واصلها أنهم جعلوا أنفسهم في شق، واللَّهَ وَرَسُولَهُ ﷺ في شق آخر.

(وَمَن يُشَاقِقِ الله وَرَسُولَهُ فَإِنَّ الله شَدِيدُ العقاب) 
يعنى وَمَن يعادي الله وَرَسُولَهُ، فَإِنَّه يتعرض لعقاب الله تعالى.
والله -تعالى- شَدِيدُ العقاب.
وقد رود في القرآن أن الله -تعالى- شَدِيدُ العقاب في عشرة مواضع.

روي أن مُطَرِّفُ -وهو من التابعين- تلا هَذِهِ الآية (فَإِنَّ الله شَدِيدُ العقاب) ثم قال: لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ قَدْرَ عُقُوبَةِ اللَّهِ لَمَا رَقَى لَهُمْ دَمْعٌ، وَمَا قَرَّتْ أَعْيُنُهُمْ بِشَيْءٍ.


        

(ذَٰلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ ﴿14﴾ 
يعنى ذَٰلِكُمْ العذاب في الدنيا من القتل والهزيمة والذل من فئة قليلة العدد والعدة فَذُوقُوهُ في الدنيا عاجلًا، وأما الآخرة فلكم فيها عذاب النار. 

 

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇