Untitled Document

عدد المشاهدات : 1060

الحلقة (483) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" الآيتين (25) و(26) من سورة "الأنْفًال" (وَٱتَّقُواْ فِتۡنَة ……

الحلقة رقم (483)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)
تفسير وتدبر الآيتين (25) و(26) من سورة "الأنْفًال" ص 179

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(وَٱتَّقُواْ فِتۡنَة لَّا تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمۡ خَآصَّة وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ ﴿٢٥﴾ وَٱذۡكُرُوٓاْ إِذۡ أَنتُمۡ قَلِيلٞ مُّسۡتَضۡعَفُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ فَ‍َٔاوَىٰكُمۡ وَأَيَّدَكُم بِنَصۡرِهِۦ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ ﴿٢٦﴾

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(وَٱتَّقُواْ فِتۡنَة لَّا تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمۡ خَآصَّة وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ ﴿٢٥﴾
يعنى وَٱتَّقُواْ -أيها المؤمنون- واجتنبوا ابتلاء يقع عليكم من الله تعالى، لا يصيب فقط أصحاب الذنوب والمعاصي، ولكنه يصيب الجميع: الصالح والطالح، والبار والفاجر، والظالم وغير الظالم.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
متى يقع هذا الابتلاء الذي يعم الجميع؟ 
اذا عم الفساد واستشري وانتشر في المجتمع
كأن الله تعالى ينبه المؤمنين ويقول لهم: اياكم ان تتركوا الفساد حتى يعم وينتشر في المجتمع، امنعوا هذا الفساد، قوموا بواجبكم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأنكم إذا تركتم هذا الفساد ينتشر ويستشري وَيُجْهَرُ به، فسينزل البلاء على الجميع، دون ان يفرق بين الصالح وصاحب المعصية.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
عن النبي أنه قال: "لا تؤخذ العامة بظلم الخاصة إلا إذا رأوه ولم ينكروه"
وعنه
أنه قال: "إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة، حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه، فإذا فعوا ذلك عذب الله العامة والخاصة"
وفى البخاري والترمذي عن النعمان بن بشير عن النبي قال: "مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة -أي اقترعوا- فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا : لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً ، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً"

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ولكن قد يكثر المنكر بحيث يستحيل -أحيانًا - القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
في هذه الحالة، ينزل البلاء، ولكم يكون هذا البلاء عقابًا للكافر، وابتلاءًا للمؤمن 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
روي عن زينب بنت جحش أنها سألت الرسول ﷺ قالت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال : "نعم إذا كثر الخبث " .
وعن أم سلمة زوج النبي ﷺ قالت سمعت رسول الله ﷺ يقول "
إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمهم الله بعذاب من عنده" فقلت يا رسول الله أما فيهم أناس صالحون؟ قال "بلى" قالت فكيف يصنع أولئك؟ قال "يصيبهم ما أصاب الناس ثم يصيرون إلى مغفرة من الله ورضوان"

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ولكن ننبه أنه إذا كثر الخبث وعمت المعاصي، ولم يستطع المسلم أن يغير هذا المنكر لا بيده ولا بلسانه، فاضعف الإيمان -كما قال النبي ﷺ- أن ينكر هذا المنكر بقلبه.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
روى الطبراني عن جابر قال: قال رسول الله ﷺ: أوحى الله إلى ملك من الملائكة أن اقلب مدينة كذا وكذا عل أهلها، قال الملك: يا رب إن فيها عبدك فلانا لم يعصك طرفة عين، قال تعالى: اقلبها عليه وعليهم، فإن وجهه لم يتمعر في ساعة قط.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يقول تعالى (وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ) 
تذييل يقصد به التهديد والتحذير، يعنى وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ للأمم وللأفراد اذا سكتوا عن الفحشاء والمنكَر فيهم.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(وَٱذۡكُرُوٓاْ إِذۡ أَنتُمۡ قَلِيلٞ مُّسۡتَضۡعَفُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ فَ‍َٔاوَىٰكُمۡ وَأَيَّدَكُم بِنَصۡرِهِۦ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ ﴿٢٦﴾
يذكر الله تعالى المؤمنين بنعمه عليه، فيقول (وَٱذۡكُرُوٓاْ إِذۡ أَنتُمۡ قَلِيل) يعنى عددكم قليل، وأنتم في مكة.
(مُّسۡتَضۡعَفُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ) كنتم مقهورين مستضعفين من قريش، وغيرها من قبائل العرب المتحالفة معها، فكانت قريش تعذب ضعفاء المسلمين، حتى كان منهم من مات من شدة التعذيب، مثل سمية وزوجها ياسر، ومنهم من شوه جسده من شدة التعذيب.
حتى غير الضعفاء من المسلمين كانوا يتعرضون للإيذاء، حتى اضطُر بعض اشرافهم -مثل عثمان بن عفان وغيره- الى ترك مكة والهجرة الى الحبشة، وضرب أبو بكر -وهو من كبار تجار مكة- حتى أغشي عليه، وكان الرسول ﷺ -بالرغم من حماية بنو هاشم له ﷺ وهي أقوي بطون قريش- فكان ﷺ يتعرض للسب والسخرية والاستهزاء، والخنق وهو يصلى، ويلقي عليه فرث الجزور وهو يصلى، والمسلمون واقفون لا يستطيع أحد منهم أن يتقدم حتى يرفع هذا الأذي عن الرسول ﷺ من شدة  قهر صناديد قريش لهم، حتى أسرع أحدهم فأخبر ابنته السيدة فاطمة، فجاءت تجري فرفعت هذا الأذى عن النبي ﷺ


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ) الخطف هو الأخذ بسرعة، وهي صورة لشدة الضعف، لأن الإنسان لا يمكن أن يتعرض للخطف الا إذا كان ضعيفًا، مثل الطفل اذا تعرض للخطف مثلًا.
حتى نعرف المقصود بـ(تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ) نجد ان القرآن قد استخدم هذا التعبير في تعرض القوافل التجارية للإستيلاء عليها ، قال تعالى (أوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) 
فاذن قوله تعالى
(تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ) يعنى أن الصحابة من أهل مكة بعد أن هاجروا الى المدينة كانوا يخافون أن يخرجوا للتجارة، والا تعرضت تجارتهم للاعتداء عليها والسلب سواء من قريش أو من غيرها من القبائل المتحالفة معها.
وكانت التجارة هي الحرفة الأساسية والتي يجيدها المهاجرون
أما بعد بدر، تغيرت موازين القوي، وأصبح للمسلمين هيبة في الجزيرة، وتحالفت عدد من القبائل مع الرسول ﷺ

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(فَ‍َٔاوَىٰكُمۡ) يعنى جعل لكم مأوي في المدينة 
(وَأَيَّدَكُم بِنَصۡرِهِ) وَأَيَّدَكُم بِنَصۡرِهِ في بدر، بأن ثبت قلوبكم، وألقي الرعب في قلوب المشركين، وأنزل عليكم النعاس قبل المعركة، وأنزل المطر الذي ثبت أقدامكم وأقادم دوابكم، وأنزل اليكم الملائكة، وغير ذلك من أسباب النصر.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ) يعنى وَرَزَقَكُم مِّنَ الرزق الطيب الحلال، سواء غنائم بدر، أو قبل بدر، بعد الهجرة، بأن جعل الله تعالى قلوب الأنصار تحسن استقبال المهاجرين، فكان الرجل من الأنصار يقسم كل امواله بينه وبين أخيه من المهاجرين، حتى أن أحدهم قال لأخيه من المهاجرين: أنا عندي زوجتين، انظر فاختار أحداهن أطلقها وتتزوجها.
وقد مدح القرآن العظيم هذا الموقف من الأنصار فقال تعالى (وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وهذا الاستقبال للمهاجرين من الأنصار لم يحدث في تاريخ الهجرات في العالم كله، ففي تاريخ الهجرات في العالم كله، دائمًا أصحاب البلد الأصلي المُهَاجَرُ اليه، يقاومون هذه الهجرة، لأنهم يعتبرونهم أنهم يشاركونهم في رزقهم، ويصل الأمر الى قتل وارتكاب مذابح وتطهير عرقي لهؤلاء المهاجرين، وهذا لا يزال يحدث الى الآن في  كثير من بلاد العالم، حتى في الدول التي هي في حاجة الى مهاجرين، لأنهم يحتاجون الي أيدي عاملة في مجالات معينة، فيفتحوا الهجرة لهذه المجالات المعينة التي يحتاجونها، ومع ذلك تجد أصحاب البلد الأصلي يكرهون المهاجرين.
فكان حسن استقبال الأنصار للمهاجرين أمر غير مسبوق حتى أن القرآن لفت اليه، فقال تعالى
(وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ)


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

فقوله تعالى (وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ) سواء غنائم بدر، أو الرزق الذي جاء لهم من الأنصار، او بعد عودتهم للتجارة بعد انتصار بدر.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ) يعنى لكي تَشۡكُرُونَ، او رجاء أن تَشۡكُرُونَ.
وهذا تذكير من الله تعالى بأن أي نعمة من الله تعالى، هي اختبار من الله تعالى، هل ستشكر هذه النعمة أم تكفرها؟ وشكر النعمة يكون بان تستخدم نعمته تعالى في طاعته تعالى، كفر النعمة -والعياذ بالله- هو ان تستخدم نعمة الله في معصية الله.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اذن الخطاب في الآية خاص بالمهاجرين -رضى الله عنهم جميعًا- 
وذهب بعض المفسرون الى أن الخطاب خاص بأمة العرب في الجزيرة قبل الإسلام.
أخرج ابن جرير الطبري عن قتادة في هذه الآية الكريمة قال:
كان العرب قبل الاسلام هم أكثر الناس ذلا، وأشقاه عيشا، وأجوعه بطونا، وأعراه جلودا، وأبينه ضلالة، معكوفين على رأس حجر بين فارس والروم، وما فى بلادهم ما يُحْسَدُونَ عليه، من عاش منهم عاش شقيا، ومن مات منهم ردّى فى النار، حتى جاء الله بالإسلام فمكّن به فى البلاد، ووسّع به فى الرزق، وجعلهم به ملوكا على رقاب الناس، وبالإسلام أعطى الله ما رأيتم، فاشكروا لله نعمه، فإن ربكم منعم يحب الشكر، وأهل الشكر فى مزيد من نعم الله عز وجل.

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇