الحلقة رقم (486)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)
تفسير وتدبر الآيات من (31) الى (35) من سورة "الأنْفًال" ص 180
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُنَا قَالُواْ قَدۡ سَمِعۡنَا لَوۡ نَشَآءُ لَقُلۡنَا مِثۡلَ هَٰذَآ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ ﴿٣١﴾ وَإِذۡ قَالُواْ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَٰذَا هُوَ ٱلۡحَقَّ مِنۡ عِندِكَ فَأَمۡطِرۡ عَلَيۡنَا حِجَارَةٗ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئۡتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٖ ﴿٣٢﴾ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمۡ وَأَنتَ فِيهِمۡۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمۡ وَهُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ ﴿٣٣﴾ وَمَا لَهُمۡ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ وَهُمۡ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ وَمَا كَانُوٓاْ أَوۡلِيَآءَهُۥٓۚ إِنۡ أَوۡلِيَآؤُهُۥٓ إِلَّا ٱلۡمُتَّقُونَ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ ﴿٣٤﴾ وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمۡ عِندَ ٱلۡبَيۡتِ إِلَّا مُكَآءٗ وَتَصۡدِيَةٗۚ فَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡفُرُونَ ﴿٣٥﴾
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُنَا قَالُواْ قَدۡ سَمِعۡنَا لَوۡ نَشَآءُ لَقُلۡنَا مِثۡلَ هَٰذَآ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ ﴿٣١﴾
قيل أن هذه الآية نزلت في رجل من قريش اسمه "النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ" وكان النَّضْرُ تاجرًا، وكان يخرج في تجارته كثيرًا الى بلاد الحيرة وفارس، ويسمع اليهود والنصاري وهم يقرأون التوراة والإنجيل، ويسمع قصص "كليلة ودمنة" وقصص "رستم" و"اسفنديار" وهي قصص أبطال شعبية في هذه البلاد، كما في مصر كان هناك قصص "أبو زيد الهلالى"
فلما بعث النبي ﷺ وسمع "النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ" القرآن العظيم، وما فيه من قصص الأنبياء وقصص الأمم السابقة، قال أن محمد لم يأت بشيء جديد، وأنه هو نقل -فقط- من الكتب السابقة: نقل من كتب اليهود والنصاري، ونقل من قصص هذه البلاد.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُنَا) يعنى آيات القرآن العظيم.
(قَالُواْ قَدۡ سَمِعۡنَا) يعنى سَمِعۡنَا مثل هذا الكلام من قبل.
(لَوۡ نَشَآءُ لَقُلۡنَا مِثۡلَ هَٰذَآ) يعنى أنا لو عايز كان ممكن أقول مثل هذا الكلام.
(إِنۡ هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ) كلمة "أَسَٰطِيرُ" وهو جمع "أسطورة" لا تعنى الخرافات، كما نعتقد، مثل ألف ليلة وليلة.
ولكن (أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ) يعنى ما سطره وكتبه الأولون.
يعنى محمد لم يأت بالقرآن من عند الله تعالى كما يقول، ولكنه نقله من الكتب السابقة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَإِذۡ قَالُواْ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَٰذَا هُوَ ٱلۡحَقَّ مِنۡ عِندِكَ فَأَمۡطِرۡ عَلَيۡنَا حِجَارَةٗ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئۡتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٖ ﴿٣٢﴾
روي في سبب نزول هذه الآية أنه لما قال "النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ": "إِنۡ هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ" قال له النبي ﷺ: ويلك إنه كلام رب العالمين فقال النَّضْرُ: (ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَٰذَا هُوَ ٱلۡحَقَّ مِنۡ عِندِكَ فَأَمۡطِرۡ عَلَيۡنَا حِجَارَةٗ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئۡتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٖ).
ولكن قال تعالى (وَإِذۡ قَالُواْ) لأنهم وافقوه على كلامه.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وهذا الكلام يدل على حماقة هؤلاء الكفار، كان المفروض أن يقولوا: "ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَٰذَا هُوَ ٱلۡحَقَّ مِنۡ عِندِكَ فاهدنا الى هذا ٱلۡحَقَّ"
ولكنهم قالوا (ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَٰذَا هُوَ ٱلۡحَقَّ مِنۡ عِندِكَ) يعنى: إِن كَانَ ما جاء به محمد هو ٱلۡحَقَّ.
(مِنۡ عِندِكَ) يعنى مِنۡ عِندِ الله تعالى.
(فَأَمۡطِرۡ عَلَيۡنَا حِجَارَةٗ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ) مثل الحِجَارَة التي نزلت على قوم لوط وغيرهم، (أَوِ ٱئۡتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيم) مثل بالعَذَابٍ الذي حل بالأمم السابقة الكافرة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
روي أن رجلًا من أهل سبأ دخل على معاوية بن أبي سفيان، فقال له معاوية: ما اجهل قومك حين قَالُوا (رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا) فقال الرجل: أجهل من قومي قومك يا امير المؤمنين، قال معاوية: كيف؟ قال: قَالُواْ (ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَٰذَا هُوَ ٱلۡحَقَّ مِنۡ عِندِكَ فَأَمۡطِرۡ عَلَيۡنَا حِجَارَةٗ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئۡتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيم( ولم يقولوا: إِن كَانَ هَٰذَا هُوَ ٱلۡحَقَّ مِنۡ عِندِكَ فاهدنا اليه.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمۡ وَأَنتَ فِيهِمۡۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمۡ وَهُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ ﴿٣٣﴾
ثم يبين الله تعالى السبب في امهال هؤلاء المشركين، وعدم اهلاكهم بعد أن قالوا هذه المقالة الغريبة، فقال تعالى: (وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمۡ وَأَنتَ فِيهِمۡۚ) يعنى وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمۡ وَأَنتَ مقيم معهم في مكة، وقد جرت سنة الله تعالى على عدم اهلاك قرية كافرة وفيها نبيها، فاذا أكمل نبيها مهمته وخرج منها نزل عليها العذاب، وهذا مثل ما حدث مع قوم عاد وثمود وقوم لوط.
والرسول ﷺ مقيم في مكة ولم يكمل مهمته في مكة، ولم يأذن الله له بالخروج من مكة.
ولذلك قال تعالى (وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمۡ وَأَنتَ فِيهِمۡۚ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم قال تعالى (وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمۡ وَهُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ)
يعنى يمنع العذاب أيضًا بعد هجرة الرسول ﷺ من مكة، أنه بقي في مكة بعض المؤمنين المستضعفين الذين لم يتمكنوا من الخروج من مكة والهرجة الى المدينة.
فمنع الله تعالى نزول العذاب على اهل مكة بسبب وجود هؤلاء المؤمنين في مكة،
وهذا مثل قوله تعالى (لَوْ تَزَيَّلُواْ) يعنى لَوْ تميز المؤمنين من الكافرين في مكة (لَعَذَّبْنَا الذين كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً)
ثم تعطي الآية لفتة عجيبة، أن سبب عدم نزول العذاب على هؤلاء المؤمنين أنهم يستغفرون الله تعالى.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
قال تعالى (وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمۡ وَهُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ)
وهذه من أعظم الآيات في فضل الاستغفار.
لماذا هذا الفضل للاستغفار في رفع العذاب؟
لأن العذاب ينزل بسبب ذنوب العباد (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس)
فاذا استغفرت الله تعالى يمحي الذنب، الذي هو سبب العذاب.
روي عن على بن أبي طالب انه قال: هناك أمانان أنـزلهما الله تعالى: نَبِيُّ اللَّهِ وَالاسْتِغْفَارُ، فَذَهَبَ الأمان الأول بموت رسول الله، وَبَقِيَ الأمان الثاني وهو الاسْتِغْفَارُ، فدونكم الاسْتِغْفَارُ.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَمَا لَهُمۡ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ وَهُمۡ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ وَمَا كَانُوٓاْ أَوۡلِيَآءَهُۥٓۚ إِنۡ أَوۡلِيَآؤُهُۥٓ إِلَّا ٱلۡمُتَّقُونَ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ ﴿٣٤﴾
(وَمَا لَهُمۡ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ) يعنى وما الذي يمنع أن يعذبهم الله تعالى؟
يعنى هم في الواقع مستحقون لوقوع العذاب عليهم، ولولا وجود الرسول في مكة، ولولا استغفار المؤمنين المستضعفين الذين بقوا في مكة لكانوا مستحقين لنزول العذاب بهم.
(وَمَا لَهُمۡ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ) وما الذي يمنع أن يعذبهم الله تعالى؟
ما حيثية وقوع العذاب عليهم؟ قال تعالى:
(وَهُمۡ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ) يعنى وهم يمنعون المسلمين من دخول المسجد الحرام، والعبادة فيه.
(وَمَا كَانُوٓاْ أَوۡلِيَآءَهُ)
لأنهم كانوا يمنعون المسلمين من دخول ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ، ويقولون: نحن ولاة الحرم ولنا نمنع من نشاء، ونأذن لمن نشاء، فقال تعالى (وَمَا كَانُوٓاْ أَوۡلِيَآءَهُ) يعنى هم في الحقيقة ليسوا أولياء للمسجد الحرام، وَمَا كَانُوٓاْ في يوم من الأيام يستحقون أن يكونوا أولياء للمسجد الحرام.
(إِنۡ أَوۡلِيَآؤُهُۥٓ إِلَّا ٱلۡمُتَّقُونَ) المستحقون لولاية البيت الحرام -في الحقيقة- هم فقط ٱلۡمُتَّقُونَ.
(وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ) يعنى: وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ أنهم لا ولاية لهم على المسجد الحرام
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمۡ عِندَ ٱلۡبَيۡتِ إِلَّا مُكَآءٗ وَتَصۡدِيَةٗۚ فَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡفُرُونَ ﴿٣٥﴾
يعنى هؤلاء الذين يدعون أنهم أولياء ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ، انظر كيف يفعلون في ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ، قال تعالى:
(وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمۡ عِندَ ٱلۡبَيۡتِ) أي: عِندَ الكعبة
(إِلَّا مُكَآءٗ وَتَصۡدِيَة)
الْمُكَاءُ: الصَّفِيرُ، وهي من طائر أَبْيَضٍ أسمهُ: الْمُكَاءُ، يصدر صفيرًا.
وَالتَّصْدِيَةُ: التَّصْفِيقُ
فكأنهم حولوا الصلاة، والتي هي موضع الخشوع والخضوع واستحجار عظمة الله تعالى، الى صفير وتصفيق.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(فَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡفُرُونَ) فَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَ بِمَا سواء العذاب في الدنيا، مثل ما أصابهم يوم بدر من القتل والهزيمة، أو العذاب يوم القيامة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"
لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
|