الحلقة رقم (487)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)
تفسير وتدبر الآيات من (36) الى (40) من سورة "الأنْفًال" ص 181
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيۡهِمۡ حَسۡرَةٗ ثُمَّ يُغۡلَبُونَۗ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحۡشَرُونَ ﴿٣٦﴾ لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلۡخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ وَيَجۡعَلَ ٱلۡخَبِيثَ بَعۡضَهُۥ عَلَىٰ بَعۡضٖ فَيَرۡكُمَهُۥ جَمِيعٗا فَيَجۡعَلَهُۥ فِي جَهَنَّمَۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ ﴿٣٧﴾ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38) و َقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيۡهِمۡ حَسۡرَةٗ ثُمَّ يُغۡلَبُونَۗ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحۡشَرُونَ ﴿٣٦﴾
لما انتصر المسلمون في بدر، ورجع أبو سفيان بقافلته الى مكة، قرر سادة قريش الذين كانت لهم أموال في هذه القافلة، أن يخصصوا الأموال التي ربحوها من هذه القافلة لحرب المسلمين، وبالفعل جهزوا جيش قريش الذي خرج الى أحد، وكان جيشًا ضخمًا قوامه ثلاثة آلاف مقاتل، فكانوا ينحرون في كل يوم مئة من الإبل لإطعام الجيش، وأنفق "أبو سفيان بن حرب" أربعين أوقية من الذهب على قبائل الأحابيش المتحالفة مع قريش.
والآية وان كانت قد نزلت في المشركين الذين أنفقوا أموالهم في أحد، فان الآية عامة، تتناول بوعديها كل من يبذل أمواله في الصد عن سبيل الله ، وفى تأييد الباطل ومعارضة الحق.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيۡهِمۡ حَسۡرَة)
جائت كلمة (يُنفِقُونَ) بصيغة المضارع، وكلمة (فَسَيُنفِقُونَهَا) بصيغة المستقبل للإشارة الى أن انفاق أهل الكفر لمحاربة الإسلام أمر مستمر ولن يتوقف في المستقبل.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيۡهِمۡ حَسۡرَة) يعنى ندامة شديدة.
وهذه إشارة الى أن أي انفاق في معصية الله تعالي، لابد أن تكون نهايته هو الحسرة والندم الشديد.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(ثُمَّ يُغۡلَبُونَۗ) ثم ينتهي الأمر الى هزيمتهم وانتصار الإسلام.
(وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحۡشَرُونَ) ثم تكون الحسرة الكبرى يوم القيامة عندما يحشروا إِلَىٰ جَهَنَّمَ.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلۡخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ وَيَجۡعَلَ ٱلۡخَبِيثَ بَعۡضَهُۥ عَلَىٰ بَعۡضٖ فَيَرۡكُمَهُۥ جَمِيعٗا فَيَجۡعَلَهُۥ فِي جَهَنَّمَۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ ﴿٣٧﴾
(لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلۡخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ)
اللام لام التعليل، يعنى كل هذه الأحداث، والصراع بين الحق والباطل، حتى (يَمِيزَ) وقرأت (يَمَّيِزَ) يعنى يفصل بين الفريق ٱلۡخَبِيثَ وهو فريق الكافرين، وبين الفريق ٱلطَّيِّبِ وهو فريق المؤمنين.
يقول تعالى (وَيَجۡعَلَ ٱلۡخَبِيثَ بَعۡضَهُۥ عَلَىٰ بَعۡضٖ فَيَرۡكُمَهُۥ جَمِيعا فَيَجۡعَلَهُۥ فِي جَهَنَّمَۚ)
يعنى فيكون مصير الفريق الطيب هو دخول الجنة.
أما الفريق ٱلۡخَبِيثَ فيجعله تعالى (بَعۡضَهُۥ عَلَىٰ بَعۡضٖ فَيَرۡكُمَهُۥ جَمِيعا فَيَجۡعَلَهُۥ فِي جَهَنَّمَۚ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ما معنى (فَيَرۡكُمَهُۥ جَمِيعا) ؟
ركم الشيء هو جمعه على بعضه.
كما نقول تراكم علىَّ العمل. أو تراكمت علىَّ المذاكرة.
اذن المشركون يوضع بعضهم على بعض في كومة واحدة ثم يلقي بها في جهنم.
والتعبير بليغ ومؤثر يصورة هذا الفريق الخبيث كأنه شيء مهمل يجمع على بعضه ثم يقذف في النار بغير اهتمام.
(أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ) يعنى هؤلاء الكفار الخبثاء الذين أنفقوا أموالهم في الصد عن سبيل الله، هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ سواء في الدنيا أو في الآخرة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38)
(قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) قُلْ يا محمد- لهؤلاء الكفار من أهل مكة وغيرهم.
(إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) يعنى يُغْفَرْ لَهُمْ كل ما مضي من الكفر ومحاربة الرسول والجرائم في حق المسلمين.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
في قصة اسلام "عمر بن العاص": نحن نعلم أن "عمرو بن العاص" تأخر اسلامه، أسلم في السنة الثامنة من الهجرة، يعنى بعد بعثة الرسول ﷺ بواحد وعشرين سنة، فخرج الى المدينة فقابل في الطريق "خالد بن الوليد" و"عثمان بن طلحة" أول ما قربوا من المدينة واحد من الأنصار شافهم، جري على المسجد يبشر الرسول ﷺ بقدوم "خالد بن الوليد" و"عمر بن العاص" و"عثمان بن طلحة" فقال الرسول ﷺ "هذه مكة قد ألقت إليكم بأفلاذ كبدها" ثم تقدم "خالد بن الوليد" فبايع، وتقدم "عثمان بن طلحة" فبايع، ثم جلس "عمر بن العاص" بين يدي الرسول ﷺ يقول عمرو: والله ما هو إِلاّ أَن جلستُ بين يديه فما استطعت أن أرفع طرْفي إليه حياءً منه، ثم قال "عمرو بن العاص": يا رسول الله، إني أبايعك على أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي، فقال الرسول ﷺ: "يا عمرو بايع، فإن الإسلام يجب ما كان قبله"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ)
يعنى وَإِنْ يَعُودُوا الى قتالك
(فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ)
يعنى القانون الاهي الذي لا يتغير والذي يشهد له التاريخ، أن الله تعالى ينصر عباده المؤمنين، ويمكنهم في الأرض، ويهلك الكافرين المكذبين.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39)
يخاطب الله تعالى عباده المؤمنين، ويأمرهم بقتال المشركين، ويبين لهم حيثية هذا القتال، فيقول تعالى:
(وقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ) يعنى: وقاتلوا المشركين حَتَّى لَا يكون هناك ما يفتن المؤمنين عن دينهم، قاتلوا المشركين حتى لا يكون هناك ما يمنع الناس من دخول الإسلام، قاتلوا المشركين من أجل رفع الأذى والعدوان عن المسلمين.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ونحن نري كيف يحارب الإسلام، وكيف يمنعون من أداء مشاعرهم، وكيف يضطهد المسلمون في كل بقاع الأرض، وكيف يفتن المؤمنون في دينهم:
بورما- الصين- الهند- الفلبين – تايلاند- أوزبكستان- طاجكستان- أفريقيا الوسطي- أثيوبيا- أنجولا
هناك جرائم ومذابح ترتكب ضد المسلمين في ك بقاع الأرض، راح ضحيتها الملايين على مر التاريخ.
الدول الغربية التي تتشدق بالحرية، انظر كيف يمنع المسلمون من أداء مشاعرهم؟
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) يعنى وحتى لا يكون هناك أي دين يحكم العالم غير دين الإسلام.
وهذا لا يعنى اجبار غير المسلم على دخول الإسلام، ولكن هذا يعنى أننا كمسلمون يجب أن نقاتل ونفتح البلاد، ونحكم في هذه البلاد بالعدل وبشريعة الله تعالى، ونضمن للناس حرية اختيار دينهم، سواء الإسلام أو غير الإسلام.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)
يعنى فَإِنِ انْتَهَوْا عن كفرهم وعداوتكم، فتوقفوا عن قتالهم.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)
قال تعالى (فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) لأنهم من الممكن بعد أن يري هؤلاء الكفار وا قوة الإسلام وانتصاره على أعدائه، أن يظهروا الإيمان ويبطنون الكفار، ويعملون على الكيد للإسلام ومحاربته، ولذلك قال تعالى (فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) حتى تطمئنوا الى أن الله بصير بما يعملون، وسينصركم عليهم.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40)
وَإِنْ أصر هؤلاء الكفار على الكفر وعلى عداوتكم وقتالكم.
(فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ)
المولى تأتي بمعنى المحب، والقريب، والناصر.
لأن الإنسان يقترب ممن يحبه. "الرجل تدق مطرح ما تحب"
ولأن الإنسان يستنصر بأقرب شخص له.
فقوله تعالى (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ)
يعنى: فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ -تعالى- ناصركم على أعدائكم.
(نِعْمَ الْمَوْلَى) نِعْمَ المعين
(وَنِعْمَ النَّصِيرُ) وَنِعْمَ النَّصِيرُ لأوليائه.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"
لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
|