الحلقة رقم (489)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)
تفسير وتدبر الآيات من (42) الى (44) من سورة "الأنْفًال" ص 182
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(إِذۡ أَنتُم بِٱلۡعُدۡوَةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُم بِٱلۡعُدۡوَةِ ٱلۡقُصۡوَىٰ وَٱلرَّكۡبُ أَسۡفَلَ مِنكُمۡۚ وَلَوۡ تَوَاعَدتُّمۡ لَٱخۡتَلَفۡتُمۡ فِي ٱلۡمِيعَٰدِ وَلَٰكِن لِّيَقۡضِيَ ٱللَّهُ أَمۡرٗا كَانَ مَفۡعُولٗا لِّيَهۡلِكَ مَنۡ هَلَكَ عَنۢ بَيِّنَةٖ وَيَحۡيَىٰ مَنۡ حَيَّ عَنۢ بَيِّنَةٖۗ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴿٤٢﴾ إِذۡ يُرِيكَهُمُ ٱللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلٗاۖ وَلَوۡ أَرَىٰكَهُمۡ كَثِيرٗا لَّفَشِلۡتُمۡ وَلَتَنَٰزَعۡتُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ سَلَّمَۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ﴿٤٣﴾ وَإِذۡ يُرِيكُمُوهُمۡ إِذِ ٱلۡتَقَيۡتُمۡ فِيٓ أَعۡيُنِكُمۡ قَلِيلٗا وَيُقَلِّلُكُمۡ فِيٓ أَعۡيُنِهِمۡ لِيَقۡضِيَ ٱللَّهُ أَمۡرٗا كَانَ مَفۡعُولٗاۗ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ ﴿٤٤﴾ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ ﴿٤٤﴾
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(إِذۡ أَنتُم بِٱلۡعُدۡوَةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُم بِٱلۡعُدۡوَةِ ٱلۡقُصۡوَىٰ وَٱلرَّكۡبُ أَسۡفَلَ مِنكُمۡۚ وَلَوۡ تَوَاعَدتُّمۡ لَٱخۡتَلَفۡتُمۡ فِي ٱلۡمِيعَٰدِ)
أولًا نشرح مفردات هذه الاية الكريمة:
(ٱلۡعُدۡوَةِ) وقرأت (ٱلۡعِدۡوَةِ) بكسر العين، هو جانب الوادي.
والوادي هو الأرض التي تكون بين الجبال أو التلال أو الآكام.
فتكون نهاية الوادي، أو حافة الوادي، وهي أسفل الجبل أو التل أو الأكمة، يطلق عليها "عدوة" أو يطلق عليها "شاطيء الوادي"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(ٱلدُّنۡيَا) يعنى القريبة، من الدنو وهو القرب.
فٱلۡعُدۡوَةِ ٱلدُّنۡيَا هو جانب وادي بدر الأقرب للمدينة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
و(ٱلۡقُصۡوَىٰ) يعنى البعيد
فٱلۡعُدۡوَةِ ٱلۡقُصۡوَىٰ هو جانب وادي بدر الأبعد للمدينة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَٱلرَّكۡبُ أَسۡفَلَ مِنكُم) الركب هو عير ابي سفيان، (أَسۡفَلَ مِنكُم) يعنى الى الجنوب منك.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ما معنى الآية: يذكر الله تعالى كيف جمع تعالى بين المسلمين وبين المشركين في وادي بدر، حتى يقع القتال الذي أراد الله تعالى أن يقع.
يقول تعالى (إِذۡ أَنتُم بِٱلۡعُدۡوَةِ ٱلدُّنۡيَا) يعنى واذكروا إِذۡ خرجتم تريدون عير قريش حتى نزلتم في جانب وادي بدر القريب من المدينة.
(وَهُم بِٱلۡعُدۡوَةِ ٱلۡقُصۡوَىٰ) وخرج جيش قريش يريد حماية العير حتى نزل جانب الوادي المقابل لكم البعيد عن المدينة.
لا أنتم شعرتم بوصولهم، ولا هم شعروا بوصولكم
(وَٱلرَّكۡبُ أَسۡفَلَ مِنكُم) يعنى والعير التي خرجتم لها وخرجت قريش لها (أَسۡفَلَ مِنكُم( يعنى بعيدة عنكم، كانت على بعد ثلاثة اميال أو حوالى 5 كم
(وَلَوۡ تَوَاعَدتُّمۡ لَٱخۡتَلَفۡتُمۡ فِي ٱلۡمِيعَٰدِ) يعنى لو تَوَاعَدتُّمۡ أنتم وقريش، واتفقتم على موعد للقتال.
(لَٱخۡتَلَفۡتُمۡ فِي ٱلۡمِيعَٰدِ) يعنى ما التقيتم ولا وقع قتال بينكم.
لأن كل فريق سواء المسلمين أو المشركين كان لا يريد أن يقع قتال.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقد رأينا أن الرسول ﷺ عندما استثار الصحابة في القتال، عارضه كثير من الصحابة، وقالوا "انما خرجنا نريد العير" "هلا قلت لنا حتى نستعد"
وقريش ايضًا كانت لا تريد القتال، حتى ان "أبو سفيان" نفسه الذي استدعي قريش للخروج، بعد نجا بالقافلة، أرسل الى جيش قريش وقال لهم:
"إِنِّي قَدْ جَاوَزْتُ الْقَوْمَ فَارْجِعُوا"
ولكن الله تعالى قدر ان يخرج المسلمون من المدينة يريدون عير قريش حتى نزلوا في جانب الوادي، وقدر تعالى أن يخرج جيش قريش يريد حماية العير حتى نزل في جانب الوادي المقابل، دون اي اتفاق بين الفريقين على الالتقاء في هذۡا المكان، والعير التي خرج كل فريق من أجلها غير موجودة في المكان.
وعندنا نزلا لم يكن كل فريق بشعر بوجود الآخر.
حتى أرسل المسلمون من يستسقي لهم من البئر، وأرسل المشركون ايضًا من يستسقي لهم من البئر، فالتقيا هناك وعرف كل منهما صاحبه.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ولذلك بداية الآية (إِذۡ أَنتُم بِٱلۡعُدۡوَةِ ٱلدُّنۡيَا) (إِذۡ) هنا لا أقول أنها بمعنى واذكروا ولكنها (إِذۡ) الفجائية.
فجأة وجد المسلمون والمشركون أنفسهم وجهًا لوجه
ولو تراجع أي فريق فانه يعتبر انسحابًا أمام الفريق الآخر.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (وَلَٰكِن لِّيَقۡضِيَ ٱللَّهُ أَمۡرا كَانَ مَفۡعُولا)
يعنى لِّيَقۡضِيَ ٱللَّهُ تعالى أَمۡرا واقعًا وكائنًا لا محالة، وهو أن يعز الإسلام وأهله، ويذل الشرك وأهله.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(لِّيَهۡلِكَ مَنۡ هَلَكَ عَنۢ بَيِّنَةٖ وَيَحۡيَىٰ مَنۡ حَيَّ عَنۢ بَيِّنَة)
بعنى فعل الله تعالى ذلك، وقدر وقوع هذا القتال: لِّيَهۡلِكَ مَنۡ هَلَكَ عَنۢ بَيِّنَةٖ وَيَحۡيَىٰ مَنۡ حَيَّ عَنۢ بَيِّنَة
الهلاك هو الموت.
فيكون المعنى: فيموت من مات في هذه المعركة بعد عبرة رآها، وحجة قامت عليه من الله،
وكذلك من عاش بعد المعركة، فهو قد عاش بعد أن راي عبرة وحجة عليه من الله تعالى.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقال كثير من أهل العلم أن المقصود بالهلاك في الآية هو الكفر والضلال، وبالحياة الإيمان والهداية.
فيكون المعنى ليكفر من يكفر بعد هذه الموقعة (عَنۢ بَيِّنَة) يعنى بعد أن رأي بعينه هذه الحجة والعبرة، وهي انتصار القلة المؤمنة، وهلاك الكثرة الكافرة.
(وَيَحۡيَىٰ مَنۡ حَيَّ عَنۢ بَيِّنَة) ويمؤمن من يؤمن -كذلك- بعد أن راي هذه الحجة والعبرة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(َوإِنَّ ٱللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ )
يقول ابن عباس: يعنى أن الله تعالى سميع لدعائكم وابتهالكم وتضرعكم، عليم بنياتكم وطاعتكم لله .
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(إِذۡ يُرِيكَهُمُ ٱللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلٗاۖ وَلَوۡ أَرَىٰكَهُمۡ كَثِيرٗا لَّفَشِلۡتُمۡ وَلَتَنَٰزَعۡتُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ سَلَّمَۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ﴿٤٣﴾
يذكر تعالى كرامة أخري وقعت لجيش المسلمين وهي ان الرسول ﷺ رأي في الرؤيا أن جيش المشركين قليل، وأخبر الرسول ﷺ أصحابه بذلك، فقال الصحابة: رؤيا الرسول حق، هم قليل" فكان ذلك أثبت لقلوبهم، وشجعهم على القتال
واحد يقول ازاي الرسول يشوفهم قليل وهم كثير، نقول أن قلة المشركين هي بشارة بنصر المؤمنين وهزيمة المشركين.
(وَلَوۡ أَرَىٰكَهُمۡ كَثِيرا) وَلَوۡ أَرَىٰكَهُمۡ في منامك َكِثيرا يعنى على حقيقتهم.
(لَّفَشِلۡتُمۡ) يعنى لجبنتم عن القتال.
(وَلَتَنَٰزَعۡتُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِ) يعنى ولوقع بينكم الخلاف والشقاق والنزاع، فريق يريد القتال وفريق يرفض القتال.
وأصلها أن كل واحد يريد أن ينزع صاحبه عما هو عليه.
ولو حدث خلاف في الجيش قبل المعركة فلابد أن يهزم هذا الجيش.
ولذلك من أسباب هزيمة قريش في بدر هو وقوع الخلاف في جيش المشركين قبل بدر، كان هناك فريق يريد القتال وفريق يرفض القتال، بينما في معسكر المسلمين: استشار الرسول الصحابة وقال كل فريق رأيه، ثم استقر أمرهم جميعًا واجمعوا جميعًا على القتال.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ سَلَّمَۚ) يعنى وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ تعالى -بلطفه- سَلَّمَۚ من أن يقع بينكم نزاع.
وسلم من أن تفشلوا أو تجنبوا عن القتال.
وسلم من الهزيمة وكتب لكم النصر على عدوكم.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ)
قال ابن عباس: علم ما في صدوركم من اليقين والحب لله والطاعة لرسوله
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَإِذۡ يُرِيكُمُوهُمۡ إِذِ ٱلۡتَقَيۡتُمۡ فِيٓ أَعۡيُنِكُمۡ قَلِيلٗا وَيُقَلِّلُكُمۡ فِيٓ أَعۡيُنِهِمۡ لِيَقۡضِيَ ٱللَّهُ أَمۡرٗا كَانَ مَفۡعُولٗاۗ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ ﴿٤٤﴾
هذه كرامات أخري وقعت للمسلمين في غزوة بدر:
ذلك بعد ان أخبر الرسول ﷺ الصحابة بأنه رأي المشركين قليل، وشجع ذلك المسلمون على القتال، ثم اصطف الجيشان.
لو رأي المسلمون المشركين على عددهم الحقيقي، لقالوا لقد أخبرنا الرسول ﷺ أن عددهم قليل، وربما جبنوا عن القتال.
ولكن الله تعالى كرامة لهذا الجيش، جعل المسلمون يرون المشركين قليل.
حتى روي عن عبدالله بن مسعود قَالَ: لَقَدْ قُلِّلُوا فِي أَعْيُنِنَا يَوْمَ بَدْرٍ حَتَّى قُلْتُ لِرَجُلٍ إِلَى جَنْبِي: تُرَاهُمْ سَبْعِينَ؟ قَالَ: لَا، بَلْ هُمْ مِائَةٌ، حَتَّى أَخَذْنَا رَجُلاً مِنْهُمْ فَسَأَلْنَاهُ قَالَ: كُنَّا أَلْفًا.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (وَإِذۡ يُرِيكُمُوهُمۡ إِذِ ٱلۡتَقَيۡتُمۡ فِيٓ أَعۡيُنِكُمۡ قَلِيلٗا وَيُقَلِّلُكُمۡ فِيٓ أَعۡيُنِهِمۡ)
(يُرِيكُمُوهُمۡ قَلِيل) غير (يُقَلِّلُكُمۡ)
(يُرِيكُمُوهُمۡ قَلِيل) يعنى يروا الألف مائة.
ولكن (يُقَلِّلُكُمۡ) يعنى جعلهم يستقلون بكم، أو يستهينون بكم.
كما تقول لأحدهم "ما تستقلش بيه"
حتى أن أبو جهل كان يقول لجيش المشركين: إنما أصحاب محمد أكلة جزور، يعني يكفيهم جزور واحد لقلّتهم، لا تقتلوهم ولكن اربطوهم بالحبال.
والأستهانة بالعدو من أهم أسباب وقع الهزيمة بالجيش الذي يستهين بخصمه
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
فلما رأي المسلمون المشركين قليل شجعهم على القتال.
ولما استقل المشركون بالمسلمين خذلهم ذلك عن القتال.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(لِيَقۡضِيَ ٱللَّهُ أَمۡرٗا كَانَ مَفۡعُولاۗ)
يعنى فعل الله تعالى ذلك حتى يتحقق أمرًا واقعًا لا محالة، وهو أن يعز الإسلام وأهله، ويذل الشرك
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ ﴿٤٤﴾
وَإِلَى ٱللَّهِ تعالى وحده تُرۡجَعُ كل ٱلۡأُمُورُ سواء في الدنيا أو في الآخرة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"
لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
|