الحلقة رقم (494)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)
تفسير وتدبر الآية (60) من سورة "الأنْفًال" ص 184
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَيۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمۡ لَا تَعۡلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعۡلَمُهُمۡۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيۡءٖ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ ﴿٦٠﴾
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّة) يعنى وأعدوا لأعدائكم كل ما تستطيعونه مِّن قُوَّة.
اذن التكليف الإلاهي لعباده المؤمنين ليس أن تكون قوتهم أكبر من قوة أعدائهم، ولا حتى أن تساوي قوة عدوهم، ولكن أن يعدوا من القوة قدر استطاعتهم، حتى لو كانت النتيجة أن قوتهم اقل من قوة أعدائهم فان الغلبة ستكون لهم، لأن المؤمنين لهم مدد من السماء، والكفار ليس لهم ذلك المدد من السماء
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وذكرت كلمة (قُوَّة) نكرة، يعنى كل أنواع القُوَّة من السلاح والعتاد والحصون، وقوة بدنية، وتدريب، وغير ذلك من عناصر القتال.
وان كان الرسول فسر القوة في هذه الآية وهو على المنبر، فتلا ﷺ قوله تعالى (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ) ثم قال ﷺ "ألا إنَّ القوَّةَ الرَّميُ، ألا إنَّ القوَّةَ الرَّميُ، ألا إنَّ القوَّةَ الرَّميُ" قالها ثلاثة، يريد أن أهم عنصر من عناصر الأسلحة، هي الأسلحة التي تعتمد على الرمي، لأن هذه الأسلحة تمكنك من عدوك، ولا تمكن العدو منك، وكانت قديمًا محصورة في سلاح واحد، وهو "النَّبْل" أو السهام، واستخدم الرسول هذا السلاح بنجاح في غزوة أحد، وبالرغم من التفوق العدد الكبير للمشركين على المسلمين في "أحد"، فكانت أعداد المسلمين سبعمائة مقاتل، وأعداد المشركين ثلاثة آلاف، يعنى أكثر من أربعة أضعاف، الا أن الرسول استطاع أن يتفوق على المشركين في الجزء الأول من معركة "أحد" بفضل استخدام سلاح الرمي.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ومع تطور الأسلحة، ظلت الأسلحة التي تعتمد على الرمي، هي الأسلحة التي ترجح كفة جيش على جيش آخر، فمع اكتشاف البنادق والمدافع ثم الطائرات، ثم الصواريخ، والصواريخ عابرة القارات-وكل هذه أسلحة تعتمد على الرمي- كانت الدول التي امتلكت هذه الأسلحة، هي الدول الأقوي، وهي الدول المتفوقة عسكريُا.
بل أصبح مدي السلاح نفسه، هو معيار قوة هذا السلاح.
وصدق الرسول ﷺ "ألا إنَّ القوَّةَ الرَّميُ، ألا إنَّ القوَّةَ الرَّميُ، ألا إنَّ القوَّةَ الرَّميُ" قالها ثلاثة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
بقول تعالى (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَيۡلِ)
رِّبَاطِ ٱلۡخَيۡلِ هي الخيول المربوطة للحرب، الخيل المربوطة للقتال في سبيل الله.
فالمعنى: وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ، وَأَعِدُّواْ لَهُم رِّبَاطِ ٱلۡخَيۡلِ
يعنى: وَأَعِدُّواْ الخيول للحرب.
لماذا ذكر الخيول بالتحديد؟ مع أن الخيول من ضمن القوة التى أمر باعدادها؟ يعنى كان يكفي أن يقول (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ) ويسكت، لأن كلمة (قُوَّةٖ) تتضمن اعداد الخيول؟
الإجابة: لأن (ٱلۡخَيۡلِ) هي أقوي سلاح من أسلحة
الجهاد، وكانت قوة الجيش تقاس بعدد الخيول فيها.
فقوله -تعالى- (وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَيۡلِ) هو أمر من الله تعالى للمسلمين باقتناء أقوي الأسلحة الحربية.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لذن هو أمر من الله تعالى للمسلمين الآن بامتلاك السلاح النووي، لأن السلاح النووي هو اقوي الأسلحة الآن، ولو ظهر في المستقبل سلاح أقوي منه، فهو امر بامتلاك هذا السلاح.
اذن امتلاك الدول الإسلامية للسلاح النووي هو أمر قرآني
عدد الدول الإسلامية 57 دولة، ليست هناك دولة من الدول الإسلامية تمتلك سلاح نووي سوي دولة واحدة وهي باكستان، ودولة باكستان أعلنت أن سلاحها النووي خاص بها فقط، ولا توجهه الا لغير اعدائها، ولذلك يجب على كل دولة إسلامية أو مجموعة دول إسلامية أن تسعي لامتلاك السلاح النووي، ونحن -نعلم جميعًا- أننا نعيش في عالم لا يُحْتَرم فيه الا القوي فقط.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ومن دقة الأداء القرآني أنه أعطانا ترتيباً للحرب، فالحرب تبدأ أولاً بهجوم يحطم قوة العدو بالرمي، والذي كان قديمًا يتم بالسهام، ثم أصبح بعد ذلك يتم بالبنادق والمدافع والصواريخ والطائرات، وهذا الهجوم بالرمي ينهك العدو، ولكنه لا يمكن أن يستولى على مكان، ثم بعد الرمي يأتي دور الهجوم البري، والذي كان يتم قديمًا برباط الخيل، ثم اصبح الآن بالمدرعات والدبابات وسلاح المشاة، ولا يمكن أن يحدث العكس أبداً.
اذن الآية أعطتك ترتيب الحرب (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ) وهي الرمي، وبعد الرمي وانهاك العدو يأتي دور الحرب على الأرض (وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَيۡلِ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ)
يعنى: تخوفون به عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ.
بعض الحاقدين على الإسلام يقولون أن الإسلام يدعو للإرهاب لأن القرآن يقول (تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ) نقول لهم أن تعريفات الإرهاب كثيرة جدًا، تختلف باختلاف الحكومات والمنظمات، ومع كثرة تعريفات الإرهاب، ليس هناك تعريف واحد يقول أن الإرهاب هو أن تعد الدولة جيش بلادها لا لتستخدمه في الاعتداء ولكن لتخوف به أعدائها.
حتى أنه جرت عادة الدول أن تقوم سنويًا بعمل عرض عسكري لجيوشها، والهدف من هذا العرض العسكري هو تخويف الدول المعادية حتى لا تتجرأ بمهاجمتها، فعل هذا العر ض العسكري يعتمر عملًا ارهابيًا.
اذن أنت جئت من القرآن العظيم بكلمة (تُرۡهِبُونَ) والذي ليس معنى لغوي الا معنى واحد فقط، وهو "تخوفون" وأسقطه على معنى آخر أنت اخترعته، ثم اتهمت الإسلام بهذا المعنى الذي اخترعته، وهذا قمت التدليس وقلب الحقائق.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ)
يعنى تخوفون به عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ.
اذن لم يأمرنا الله تعالى بأن نمتلك أسباب القوة حتى تكون أداء اعتداء وطغيان، ولكنه -تعالى- أمرنا أن نمتلك القوة حتى نخيف أعدائنا فلا تقع الحرب
والذي يحفظ السلام في العالم هو وجود تعادل قوي بين الدول، وهو ما يطلق عليه "توازن الرعب"
فعندما امتلكت الولايات المتحدة القنبلة الذرية، أسرع الاتحاد السوفيتي بامتلاك السلاح الذري، ولما امتلك الاتحاد السوفيتي القنبلة الذرية، أسرعت الصين جارتها بامتلاك الساح الذري، ولما امتلكت الصين السلاح الذري، امتلكت جارتها الهند السلاح الذري، ولما امتكته الهند امتلكته باكستان
وسبب الحرب الروسية الأوكرانية، هو أن أوكرانيا تخلت عن سلاحها النووي، ولو لم تتخلى عن سلاحها النووي لما جرأت روسيا على الإعتداء عليها.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمۡ لَا تَعۡلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعۡلَمُهُمۡۚ)
وتخوفون أيضًا قومًا آخرين (مِن دُونِهِمۡ) يعنى مِن غيرهم
(لَا تَعۡلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعۡلَمُهُمۡۚ)
يعنى لا تعدوا أسلحتكم لتكفي مواجهة أعدائكم فقط، لأن أعدائكم ليسوا فقط الذين تعرفونهم، بل ان هناك أعداء آخرين، لا يظهرون لكم عداوتهم، وانما ينتظرون فرصة مواتية للإنقضاض عليكم.
وقوله تعالى (ٱللَّهُ يَعۡلَمُهُمۡۚ) تأكيد لوجود هؤلاء الأعداء الذين لا يعرفهم المسلمون,
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وهذا يدل على كثرة أعداء المسلمين، وهذا موجود في العصور، عندما ظهر الإسلام اتحد على المسلمين لأول مرة الفرس والروم، بالرغم من تاريخ طويل من الحروب بين الفرس والروم امتد لمئات السنين، فلما جاء الإسلام اتحد الفرس والروم -لأول مرة في تاريخهم- في جيش واحد ضد المسلمين، وقد هزمهم الله تعالى بقيادة "خالد بن الوليد"
ثم اتحد التتار مع الصليبين ضد المسلمين بالرغم من العداء بينهم.
واتحدت دول أوروبا ضد الدولة العثمانية بالرغم من التاريخ الطويل للحروب بينهم.
وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي اتفقت كل بلاد العالم على محاربة الإسلام ووصفه بالإرهاب.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيۡء فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيۡكُمۡ)
حتى نمتلك هذه القوة التى أمر الله تعالى بامتلاكها؟
لابد أن يكون اقتصاد الدولة اقتصاد قوي.
وهناك ارتباط وثيق بين القوة الاقتصادية والقوة العسكرية
فالدولة القوية اقتصادية تكون قوية عسكريًا، لأن تجهيز الجيوش يحتاج الى أموال كثيرة، ولذلك أمر الله تعالى بالإنفاق في سبيل الله، قال تعالى: (وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيۡء فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ) يعنى في شراء السلاح أو الخيل أو العتاد للقتال (يُوَفَّ إِلَيۡكُمۡ) يخلف لكم في الدنيا، ولا يضيع أجره يوم القيامة.
(وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ)
لا تنقصون من الثواب
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ملخص تدبر الآية الكريمة:
يقول تعالى (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ) يعنى وَأَعِدُّواْ لأعدائكم كل ما تستطيعونه وكل ما تقدروا عليه مِّن قُوَّةٖ (وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَيۡلِ) ومطلوب منكم أن تستعدوا بأقوي الأسلحة (تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ) هذا السلاح ليس للإعتداء على الآخرين، ولكن حتى تخوفوا أعدائكم فلا تقع الحرب (وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمۡ لَا تَعۡلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعۡلَمُهُمۡ) يعنى وهناك أعداء آخرين يتربصون بكم، اذن تعد سلاحك ليس على قدر أعدائك الذين تعرفهم، ولكن ايضًا قدر أعدائك الذين تعرفهم والذين لا تعرفهم، ثم يشجع الله تعالى على الإنفاق في اعداد الجيوش، فقال تعالى (وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيۡءٖ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"
لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
|