Untitled Document

عدد المشاهدات : 1010

الحلقة (495) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تفسير وتدبر الآيات من (61) الى (63) من سورة "الأنْفًال" (وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلۡمِ ……

الحلقة رقم (495)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)
تفسير وتدبر الآيات من (61) الى (63) من سورة "الأنْفًال" ص 184

        

(وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلۡمِ فَٱجۡنَحۡ لَهَا وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ ﴿٦١﴾ وَإِن يُرِيدُوٓاْ أَن يَخۡدَعُوكَ فَإِنَّ حَسۡبَكَ ٱللَّهُۚ هُوَ ٱلَّذِيٓ أَيَّدَكَ بِنَصۡرِهِۦ وَبِٱلۡمُؤۡمِنِينَ ﴿٦٢﴾ وَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡۚ لَوۡ أَنفَقۡتَ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مَّآ أَلَّفۡتَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيۡنَهُمۡۚ إِنَّهُۥ عَزِيزٌ حَكِيمٞ ﴿٦٣﴾

        

بعد ان أمر الله تعالى في الآية السابقة باعداد القوة العسركية، فقال تعالى (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ) يعنى وَأَعِدُّواْ لأعدائكم كل ما تقدروا عليه مِّن قُوَّةٖ (وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَيۡلِ) ومطلوب منكم أن تستعدوا بأقوي الأسلحة (تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ) هذا السلاح ليس للإعتداء على الآخرين، ولكن حتى تخوفوا أعدائكم فلا تقع الحرب (وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمۡ لَا تَعۡلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعۡلَمُهُمۡ) يعنى وهناك أعداء آخرين يتربصون بكم، اذن تعد سلاحك ليس على قدر أعدائك الذين تعرفهم، ولكن ايضًا قدر أعدائك الذين تعرفهم والذين لا تعرفهم، ثم يشجع الله تعالى على الإنفاق في اعداد الجيوش، فقال تعالى  (وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيۡءٖ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ)
        

(وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلۡمِ فَٱجۡنَحۡ لَهَا وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ ﴿٦١﴾
(وَإِن جَنَحُواْ) الجنوح هو الميل، وهي من جناح الطائر، أن الطائر إذا أراد أن ينزل فانه يميل بجناحه الى الجانب الذي يريد أن ينزل اليه، ولذلك نقول جنحت السفينة لأنها اذا اصطدمت باليابسة فإنها تميل. 
فمعنى
(وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلۡمِ فَٱجۡنَحۡ لَهَا) يعني: إذا أراد أعدائك الصلح والمسالمة فاقبل هذا منهم وصالحهم.
 
اذن فالله تعالى لم يأمرنا بان نكون أقوياء، وأن نمتلك السلاح حتى نعتدي على غيرنا، أو أن يكون هذا السلاح أداء طغيان، ولكن الله تعالى أمرنا أن نمتلك السلاح، حتى نمنع الحرب، وحتى يسود السلام.
        

وقد رأينا عندما عقد الرسول ﷺ صلح الحديبية دخل في الإسلام في فترة قصيرة -حوالى سنتين فقط- أضعاف الذين دخلوا في الإسلام منذ بداية الدعوة حتى وقت الصلح، حوالى 20 سنة.
        

ولكن لنا هنا ملحظ أن الآية الكريمة تقول أن يقبل المسلمون الصلح اذا طلب المشركون ذلك (وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلۡمِ فَٱجۡنَحۡ لَهَا) وطالما أن العدو هو الذي عرض السلام، فلابد أنه في حالة ضعف وهزيمة، والمسلمون في حالة قوة وغلبة. 
ولذلك قال تعالى في سورة محمد
(فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ) يعنى اياك أن تبدأ أنت وتعرض الصلح على العدو وأنت في حالة الهزيمة، لأن طلب الصلح من العدو في حالة الهزيمة، يعنى تقديم تنازلات للعدو.
        

ولذلك من دقة الأداء القرآني أنه استخدم هذا التعبير (وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلۡمِ) وقلنا أن الجنوح هو الميل، وهي كلمة توحي بتطامن العدو وانكساره، ثم قال تعالى (فَٱجۡنَحۡ لَهَا) يعنى لا تستعلى على العدو لضعفه، ولكن قابل هذا التطامن والانكسار من العدو بالتواضع وعدم الاستعلاء عليه.  
        

ثم قال تعالى (وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ) 
يعنى سواء اخترت حربهم أو اخترت السلام فاجعل توكلك على الله تعالى، يعنى اجعل اعتمادك على الله.
واطمئن الى أن الذي تتوكل عليه
"سَّمِيعُ عَلِيمُ" يعنى "سَّمِيعُ" لأقوالهم "عَلِيمُ" بنياتهم.


        

(وَإِن يُرِيدُوٓاْ أَن يَخۡدَعُوكَ فَإِنَّ حَسۡبَكَ ٱللَّهُۚ هُوَ ٱلَّذِيٓ أَيَّدَكَ بِنَصۡرِهِۦ وَبِٱلۡمُؤۡمِنِينَ ﴿٦٢﴾
يعنى واذا اراد هؤلاء الذين جنحوا للسلم أن يخدعوك بأن يظهروا طلب الصلح والهدنة وهم يبطنون الغدر والخيانة، فلا تجعل ذلك يجعلك ترفض المصالحة.
يقول تعالى
(فَإِنَّ حَسۡبَكَ ٱللَّهُ) 
يعنى يكفيك الله تعالى لدفع خداعهم وغدرهم.
        

(هُوَ ٱلَّذِيٓ أَيَّدَكَ بِنَصۡرِهِۦ وَبِٱلۡمُؤۡمِنِينَ) 
وتذكر أن الله تعالى هُوَ الذي (أَيَّدَكَ) يعنى قواك، فكتب لك النصر، في بدر، وذلك بمدد سماوي وخوارق مثل نزول الملائكة.
وَ أَيَّدَكَ
(بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ) وهم الصحابة من المهاجرين والأنصار، والذين هانت عليهم أنفسهم وأموالهم فى سبيل إعزاز هذا الدين ، وإعلاء كلمته ، وأصبحوا يدخلون في المعارك وهم حريصون على الموت والشهادة اكثر من حرصهم على الحياة.
        

 (وَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡۚ لَوۡ أَنفَقۡتَ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مَّآ أَلَّفۡتَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيۡنَهُمۡۚ إِنَّهُۥ عَزِيزٌ حَكِيمٞ ﴿٦٣﴾
يعمى من مظاهر تأييد الله لك -يا محمد- أن الله تعالى أَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِ أصحابك.
لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- عندما هاجر من مكة الى المدينة، كانت هناك عداوة مستحكمة بين الأوس والخزرج، وكان هناك تاريخ طويل من الحروب استمر أكثر من مائة وأربعين سنة، وهناك ثارات بين القبيلتين.
ولو أن هذه القلوب ظلت على تنافرها كما كانت قبل الإسلام، لما استطاعت الدولة الإسلامية أن تواجه أعدائها، بل كانت ستظل مشغولة بحروبها الداخلية.
وهذا ما حدث في أحداث الفتنة الكبري بين على ومعاوية، حيث توقفت الفتوحات الإسلامية لأول مرة، وانشغل المسلمون بالحروب فيما بينهم.


        

يقول القرطبي: أن تأليف قلوب العرب كان من معجزات النبي ﷺ لأن العرب كانوا أكثر الناس حمية وأنفة، وكانت الحروب تقوم بين قبائل العرب لأتفه السباب، وربما تستمر هذه الحرب عدة سنوات.
مثلًا هناك حرب اسمها حرب "البسوس" استمرت أربعين سنة، كان سببها ناقة بقبيلة رماها رجل بسهم فماتت.
وهناك حرب
"داحس والغبراء" وهذا اسم فرسين تسابقا مع فرسين آخرين، فقامت الحرب بين عدة قبائل بسبب هذا السباق، واستمرت هذه المعركة كذلك أربعين سنة.
حتى ذكرت بعض المصادر أن عدد الحروب الجاهلية في هذه الفترة بلغت 1700 حربًا


        

(لَوۡ أَنفَقۡتَ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مَّآ أَلَّفۡتَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡ) لَوۡ أَنفَقۡتَ كل مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ من أموال لما استطعت أن تؤلف بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡ،  وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ بقدرته أَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡ، ذلك لأن الله تعالى (عَزِيزٌ) لا يغلبه شيء (حَكِيم) يضع كل شيء في موضعه.

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇