Untitled Document

عدد المشاهدات : 1052

الحلقة (497) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تفسير وتدبر الآيات (67) و (68) و(69) من سورة "الأنْفًال" (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ ……

الحلقة رقم (497)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)
تفسير وتدبر الآيات (67) و (68) و(69) من سورة "الأنْفًال" ص 185

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُۥٓ أَسۡرَىٰ حَتَّىٰ يُثۡخِنَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنۡيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلۡأٓخِرَةَۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيم ﴿٦٧﴾ لَّوۡلَا كِتَٰبٞ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمۡ فِيمَآ أَخَذۡتُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ ﴿٦٨﴾ فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمۡتُمۡ حَلَٰلٗا طَيِّبٗاۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ﴿٦٩﴾

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

يقول تعالى (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُۥٓ أَسۡرَىٰ حَتَّىٰ يُثۡخِنَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ)
الأسري جميع أسير، وهي من الإسار، وهو القيد الذي يقيد به.
(حَتَّىٰ يُثۡخِنَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ) الاثخان هو: المبالغة في القتل والتنكيل بالعدو.
وهي من الثخانة يعنى الغلظ، نقول في التعبير العامي: ده تخين.
اذن قوله تعالى
(حَتَّىٰ يُثۡخِنَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ) حتى يكثر من القتل والتنكيل بأعدائه.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
نزلت هذه الآيات في اسري بدر، وقد كانت نتيجة معركة بدر -كما نعلم- هي انتصار المسلمون على المشركين، وقتل في معركة بدر من المسلمين 14 رجلًا، وقتل من المشركين سبعون، وأسر سبعون.
فلما أسر هؤلاء السبعون وأُخِذُوا الى المدينة، استشار الرسول ﷺ الصحابة في شأن هؤلاء الأسري، فقال أبو بكر الصديق: هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية، فتكون لنا قوة على الكفار، وعسى الله أن يهديهم للإسلام. وقال عمر بن الخطاب: أري أن نضرب أعناقهم، فَإِنَّ هَؤُلاءِ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَقَادَتُهَا.
ومال الرسول ﷺ الى رأي أبي بكر الصديق، واختار ألا يقتل الأسري وإنما يقبل الفداء.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
فعاتب الله تعالى الرسول ﷺ على ذلك، فقال تعالى: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُۥٓ أَسۡرَىٰ حَتَّىٰ يُثۡخِنَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ) 
يعنى لا ينبغي لنبي من الأنبياء (أَن يَكُونَ لَهُۥٓ أَسۡرَىٰ) يعنى: أَن يَكُونَ لَهُۥٓ أَسۡرَىٰ يعفو عنهم ولا يقتلهم (حَتَّىٰ يُثۡخِنَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ) يعنى الا بعد أن يكثر من القتل في أعدائه، وأن ينكل بهم، حتى يحقق لنفسه هيبة بين أعدائه.
يقول ابْنِ عَبَّاسٍ:
(حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأرض) يعنى: حَتَّى يَظْهَرَ عَلَى الأَرْضِ.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اذن الآية تقول إن هناك مرحلتين في التعامل مع الأعداء: المرحلة الأولي: هي مرحلة الشدة والغلظة، ثم بعد أن يحقق لنفسه الهيبة، وتكون له الغلبة، والسلطان والقوة والظهور في الأرض تأتي المرحلة التالية، وهي مرحلة التسامح مع الأعداء.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
والخطأ الذي عاتب فيه الله -سبحانه وتعالى- الرسول ﷺ هو أنه بدأ بالعفو والتسامح، أول مرة يقدر فيها على المشركين -هم أسري بدر- فعفا عنهم جميعًا، والمفروض أن هذه المرحلة هي مرحلة "الإثخان فِي ٱلۡأَرۡضِ" مرحلة الغلظة في التعامل مع الأعداء، حتى يحقق لنفسه الهيبة بين أعدائه، وحتى لا يجرؤا عليه.
وخصوصُا أن في هذه المرحلة وهي مرحلة الضعف وعدم التغلب، لو أطلقت سراح الأسير، فانه سيعود ويقاتلك مرة أخري، وهذا ما حدث فعلا، عندما أطلق الرسول ﷺ سراح أسري بدر، عاد معظمهم لحرب الرسول ﷺ بعد عام واحد في غزوة أحد.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ولذلك أن بعد تحقق النصر للمسلمين، وبدأ المسلمون يأخذون الأسري، كان "سعد بن معاذ" سيد الأوس، واقفًا يحرس الرسول، فرأي الرسول ﷺ "سعد بن معاذ" كأنه ينظر الى شيء يكرهه، فقال له الرسول ﷺ "كَأَنَّكَ تَنْظُرُ إِلَى شَيْءٍ تَكْرُهُه" فقال سعد: "أجل والله يا رسول الله، كانت هذه أول وقعة أوقعها الله بأهل الشرك، فكان الإِثخان فى القتل، أحب إلى من استبقاء الرجال"


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

اذن الآية ليست أمرًا بقتل الأسري في جميع الأحوال، بدليل أن الله تعالى أنزل في شأن الأسري في سورة محمد (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً) يعنى اما أن تطلقوا الأسري بدون مقابل، واما أن تطقوا الأسري مقابل فداء، ولم يضع القتل من ضمن الخيارات.
وهذا ما حدث عند فتح مكة، قال لهم الرسول
"لا تثريب عليكم اليوم اذهبوا وأنتم الطلقاء" حتى المجموعة الوحيدة التى حملت السلاح وحاربت المسلمين، عند فتح مكة، وكانوا بقيادة "عكرمة بن ابي جهل" عفا عنهم الرسول ﷺ.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اذن قول الله تعالى (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُۥٓ أَسۡرَىٰ حَتَّىٰ يُثۡخِنَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ)
لا ينبغي للنبي -وهو يحمل مهمة نشر دين الله في الأرض- أن يبدأ بالتعامل مع أعدائه بالتسامح، حتى يمر بمرحلة تحقيق الهيبة وتثبيت أركان الدولة.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وهذا يدل على أن مرحلة الإثخان في الأرض، أو مرحلة التعامل مع العدو بغلظة، هذه المرحلة ليست بغرض الإنتقام أو التشفي، ولكنها مرحلة مؤقتة حتى تحقق الدولة لنفسها الهيبة، وتثبت اركانها، ثم تعود الدولة المسلمة -بعد ذلك- الى طبيعتها الأساسية وهي طبيعة العفو والتسامح.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنۡيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلۡأٓخِرَةَۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيم)
العرض هو الشيء الذي لا يثبت ولا يدوم، ولذلك نقول: عرض سينمائي، لأنه شيء يمر ولا يثبت.
فقوله تعالي
(تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنۡيَا) يعنى: تُرِيدُونَ بأخذ الفداء من الأسري دُّنۡيَا زائلة.
(وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلۡأٓخِرَةَۗ) وَٱللَّهُ تعالى يُرِيدُ لكم ثواب ٱلۡأٓخِرَةَۗ.
يعنى أنتم لم تفكروا أيهما أنفع للأمة، الفداء أم القتل.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لو كنتم فكرتم في الأنفع للأمة كنتم قد اخترتم قتل الأسري، لأن قتل الأسري، سيجعل -لكم هيبة في الجزيرة، ولأن الذين تطلقون سراهم اليوم سيعودون لقتالكم غدًا.
أنتم فكرتم في مصلحتكم الشخصية، وهي الأموال التي ستأخذونها مقابل الفداء.
والمسلمون كانوا يعيشون في هذه الفترة في ظروف اقتصادية سيئة وقاسية جدًا.
وكانت أموال الفداء كبيرة، فقد كان أسير يدفع فداء ألف دينار الى أربعة آلاف دينار، على حسب يسره وعسره.
الدينار وزنه 4.25 جرام ذهب عيار 24
اذن كل أسير سيدفع من حوالى ربع مليون الى مليون دولار أمريكي.
نصيب المسلم الذي شارك في غزوة بدر حوالى 4 مليون جنيه مصري، يعنى حوالى 130.000 دولار أمريكي.
هذه الثروة الكبيرة، مع ما هم فيه من فقر شديد جعلهم يختارون استبقاء الأسري بدلًا من قتلهم.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

سؤال: هل الرسول ﷺ عندما مال الى الفداء هل كان يريد الدنيا؟ وهل أبو بكر الصديق عندما اقترح الفداء كان يريد الدنيا؟
نقول: لا الرسول ﷺ ولا أبو بكر الصديق كانا يريدان الدنيا بمعنى الأموال، ولكن الدنيا في حق الرسول ﷺ: هي عاطفة الرسول ﷺ تجاه أهله، وتجاه عشيرته، عاطفة الرسول ﷺ تجاه أقاربه من الأسري من بنى هاشم، وكان الرسول ﷺ يعلم أنهم قد خرجوا مستكرهين.
كان بين الأسري عمه العباس.
أحد الصحابة يقول: "كان العباس أعظم الناس عند رسول الله ﷺ "
وتقول السيدة عائشة "ما رأيت رسول الله ﷺ يجل أحدا ما يجل العباس"
والعباس له مواقف مع الرسول ﷺ مثل موقفه يوم بيعة العقبة. 
وكان من بين الأسري "عقيل بن أبي طالب" ابن أبي طالب عم الرسول ﷺ
كان ما بين الأسري " أبو العاص بن الربيع" زوج بنته زينب، وكانت زينب -رضى الله عنها- تحب زوجها حبًا شديدًا.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اذن قول الله تعالى (تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنۡيَا) هي في حق الرسول ﷺ ليست الأموال ولكن عاطفة الرسول ﷺ تجاه قرابته وعشيرته.
ولذلك عندما نزلت هذه الآية بكي الرسول ﷺ وبكي أبو بكر، لأن الرسول ﷺ علم أنه قد أخطأ في اجتهاده. 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يقول تعالى (لَّوۡلَا كِتَٰبٞ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمۡ فِيمَآ أَخَذۡتُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ ﴿٦٨﴾
يعنى لَّوۡلَا قضاء مِّنَ ٱللَّهِ -تعالى- (سَبَق)َ في اللوح المحفوظ (لَمَسَّكُمۡ فِيمَآ أَخَذۡتُمۡ) يعنى من الفداء (عَذَابٌ عَظِيم)

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ما الذي سبق في قضاء الله؟ 
قال بعض العلماء أن قضاء الله الذي سبق هو أن الله تعالى لا يعاقب أحدًا بخطأ، وقد اجتهد الصحابة وأخطأوا في اجتهادهم.
وقال البعض أن الذي سبق هو أن الله تعالى قد غفر لأهل بدر.
وقال البعض أن المراد هو أن الله تعالى لا يعذب قومًا عن فعل، الا بعد أن يبين هذا الأمر، ولم يكن قد نزل نهي عن أخذ الفداء.
والعلماء قالوا إن الآية تحمل كل هذه المعاني.
ويعلق الرسول ﷺ على هذه الآية فيقول
"لو نزل عذاب من السماء ما نجا منه غير عمر بن الخطاب وسعد بن معاذ ".


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

ثم يقول تعالى (فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمۡتُمۡ حَلَٰلٗا طَيِّبٗاۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ﴿٦٩﴾
لما نزل قول الله تعالى (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُۥٓ أَسۡرَىٰ حَتَّىٰ يُثۡخِنَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنۡيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلۡأٓخِرَةَ) ترك الصحابة ما أخذوه من أموال الفداء.
فقال تعالى
(فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمۡتُمۡ) يعنى من أموال الفداء.
(حَلَٰلا طَيِّباۚ) تأكيد للإباحة.
لأن الله تعالى يعلم ورع الصحابة، فلو كان قد قال (حَلَٰلا) فقط ربما تحرج أو تردد البعض في أخذه، فأكد الله تعالى الإباحة فقال (حَلَٰلا طَيِّباۚ)
(وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ) هذا هو الدرس المستفاد: وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ في كل أحوالكم، لإنكم تسرعتم في موضوع أخذ الفداء.

(ِنَّ ٱللَّهَ غَفُور رَّحِيم) 
غفر لكم عندما أردتم عرض الدنيا، ورحيم بكم حين أباح لكم أخذ الفداء 

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇