Untitled Document

عدد المشاهدات : 1180

الحلقة (501) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تفسير وتدبر الآيات من (1) الى (6) من سورة "التَوْبًة" (بَرَآءَة مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ……

الحلقة رقم (501)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)
تفسير وتدبر الآيات من (1) الى (6) من سورة "التوبة" ص 187

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(بَرَآءَة مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّم مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ﴿١﴾ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ (2) وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (3) إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلۡأَشۡهُرُ ٱلۡحُرُمُ فَٱقۡتُلُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ حَيۡثُ وَجَدتُّمُوهُمۡ وَخُذُوهُمۡ وَٱحۡصُرُوهُمۡ وَٱقۡعُدُواْ لَهُمۡ كُلَّ مَرۡصَدٖۚ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ﴿٥﴾ وَإِنۡ أَحَد مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ٱسۡتَجَارَكَ فَأَجِرۡهُ حَتَّىٰ يَسۡمَعَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبۡلِغۡهُ مَأۡمَنَهُۥۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَعۡلَمُونَ ﴿٦﴾

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

نعلم أن الرسول ﷺ فتح مكة في 20 رمضان من السنة الثامنة من الهجرة، وبعد فتح مكة بأقل من شهر في الثالث عشر من شهر شوال وقعت غزوة حنين، وكانت هذه آخر مواجهة بين الرسول ﷺ وبين العرب. 
وبعد فتح مكة وبعد غزوة "حنين" خضعت الجزيرة العربية بالكامل للرسول ﷺ ، ولكن كان هناك -ولا شك- مشركون في الجزيرة العربية، فأراد الله تعالى أن يُمحي الشرك من الجزيرة العربية بالكامل، وألا يكون في الجزيرة غير المسلمين فقط، فنزلت هذه الايات الكريمة في صدر سورة التوبة، والتى أعطت المشركين مهلة اربعة أشهر للدخول في الإسلام أو مغادرة الجزيرة العربية.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
هل هذا يعنى اجبار لهؤلاء المشركين على الدخول في الاسلام؟ نقول لا.
بدليل ان القرآن لم يقل لهم اما الاسلام واما القتل، ولكنه قال اما الإسلام واما مغادرة الجزيرة.
وعندما يغادر الجزيرة وينتقل الى الشام مثلًا، ثم يفتح المسلمون الشام، لم يقل له اما ان تغادر الشام واما الإسلام، ولكن تظل في مكانك ولك حرية العقيدة.
وهذا يدل على أن الهدف ليس اجبار هؤلاء على الإسلام، ولكن الهدف هو تطهير الجزيرة العربية من الشرك، بحيث تكون خالصة فقط للإسلام والمسلمين.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (بَرَآءَة مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ) 
البَرَآءَة هي التخلص من الشيء.
ولذلك نقول: "برئت من المرض" يعنى تخلصت منه، أو "برئت من الدين" يعنى تخلصت منه، أو "فلان خد براءةٍ" يعنى تخلص من الاتهام.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
فقوله تعالى (بَرَآءَة مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّم مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ) 
تقديرها: هذه بَرَآءَة مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّم مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ
هو اعلان فسخ والغاء جميع عهود المسالمة والمصالحة مع المشركين.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

يقول تعالى (َفسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) 
كلمة (َفسِيحُوا) تعنى السير بأمان
 عندنا "سال الشيء" و"ساح الشيء" عندما نقول: سال الماء، يعنى تدفق ببسرعة، ولكن اذا قلنا ساح الثلج، أو ساح السمن، يعنى يسير السائل ببطأ.
فكلمة (َفسِيحُوا) تعطي معني السير ببطأ، ولذلك بنجد السائح بيمشي براحته عمال يتفرج.
والمشي ببطيء يدل على الشعور بالأمان.
ولذلك فكلمة (َفسِيحُوا) تعنى السير بأمان

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
فقوله تعالى (َفسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ)
يعنى: سيروا في الجزيرة وأنتم آمنون لا يتعرض لكم أحد من المسلمين بقتال لمدة أربعة أشهر. 
 وهذه المدة مدة كبيرة حتى يكون عند هذا الكافر الوقت للنظر والتفكر والإختيار بين الإسلام أو غير ذلك.
وهي تدل على ثقة الاسلام في بضاعته، يعنى اذا أمعنت التفكير وخدت وقتك لابد أنك ستقتنع بالإسلام

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ) يعنى: وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ لن تعجزوا اللَّهِ ولن تهربوا منه ان أصررتم على الكفر.
(وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ) يعنى واعلموا أَنَّ سنت اللَّهَ جرت بأن يذل الْكافِرِينَ ويخزهم.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وكان الرسول قد عاهد عدد كبير من القبائل المشركة في الجزيرة على عدم القتال، بيسموها: عقود مسالمة، أو مصالحة، أو مهادنة.. وكانت آجال هذه العهود تختلف من قبيلة لأخري.
فبعض القبائل كان لها عهد مطلق ليس له وقت معين، فأمر الله تعالى بإمهالهم أربعة أشهر، ثم بعد ذلك يغادروا جزيرة العرب، فمن بقي بعد ذلك يقاتل.
وهناك قبائل عهدها أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فهذه يمد عهدها الى أربعة أشهر.
وهناك قبائل لم يعقد الرسول ﷺ معها أصلًا فهذه القبائل تمهل -كذلك- أربعة أشهر، وقيل تمهل خمسين يومًا
وهناك قبائل مدتها أكثر من أربعة أشهر، حتيجي الآيات تقولنا نعمل معاهم ايه.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اذن -مرة أخري- أعطي الله تعالى للمشكرين في جزيرة العرب مهلة أربعة أشهر: اما الدخول في الإسلام، واما مغادرة الجزيرة.
بعض كتب التفسير، وبعض المفسرين يفسرون الآيات الكريمة تفسيرًا خاطئًا، يقولون أن هذه المهلة هي للقبائل التى نفضت العهد مع الرسول ﷺ وهذا غير صحيح، لأن القبائل التى نقضت العهد لا تحتاج الى مهلة لا أربعة أشهر ولا شهر، ولا تحتاج الى اذن من الوحي في قتالها، يعنى لما نقضت قريش صلح الحديبية، لم يمهلها الرسول ﷺ أربعة أشهر، ولم ينتظر نزول الوحي في شأن الخروج لفتح مكة.
ولكن الآيات تأمر بطرد المشركين من جزيرة العرب، جميع المشركين، سواء حاربوا الرسول ﷺ أو لم يحاربوه، لأن الجزيرة العربية ستكون هي قلب الدولة الاسلامية التى ستتكون بعد سنوات قليلة، ويريد الله تعالى أن يكون قلب الدولة الإسلامية خالصًا للمسلمين فقط.
وكما قلنا ليس هذا اجبارًا على الدخول في الإسلام، لأن الآيات لم تقل لهم اما الاسلام واما القتل، ولكنها قالت اما الإسلام واما مغادرة الجزيرة، وعندما لحق بهم الإسلام في مصر من الأمصار التى فتحها المسلمون مثل الشام أوالعراق أومصر، تركت لهم حرية الاختيار، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكف
ر


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

يقول تعالى (وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ)
الأذان لغة هو الإعلام.
كانت العرب تقول آذنته بكذا، يعنى أعلمته بهذا الأمر، وهي من الأذن.
ومنه الأذان للصلاة، يعنى اعلام بدخول الصلاة.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
فقوله تعالى (وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ)
يعنى اعلام مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى جميع النَّاسِ، سواء المؤمنون أو المشركون، وهذا الإعلام سيكون في: يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ
(يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) 
يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ هو اليوم العاشر من ذي الحجة، وسمي بذلك لأن أكثر أعمال الحج تتم في هذا اليوم. 
(رمي الجمرة- الذبح- الحلق- طواف الإفاضة- السعي) 
وقيل أنه يوم عرفة، ولكن الراجح أن المقصود بـيَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، هو اليوم العاشر من ذي الحجة. 
طالما فيه (الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) اذن هناك حج أصغر.
قال كثير من العلماء أن الحج اصغر هو العمرة.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لماذا أختير هذا اليوم للإعلان. 
لأن هذا اليوم هو أكبر اجتماع للناس، يمكن أن يذاع الخبر عن طريقهم فى كل أنحاء جزيرة العرب .

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لماذا قال  تعالى (وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) ؟
كان ممكن أن يكتفي بأن يقول فقط (وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ)
لماذا قال (يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) ؟
لأنه سيحدد مهلة وهي الأربعة شهور، فلابد أن يكون هناك تاريخ محدد تبدأ فيه هذه الشهور الأربعة.
فقال تعالى (وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ)
يعنى تبدأ المهلة الأربعة شهور من "يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ"
يعنى من عشرة ذي الحجة من السنة التاسعة من الهجرة، يبقي معنا عشرون من ذي الحجة، والمحرّم، وشهر صفر، شهر ربيع الأول، وعشرة أيام من ربيع الآخر، اذن تنتهي المهلة في اليوم العاشر من شهر ربيع الآخر من السنة العاشرة من الهجرة.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يقول تعالى (أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ)
يعنى الإعلام هو أن: برئت ذمة الله ورسوله من العهود مع ٱلۡمُشۡرِكِينَ.
(فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) 
يعنى: فَإِنْ تُبْتُمْ أيها المشركون ورجعتهم عن الكفر، فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ في الدنيا والآخرة.
(وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْغَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ)

 يعنى: وَإِنْ أعرضتم عن إجابة الدعوة الى الدخول في الإسلام فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ لن تعجزوا اللَّه -سبحانه وتعالى- ولن تفوتوه، وسينزل عليكم عقابه عاجلًا أو آجلًا.
(وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) 
وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ يوم القيامة.
واستعمال البشارة فيما يسوء ويكره يكون للتهكم.
كمن يقول لإبنه يوبخه "ألف مبروك سقطت"

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
كما ذكرنا سواء القبائل أصحاب العهود المطلقة غير المؤقتة بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ، أو التي عهدها أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، أو التي ليس لها عهد أصلًا، كل هذه القبائل تمهل أربعة أشهر.
فماذا عن القبائل التى مدتها أكثر من أربعة أشهر؟
يقول تعالى
(إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ)
القبائل التي مدتها أكثر من أربعة أشهر، نكمل لها عهدها الى مدتها مهما كانت مدته، ثم لا يجدد له العهد بعد ذلك.
يقول تعالى
(إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) يعنى يستثنى من مهلة الأربعة أشهر: الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.
(ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً) يعنى بشرط ألا ينقضوا أي بند من بنود الاتفاق.
(وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً) 
(وَلَمْ يُظاهِرُوا) يعنى وَلَمْ يُعاونوا، وهي من الظهر الذي يعبر عنه بالقوة.
يعنى وَلَمْ يعاونوا عَلَيْكُمْ أَحَداً من أعدائكم، لا برجال وبسلاح ولا بخيل ولا بمال ولا حتى بمعلومات.
وكان هذا هو نقض قريش لصلح الحديبية، عندما عدت قبيلة "بو بكر" على قبيلة "خزاعة" وكانت "بنو بكر" في حلف قريش، و"خزاعة" في حلف الرسول ﷺ فأمدت قريش "بنو بكر" بالسلاح، فلما عاونتهم بالسلاح، كان هذا نقضًا للعهد مع الرسول.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
قال تعالى (فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ) مهما كانت هذه المدة.
والمقصود بهؤلاء: بنو ضمرة وبنو مُدْلج - وقيل غير ذلك- وهؤلاء كان عهدهم تسعة أشهر، فأمر تعالى باتمام عهدهم الى مدتهم.

(إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) يعنى الذين يتقون نقض العهود.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

كيف تم هذا الإعلان للمشركين 
نحن نعلم أن فتح مكة كان في رمضان من السنة الثامنة من الهجرة، بعدها بشهرين جاء موسم الحج، وحج بالمسلمين أمير مكة، وهو "عَتَّاب بن أَسِيد" ثم جاء موسم الحج  في السنة التاسعة من الهجرة، ولم يحج الرسول ﷺ في هذا العام، لأن الرسول ﷺ كره مخالطة المشركين في الحج، فأرسل الرسول ﷺ أبي بكر الصديق أميرًا على الحج في هذا العام.
فلما خرج "أبو بكر" نزل جبريل -عيه السلام- وقال: "يا محمد، لا يبلغنّ رسالتك إلا رجل منك، فأرسل علياً"
لماذا "علي بن أبي طالب" ؟ يعنى لماذا لا يبلغ هذه الرسالة أبو بكر الصديق، وهو امير الحج؟
لأن من عادة العرب: اذا كان هناك عهد، وأراد صاحب العهد نقضه، اما أن يتولى ذلك بنفسه، أو رجل من قرابته، فلذلك نزل جبريل بأن يرسل عليًا -رضى الله عنه- حتى يزيح أي علة في هذا الأمر.
فلما خرج "على بن ابي طالب" وكان راكبًا على ناقة الرسول ﷺ وكان اسمها "العَضْبَاء" أدرك "أبي بكر" عند "الجحفة" وهو مكان يبعد عن مكة حوالى 180 كم، فلما دنا عليّ سمع أبو بكر رغاء الناقة، فوقف، وقال: هذا رغاء ناقة رسول الله ﷺ ، فلما لحقه قال: أمير أو مأمور؟ قال: مأمور.
وأخبره أن الرسول ﷺ أرسله حتى ينادي في الناس، بأول سورة التوبة، فلما خطب "أبو بكر" في يوم عرفة التفت الى "على بن ابي طالب" وقال له: قم فأد رسالة رسول الله ﷺ فقام على فقرأ أربعين آية من "براءة" ثم أخذ يطوف على الخيام يقرؤها على الناس.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
عن أَبُو الصَّهْباء البكْريّ قال: سألت "علي بن أبي طالب" عن "يوم الحج الأكبر" فقال: إن رسول الله ﷺ بعث أبا بكر بن أبي قحافة يقيم للناس الحج، وبعثني معه بأربعين آية من براءة، حتى أتى عرفة فخطب الناس يوم عرفة، فلما قضى خطبته التفت إليّ، فقال: قم يا علي وأدِّ رسالة رسول الله ﷺ فقمت وقلت: يا أيها الناس، إني رسول رسول الله إليكم، فقالوا: بماذا؟  فقرأت عليهم أربعين آية من "براءة"، يقول على: ثم صدرنا حتى أتينا مِنًى، وعلمت أن أهل الجمع لم يكونوا حضروا خطبة أبي بكر يوم عرفة، فطفقت أتتبع بها الفساطيط أقرؤها عليهم.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
أخرج الإِمام أحمد عن أبي هريرة قال : كنت مع على بن أبى طالب حين بعثه النبى ﷺ ينادى ، فكان إذا صَحَل ناديت -أى كان إذا بح صوته ناديت - قلت : بأى شئ كنتم تنادون؟ قال: بأربع: لا يطوف بالبيت عريان، ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يحج بعد عامنا هذا مشرك ، ومن كان له عهد عند رسول الله ﷺ فعهده إلى مدته .


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلۡأَشۡهُرُ ٱلۡحُرُمُ فَٱقۡتُلُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ حَيۡثُ وَجَدتُّمُوهُمۡ وَخُذُوهُمۡ وَٱحۡصُرُوهُمۡ وَٱقۡعُدُواْ لَهُمۡ كُلَّ مَرۡصَدٖۚ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ﴿٥﴾
هذه الآية يطلق عليها آية السيف.
(فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلۡأَشۡهُرُ ٱلۡحُرُمُ) يعنى فاذا مرت ٱلۡأَشۡهُرُ ٱلۡحُرُمُ.
كانت العرب تقول (سلخنا شهر كذا) يعنى: خرجنا منه.
ولذلك نقول "سلخت الشاة" يعنى خرجتها من جلدها.
نحن نعلم أن الأشهر الحرم هي أربعة: رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم.
فليس المقصود هذه الأشهر الحرم، ولكن المقصود هو الأشهر الأربعة التى أبيح فيها للمشركين أن يسيحوا في الأرض، 
وقال تعالى أشهر حرم، لأن الله حرم فيها قتل المشركين.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم عند انقضاء هذه الشهر الحرم أمر الله تعالى بأربعة أشياء:
وهذه الأشياء على التخيير، يعنى يختار القائد أو ولى الأمر منها ما فيه المصلحة.

(فَٱقۡتُلُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ حَيۡثُ وَجَدتُّمُوهُمۡ) 
يعنى فَٱقۡتُلُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ في أي مكان تجدوهم فيه: في الحرم أو خارج الحرم.
(وَخُذُوهُمۡ) أو أسروهم.
كانت العرب تقول للأسير "أخيذ" 

(وَٱحۡصُرُوهُمۡ) يعنى أو فاحبسونهم وقال ابن عباس: يعنى إن تحصنوا في حصون أو قلاع فاحصروهم حتى يستسلموا.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَٱقۡعُدُواْ لَهُمۡ كُلَّ مَرۡصَد) 
المَرۡصَد هو المكان الذي نترقب أو نتربص فيه بالعدو
والمقصود وَٱقۡعُدُواْ لَهُمۡ في كُلَّ طريق، وضيقوا عليهم بحيث لا يستطيعون الحركة بحرية أو السفر أو التجارة او غير ذلك.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيم)
(فَإِن تَابُواْ) يعنى عن الشرك ودخلوا في الإسلام.
(وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ) 
(فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمۡۚ) يعنى لا تتعرضوا لهم، واذا كان أسير اطلقوا سراحه، واذا كان حصار فارفعوا الحصار، وهكذا...
(إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيم) يعنى: لمن تاب وآمن.
كما قلنا في المقدمة، هذا نجده في كل السورة الكريمة: تهديد للمشركين، ووعيد لهم، وفي نفس الوقت تقول لهم أن باب التوبة مفتوح

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَإِنۡ أَحَد مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ٱسۡتَجَارَكَ فَأَجِرۡهُ حَتَّىٰ يَسۡمَعَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبۡلِغۡهُ مَأۡمَنَهُۥۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَعۡلَمُونَ ﴿٦﴾
يعنى وبعد أن تمر مهلة الأربعة شهور، وجائك أَحَد مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ و(ٱسۡتَجَارَكَ) يعنى طلب منك الأمان (فَأَجِرۡهُ) يعنى فامنه (حَتَّىٰ يَسۡمَعَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ) يعنى حَتَّىٰ تتلوا عليه القرآن الكريم، ويَسۡمَعَ  منك القرآن الكريم (ثُمَّ أَبۡلِغۡهُ مَأۡمَنَهُ) يعنى فان رفض الإسلام فأَبۡلِغۡهُ مَأۡمَنَهُ، يعنى وصله الى مكان يكون آمن فيه، أو رده الى المكان الذي جاء منه 
(ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡم لَّا يَعۡلَمُونَ) 
(ذَٰلِكَ) يعنى: نفعل ذَٰلِكَ، لأنهم قَوۡم لَّا يَعۡلَمُونَ شيئًا عن الاسلام.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لطيفَة: ذكر القرطبي أن أعرابياً قدم المدينة المنورة فقال: من يقرئني مما أُنزل على محمد ﷺ َ؟ فأقرأه رجل سورة براءة حتى أتى الآية الكريمة (أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولِهُ) فقرأها بالجرِّ (وَرَسُولِهُ) فقال الأعرابي: وأنا أيضاً أبرأ من وَرَسُولِهُ ، فبلغ ذلك عمر فدعاه فقال: يا أعرابي أتبرأ من رسول الله ﷺ َ؟ فقال: يا أمير المؤمنين، قدمت المدينة فأقرأني رجل سورة براءة فقلت إِن يكن الله برئ من رَسُولِه فأنا أبرأ منه، فقال: ما هكذا الآية يا أعرابي؟ قال فكيف يا أمير المؤمنين! فقرأها عليه بالضم  (وَرَسُولِهُ) فقال الأعرابي: وأنا والله أبرأ مما برئ الله ورسوله منه، فأمر عمر ألا يقرئ الناس إِلا عالم بلغة العرب.

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇