Untitled Document

عدد المشاهدات : 1089

الحلقة (503) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تفسير وتدبر الآيات من (17) الى (22) من سورة "التَوْبًة" (مَا كَانَ لِلۡمُشۡرِكِينَ ……

الحلقة رقم (503)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)
تفسير وتدبر الآيات من (17) الى (22) من سورة "التوبة" ص 189

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(مَا كَانَ لِلۡمُشۡرِكِينَ أَن يَعۡمُرُواْ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ شَٰهِدِينَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِم بِٱلۡكُفۡرِۚ أُوْلَٰٓئِكَ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡ وَفِي ٱلنَّارِ هُمۡ خَٰلِدُونَ ﴿١٧﴾ إِنَّمَا يَعۡمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَلَمۡ يَخۡشَ إِلَّا ٱللَّهَۖ فَعَسَىٰٓ أُوْلَٰٓئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُهۡتَدِينَ ﴿١٨﴾ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَاجِّ وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ ﴿19﴾  ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ أَعۡظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَآئِزُونَ ﴿٢٠﴾ يُبَشِّرُهُمۡ رَبُّهُم بِرَحۡمَةٖ مِّنۡهُ وَرِضۡوَٰنٖ وَجَنَّٰتٖ لَّهُمۡ فِيهَا نَعِيمٞ مُّقِيمٌ ﴿٢١﴾  خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥٓ أَجۡرٌ عَظِيمٞ ﴿٢٢﴾

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

قلنا أن الرسول ﷺ أرسل "على بن أبي طالب" ليقرأ على الناس -في موسم الحج في السنة التاسعة من الهجرة- صدر سورة التوبة: من الآية الأولى الى الآية (40) وكان على -رضى الله عنه- بعد أن يقرأ هذه الآيات ، كان ينادي في الناس بأربعة أشياء: لا يطوف بالبيت عريان، ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يحج بعد عامنا هذا مشرك، ومن كان له عهد عند رسول الله ﷺ فعهده إلى مدته .
ولذلك يقول تعالى في الآية التى معنا (مَا كَانَ لِلۡمُشۡرِكِينَ أَن يَعۡمُرُواْ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ) 
وعمارة المسجد تكون بالعبادة فيه.
فيكون المعنى لا ينبغي ولا يجوز لِلۡمُشۡرِكِينَ بعد هذا العام أَن يدخلوا المسجد الحرام للعبادة، أو الحج أو العمرة.
وهذا كان نداء "على" رضى الله عنه
"ولا يحج بعد عامنا هذا مشرك"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ولم يقل تعالى (مَا كَانَ لِلۡمُشۡرِكِينَ أَن يَعۡمُرُواْ َالمسَٰجِدَ الحرام) ولكن قال تعالى (مَا كَانَ لِلۡمُشۡرِكِينَ أَن يَعۡمُرُواْ مَسَٰاجِدَ ٱللَّهِ) 
وهذا أبلغ في النفي.
كمن يطلب أن يدخل الى قصر الملك، فيقال له: غير مسموح لك حتى أن تدخل بيوت الوزراء.
وفي نفس الوقت الاستخدام اللغوي سليم.
لأن العرب كانت تستخدم الجمع أحيانًا وتريد به الإفراد.
كما يقول أنا أهوي ركوب الخيل.
لفظة "خيل" جمع، ولكن يقصد به المفرد.
اذن قوله تعالى (مَا كَانَ لِلۡمُشۡرِكِينَ أَن يَعۡمُرُواْ مَسَٰاجِدَ ٱللَّهِ) هو أبلغ في النفي، وفي نفس الوقت الإستخدام اللغوي سليم في لغة العرب.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (شَٰهِدِينَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِم بِٱلۡكُفۡرِ) 
يعنى كفر هؤلاء المشركون كفر واضح، وهم كانوا يشهدون عَلَىٰٓ أَنفُسِهِم بِٱلۡكُفۡرِ، لأنهم كانوا يطوفون بالبيت وهم يقولون "لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكَ، تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ"
وقال كثير من المفسرون أن الكفار كانوا لا ينكرون كفرهم، فعابد الصنم كان يقول أنه يعبد الصنم، كان يقول أنا أعبد اللات والغزي ومناة، كما يقول الآن الملحد أنا ملحد، ولا ينكر ذلك، كما نقول "الاعتراف سيد الأدلة"

ونقل عن ابن عباس: أنه قال: المراد أنهم يشهدون على الرسول بالكفر، لأن الله تعالى قال (لقد جاءكم رسول من أنفسكم)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(أُوْلَٰٓئِكَ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡ) 
يعنى: بطل ثواب أَعۡمَٰلُهُمۡ، كما قلنا كان من الأربعة التى كان ينادي بها سيدنا "على" "ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة" يعنى الذي جاء يحج من المشكرين وجاء من مكان بعيد، وبذل الجهد، وانفق أموال، كل هذا لا ثواب له، ولا قيمة له، لأنه مشرك.
وأيضًا اذا كانت عمارة المسجد بمعنى خدمة المسجد وسقاية الحجيج وغير ذلك من الأعمال التى كنت تقوم بها قريش، وتفتخر بانها تقوم بها، فكل هذه الأعمال لا قيمة لها ولا وزن، ولن يقبلها الله - تعالى- لأنهم مشركون.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (وَفِي ٱلنَّارِ هُمۡ خَٰلِدُونَ) يعنى يدخلون ٱلنَّارِ فلا يخرجون منها أبدًا، ولا يموتون فيها.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

ثم يقول تعالى (إِنَّمَا يَعۡمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَلَمۡ يَخۡشَ إِلَّا ٱللَّهَۖ فَعَسَىٰٓ أُوْلَٰٓئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُهۡتَدِينَ ﴿١٨﴾
(إِنَّمَا) تفيد الحصر، يعنى هؤلاء فقط، ولا أحد غيرهم.
(إِنَّمَا يَعۡمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ) يعنى لا يجوز أن يَعۡمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ -وعمارة المسجد تكون بالعبادة فيه- الا من؟
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ) يعنى ءَامَنَ بِٱللَّهِ ايمانًا حقيقيًا، ليس كايمان المشركين، لأن المشركون كانوا يؤمنون بوجود الله، ولكنهم كانوا يقولون أن الله له شركاء، أو  كايمان النصاري الذين يقولون أن الله ثالث ثلاثة. 
(وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ) يعنى آمن بوقوع يوم القيامة، وما فيه من ثواب وعقاب، وجنة ونار. 
(وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ) وأقام شعائر الإسلام من إقامة الصلاة وايتاء الزكاة.
(وَلَمۡ يَخۡشَ إِلَّا ٱللَّهَ) يعنى ولا يخاف أحد الا الله تعالى، لأن المؤمن الحق لا يخاف الا الله ولا يبالى بغيره.
وهذه فيها معنى التوكل، وفيها معنى الإيمان بالقدر.
أو أن المعنى لا يخاف "من كل من يعبد من غير الله" يعنى لا يخاف هذه الأصنام التى كانوا يعبدونها ويوقرونها ويذبحون لها.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(فَعَسَىٰٓ أُوْلَٰٓئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُهۡتَدِينَ)  
يعنى: أُوْلَٰٓئِكَ مِنَ ٱلۡمُهۡتَدِينَ.
لأن
(عَسَى) من الخلق تفيد الرجاء، مثل: عَسَى أن أسافر الى الحج هذا العام. 
أما
(عَسَى) من الله فهي تفيد التحقيق.
مثل قوله تعالى (عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا) يعنى: يقينًا سيَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لماذا نقول (عَسَى) من الخلق للرجاء، ومن الله (لليقين)؟
عندما تقول لواحد عَسَى أن أمر عليك غدًا، انته بتقوله كده ليه؟ لإن ممكن مليون حاجة وحاجة تحصل تخليك ما تعديش عليه، عشان كده بنقول للرجاء ممكن آه وممكن لأ.
انما لو ربنا قال (عَسَى) ممكن حاجة تحصل، ولا ظرف يحصل يمنع إرادة الله؟ طبعا لأ.. 
عشان كده بنقول (عَسَى) من الله لليقين.
فحين يقول تعالى (فَعَسَىٰٓ أُوْلَٰٓئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُهۡتَدِينَ)  
يعنى: أُوْلَٰٓئِكَ مِنَ ٱلۡمُهۡتَدِينَ، هؤلاء مِنَ ٱلۡمُهۡتَدِينَ.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لماذا استخدم هنا لفظ (عَسَى)؟ (فَعَسَىٰٓ أُوْلَٰٓئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُهۡتَدِينَ)  
حتى تكون في رجاء وطمع. 
وتكون في حذر في نفس الوقت.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (إِنَّمَا يَعۡمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَلَمۡ يَخۡشَ إِلَّا ٱللَّهَۖ فَعَسَىٰٓ أُوْلَٰٓئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُهۡتَدِينَ)
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
"إِذَا رَأَيْتُمْ الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْمَسَاجِدَ فَاشْهَدُوا عَلَيْهِ بِالإِيمَانِ، قَالَ اللَّهُ: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ."
قال تعالى في الحديث القدسي: (إن بيوتي في أرضي المساجد، وإن زوّاري فيها عمارها، فطوبى لعبد تطهر في بيته، ثم زارني في بيتي، فحق على المزور أن يكرم زائره)


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

قلنا أن عمارة المسجد تعنى عمارته بالعبادة فيه، وتعنى أيضًا: بناء المسجد، وخدمته، والانفاق عليه.
اذن قوله تعالى (إِنَّمَا يَعۡمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ) فيه الترغيب في بناء المساجد وصيانتها والإنفاق عليها، وخدمة روادها.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يقول تعالى (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَاجِّ وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ ﴿19﴾  
جاء في سبب نزول  هذه الآية الكريمة أن العباس عم النبي ﷺ وغيره من أشراف قريش، عندما أُسِّروُا في غزوة "بدر" أقبل عليهم نفر من المهاجرين والأنصار، فيهم "على بن ابي طالب" فأخذوا يوبخونهم على الشرك، وأخذ "على بن ابي طالب" يوبخ عمه العباس على قتاله النبي ﷺ وعلى قطيعته الرحم، وأغلظ له القول:
فقال العباس: ما لكم تذكرون مساوئنا وتكتمون محاسننا؟
فقال له على: وهل لكم محاسن؟ قال: نعم نحن نعمر المسجد الحرام، ونحجب الكعبة -يعنى نخدم الكعبة- ونسقي الحجيج.
فقال تعالى (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَاجِّ وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ ٱللَّهِ)

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقيل في سبب نزول الآية أن "على بن أبي طالب" مر على "العباس" و"طَلْحَة بْن شَيْبَة" وهما يتفاخران، وكانا قد دخلا في الإسلام، فقال "طَلْحَة بْن شَيْبَة" معي مفتاح الْبَيْت، ولَوْ شئت بِتّ فِيهِ، وقال العباس: 
وأنا أسقي الحجيج، ولو شئت لا أسقي أحدًا، فقال على بن ابي طالب: مَا أَدْرِي مَا تَقُولَانِ، لَقَدْ صَلَّيْت إِلَى الْقِبْلَة سِتَّة أَشْهُر قَبْل النَّاس، وَأَنَا صَاحِب الْجِهَاد، فأنزل الله -تعالى- هذه الآية ليرجح ما قاله "على بن ابي طالب"
 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
هناك رواية أخري وهي في مسلم عَنْ النُّعْمَان بْن بَشِير الْأَنْصَارِيّ، قَالَ: كُنْت عِنْد مِنْبَر رَسُول اللَّه ﷺ فِي نَفَر مِنْ أَصْحَابه، -وكان ذلك يوم جمعة- فَقَالَ رَجُل مِنْهُمْ: مَا أُبَالِي أَلَّا أَعْمَل عَمَلًا بَعْد الْإِسْلَام، إِلَّا أَنْ أَسْقِي الْحَاجّ، وَقَالَ آخَر: بَلْ عِمَارَة الْمَسْجِد الْحَرَام، وَقَالَ آخَر: بَلْ الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه خَيْر مِمَّا قُلْتُمْ، فَزَجَرَهُمْ عُمَر بْن الْخَطَّاب -رَضِيَ اللَّه عَنْهُ- وَقَالَ : لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتكُمْ عِنْد مِنْبَر رَسُول اللَّه ﷺ وَلَكِنْ إِذَا صَلَّيْت الْجُمْعَة دَخَلْت عَلَى رَسُول اللَّه ﷺ فَاسْتَفْتَيْته فِيمَا اِخْتَلَفْتُمْ فِيهِ، قَالَ : فَفَعَلَ، فَأَنْزَلَ اللَّه تعالى (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَاجِّ وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ)
وبعض المفسرون قال إنها اذا كانت قد نزلت في اختلاف المسلمون في الأفضل من الأعمال، فلا يليق أن يقال في آخر الآية (وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ) وانما استدل الرسول ﷺ بهذه الآية عندما استفتاه عمر -رضى الله عنه- وهي قد نزلت على النبي ﷺ قبل ذلك، لا أنها نزلت في هؤلاء النفر من الصحابة.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

ثم يقول تعالى (ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ أَعۡظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَآئِزُونَ ﴿٢٠﴾
وهذه الآية فيها فضل المهاجرين من أصحاب الرسول ﷺ
وذكر الله تعالى لهم أربعة صفات جليلة، فقال تعالى:
(ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ) أول صفة.
(وَهَاجَرُواْ) ثاني صفة.
(وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ) ثالث صفة.
(وَأَنفُسِهِمۡ) يعنى (وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بأَنفُسِهِمۡ) رابع صفة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم قال (أَعۡظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِۚ)
ولم يقل أَعۡظَمُ دَرَجَةً من الذين افتخروا بالسقاية وعمارة المسجد، ولكن ترك ذكر المرجوح ليدل على انهم أفضل من كل من سواهم على الإطلاق.
(وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَآئِزُونَ) يعنى: ٱلۡفَآئِزُونَ بالجنة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
كما قلنا الآية فيها فضل الصحابة من المهاجرين.
روي أنه كان بين "خالد بن الوليد" وبين "عبد الرحمن بن عوف" شيء، فبلغ ذلك النبي ﷺ فقال ﷺ:

(دعوا لي أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

ثم يقول تعالى (يُبَشِّرُهُمۡ رَبُّهُم بِرَحۡمَةٖ مِّنۡهُ وَرِضۡوَٰنٖ وَجَنَّٰتٖ لَّهُمۡ فِيهَا نَعِيمٞ مُّقِيمٌ ﴿٢١﴾  
يفصل الله تعالى هذا الفوز، فيقول تعالى: (يُبَشِّرُهُمۡ رَبُّهُم بِرَحۡمَة مِّنۡهُ)
يعنى يبشرهم ربهم في القرآن العظيم، وعلى لسان رسوله ﷺ، ويبشرهم على لسان ملائكة الرحمة حين الموت، في الحديث الصحيح الذي رواه: أحمد والنسائي وابن ماجه أن الرجل الصالح اذا حضره الموت، تأتيه ملائكة الرحمة، بيض الوجوه، ورائحتهم طيبة، ويجلسون منه مد البصر، ويقولون له: "اخرجي أيَّتُها النَّفسُ الطَّيِّبةُ، كانت في الجسدِ الطَّيِّبِ، اخرجي حميدةً، وأبشري برَوحٍ ورَيحانٍ، وربٍّ غيرِ غضبانَ" فلا يزالُ يقالُ لَها ذلِكَ حتَّى تخرُجَ.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(يُبَشِّرُهُمۡ رَبُّهُم بِرَحۡمَة مِّنۡهُ) أي بِرَحۡمَة مِّنۡهُ -تعالى- يوم القيامة. 
في الحديث أن الله جعل الرحمة مائة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين -يعنى ليوم القيامة- وأنزل في الأرض جزءًا واحدًا.
وفي الحديث أن الله يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَن قالَ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وفي قَلْبِهِ وزْنُ ذَرَّةٍ مِن خَيْر.
يقول النبي ﷺ "والذي نفسي بيده ليغفرن الله يوم القيامة مغفرة يتطاول لها إبليس رجاء أن تصيبه"

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(يُبَشِّرُهُمۡ رَبُّهُم بِرَحۡمَةٖ مِّنۡهُ وَرِضۡوَٰن)
عن أبي سعيد الخدري أن النبي ﷺ قال: "إن الله -تبارك وتعالى- يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك، فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك، قالوا: يا رب وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبد.
ولذلك يقول تعالى في سورة التوبة (ورضوان من الله أكبر( يعنى: رضا الله عنهم أكبر وأعظم مما هم فيه من النعيم
الواحد لما يكون رئيسه في العمل راضي عنه يبقي يا سعده ياهناه، فما بالك لما يكون الله -سبحانه وتعالى- الذي بيده كل شيء راضى عنك؟

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَجَنَّٰتٖ لَّهُمۡ فِيهَا نَعِيمٞ مُّقِيمٌ)
يعنى نَعِيمٞ دائم لا يزول
كمن يقول أنا مقيم في هذا المكان.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم قال تعالى (خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥٓ أَجۡرٌ عَظِيم ﴿٢٢﴾
خَٰلِدِين في الجنة يعنى لا يخرجون منها، ولا يموتون.
لأن أي نعيم في الدنيا له منغضين: اما أن يزول عنك هذا النعيم، أو تزول أنت عن النعيم.
يزول النعيم يعنى يذهب هذا النعيم: واحد عنده أموال يفقدها، واحد قوي عنده صحة يمرض، صاحب سلطة تزول السلطة وهكذا.
أو يزول هو عن هذا النعيم، واحد قعد طول عمره عنده أموال وعنده صحة، وعنده سلطة، ولم يفقد شيء منها، لابد أن يترك هذا النعيم في النهاية بالموت.
ولذلك فالله تعالى يطمئنك، ويقول لك أن نعيم الجنة لن يتركك ولن تتركه، لن يزول عنك ولن تزول عنه
قال تعالى
(لَّهُمۡ فِيهَا نَعِيمٞ مُّقِيمٌ) يعنى لن يزول عنهم هذا النعيم.
(خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدًاۚ) ولن يتركوا هم هذا النعيم.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وكلمة (أَبَدًاۚ) أفادت 
لأن الخلود لغة، تأتي بمعنى التأبيد، يعنى دون نهاية من الوقت.
وتأتي أيضًا بمعنى طول الفترة.
كما نقول "انته خلدت في المكان ده" يعنى بقالك فيه فترة طويلة أوي.
فقال تعالى
(خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدًاۚ) ليدل على المقصود ليس المكوث في الجنة فترة طويلة، ولكن المقصود هو المكوث في الجنة على التأبيد، وأنهم لن يموتون ولن يخرجوا منها أبدًا 

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇