Untitled Document

عدد المشاهدات : 1086

الحلقة (512) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تفسير وتدبر الآيات من (38) الى (40) من سورة "التَوْبًة" (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ……

الحلقة رقم (512)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)

تفسير وتدبر الآيات (38) و(39) و(40) من سورة "التوبة" ص 193

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(يَٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَا لَكُمۡ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلۡتُمۡ إِلَى ٱلۡأَرۡضِۚ أَرَضِيتُم بِٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا مِنَ ٱلۡأٓخِرَةِۚ فَمَا مَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا فِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ﴿٣٨﴾ إِلَّا تَنفِرُواْ يُعَذِّبۡكُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا وَيَسۡتَبۡدِلۡ قَوۡمًا غَيۡرَكُمۡ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيۡ‍ٔٗاۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ ﴿٣٩﴾ إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدۡ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذۡ أَخۡرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثۡنَيۡنِ إِذۡ هُمَا فِي ٱلۡغَارِ إِذۡ يَقُولُ لِصَٰحِبِهِۦ لَا تَحۡزَنۡ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَاۖ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَيۡهِ وَأَيَّدَهُۥ بِجُنُودٖ لَّمۡ تَرَوۡهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفۡلَىٰۗ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلۡعُلۡيَاۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴿٤٠﴾

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

بدأت السورة في الحديث عن غزوة "تبوك" وغزوة "تبوك" كانت في السنة التاسعة من الهجرة، بعد فتح مكة، وبعد غزوة "حنين" وبعد حصار "الطائف" وهي آخر غزوة خرج فيها الرسول ﷺ، وكانت قبل وفاة الرسول ﷺ بسنة ونصف تقريبًا.
وسبب الغزوة أن الرسول ﷺ وصلته أخبار بان الروم قد احتشدوا على أطراف الشام يريدون غزو المدينة، فقرر الرسول ﷺ أن يخرج لقتالهم، ودعا الناس للخروج لقتال الروم، وكانت هذه هي المرة الوحيدة التي أعلن فيها الرسول ﷺ وجهته، وذلك لبعد المسافة، لأنها في أقصى شمال الجزيرة العربية، فكان لابد أن يستعد من يخرج للقتال بالزاد والراحلة، وكان الخروج في وقت شديد الحرارة، والأرض مجدبة، حتى أطلق على هذه الغزوة "غزوة العسرة" ، والقتال -لأول مرة- مع الإمبراطورية الرومانية، فكان لابد أن يكون من يخرج للقتال مستعد نفسيًا لهذه الصعوبات.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
فخرج الرسول ﷺ من المدينة في شهر "رجب" من السنة التاسعة من الهجرة، وتخلف عن الخروج مع الرسول ﷺ عدد من حديثي الإيمان، وعدد كبير من المنافقين، بل وحرضوا غيرهم على عدم الخروج، وقد ذكرت السورة ما كان منهم من جبن، ومن تحريضهم للناس على عدم الخروج.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وسار الرسول ﷺ مع المؤمنين حتى وصل الى "تبوك" وهو اسم عين ماء في جنوب الشام، ويبعد عن المدينة أكثر من 1250 كيلو متر، حسب الطرق المعبدة الآن، وعندما وصلوا الى تبوك، كانت جيش الروم قد انسحب الى الشمال خوفًا من المواجهة مع المسلمين وكان عدد الروم أربعون ألف مقاتل، فأقام المسلمون في "تبوك" عشرون يومًا، ثم عادوا إلى المدينة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وغير معروف سبب انسحاب الروم من هذه المواجهة، ولكن ذكر المؤرخون أن الروم كانوا لا يزالون يتذكرون شجاعة وبسالة وقوة المسلمين في المواجهة مع المسلمين قبل أقل من عام واحد، في السنة الثامنة في مؤتة "مؤتة" وكانت أعداد المسلمين ثلاثة آلاف، في مواجهة مئة ألف من الروم وأعوانهم، فما بالك وأعداد المسلمين الآن عشرون ألف، ولذلك آثروا عدم مواجهة المسلمين 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وما ذكره المؤرخون كلام سليم، واضيف اليه أمرين:
-    ربما أن الروم أرادوا استدراج المسلمين الى داخل الأراضي الرومانية بعيدًا عن الصحراء التي يجيد المسلمون فيها القتال، وهذا ما تنبه اليه الرسول ﷺ ورفض -بعد ان استشار أصحابه- أن يتعقب الروم داخل الأراضي الشامية.
-    الأمر الثاني أن امبراطور الروم كان يريد تجنب المواجهة مع الرسول ﷺ لأن إمبراطور الروم -كما دلت على ذلك العديد من الأخبار- كان واثقًا ومتأكدًا من نبوة الرسول ﷺ

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وبالرغم من عدم وقوع قتال في غزوة تبوك، الا أن "تبوك" كانت من أهم غزوات الرسول ﷺ، لأنها كانت اختبارًا صعبًا تم فيه التفرقة بين المؤمنين والمنافقين، ولذلك هناك اسم ثالث لهذه الغزوة ذكره المؤرخون، وهو الغزوة الفاضحة" لأنه فضحت المنافقين.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
 وكان لها -أيضًا- فوائد عسكرية منها سيطرة المسلمين على شمال شبة الجزيرة العربية، لأن الإمارات في شمال شبه الجزيرة المتحالفة مع الروم عندما رأوا انسحاب الروم أمام المسلمين، تخلوا عن ولائهم وتحالفهم مع الروم وخضعوا للدولة الإسلامية، مثل امارة "دُوْمَة الجَنْدَل" وامارة "أيلة" وهي مكان ميناء العقبة الآن.
من نتائجها -أيضًا- سقوط هيبة الدولة الرومانية وأعوانهم في جنوب الشام، وكسر حاجز الخوف من الإمبراطورية الرومانية، ولذلك قال المؤرخون ان غزوة "تبوك" كانت تمهيد لفتح الشام، والذي بدأ في عهد الخليفة "عمر بن الخطاب"

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(يَٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَا لَكُمۡ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلۡتُمۡ إِلَى ٱلۡأَرۡضِۚ أَرَضِيتُم بِٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا مِنَ ٱلۡأٓخِرَةِۚ فَمَا مَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا فِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ﴿٣٨﴾
يقول تعالى (يَٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَا لَكُمۡ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلۡتُمۡ إِلَى ٱلۡأَرۡضِۚ)

هذه الآية عتاب على المؤمنين الذين لم يخرجوا للغزو مع الرسول ﷺ.
(َٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَا لَكُمۡ) 
(مَا لَكُمۡ) استفهام بمعنى الإنكار والتوبيخ.
كما تقول لإبنك الذي لا يذاكر: مالك لا تذاكر؟ فأنت تنكر عليه وتوبخه على عدم المذاكرة.
مالك تتحدث بصوت مرتفع؟ تنكر عليه وتوبخه بسبب الحديث بصوت مرتفع.
اذن (مَا لَكُمۡ) والحديث موجه للمؤمنين، استفهام بمعنى الإنكار والتوبيخ.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(مَا لَكُمۡ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ) 
وأصل النَّفْر هو: الخروج السريع الى أمر مهم، كما نقول: نفرة الحجيج من عرفات الى المزدلفة، ولذلك استخدامه في الخروج إلى الحرب، ولذلك يطلق على الجيش: "النفير" 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اذن قوله تعالى (مَا لَكُمۡ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ) يعنى مَا لَكُمۡ -أيها المؤمنون- إِذَا قِيلَ لَكُمُ اخرجوا للغزو والقتال فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ.
(ٱثَّاقَلۡتُمۡ إِلَى ٱلۡأَرۡضِۚ) يعنى: تباطأتم وتكاسلتم عن الخروج.
وهي من الثقل، لأن الثقل يقتضي البطأ.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
والتعبير بقوله تعالى (ٱثَّاقَلۡتُمۡ ِ إلَى ٱلۡأَرۡضِۚ) يحمل معنى الركون الى الدنيا، ويعنى عدم الرغبة في ترك أوطانهم ومساكنهم، وأيضًا (ٱلۡأَرۡضِۚ) يعنى أرضهم التي زرعوها، لأن الأمر بالخروج في وقت جنى الثمار.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يقول تعالى (أَرَضِيتُم بِٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا مِنَ ٱلۡأٓخِرَةِۚ) 
مرة أخري: الإستفهام للإنكار والتوبيخ.
يعنى: أَرَضِيتُم بِٱلراحة في ٱلدُّنۡيَا بدلًا من النعيم في ٱلۡأٓخِرَةِۚ.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

يقول تعالى (فَمَا مَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا فِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) 
المَتَٰاعُ هو ما يستمتع به الإنسان
يعنى إذا قارنت الذي تتمتع به في الدنيا بالآخرة، فالدنيا مهما عظمت فهي بالنسبة للآخرة قَلِيلٌ.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ولم يقل تعالى "فَمَا مَتَٰاعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا الى ٱلۡأٓخِرَةِ" ولكنه تعالى قال (فَمَا مَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا فِي ٱلۡأٓخِرَةِ) اشارة الى أن مَتَٰاع الاخرة أكبر وأعظم من الدنيا، لأنه عندما تقول: شيء في شيء، فالشيء الذي يدخل فيه الشيء الآخر لابد أن يكون أكبر منه، كما تقول: الأموال في الخزينة، يعنى الخزينة أكبر، فلان في القاهرة، اذن القاهرة أكبر من فلان.
فقوله تعالى
(فَمَا مَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا فِي ٱلۡأٓخِرَةِ) إشارة الى أن ٱلۡأٓخِرَةِ أكبر وأعظم من الدنيا.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
روى أحمد ومسلم والترمذي عن "المِسْوَرُ بنُ مَخْرَمَةَ" أن النبي ﷺ قال: "مَا الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا كَمَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبُعَهُ في اليم، فلينظر بم ترجع."
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
 روي مسلم عن "المغيرة بن شعبة" أن الرسول الله   قال: سأل موسى -عليه السلام- ربه: ما أدنى أهل الجنة منزلة؟ قال: هو رجل يجيء بعدما أُدخل أهلُ الجنةِ الجنةَ، فيقال له: ادخل الجنة، فيقول: أي رب، وكيف وقد نزل الناسُ منازلهم وأخذوا أَخَذَاتِهِم؟! فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل مُلكِ ملِكٍ من ملوك الدنيا؟ فيقول: رضيت رب، فيقول: لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله، فقال في الخامسة: رضيت رب، فيقول: لك هذا وعشرة أمثاله، ولك ما اشتهت نفسك ولذت عينك.
قال موسى ـ ربّ: فأعلاهم منزلة؟! قال: أولئك الذين أردت، غرست كرامتهم بيدي، وختمت عليها، فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر، قال: ومصداقه في كتاب الله  فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ  
"أولئك الذين أردت، -يعنى هؤلاء الذين اخترتهم واصطفيتهم- غرست كرامتهم بيدي -كرامتهم يعنى اكرامهم- وختمت عليها، -يعنى هذه الكرامة لن يعتريها أي تغيير- فلم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على قلب بشر"

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لمَّا حَضَرَتْ "عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ مَرْوَانَ" الْوَفَاةُ قَالَ: ائْتُونِي بِكَفَنِي الَّذِي أُكَفَّنُ فِيهِ أَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا نظر إليه فقال: مَا أَخْلَفُ مِنَ الدُّنْيَا إِلا هَذَا؟ ثُمَّ وَلَّى ظَهْرَهُ فَبَكَى وَهُوَ يَقُولُ: أُفٍّ لَكِ مِنْ دَارٍ، إِنْ كَانَ كَثِيرُكِ لَقَلِيلٌ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلُكِ لَقَصِيرٌ، وَإِنْ كُنَّا مِنْكِ لَفِي غُرُورٍ.
ولذلك قالوا: املك من الدنيا ماشئت.. ولكنك ستخرج منها كما جئت.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
روي أن رجلًا دخل على "على بن ابى طالب" -رضى الله عنه- وأخبره أنه قام بشراء دار وطلب منه أن يكتب له عقد لشرائها، فنظر "على بن ابي طالب" الى الرجل بفراسة المؤمن، فعلم أنه شديد التعلق بالدنيا فقال له: نعم اكتب.
أما بعد: فقد أشترى ميت من ميت، دارا في بلد المذنبين، وسكة الغافلين، لها اربعة حدود: الحد الأول: ينتهي الى الموت، والثاني: ينتهي الى القبر، والثالث: ينتهي الى الحساب، والرابع: ينتهي الى الجنة أو الى النار.
فبكي الرجل، وقال: يا أمير المؤمنين هذه الدار صدقة على أبناء السبيل.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (إِلَّا تَنفِرُواْ يُعَذِّبۡكُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا وَيَسۡتَبۡدِلۡ قَوۡمًا غَيۡرَكُمۡ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيۡ‍ٔٗاۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ ﴿٣٩﴾
 (إِلَّا تَنفِرُواْ) يعنى ان لم تَنفِرُواْ وتخرجوا للغزو والقتال 
(يُعَذِّبۡكُمۡ عَذَابًا أَلِيما) 
يعنى: يُعَذِّبۡكُمۡ عَذَابًا أَلِيما موجعًا في الدنيا وفي الآخرة.
العذاب في الدنيا هو ما يصيبهم من هزيمة وذل بسبب عدم القتال
ومن ذلك العذاب في الدنيا -أيضًا- ما روي عن ابن عباس أن الرسول ﷺ استنفر بعض القبائل فلم تخرج فحبس الله -تعالى- عنهم المطر.
فقالوا إن هذا العذاب هو القحط وقلة المطر.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (وَيَسۡتَبۡدِلۡ قَوۡمًا غَيۡرَكُمۡ) 
فيأتي أناس يدخلون في الإسلام سواء من الجزيرة أو خارج الجزيرة، وينصرون الرسول ﷺ ويكونون أطوع له ﷺ منكم.
(وَلَا تَضُرُّوهُ شَيۡ‍ٔا) 
يعنى أنتم لن تضروا الله شَيۡئ‍ٔا، ولن تضروا الرسول ﷺ اذا لم تخرجوا.
لأن الله تعالى وعده ﷺ بالنصر، ووعد الله كائن لا محالة.
فاذا لم يتحقق النصر بكم، فسيتحقق بغيركم 

(وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡء قَدِيرٌ) 
يعنى الله تعالى قادر على أن يستبدل قومًا غيركم، وقادر على ان ينصر رسوله ﷺ بغيركم. 


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)
يقول تعالى (إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ) 
(إِلاَّ تَنْصُرُوهُ) يعنى ان لم تنصروا - أيها المؤمنون- الرسول ﷺ وتخرجوا معه للقتال.
فان الله تعالى سينصره على أي حال، سواء كنتم معه أو لم تكونوا معه.
والدليل على ذلك،
(فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ).
أن الله تعالى قد نصر رسوله ﷺ في موقف أشد -كثيرًا- وأحرج كثيرًا من هذا الموقف. 
(إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) 
يعنى عندما اضطره المشركون للخروج من مكة، بعد أن تآمروا على قتله ﷺ.
(ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ)  
(ثانِيَ اثْنَيْنِ) يعنى واحد من اثْنَيْنِ
يعنى لم يكن مع الرسول ﷺ الا شخص واحد فقط، وهو "أبو بكر الصديق"

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(إِذْ هُما فِي الْغارِ) 
والغار فجوة في الجبل، والمقصود هو غار "ثور" الذي مكث فيه الرسول ﷺ بعد ان خرج من مكة ثلاثة أيام.
والغار غير الكهف، فالكهف له مدخل ومخرج، أما الغار فله مدخل واحد.
وليس هناك أصعب أو أحرج من هذا الموقف: أن الرسول ﷺ ليس معه الا شخص واحد فقط، وهما محبوسين داخل غار صغير، وصناديد وفرسان قريش على باب الغار.
يقول تعالى
(إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا) 
عندما رأي أبو بكر الصديق أقدام المشركين خارج الغار، قال ابو بكر "أتينا يا نبي الله."
وحزن أبو بكر حزنًا شديدًا، لأن قتل الرسول ﷺ يعنى نهاية الدعوة.
يقول أبو بكر "إنما أنا رجل واحد، وإن قتلت أنت تهلك هذه الأمة"
فقال الرسول ﷺ
(لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا)


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

وقوله تعالى (لا تَحْزَنْ) من مناقب أبو بكر الصديق، لأن الرسول ﷺ لم يقل له: لا تخف، الطبيعي في هذا الموقف أن يكون خائفًا، وانما قال تعالى (لا تَحْزَنْ) لأن الشعور الذي كان مسيطرًا على أبي بكر الصديق هو الحزن على ضياع الدين وهلاك الأمة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا) يعنى: إِنَّ اللَّهَ مَعَنا بتأييده ونصره وحمايته. 
روي البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك أن أبا بكر الصديق قال: نظرت إلى أقدام المشركين ونحن في الغار، فقلت: يا رسول الله ! لو أن أحدهم نظر إلى قدمه أبصرنا، فقال ﷺ يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ لا تحزن إن الله معنا
وكان الرسول ﷺ يدعو ويقول "اللهم اعم أبصارهم عنا"

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ) 
يعنى: فَأَنْزَلَ الله تعالى السكينة والطمأنينة على قلب رسوله ﷺ  
أو أن المقصود أن الله تعالى أنزل سَكِينَتَهُ على قلب أبي بكر.
ويقول ابْنِ عَبَّاسٍ: المقصود َأنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، لأن السَكِينَهُ كانت على النَّبِيَّ ﷺ قَبْلَ ذَلِكَ.
وقد يكون المقصود أن السَكِينَهُ نزلت على قلب الرسول ﷺ وقلب أبي بكر، فالرسول ﷺ ازاد سكينة على سكينة، وأبي بكر الصديق لأنه كان حزينًا، كما ذكر القرآن العظيم.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقزل تعالى (وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها)
يعنى أن الله تعالى أيد الرسول ﷺ بجنود لم يراها أحد، وهو أن الله تعالى صرف عقول الكفار، فلم يخطر على بال أحد منهم، أن ينظر في الغار.
روي أن قصاص الأثر الذي استعانت به قريش وكان اسمه " كرز بن علقمة" من "خزاعة" كان قد تتبع الأثر حتى وصل الى غار "ثور"، وقال: هذه قدم محمد وهو أشبه بالموجود في الكعبة -أي أشبه بأثر قدم إبراهيم عليه السلام- ثم قال: وهذه قدم أبي بكر أو قدم ابنه، ثم قال: ما تجاوزا هذا المكان، إلا أن يكونا قد صعدا إلى السماء أو دخلا في جوف الأرض، وبالرغم كل هذا لم يلتفت إلى أن ينظر الى داخل الغار.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

أو أن الله تعالى ألهم العنكبوت فنسجت بيتها على باب الغار، وألهم الحمامة فباضت على باب الغار، وقيل أن شجرة صغيرة نبتت على باب الغار، فلو نظر أحدهم الى داخل الغار -مع كل ذلك- لاتهم من أصحابه بالغباء والحمق، وربما أصبح أضحوكة في مكة بعد ذلك، فلم يفعلها أحد.
كل ذلك من جنود الله تعالى التي لا يراها أحد.
وكل شيء في الكون هو من جنود الله تعالى، لأن كل شيء في هذا الكون مسخر لله تعالى.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا) 
(وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا) وهي الشرك بالله (السُّفْلى) يعنى: المقهورة الذليلة.
(وَكَلِمَةُ اللَّهِ) وهيي الإسلام، وكلمة: "لا إله الا الله" 
(هِيَ الْعُلْيا) يعنى هى الغالبة.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)  
وَاللَّهُ (عَزِيزٌ) لا يغلب (حَكِيمٌ) يضع كل شيء في موضعه.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا) 
كان الظاهر ان يقول تعالى: وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى، وَجَعَلَ كَلِمَةَ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا.
ولكن الله تعالى يقول (وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا) ولم يقل: وَجَعَلَ. 
لأن كلمة الله لم تكن في أي وقت من الأوقات سفلى، وانما كلمة الله دائماً وأبداً هي العليا.
ولذلك لم يعطفها القرآن العظيم بالنصب، فقال: وَكَلِمَةَ اللَّهِ، وانما قال تعالى: وَكَلِمَةُ اللَّهِ، بالضم.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

اذن الله تعالى يحث المؤمنين على الجهاد والخروج مع النبي ﷺ ويقول لهم إذا لم تخرجوا معه، فان الله سينصره سينصره، سواء بكم أو بغيركم، والدليل أن الله تعالى نصره، في موقف أشد حرجًا كثيرُا من هذه الموقف، وموقف أنتم عاصرتوه، عندما أرادت قريش أن تقتله، ودخل في الغار، ووصل صناديد قريش الى فتحة الغار، ولم يكن معه الا رجل واحد فقط، وهو "أبو بكر الصديق" ومع ذلك قال الرسول ﷺ بمنتهي الثقة بنصر الله تعالى (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا)
وَأنْزَلَ اللَّهُ -تعالى- سَكِينَتَهُ عَلَيْ رسوله ﷺ  
(وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها) أيده بجنود من الملائكة 
(َ وجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا)
اذن كلمة الله هي الْعُلْيا على الدوام، وليست جًعْلًا.
وَاللَّهُ (عَزِيزٌ) لا يغلب (حَكِيمٌ) يضع كل شيء في موضعه

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
تحدث العلماء كثيرًا عن فضل أبي بكر الصديق، ومناقب أبي بكر الصديق في هذه الآية الكريمة:
فقالوا أن الله تعالى قد عاتب جميع المؤمنين في هذه الآية الكريمة ماعدا أبا بكر الصديق، يقول الحسن البصري: عاتب الله جميع أهل الأرض غير أبى بكر فقال: (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ الله... الخ)

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقالوا أن الله تعالى ذكر أبي بكر في هذه الآية الكريمة ستة مرات (إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ) 
(إِذْ هُما فِي الْغارِ) 
(إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ) وهو أبو بكر.
(لا تَحْزَنْ) يعنى: لا تَحْزَنْ يا أبا بكر. 
(إِنَّ اللَّهَ مَعَنا) إِنَّ اللَّهَ مَعَنا يا أبا بكر.
(َفأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ) يعنى على قلب أبي بكر، أو على قلب الرسول وقلب أبي بكر

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقالوا أيضًا أن الشيعة الذين ينكرون صحبة الصحابة الكرام يحكم عليهم بالفسق، أما من ينكر صحبة أبي بكر الصديق منهم فهو كافر، لأن صحبة أبي بكر ثابتة بالقرآن، يقول تعال (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ) فمن أنكر صحبة ابي بكر فقد أنكر القرآن.

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇