Untitled Document

عدد المشاهدات : 1032

الحلقة (518) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تفسير وتدبر الآيات (61) و(62) و(63) من سورة "التَوْبًة" (وَمِنۡهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱلنَّبِيَّ ……

الحلقة رقم (518)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)
تفسير وتدبر الآيات (61) و(62) و(63) من سورة "التوبة" ص 196
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(وَمِنۡهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱلنَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٞۚ قُلۡ أُذُنُ خَيۡرٖ لَّكُمۡ يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَيُؤۡمِنُ لِلۡمُؤۡمِنِينَ وَرَحۡمَةٞ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡۚ وَٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ ﴿٦١﴾ يَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمۡ لِيُرۡضُوكُمۡ وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَحَقُّ أَن يُرۡضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤۡمِنِينَ ﴿٦٢﴾ أَلَمۡ يَعۡلَمُوٓاْ أَنَّهُۥ مَن يُحَادِدِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَأَنَّ لَهُۥ نَارَ جَهَنَّمَ خَٰلِدٗا فِيهَاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡخِزۡيُ ٱلۡعَظِيمُ ﴿٦٣﴾ 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

ما زالت الآيات الكريمة تتناول أحداث غزوة تبوك، وتتناول الحديث عن المنافقين، وقلنا أن المنافق هو الذي يظهر الإيمان ويبطن الكفر.
فيقول تعالى
(وَمِنۡهُمُ) أي وَمِنۡ المنافقين.  
(ٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱلنَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٞ)  
وكلمة (أُذُنٞ) يعنى يصدق كل ما يقال له. 
كانت العرب تقول
"رجل أُذُنٞ" يعنى يُصَدِق كل ما يقال له، ونحن نقول في لغتنا الدارجة "فلان ودني" يعنى كل ما حد يقوله حاجة يصدقها.
وطبعًا اذا كان الحاكم أو الرئيس (أُذُنٞ) فهذه من اكبر العيوب في الحاكم، والرسول يحكم المدينة، ولذلك كان ذلك منتهي القدح في الرسول ﷺ 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

وسبب نزول الآية أن جماعة من المنافقين جلسوا وعابوا وذموا في الرسول ﷺ فقال أحدهم: لا تفعلوا فانا نخاف أن يبلغ محمدًا ما نقول، فقال أحدهم، قيل أنه "الجلاس بن سويد" وقيل هو "نَبْتَلُ بْنُ الْحَارِثِ": نقول ما شئنا، فاذا بلغه ما نقول، نأتيه ونحلف له أننا ما قلنا، فإنما (هُوَ أُذُنٞ) يعنى يصدق كل ما يقال له، فاذا أنكرنا ما قلنا وحلفنا له سيصدقنا.   
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
فرد الله تعالى عليهم وقال:
(قُلۡ أُذُنُ خَيۡرٖ لَّكُمۡ) يعنى: أُذُنُ تسمع الخَيۡرٖ لَّكُمۡ.
و
(الخَيۡرٖ) هنا هو الوحي الذي يتلقاه الرسول ﷺ.
والمعنى أنتم -أيها المنافقون- تعيبون في الرسول ﷺ وتقولون إنه (أُذُنُ) بمعنى لأنه يصدق كل ما يقال له.
فقل لهم يا محمد أن رسول الله ﷺ نعم هو (أُذُنُ)، ولكن ليس (أُذُنُ) بالمعنى الخبيث الذي تقصدونه، ولكن بمعنى أنه يستمع الى الوحي -الذي هو خير- وينقل هذا الوحي وهذا الخير لكم.

فاذا قلتم -أيها المنافقون- أن محمدًا ﷺ (أُذُنُ) فهو "نِعْمَ الأُذُنْ" لأن الله -تعالى- اصطفاه على جميع الناس ليستمع الى منهج السماء من جبريل -عليه السلام- وينقل هذا الخير الى كل أهل الأرض.
اذن (أُذُنُ خَيۡرٖ لَّكُمۡ) يعنى: أُذُنُ تسمع الخير وهو الوحي وتنقل هذا الخَيۡرٖ لَّكُمۡ.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وهذا يطلق عليه في اللغة
"القول الموجب"، يعنى: أن تتفق مع خصمك فيما قاله، ثم تحول ما قاله من صالحه الى صالحك.
كمن يقول لأحدهم: أنت مفتري، فيقول: نعم مفتري لكن مفتري على الظالم.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ولم يقل تعالى
(أذن خير للمؤمنين) ولكنه تعالى قال (أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ) بالرغم من ان الخطاب موجه للمنافقين، لأن دور الرسول ﷺ أن ينقل هذا الخير -هو مبلغ ﷺ- ثم بعد ذلك هناك من يستفيد من هذا الخير، وهناك من لا يستفيد منه.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

يقول تعالى (يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَيُؤۡمِنُ لِلۡمُؤۡمِنِينَ)
(يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ) الله -سبحانه وتعالى- يمدح رسوله ﷺ انه ﷺ يؤمن بالله -سبحانه وتعالى-، لأن أعظم وأثقل حسنة في ميزان أي عبد أنه يؤمن بالله تعالى.
قد يقول قائل: هناك الكثيرين يؤمنون بالله تعالى، نقول: وهل ايمان رسول الله كإيمان غيره؟ فالرسول ﷺ هو أعظم المؤمنين ايمانًا.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقال تعالى
(يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ) في هذا الموضع، لأن المنافقون جاءوا وحلفوا للرسول ﷺ أنهم ما قالوا كذا وكذا، وقبل منهم الرسول ﷺ ذلك، فاراد الله تعالى أن يقول لهؤلاء المنافقين أن الرسول ﷺ لم يقبل منكم هذا لأنه (أُذُنُ) ويسهل خداعه -كما تعتقدون- ولكنه قبل منكم ذلك لأنه (يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ) ومن توقير الرسول ﷺ واجلاله لله، لم يشأ أن يرد من حلف بالله أو يتهمه بالكذب.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى
(وَيُؤۡمِنُ لِلۡمُؤۡمِنِينَ) وَيُصدق المُؤۡمِنِينَ، اذن فالرسول ﷺ لم يصدقكم كما تعتقدون، ولكنه ﷺ أعرض عنكم، وأوكل أمركم  الى الله، لأن الله تعالى قال: (وأعرض عن الجاهلين)
(وَرَحۡمَةٞ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ) يعنى وهو ﷺ رَحۡمَةٞ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ، لأنه كان سببًا في ايمان المؤمنين.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(وَٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ)
يعنى وَٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ ﷺ من المنافقين ويعيبونه، ويقولون عنه انه (أُذُنٞ) 
(لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ) لَهُمۡ عَذَابٌ مؤلم موجع يوم القيامة.
وهذه الاية تشفي صدر كل مؤمن من الذين يؤذون رَسُولَ ٱللَّهِ ﷺ، لأن الرسول ﷺ أوذي -في حياته- من الكفار ومن المنافقين ومن اليهود، واستمر ايذاؤه بعد وفاته، ولا يزال يؤذي الى اليوم، وحتي قيام الساعة، ربما لم يؤذ انسان في تاريخ البشرية، كما أوذي رسول الله، ولا شك أن إيذاء الرسول ﷺ هو إيذاء لكل مؤمن، ويحزن مؤمن، ولذلك يطمئننا الله تعالى في هذه الآية ويقول لا تقلقوا ولا تحزنوا فان َٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
من يتدبر القرآن يلاحظ أن هناك اختلافًا بين قوله تعالى
(يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ) وبين قوله تعالى (وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) بالنسبة للإيمان بالله جاء بالباء في قوله (بِٱللَّهِ) وبالنسبة للمؤمنين جاء باللام في قوله (لِلْمُؤْمِنِينَ) يعنى: عدى الإيمان إلى الله بالباء وإلى المؤمنين باللام.
لأنك حين تقول آمنت بالله -بالباء- يعنى آمنت بوجود الله، وآمنت بصفات الكمال في الله.
وحين تقول "آمنت للمؤمنين" يعنى صدقت المؤمنين.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(يَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمۡ لِيُرۡضُوكُمۡ وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَحَقُّ أَن يُرۡضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤۡمِنِينَ ﴿٦٢﴾
روي في سبب نزول هذه الآية عن "قتادة" أن بعد نزول ما نزل من القرآن في شأن المتخلفين عن غزوة "تبوك" قال رجلًا من المنافقين: "والله إن هؤلاء لخيارنا وأشرافنا، وإن كان ما يقول محمدًا حقا فنحن شر من الحمير." -كما نقول أقطع دراعي لو الكلام ده صح- وكان معهم غلام مؤمن من الإنصار اسمه "عامر بن قيس" قيل إنه ابن أمرأته، فغضب الغلام وقال له: والله إن ما يقول محمدٌ لحق، ولأنت أشر من الحمار، وذهب الغلام الى الرسول ﷺ وأخبره، فأرسل الرسول ﷺ الى الرجل وقال له: "ما حملك على الذي قلت؟" فجعل الرجل المنافق يقسم بالله أنه ما قال ذلك، وجعل الغلام يقول: اللهم صدق الصادق، وكذب الكاذب. 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
فأنزل الله -تعالى- هذه الآية، يقول تعالى (يَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمۡ لِيُرۡضُوكُمۡ) يعنى هذا المنافق وأمثاله من المنافقين، يقعون ويذمون في الرسول ﷺ ويذمون في المسلمين، ثم إذا بلغكم ما يقولون، يأتون لكم ويحلفون بالله لكم كذبًا أنهم لم يقولوا شيئًا.
يقول تعالى
(لِيُرۡضُوكُمۡ) يعنى يفعلون ذلك لِيُرۡضُوكُمۡ خوفًا منكم.
يقول تعالى
(وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَحَقُّ أَن يُرۡضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤۡمِنِينَ) وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَحَقُّ أَن يُرۡضُوهُ بالإستغفار والتوبة مما قالوا ونطقوا به.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وهذه اشارة الى أن من صفة المنافقين والكذابين والعصاة أن يكثروا الحلف، كما يقول المثل "قالوا للحرامي احلف قال جالك الفرج" لأنهم يشعرون أنهم متهمون، فيحلفون لينفوا هذه التهمة عن أنفسهم.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقال  تعالى (وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَحَقُّ أَن يُرۡضُوهُ) ولم يقل تعالى: أَحَقُّ أَن يُرۡضُوهُما، وانما قال: (أَحَقُّ أَن يُرۡضُوهُ) اشارة الى أن ارضاء الرسول ﷺ هو عين ارضاء الله تعالى. 
وفي نفس الوقت التركيب اللغوي سليم، وهذا من بلاغة القرآن، لأن من قواعد اللغة: إذا كانت هناك جملتان يمكن حذف خبر أحدهما لدلالة خبر الأخرى عليه، كما في قول الشاعر: 
نحن بما عندنا وأنت بما عنـدك راض والرأي مختلف
 اذن الآية أعطت المعنى المطلوب وهو أن ارضاء الرسول ﷺ هو عين ارضاء الله تعالى، وفي نفس الوقت التركيب اللغوي سليم، وهذا من بلاغة القرآن الكريم.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

ثم قال تعالى (أَلَمۡ يَعۡلَمُوٓاْ أَنَّهُۥ مَن يُحَادِدِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَأَنَّ لَهُۥ نَارَ جَهَنَّمَ خَٰلِدٗا فِيهَاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡخِزۡيُ ٱلۡعَظِيمُ ﴿٦٣﴾
ما زالت الآية تتحدث عن المنافقين. 
والتعبير بـ
(ألَمۡ يَعۡلَمُوٓاْ) يستخدم في الإنسان الذي تحاول تعليمه فترة طويلة ثم لا يتعلم. 
(زي ابنك تشرحله الحاجة مائة مرة ثم يغلط، فتقول له: مش أنا علمتك كذا كذا.. مش أنا شرحتلك كذا وكذا) 
فالتعبير بألَمۡ يَعۡلَمُوٓاْ يستخدم في الإنسان الذي تحاول تعليمه فترة طويلة دون أن يتعلم، لأن الرسول ﷺ ظل مع المنافقين سنوات طويلة، يحذرهم من معصية الله تعالى، ويرغبهم في طاعته، وهم مصرون على الكفر والنفاق.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
قال تعالى: (أَلَمۡ يَعۡلَمُوٓاْ أَنَّهُۥ مَن يُحَادِدِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ) يعنى من يحارب ويعادي ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ.
وكلمة (يُحَادِدِ) مأخوذة من الحد وهو الجانب، كأنهم في جانب، وٱللَّهَ والرسول في جانب آخر.
أو (يُحَادِدِ) هي مأخوذة من حديد السلاح.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(فَأَنَّ لَهُۥ نَارَ جَهَنَّمَ خَٰلِدا فِيهَا) يعنى مقيمًا فيها الى ما لا نهاية، وهذا وعيد، قالوا: أعظم من عذاب النار الخلود فيها، وأعظم من نعيم الجنة الخلود فيها.
وسميت "جَهَنَّمَ" بهذا الإسم من قول العرب "بئر جهنام" إذا كانت بعيدة القعر "غويطة" فسميت "جَهَنَّمَ" بهذا الاسم لبعد قعرها.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
هنا قال تعالى (خَٰلِدا فِيهَا) جاءت بالمفرد.
وحين يتحدث الله عن الخلود في الجنة لم تأت بالمفرد أبدًا.
أما بالنسبة للنار فأحيانًا تأتي بالمفرد (خَٰلِدا فِيهَا)
لأن الوحدة في حد ذاتها عذاب، مثل المسجون إذا ارتكب مخالفة فانه يحبس حبس انفرادي.
ولذلك يأتي العذاب في النار أحيانًا بصيغة المفرد إشارة الى اجتماع ألم العذاب مع ألم العذاب وحده.

(ذَٰلِكَ ٱلۡخِزۡيُ ٱلۡعَظِيمُ) ذَٰلِكَ هو الهوان والإهانة والذل ٱلۡعَظِيمُ
وقد يأتي
(ٱلۡخِزۡيُ) بمعنى الندم.

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇