Untitled Document

عدد المشاهدات : 963

الحلقة (525) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تفسير وتدبر الآيات من (86) و(93) من سورة "التَوْبًة" (وَإِذَآ أُنزِلَتۡ سُورَةٌ ……

الحلقة رقم (525)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)
تفسير وتدبر الايات من (86) الى (96) من سورة "التوبة" ص 200
        

(وَإِذَآ أُنزِلَتۡ سُورَةٌ أَنۡ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَجَٰهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ ٱسۡتَ‍ٔۡذَنَكَ أُوْلُواْ ٱلطَّوۡلِ مِنۡهُمۡ وَقَالُواْ ذَرۡنَا نَكُن مَّعَ ٱلۡقَٰعِدِينَ ﴿٨٦﴾ رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلۡخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَهُمۡ لَا يَفۡقَهُونَ ﴿٨٧﴾ لكِنِ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ جَٰهَدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلۡخَيۡرَٰتُۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ﴿٨٨﴾ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمۡ جَنَّٰت تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ ﴿٨٩﴾ وَجَآءَ ٱلۡمُعَذِّرُونَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ لِيُؤۡذَنَ لَهُمۡ وَقَعَدَ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۚ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ عَذَابٌ أَلِيم ﴿٩٠﴾ لَّيۡسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلَا عَلَى ٱلۡمَرۡضَىٰ وَلَا عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ مَا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ مِن سَبِيلٖۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ﴿٩١﴾ وَلَا عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوۡكَ لِتَحۡمِلَهُمۡ قُلۡتَ لَآ أَجِدُ مَآ أَحۡمِلُكُمۡ عَلَيۡهِ تَوَلَّواْ وَّأَعۡيُنُهُمۡ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمۡعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ ﴿٩٢﴾ ۞إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَسۡتَ‍ٔۡذِنُونَكَ وَهُمۡ أَغۡنِيَآءُۚ رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلۡخَوَالِفِ وَطَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ ﴿٩٣﴾

        

(وَإِذَآ أُنزِلَتۡ سُورَةٌ أَنۡ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَجَٰهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ ٱسۡتَ‍ٔۡذَنَكَ أُوْلُواْ ٱلطَّوۡلِ مِنۡهُمۡ وَقَالُواْ ذَرۡنَا نَكُن مَّعَ ٱلۡقَٰعِدِينَ ﴿٨٦﴾
ما زالت الايات الكريمة تتناول الحديث عن غزوة "تبوك" وعن المنافقين، فيقول تعالى: (وَإِذَآ أُنزِلَتۡ سُورَةٌ أَنۡ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَجَٰهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ) يعنى اذا أُنزِلَتۡ سُورَةٌ من القرآن تأمر بالإيمان بالله تعالى وبالخروج للجهاد مع الرسول ﷺ
(ٱسۡتَ‍ٔۡذَنَكَ أُوْلُواْ ٱلطَّوۡلِ مِنۡهُمۡ) يعنى ٱسۡتَ‍ٔۡذَنَكَ في عدم الخروج أصحاب القدرة على الخروج للجهاد.
و
(أُوْلُواْ ٱلطَّوۡلِ) من الشخص الطويل، لإن الشخص الطويل يقدر يتناول الحاجة بايديه، نقول "تقدر تطول الحاجة دي" ولذلك بنقول "فلان ايده طايلة" يعنى صاحب سلطة ونفوذ.
ولذلك قال البعض
(أُوْلُواْ ٱلطَّوۡلِ) يعنى السادة والكبراء.
فقوله تعالى
(ٱسۡتَ‍ٔۡذَنَكَ أُوْلُواْ ٱلطَّوۡلِ مِنۡهُمۡ) يعنى ٱسۡتَ‍ٔۡذَنَكَ في عدم الخروج أصحاب القدرة على الخروج للجهاد، واستأذنك السادة والكبراء الذين كان يجب أن يكونوا أو من يخرج للجهاد.  

        

(وَقَالُواْ ذَرۡنَا نَكُن مَّعَ ٱلۡقَٰعِدِينَ)
(وَقَالُواْ ذَرۡنَا) يعنى اتركنا 
(نَكُن مَّعَ ٱلۡقَٰعِدِينَ) يعنى نَكُن مَّعَ ٱلۡقَٰاعِدِينَ عن الخروج من النساء والصبيان وأصحاب الأعذار.
والخلاصة اذا جاء الأمر بالجهاد يعتذر عن الخروج المنافقين، على الرغم من أنهم أكثر أناس استعدادًا وقدرة على الجهاد.
وقيل أنها نزلت في "عبد الله بن أبي بن سلول" رأس المنافقين، و"الجِدّ بن قيس"

        

قبل أن ننتقل الى الاية التالية:
الآية تقول:
(وَإِذَآ أُنزِلَتۡ سُورَةٌ أَنۡ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَجَٰهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ) لماذا قال تعالى (أَنۡ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ)؟
وكان الظاهر أن يقول: وَإِذَآ أُنزِلَتۡ سُورَةٌ أَنۡ جاَٰهِدُواْ مَعَ رَسُولِ الله ٱسۡتَ‍ٔۡذَنَكَ أُوْلُواْ ٱلطَّوۡلِ مِنۡهُمۡ.
ولكن قدم الإيمان بالله لأن الخطاب للمنافقين، فكأنه يقول لهم أن الجهاد بدون ايمان لا فائدة له، فيجب عليهم أن يؤمنوا أولًا ايمانًا حقيقيًا، ثم بعد ذلك يكون الجهاد.


        

(رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلۡخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَهُمۡ لَا يَفۡقَهُونَ ﴿٨٧﴾
(رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلۡخَوَالِفِ) 
يعنى ارتضى هؤلاء المنافقون لأنفسهم أن يَكُونُواْ مَعَ ٱلۡخَوَالِفِ، وهم النساء.
وأصل الخوالف من "خَلَف اللبن" أو "خَلَف الطعام" اذا ترك حتى يفسد، يقال حمض اللبن أو حمض الأكل، لإنه اتساب فترة طويلة.
فأطلق على النساء " ٱلۡخَوَالِفِ": لأنهم يتركن في البيوت.

        

(وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَهُمۡ لَا يَفۡقَهُونَ) 
"الطبع" ما هو الطبع؟ نقول هذه ورقة مطبوعة، يعنى لا يمكن تغيير الكلام الذي فيها، ني شيرت مطبوع عليه صورة، يعنى لايمكن ازالتها، يعنى الطباعة او الطبع شيء لا يمكن تغييره، حتى نحن نقول "فلان ده طبعه كده، مش حنعرف نغيره"
فقوله تعالى
(وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ) يعنى: وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ بالكفر والنفاق.
فلا يمكن أن تتحول قلوبهم للإيمان أبدًا، لأن الكفر والنفاق مطبوع في القلب.

        

(فَهُمۡ لَا يَفۡقَهُونَ) 
وقلنا أن الفقه معناه الفهم، فهؤلاء لا فهم لهم ولا عقل، لأن الذي يرفض الإيمان بالقرآن والإيمان بالرسول، ويصر على عبادة أصنام حجارة لا تنفع ولا تضر هذا انسان لا عقل له ولا فهم.


        

(لكِنِ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ جَٰهَدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلۡخَيۡرَٰتُۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ﴿٨٨﴾
يعنى هؤلاء المنافقون لم يجاهدوا في سبيل الله، لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا في سبيل الله بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ.
(وَأُوْلَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلۡخَيۡرَٰتُ) 
و(ٱلۡخَيۡرَٰتُ) جمع "خَيْرَة" 
فٱلۡخَيۡرَٰتُ يعنى: خيرات في الدنيا والآخرة، لأن المجاهد في سبيل  الله يحوز في الدنيا الغنائم وشرف الإنتصار، ثم يوم القيامة يحوز الخير الأكبر وهو الثواب العظيم للجهاد في سبيل الله.
وقيل أن المقصود بالخيرات هن الحور العين لقوله تعالى في سورة الرحمن
(فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ)
(وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ) يعنى الفائزون الناجحون، وأصلها فلاحة الأرض لأن الفلاح يضع بذرة صغيرة فتكون شجرة كبيرة تعطي له أطنان من الثمار.


        

(أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمۡ جَنَّٰت تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ ﴿٨٩﴾
(أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمۡ جَنَّٰت) يعنى أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمۡ هذه الجَنَّٰات بنفسه.
سافر الشيخ الشعراوي في رحلة دعوية مع مجموعة من العلماء الى الولايات المتحدة، فلما دخلوا الى الفندق كان العلماء منبهرين بما في الغرف من وسائل الراحة والرفاهية، لم يروها من قبل، فقال لهم الشعراوي: اذا كان هذا هو ما أعده البشر الى البشر، فكيف بما أعده رب البشر للبشر.

(أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمۡ جَنَّٰت) وقلنا أن الجنة هي البستان، وسميت الجنة جنة لأنها تستر الذي يمشي فيها من كثرة أشجارها.

        

(تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ) 
ولكن أنهار الجنة ليست كأنهار الدنيا، فأنهار الدنيا تجري في وادي بين شاطئين، ولكن أنهار الجنة ليس لها شطوط تحجز الماء، ولكنها محجوزة بقدرة الله تعالى.
وأخبرنا تعالى أن الجنة فيها: أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ، وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ، وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ، وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّ.
كأن الله تعالى نزع من كل نهر الصفة التى تعكره، فآفة الماء أن يأسن يعنى يتغير طعمه ورائحته ولونه، فقال تعالى
(أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ) وآفة اللبن أن يتغير طعمه اذا ترك، فقال  تعالى (وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ) وآفة الخمر أنه كريه الطعم، فقال تعالى (وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ)، وكان العرب يأخذون العسل من الجبال فيكون مختلطًا بالحصى والرمال، فقال تعالى (وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّ)

        

يقول تعالى (خَٰلِدِينَ فِيهَا) يعنى: لا يموتون فيها ولا يخرجون منها.
روي البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي سعيد الخدري أن النبي ﷺ قال: "
يُؤْتَى بالمَوْتِ كَهَيْئَةِ كَبْشٍ أمْلَحَ، (كَبْشٍ أمْلَحَ: يعنى كَبْشٍ فيه بياض وسواد، ولكن البياض أكثر من السواد) فيُنادِي مُنادٍ (يعنى: يُنادِي مُنادٍ من الملائكة): يا أهْلَ الجَنَّةِ، فَيَشْرَئِبُّونَ ويَنْظُرُونَ، فيَقولُ: هلْ تَعْرِفُونَ هذا؟ فيَقولونَ: نَعَمْ، هذا المَوْتُ، وكُلُّهُمْ قدْ رَآهُ، ثُمَّ يُنادِي: يا أهْلَ النَّارِ، فَيَشْرَئِبُّونَ ويَنْظُرُونَ، فيَقولُ: هلْ تَعْرِفُونَ هذا؟ فيَقولونَ: نَعَمْ، هذا المَوْتُ، وكُلُّهُمْ قدْ رَآهُ، فيُذْبَحُ، ثُمَّ يقولُ: يا أهْلَ الجَنَّةِ، خُلُودٌ فلا مَوْتَ، ويا أهْلَ النَّارِ، خُلُودٌ فلا مَوْتَ. 
(ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ)
يعنى اي فَوۡزُ الى جوار هذا ٱلۡفَوۡزُ لا يعتبر فوزًا 


        

(وَجَآءَ ٱلۡمُعَذِّرُونَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ لِيُؤۡذَنَ لَهُمۡ وَقَعَدَ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۚ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ ﴿٩٠﴾
بعد أن ذكر -تعالى- أحوال المنافقين من سكان المدينة، تحدث عن الأعراب، وهم سكان البادية، فقال تعالى (وَجَآءَ ٱلۡمُعَذِّرُونَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ لِيُؤۡذَنَ لَهُمۡ)  
كلمة
(ٱلۡمُعَذِّرُونَ) تحمل معنيين: الذين جاءوا بأعذار مقبولة، والذين جاءوا بأعذار كاذبة، فهؤلاء وهؤلاء جاءوا الى الرسول ﷺ وطلبوا منه الإذن بالقعود وعدم الخروج للقتال، قال تعالى (وَجَآءَ ٱلۡمُعَذِّرُونَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ لِيُؤۡذَنَ لَهُمۡ)

        

ثم قال تعالى (وَقَعَدَ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ) 
وهناك فريق ثالث لم يأت الى الرسول ﷺ ليعتذر ، وهؤلاء وصفهم الله -تعالى- بالكفر قال تعالى (وَقَعَدَ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ) 
ثم يقول تعالى (سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ عَذَابٌ أَلِيم) يعنى سواء هذا الفريق أو هذا الفريق: سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ عَذَابٌ مؤلم موجع.


        

(لَّيۡسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلَا عَلَى ٱلۡمَرۡضَىٰ وَلَا عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ مَا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ مِن سَبِيلٖۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيم ﴿٩١﴾
ثم تتحدث الايات عن أصحاب الأعذار الحقيقية، فيقول تعالى (لَّيۡسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ) وهم اصحاب العاهات، والشيوخ الكبار، (وَلَا عَلَى ٱلۡمَرۡضَىٰ) 
(وَلَا عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ) يعنى وَلَا عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ به على خروجهم للقتال، لأن الخروج للقتال يحتاج نفقة سواء السلاح، أو الدابة التى يركبها، و الزاد، أو نفقة أهل بيته حتى يعود اليهم.  
ليس على هؤلاء
(حَرَجٌ) يعنى اثم أو ذنب.
ولكن بشرط:
(إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) 
هذا الإستثناء يعنى أصحاب الإعذار الحقيقية ليس عليهم لا اثم ولا ذنب، ولكم بشرط أن ينصحوا لله ورسوله.
يعنى ينصحوا ويشجعوا ويحمسوا القادرين على الجهاد، ثم اذا خرج المجاهدين للقتال يكونوا في عون أسر المجاهدين، وأن يواجهوا الإشاعات والأكاذيب التي يطلقها المرجفون في المدينة.

        

اذن الآية تعطي معيار حتى لكشف المنافقين المخفيين بين أصحاب الأعذار، لأن أصحاب الأعذار منهم مؤمنون كانوا يتمنون الخروج للقتال، ومنهم منافقون سعداء بوجود هذا العذر حتى لا يخرج للجهاد.
فقالت الآية أن الذي يميز بين صحاب العذر المؤمن وصاحب العذر المنافق
(إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) 
صاحب العذر المؤمن يخرس السنة السوء، بينما صاحب العذر المنافق يثبط المجاهدين، وينشر الشائعات ويثير الفتن.
(مَا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ مِن سَبِيل) يعنى ليس على ٱلۡمُحۡسِنِينَ عقاب.
يعنى ليس هناك طريق لعقابهم، كأنه سد طرق العقاب. 

(وَٱللَّهُ غَفُور رَّحِيم) 

        

ومع أن الله -تعالى- أعطي الرخصة لأصحاب الأعذار، كان هناك أصحاب أعذار من الصحابة يصرون على الخروج للجهاد.
من هؤلاء "عمرو بن الجموح" كان أعرج وأصر على الخروج للقتال في أحد، فذهب ابناءه الى الرسول ﷺ وكلموه حتى يمنع أباهم من الخروج، فقال له النبي ﷺ "قد عذرك الله ولا جهاد عليك" فقال: "يا رسول الله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه الجنة" وخرج للقتال.
وكان "عبد الله بن أم مكتوم" يطلب أن يخرج مع المسلمين وأن يحمل اللواء، وكان شيوخ الصحابة يخرجون لخدمة الجيش، او ليكثروا سواد المسلمين,


        

(وَلَا عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوۡكَ لِتَحۡمِلَهُمۡ قُلۡتَ لَآ أَجِدُ مَآ أَحۡمِلُكُمۡ عَلَيۡهِ تَوَلَّواْ وَّأَعۡيُنُهُمۡ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمۡعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ ﴿٩٢﴾
نزلت هذه الاية الكريمة في نفر من فقراء الصحابة ، لما دعا الرسول ﷺ الى الخروج الى "تبوك" ذهبوا الى الرسول ﷺ وطلبوا من الرسول ﷺ أن يوفر لهم رواحل حتى يخرجوا عليها، فاعتذر لهم الرسول ﷺ وقال (لَآ أَجِدُ مَآ أَحۡمِلُكُمۡ عَلَيۡهِ) فانصرفوا وهم يبكون حزنًا على عدم خروجهم.
يقول تعالى
(وَلَا عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوۡكَ لِتَحۡمِلَهُمۡ) يعنى ولا حرج ولا اثم كذلك (عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوۡكَ لِتَحۡمِلَهُمۡ) يعنى تعطيهم رواحل تحملهم عليها، وقيل أن عدد هؤلاء ستة، واخْتُلِفَ في أسمائهم، والراجح أنهم: سالمُ بنُ عميرٍ، وعُلبةُ بنُ زيدٍ، وعبدُالرحمنِ بنُ كعبٍ، وعمروُ بنُ الحمامِ، وعبدُاللهِ بنُ المغفَّلِ، وهَرمُ بنُ عبدِاللهِ، والعِرباضُ بنُ ساريةَ، وكانوا كلهم أهل حاجة، وعرفوا في كتب التفسير باسم البكائين.

        

قال العلماء أن قول الرسول ﷺ لهم (لَآ أَجِدُ مَآ أَحۡمِلُكُمۡ عَلَيۡهِ) فيه تطييب لقلوب هؤلاء، لأن التعبير كأن الرسول ﷺ يبحث ويفتش عن رواحل لهم ولكنه لا يجد لهم ما يطلبونه.
وقال العلماء في هذه الاية: هذا بكاءُ الرجالِ! بكَوا على فقدِهم رواحلَ تحملهم إلى الموتِ، والى مواطنَ تُراقُ فيها الدماءُ في سبيلِ اللهِ، فأما مَن يبكي على حظ من حظوظ الدنيا، فهذا بكاء الصبية.

        

 روى أبو داود عن أنس أن الرسول الله ﷺ قال: لقد تركتم بالمدينة أقوامًا، ما سرتم مسيرًا، ولا أنفقتم من نفقة، ولا قطعتم من واد، إلا وهم معكم فيه
قالوا: يا رسول الله، وكيف يكونون معنا وهم بالمدينة ؟ قال: حبسهم العذر.


        

(۞إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَسۡتَ‍ٔۡذِنُونَكَ وَهُمۡ أَغۡنِيَآءُۚ رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلۡخَوَالِفِ وَطَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ ﴿٩٣﴾
(إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَسۡتَ‍ٔۡذِنُونَكَ وَهُمۡ أَغۡنِيَآءُۚ)
يعنى الإثم والعقوبة عَلَى ٱلَّذِينَ يَسۡتَ‍ٔۡذِنُونَكَ في عدم الخروج وَهُمۡ أَغۡنِيَآءُ، يعنى عندهم نفقة الخروج للجهاد. 
(رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلۡخَوَالِفِ) يعنى ارتضوا لأنفسهم (بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلۡخَوَالِفِ) يعنى يقعدوا في بيوتهم مَعَ النساء.  
(وَطَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ) يعني: وَطَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِم بالكفر والنفاق.
فلا يمكن أن تتحول قُلُوبِهِمۡ للإيمان أبدُا، لأن الكفر والنفاق مطبوع في قُلُوبِهِمۡ.

(فَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ)
فَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ سوء عاقبتهم، بتخلفهم عنك، وتركهم الجهاد معك.

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇