الحلقة رقم (526)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)
تفسير وتدبر الايات من (94) الى (99) من سورة "التوبة" ص 202
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(يَعۡتَذِرُونَ إِلَيۡكُمۡ إِذَا رَجَعۡتُمۡ إِلَيۡهِمۡۚ قُل لَّا تَعۡتَذِرُواْ لَن نُّؤۡمِنَ لَكُمۡ قَدۡ نَبَّأَنَا ٱللَّهُ مِنۡ أَخۡبَارِكُمۡۚ وَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمۡ وَرَسُولُهُۥ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ ﴿٩٤﴾ سَيَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمۡ إِذَا ٱنقَلَبۡتُمۡ إِلَيۡهِمۡ لِتُعۡرِضُواْ عَنۡهُمۡۖ فَأَعۡرِضُواْ عَنۡهُمۡۖ إِنَّهُمۡ رِجۡسۖ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ ﴿٩٥﴾ يَحۡلِفُونَ لَكُمۡ لِتَرۡضَوۡاْ عَنۡهُمۡۖ فَإِن تَرۡضَوۡاْ عَنۡهُمۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يَرۡضَىٰ عَنِ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ ﴿٩٦﴾ ٱلۡأَعۡرَابُ أَشَدُّ كُفۡرا وَنِفَاقًا وَأَجۡدَرُ أَلَّا يَعۡلَمُواْ حُدُودَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ ﴿٩٧﴾ وَمِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغۡرَما وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ ٱلدَّوَآئِرَۚ عَلَيۡهِمۡ دَآئِرَةُ ٱلسَّوۡءِۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٞ ﴿٩٨﴾ وَمِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ مَن يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَٰتٍ عِندَ ٱللَّهِ وَصَلَوَٰتِ ٱلرَّسُولِۚ أَلَآ إِنَّهَا قُرۡبَةٞ لَّهُمۡۚ سَيُدۡخِلُهُمُ ٱللَّهُ فِي رَحۡمَتِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ﴿٩٩﴾
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(يَعۡتَذِرُونَ إِلَيۡكُمۡ إِذَا رَجَعۡتُمۡ إِلَيۡهِمۡۚ قُل لَّا تَعۡتَذِرُواْ لَن نُّؤۡمِنَ لَكُمۡ قَدۡ نَبَّأَنَا ٱللَّهُ مِنۡ أَخۡبَارِكُمۡۚ وَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمۡ وَرَسُولُهُۥ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ ﴿٩٤﴾
ما زالت الآيات تتحدث عن المنافقين، وعن غزوة "تبوك"
وقلنا من قبل أن الحديث عن المنافقين ليس حديثًا عن مرحلة تاريخية، ولكن المنافقين موجودون في كل وقت، وهم أخطر ما يواجه الأمة الإسلامية، وقلنا أن علامة المنافق الآن أن يكون مسلمًا ظاهرًا، ولكن تجده يكره أن يري فتاة منقبة أو محجبة، يكره أن يري شاب ملتحي، يرفض تطبيق الشريعة الإسلامية، يكره صوت الأذان، يحارب بناء المساجد.
هنا يقول تعالى (يَعۡتَذِرُونَ إِلَيۡكُمۡ إِذَا رَجَعۡتُمۡ إِلَيۡهِمۡۚ)
يعنى عندما تعودون من الغزوة ستجدون هؤلاء المنافقين -الذين لم يخرجوا معكم للغزو- يأتون اليكم ويقولون لكم أعذار كاذبة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(قُل لَّا تَعۡتَذِرُواْ لَن نُّؤۡمِنَ لَكُمۡ)
كلمة "آمن" لغة يعنى "صدق" في سورة "يوسف" (وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ) يعنى لن تصدقنا حتى لو كنا صادقين.
فقوله تعالى (قُل لَّا تَعۡتَذِرُواْ لَن نُّؤۡمِنَ لَكُمۡ)
يعنى قل لهم لا داعي لهذه الأعذار الكاذبة، فلن نصدقكم.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(قَدۡ نَبَّأَنَا ٱللَّهُ مِنۡ أَخۡبَارِكُمۡۚ) لأن الله تعالى أخبرنا بأنكم منافقون، وأخبرنا بأنكم ستأتون وتعتذرون بأعذار كاذبة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمۡ وَرَسُولُهُ) وسيرى الله ورسوله عَمَلَكُمۡ فيما بعدُ، هل ستتوبون من نفاقكم، أم تقيمون عليه؟
كأن الله تعالى يذكرهم مرة أخري بأن باب التوبة مفتوح.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ)
(ثُمَّ تُرَدُّونَ) ثُمَّ ترجعون بعد موتكم.
(إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ) يعنى إِلَىٰ الله تعالى الذي يعلم السر والعلانية، ولا يخفي عليه أي شيء مما في قلوبكم
(فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ) فيخبركم بأعمالكم، ويجازيكم عليها.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(سَيَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمۡ إِذَا ٱنقَلَبۡتُمۡ إِلَيۡهِمۡ لِتُعۡرِضُواْ عَنۡهُمۡۖ فَأَعۡرِضُواْ عَنۡهُمۡۖ إِنَّهُمۡ رِجۡسۖ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ ﴿٩٥﴾
يخبر الله -تعالى- بأن هؤلاء المنافقين، سيحاولون تأكيد أعذارهم الكاذبة بالحلف بِٱللَّهِ.
فيقول تعالى: (سَيَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمۡ إِذَا ٱنقَلَبۡتُمۡ إِلَيۡهِمۡ) يعنى: سَيَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمۡ عندما تعودون من "تبوك"
(لِتُعۡرِضُواْ عَنۡهُمۡ) يعنى حتى لا توبخوهم أو تعنفوهم أو تؤنبونهم على عدم خروجهم.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(فَأَعۡرِضُواْ عَنۡهُمۡۖ إِنَّهُمۡ رِجۡس)
يعنى لا تعاتبوهم، لماذا يا رب لأنهم (رِجۡس)
لأن الإنسان يعاتب شخص هناك أمل في إصلاحه، وهؤلاء لا أمل في إصلاحهم لأنهم لأن معنى الرجس هو النجاسة نفسها.
هناك فرق بين مكان طاهر اصابته نجاسة، فهذا يمكن أن نزيل النجاسة فيعود الى طهارته، وبين شي هو في حد ذاته نجس، كالدم او البول، فهذا لا يمكن أن نزيل نجاسته، لأنه نجس في حد ذاته.
فحين يقول تعالى في وصف المنافقين (إِنَّهُمۡ رِجۡس) ولم يقل "إِنَّهُمۡ نجسون" يعنى هم في حد ذاتهم نجس، ومعنى " نجس" يعنى: لا سبيل الى طهارتهم.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اذن قوله تعالى (فَأَعۡرِضُواْ عَنۡهُمۡ) يعنى لا تعاتبوهم ولا تؤنبوهم، لأن العتاب يكون لشخص هناك أمل في إصلاحه، ولكن هؤلاء لا أمل في اصلاحهم لأنهم (رِجۡس) والرجس لا أمل في طهارته.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ)
المأوي هو المكان الذي يطمئن ويرتاح فيه الإنسان، كما قال تعالى في قصة يوسف ﴿ولَمّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إلَيْهِ أخاهُ) وفي سورة الكهف (إذ أوى الفتية إلى الكهف) وفي هود (وقال: سآوى إلى جبل)
اذن المأوي هو: المكان الذي يطمئن ويسكن ويحتمي فيه الإنسان.
فقوله تعالى (وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُ) فيه سخرية منهم وتهكم عليهم.
(جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ) يعنى هذا لم يكن افتئات عليهم بل كان جزاء على ذنوبهم.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وهذه الآية فيها كشف وفضح لهؤلاء المنافقين -كما قلنا من أسماء سورة "التوبة" الكاشفة والفاضحة- لأن سياق الآية يشير الى أنها نزلت في أثناء عودة الجيش من "تبوك"، وقبل الوصول للمدينة،
فأخبرت الآية أن المنافقين سيأتون ويقدموا أعذار بعدم الخروج، وأنهم سيأكدوا أعذارهم بأيمان كاذبة، ولذلك فان الثلاثة مؤمنين الذين لم يخرجوا -وستأتي قصتهم وعلى الثلاثة الذين خلفوا- فهؤلاء الثلاثة لم يأتوا ويقدموا أعذار الى الرسول ﷺ وانما جاءوا مقرين ومعترفين بذنبهم بعدم الخروج.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(يَحۡلِفُونَ لَكُمۡ لِتَرۡضَوۡاْ عَنۡهُمۡۖ فَإِن تَرۡضَوۡاْ عَنۡهُمۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يَرۡضَىٰ عَنِ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ ﴿٩٦﴾
يعنى: يَحۡلِفُونَ المنافقون لَكُمۡ -أيها المؤمنون- لِتَرۡضَوۡاْ عَنۡهُمۡ.
(فَإِن تَرۡضَوۡاْ عَنۡهُمۡ) فَإِن صدقتموهم، وقبلتوا معذرتهم، ورضيتم عَنۡهُمۡ.
(فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يَرۡضَىٰ عَنِ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ) فإن رضاكم عنهم لن يفيدهم في شيء، الا اذا كان رضاكم من باطن رضا الله ورضا رسوله ﷺ وهؤلاء لا يمكن أن يرضى الله عنهم لأنهم فاسقون، والله -تعالى- لَا يَرۡضَىٰ عَنِ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(ٱلۡأَعۡرَابُ أَشَدُّ كُفۡرًا وَنِفَاقًا وَأَجۡدَرُ أَلَّا يَعۡلَمُواْ حُدُودَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيم ﴿٩٧﴾
ما هم ٱلۡأَعۡرَابُ؟
هناك فرق بين العرب وبين ٱلۡأَعۡرَابُ.
فالعرب هم الذين يسكنون في المدن والقري، ولهم بيوت ثابتة، مثل أهل مكة، وأهل المدينة، وأهل الطائف وغيرهم.
أما ٱلۡأَعۡرَابُ فهم البدو الذين يسكنون في الصحراء، وغير مستقرين في مكان معين، وليست هم بيوت ثابتة، بس يسكنون في الخيام، ويتنقون من مكان الى آخر بحثًا عن الماء والكلأ.
فيقول تعالى (ٱلۡأَعۡرَابُ أَشَدُّ كُفۡرًا وَنِفَاقًا)
يعنى الكفار من البدو ومنافقيهم أشد كفرًا وأشد نفاقًا من الكفار والمنافقين في المدينة أو في الحضر بصفة عامة.
لأن الأعراب فيهم جفاء وغلظة وخشونة، نتيجة البيئة الصحراوية القاسية التى يعيشون فيها.
ولذلك فالكافر أو المنافق منهم تكون عنده غلظة وقسوة اضافة الى كفره ونفاقه، فيكون أَشَدُّ كُفۡرًا وَنِفَاقًا من غيره.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وهذه اشارة قرآنية لما يطلق عليه الآن "علم النفس البيئي" وهو يعنى بدراسة تأثير البيئة على سلوك الإنسان، فسكان البيئة الصحراوية لهم خصائص مشتركة، وكذلك سكان البيئة الساحلية، وكذلك سكان البيئة الريفية، وكذلك سكان المدن، أو سكان المناطق الحارة، وسكان المناطق الباردة، وهكذا.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ولذلك كان البدو يدخلون على النبي ﷺ فيتحدثون مع النبي ﷺ بغلظة وبسوء أدب وقلة ذوق، جاء أحدهم مثلًا يريد الرسول ﷺ ، وكان في حجرة من حجرات زوجاته، وهو لا يعلم أي حجرة، فبدلًا من أن ينتظر الرسول ﷺ حتى يخرج، وقف في وسط المسجد وطفق ينادي "يا محمد يا محمد" ونزل فيه قول الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ)
وفي غزوة حنين تكاثر الأعراب حول الرسول ﷺ يريدون من الغنائم، حتى سقط رداء الرسول ﷺ وقال لهم: "يا أَيُّها الناسُ رُدُّوا عَلَيَّ رِدائي، فَوَاللهِ لو أن لي بعددِ شجرِ تِهامةَ نَعَمًا لقَسَمْتُه عليكم"
وروي مسلم عن أمنا عائشة قالت: قدم ناس من الأعراب على الرسول، وشاهد الرسول ﷺ وهو يقبل الحسن أو الحسين، فقال: أتقبلون صبيانكم؟ فقال ﷺ: نعم، فقالوا: لكنا والله ما نقبل، فقال ﷺ "وما أملك إن كان الله نزع من قلوبكم الرحمة"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم عن ابن عباس أن النبي ﷺ قال: "مَن سَكن الباديةَ جَفا، ومَن اتَّبع الصَّيد غَفَلَ، ومَن أتَى السُّلطانَ افتُتِن، وما ازداد من السلطان قربا إلا ازداد من الله بعدا "
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اذن يقول تعالى (ٱلۡأَعۡرَابُ أَشَدُّ كُفۡرًا وَنِفَاقًا)
يعنى الكفار من البدو ومنافقيهم أشد كفرًا ونفاقًا من الكفار والمنافقين في المدينة أو في الحضر بصفة عامة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (وَأَجۡدَرُ أَلَّا يَعۡلَمُواْ حُدُودَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ)
(أَجۡدَرُ) يعنى أقرب وأحق، وهي من الجدار الذي يكون بين مسكنين متجاورين.
فهؤلاء الأعراب أَجۡدَرُ أَلَّا يَعۡلَمُواْ الحلال والحرام، والأوامر والنواهي، لأنهم بعيدين عن موطن العلم وهو المدينة المنورة، وبعيدين عن مجلس الرسول ﷺ
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول الإمام "محمد عبده" في تفسيره "المنار"
كان أهل المدينة وما حولها من القرى يتلقون من النبي ﷺ كل ما ينزل من القرآن وقت نزوله، ويشهدون سنته في العمل به، وكان ﷺ يرسل العمال إلى البلاد المفتوحة يقيمون فيها ويبلغون القرآن، ويحكمون بين الناس بالقرآن وبالسنة المبينة له، فيعرف أهلها تلك الحدود التي حدها الله تعالى ونهاهم أن يعتدوها، ولم يكن هذا كله ميسورا لأهل البوادي، فالأعراب أجدر بالجهل من الحضر بطبيعة البداوة لا بضعف أفهامهم
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
روي ان أعرابيًا جلس الى "زيد بن صوحان" وهو أحد التابعين العلماء، وهو يحدث أصحابه، وكانت يد "زيد" اليسري قد قطعت في معركة "نهاوند"، فقال الأعرابي: والله إن حديثك ليعجبنى وإن يدك لتريبنى، فقال زيد : وما يريبك من يدى؟ إنها الشمال، -لأن اليد التى تقطع في السرقة هي اليد اليمنى وليست اليد الشمال- فقال الأعرابى: والله ما أدرى اليمين يقطعون أو الشمال؟ فقال زيد: صدق الله إذ يقول: (ٱلۡأَعۡرَابُ أَشَدُّ كُفۡرًا وَنِفَاقًا وَأَجۡدَرُ أَلَّا يَعۡلَمُواْ حُدُودَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَمِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغۡرَما وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ ٱلدَّوَآئِرَۚ عَلَيۡهِمۡ دَآئِرَةُ ٱلسَّوۡءِۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٞ ﴿٩٨﴾
يعنى: هؤلاء المنافقون مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ يعتبرون ما يُنفِقُونه في سبيل الله (مَغۡرَما) يعنى غرامة وخسارة.
لأنهم ينفقونها رياءًا ولا يرجون ثوابها.
(وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ ٱلدَّوَآئِرَ) يعنى ويترقب وقوع المصائب والهزائم بالمؤمنين.
والدوائر: جمع دائرة، وهي المصائب، وأصلها أن الدائرة تحيط بالإنسان ولا يستطيع ان يهرب منها.
وكذلك المصيبة -نسأل الله العافية- تحيط بالإنسان ولا يستطيع ان يهرب منها.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(عَلَيۡهِمۡ دَآئِرَةُ ٱلسَّوۡءِ) وقرأت (ٱلسُوۡءِ) بضم السين.
يعنى: سيجعل الله تعالى المصائب تحيط بهم وتنزل بهم وليس على المؤمنين.
وتقديم الخبر يفيد الحصر، يعنى المصائب ستنزل بهم وحدهم وليس على المؤمنين.
(وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيم) يقول ابن عباس: سَمِيعٌ لقولهم عَلِيم بنياتهم.
وهذا التذييل يقصد به تهديدهم وتحذيرهم.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَمِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ مَن يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَٰتٍ عِندَ ٱللَّهِ وَصَلَوَٰتِ ٱلرَّسُولِۚ أَلَآ إِنَّهَا قُرۡبَةٞ لَّهُمۡۚ سَيُدۡخِلُهُمُ ٱللَّهُ فِي رَحۡمَتِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ﴿٩٩﴾
بعد أن تحدث الله تعالى عن الأعراب المنافقين، أتبعه بذكر الأعراب المؤمنين الصادقين.
روي عن ابن سيرين -رحمه الله- أنه قال اذا تلا أحدكم هذه الآية (ٱلۡأَعۡرَابُ أَشَدُّ كُفۡرا وَنِفَاقًا) فلا يسكت وليتل (وَمِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ مَن يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ)
يعنى: وَمِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ قوم آخرون يُؤۡمِنُون بِٱللَّهِ وَيؤمون بٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ، وما فيه من ثواب وعقاب، وجنة ونار.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَٰتٍ عِندَ ٱللَّهِ)
يعنى ويعتبر ما ينفقه في سبيل الله (قُرُبَٰتٍ عِندَ ٱللَّهِ) وسيلة يتقرب بها الى الله تعالى
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَصَلَوَٰتِ ٱلرَّسُولِ)
يعنى: ووسيلة ليفوز بدعوات الرسول ﷺ
لأن الصلاة أصلها هو الدعاء.
لأنه كان من هدي الرسول ﷺ أنه كان يدعو للمتصدقين بالخير والبركة.
لأن الله تعالي أمره فقال: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم)
كما دعا لعبد الرحمن بن عوف عندما أخرج نصف ماله في غزوة تبوك، فقال له الرسول ﷺ "بارك الله لك فيما أعطيت وفيما أمسكت" فكانت ثروته يوم مات -رضى الله عنه- حوالي مليون ونصف دينار من الذهب.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(أَلَآ إِنَّهَا قُرۡبَة لَّهُمۡۚ)
(أَلَآ) للتأكيد، يعنى هذه النفقة فعلًا هي قُرۡبَة لَّهُمۡ عند الله تعالى.
(سَيُدۡخِلُهُمُ ٱللَّهُ فِي رَحۡمَتِهِ)
يعنى ستحيطهم الرحمة من كل جانب.
(إِنَّ ٱللَّهَ غَفُور رَّحِيم)
ختم الله تعالى الآية بما يفتح باب التوبة للأعراب، وللمنافقين بصفة عامة، وأكد غفران الله تعالى ورحمته بـ (إِنَّ) المؤكدة، وبالجملة الاسمية.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"
لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
|