الحلقة رقم (527)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)
تفسير وتدبر الآيتين (100) و(101) من سورة "التوبة" ص 203
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلۡأَوَّلُونَ مِنَ ٱلۡمُهَٰجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحۡسَٰن رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُ وَأَعَدَّ لَهُمۡ جَنَّٰت تَجۡرِي تَحۡتَهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَداۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ ﴿١٠٠﴾ وَمِمَّنۡ حَوۡلَكُم مِّنَ ٱلۡأَعۡرَابِ مُنَٰفِقُونَۖ وَمِنۡ أَهۡلِ ٱلۡمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ لَا تَعۡلَمُهُمۡۖ نَحۡنُ نَعۡلَمُهُمۡۚ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيۡنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيم ﴿١٠١﴾
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلۡأَوَّلُونَ مِنَ ٱلۡمُهَٰجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحۡسَٰن رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُ وَأَعَدَّ لَهُمۡ جَنَّٰت تَجۡرِي تَحۡتَهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَداۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ ﴿١٠٠﴾
بعد أن تحدثت الآيات السابقة عن المنافقين من الأعراب، والمؤمنين من الأعراب، تتحدث هذه الآية الكريمة عن المؤمنين الصادقين، من صحابة الرسول ﷺ فيقول تعالى: (وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلۡأَوَّلُونَ مِنَ ٱلۡمُهَٰجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ) يعنى الذين كان لهم السبق في الدخول في الإسلام مِنَ ٱلۡمُهَٰاجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
واختلف المفسرون في تحديد المدة التي عندها ينتهي وصف السابقين مِنَ ٱلۡمُهَٰاجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ.
فقال البعض أن السابقون من المهاجرين الذبن هاجروا الى الحبشة، والتى كانت في السنة الخامسة من البعثة.
وقيل إنهم الذين صلوا الى القبلتين، يعنى الذين هاجرون من مكة الى المدينة حتى تم تحويل القبلة في السنة الثانية من الهجرة، وقيل إنهم المهاجرين الذين شهدوا غزوة بدر، وقيل إنهم المهاجرين الذين شهدوا بيعة الرضوان، وقيل أنهم المهاجرين حتى صلح الحديبية في السنة السادسة من الهجرة.
أما ٱلسَّٰبِقُونَ مِنَ ٱلۡأَنصَارِ فقيل إنهم الذين دخلوا في الإسلام قبل هجرة الرسول ﷺ المدينة، سواء الذين بايعوا الرسول ﷺ بيعة العقبة الأولى، وكان عددهم سبعة، أو الذين بايعوا الرسول ﷺ بيعة العقبة الثانية وكان عددهم اثنين وسبعين، أو الذين دخلوا في الإسلام بعد ذلك على يد "مصعب بن عمير" قبل أن يدخل الرسول ﷺ الى المدينة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وكثير من المفسرين -وهو الراجح- أن المراد بقوله تعالى (ٱلسَّٰبِقُونَ ٱلۡأَوَّلُونَ مِنَ ٱلۡمُهَٰجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ) يعنى كل ٱلۡمُهَٰاجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ، وقوله تعالى (ٱلسَّٰابِقُونَ ٱلۡأَوَّلُونَ) هذا وصف ومدح لهم لأنهم سابقون أولون بالنسبة لجميع المسلمين.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يقول تعالى (وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحۡسَٰن) يعنى وَٱلَّذِينَ اتبعوا السابقين مِنَ ٱلۡمُهَٰاجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ اتباعًا حسنًا، واقتدوا بهم، وسلكوا طريقهم، وهؤلاء هم الذين نرجوا ان نكون منهم.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُ) يعنى: رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ هم عَنۡ ربهم.
قال العلماء: علامة رضا الله عنك: أن تكون أنت راضيا عن الله، يعنى أن تكون راضيًا بقضاء الله فيك.
يقول ابن القيم في "مدارج السالكين": "الرضا عن الله -تعالى- مرحلة ما بعد التوكل؛ لأن التّوكل هو تفويضِ الأمور إلى الله -عزّ وجل-، ويكونُ الرضا في قبولِ نتيجةِ هذا التّفويض أياً كانت"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (وَأَعَدَّ لَهُمۡ جَنَّٰت تَجۡرِي تَحۡتَهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ)
وَأَعَدَّ لَهُمۡ في الآخرة جَنَّاٰت تَجۡرِي ٱلۡأَنۡهَاٰرُ من تَحۡتَ قصورها وأشجارها.
(خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدا) لا يخرجون منها ولا يموتون فيها.
(ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ) ٰ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ الذي لا فوز بعده.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول ابن كثير في تفسيره: "أخبر الله - تعالى - فى هذه الآية أنه قد رضى عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، فياويل من أبغضهم أو سبهم، أو أبغض أو سب بعضهم، ولا سيما سيد الصحابة، وخيرهم وأفضلهم وهو الصديق الأكبر والخليفة الأعظم "أبا بكر بن أبى قحافة" فإن الطائفة المخذولة من الرافضة يعادون أفضل الصحابة، ويبغضونهم ويسبونهم، عياذا بالله من ذلك، وهذا يدل على أن عقولهم معكوسة وقلوبهم منكوسة، فأين هؤلاء من الايمان بالقرآن إذ يسبون من رضى الله عنهم؟
وأما أهل السنة فإنهم يترضون عمن رضى الله عنه، ويوالون من يوالى الله، ويعادون من يعادى الله، وهم متبعون لا مبتدعون، وهؤلاء هم حزب الله المفلحون، وعباده المؤمنون.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
تحدث رجل الى ابْنِ عَبَّاسٍ، وانتقص بَعْضَ أَصْحَابُ الرسول ﷺ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قال تعالى (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ) أَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تَتَّبِعْهُمْ بِإِحْسَانٍ.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لكن هل هؤلاء ٱلسَّٰابِقُونَ ٱلۡأَوَّلُونَ مِنَ ٱلۡمُهَٰاجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ لهم مرتبة رفيعة لا يمكن أن يصل اليها أحد؟ يعنى هل يستحيل علينا أن نصل الى الدرجة التى وصل اليها ٱلسَّٰبِقُونَ ٱلۡأَوَّلُونَ مِنَ ٱلۡمُهَٰجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ؟
نقول لا ليس مستحيلًا أن تصل الى درجة الصحابة الكرام، بدليل قوله تعالى في سورة "الواقعة" (وَٱلسَّابِقُونَ ٱلسَّابِقُونَ * أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ) ثم قال تعالى عنهم (ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ)
روي أن الرسول ﷺ ذهب قبل أن وفاته الى المقابر "البقيع" وقال ﷺ "السَّلامُ عليكُم دارَ قومٍ مُؤمنينَ، وإنَّا إن شاءَ اللَّهُ بِكُم لاحقونَ" ثم قال ﷺ: "وَدِدْتُ أنِّي قد رَأيتُ إخوانَنا" قال الصحابة الكرام: يا رسولَ اللَّهِ، ألَسنا إخوانَكَ؟ قالَ ﷺ: "بل أنتُمْ أصحابي وإخواني الَّذينَ لم يَأتوا بعدُ"
ويقول الرسول ﷺ: "عمل الواحد منهم كخمسين. قالوا: منهم يا رسول الله أم مِنَّا؟ قال: بل منكم؛ لأنكم تجدون على الخير أعواناً، وهم لا يجدون على الخير أعواناً"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اذن نحن لا نستطيع أن نصل الى درجة ايمان الصحابة الكرام، ولا أن تكون قلوبنا مثل قلوب الصحابة الكرام، -لأن هؤلاء مدرسة الرسول ﷺ- ولكن يمكن أن نكون في نفس درجتهم يوم القيامة، لأن عمل الواحد منا -كما قال الرسول ﷺ – كعمل خمسين منهم.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَمِمَّنۡ حَوۡلَكُم مِّنَ ٱلۡأَعۡرَابِ مُنَٰفِقُونَۖ وَمِنۡ أَهۡلِ ٱلۡمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ لَا تَعۡلَمُهُمۡۖ نَحۡنُ نَعۡلَمُهُمۡۚ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيۡنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٖ ﴿١٠١﴾
(وَمِمَّنۡ حَوۡلَكُم مِّنَ ٱلۡأَعۡرَابِ مُنَٰفِقُونَۖ)
كلمة (مِمَّنۡ) يعنى ليس كل ٱلۡأَعۡرَابِ، ولكن بعض ٱلۡأَعۡرَابِ في القبائل المحيطة بالمدينة.
وكانت حول المدينة قبائل: مزينة وجهينة وأسلم وغِفار وأشجع وعصية، وغيرها.
اذن فالله تعالى يقول خذوا حذركم لأن بعض ٱلۡأَعۡرَابِ في القبائل المحيطة بكم مُنَٰافِقُونَ يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (وَمِنۡ أَهۡلِ ٱلۡمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ لَا تَعۡلَمُهُمۡۖ نَحۡنُ نَعۡلَمُهُمۡ) يعنى وهناك منافقون -أيضًا- مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡمَدِينَةِ، اذن فالنفاق ظاهرة مستشرية سواء حول المدينة أو داخل المدينة نفسها.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ) يعنى أقاموا على النفاق فترة طوية حتى أصبحوا متمرسين وماهرين ومجيدين للنفاق اجادة كاملة، لدرجة انه لا يمكن كشف نفاقهم.
ولذلك قال تعالى (لَا تَعۡلَمُهُمۡۖ نَحۡنُ نَعۡلَمُهُمۡ) يعنى هم من شدة مهارتهم واجادتهم للنفاق، لا تستطيع أن تدرك أنهم منافقون، برغم كمال فطنة النبي ﷺ وفراسته، برغم ذلك لا يستطيع أن يدرك ﷺ أنهم منافقون.
يقول تعالى (نَحۡنُ نَعۡلَمُهُمۡ) ولكن الله -تعالى- يعلمهم، وهذا تهديد لهم، لأن الله تعالى يمكن أن يكشفهم بالوحي للرسول ﷺ وهذا حدث بالفعل مع أفراد منهم.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيۡنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيم)
يعنى نتيجة أن الله يعلمهم: سيعذب هؤلاء المنافقين مَّرَّتَيۡن قبل عذاب يوم القيامةِ: مرة في الدنيا، ومرة في القبر.
أما العذاب في الدنيا فهو ما يصيبهم من مصائب في الدنيا، لأن هذه المصائب في حق الكافر والمنافق هي عذاب، وفي حق المؤمن تكفير للسيئات. ورفع درجات.
وقيل إن العذاب في الدنيا هو فضيحتهم، ذلك أن الرسول ﷺ قام خطيبًا يوم الجمعة، فقال: اخرج يا فلان فإنك منافق، اخرج يا فلان فإنك منافق، فأخرج ناساً وفضحهم
(ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيم) أي يوم القيامة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"
لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
|