الحلقة رقم (541)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
تفسير وتدبر الآيات (4) و(5) و(6) من سورة "يُونُس"- ص 208
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(إِلَيۡهِ مَرۡجِعُكُمۡ جَمِيعاۖ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقًّاۚ إِنَّهُۥ يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ لِيَجۡزِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ بِٱلۡقِسۡطِۚ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمۡ شَرَاب مِّنۡ حَمِيم وَعَذَابٌ أَلِيمُۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡفُرُونَ ﴿٤﴾ هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمۡسَ ضِيَآء وَٱلۡقَمَرَ نُورا وَقَدَّرَهُۥ مَنَازِلَ لِتَعۡلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلۡحِسَابَۚ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۚ يُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ ﴿٥﴾ إِنَّ فِي ٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ لَأٓيَٰت لِّقَوۡم يَتَّقُونَ ﴿٦﴾
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(إِلَيۡهِ مَرۡجِعُكُمۡ جَمِيعٗاۖ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقًّاۚ إِنَّهُۥ يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ لِيَجۡزِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ بِٱلۡقِسۡطِۚ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمۡ شَرَابٞ مِّنۡ حَمِيمٖ وَعَذَابٌ أَلِيمُۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡفُرُونَ ﴿٤﴾
تتناول الآية -الكريمة- عقيدة البعث، وأن هناك يوم قيامة، وأن هناك ثواب وعقاب وجنة ونار، لأن المشركون لم يكونوا يعتقدون أن هناك يوم قيامة، بل كانوا يقولون (إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ )
فيقول تعالى: (إِلَيۡهِ مَرۡجِعُكُمۡ جَمِيعا) يعنى كلكم أيها الناس ستعودون الى الله بعد الموت أو يوم القيامة.
(وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقًّا) يعنى عودتكم الى الله يوم القيامة هو وعد من الله تعالى.
وكلمة (حَقًّا) مصدر مؤكد لوَعۡدَ ٱللَّهِ، يعنى هذا أمر ثابت حاصل لا شك فيه.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(إِنَّهُۥ يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) إِنَّهُ -تعالى- يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ يوم القيامة.
وهذه مناقشة للمشركين، لأن المشركين كانوا يعترفون بأن الله خالقهم، ولكنهم كانوا يستبعدون أن يعيدهم الله بعد الموت (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ)
فاحتج الله عليهم بالنشأة الأولى، فقال تعالى (إِنَّهُۥ يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) يعنى هو -تعالى- بدأ الخلق ولم يَكُ شيئًا ثُمَّ يُعِيدُ الخلق واعادة الشيء أهون من بدأ خلقه من العدم.
كما قال تعالى في سورة الروم (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ونحن نري شخصًا وزنه -مثلًا- 80 كجم، فقد مرض وفقد من وزنه واصبح 50 كم، ثم برأ من مرضه وعاد وزنه اى 80 كجم، فانه يعود نفس الشخص وليس شخصُا آخر.
وهذا مثل الذي يقص أظافره أو يقص شعره أو الشجرة التى تقطع .
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(لِيَجۡزِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ بِٱلۡقِسۡطِ) هذا تعليل يعنى يعيد الخلق حتى: يَجۡزِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ بِٱلۡقِسۡطِ أي بالعدل.
والجزاء بالعدل لا يمنع أن يزيدهم الله -تعالى- من فضله وأن يضاعف لهم، كما وعد على ذلك فى آيات أخرى، مثل قوله: (لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِه) وقوله (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمۡ شَرَاب مِّنۡ حَمِيم) يعنى ويجزي الذين كفروا بأن لهم شَرَاب مِّنۡ حَمِيم، والحميم هو الشراب الذى بلغ أقصى درجة حرارته، كما نقول درجة الغليان، والله أعلم كم درجة غليان هذا الشراب (هناك مواد تصل درجة غليانها الى اكثر من 5000 درجة مئوية)
وهذا مثل قوله -تعالى- في سورة محمد (وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ)
وقيل أن ذلك الشراب قد أوقد عليه منذ خلقها الله -عز وجل- إلى اليوم الذي يعذب بها أهلها.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَعَذَابٌ أَلِيمُۢ) يعنى: ولَهُمۡ عَذَابٌ مؤلم موجع
(بِمَا كَانُواْ يَكۡفُرُونَ) بسبب كفرهم.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
هنا يقول تعالى (لِيَجۡزِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ بِٱلۡقِسۡطِۚ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمۡ شَرَابٞ مِّنۡ حَمِيم وَعَذَابٌ أَلِيمُۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡفُرُونَ)
لم يقل تعالى: لِيَجۡزِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ بِٱلۡقِسۡطِۚ وَيَجۡزِيَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بأن َلهُمۡ شَرَاب مِّنۡ حَمِيم.
اشارة الى أن الهدف من البعث والحساب ليس عقاب الكافر والعاصي.
هذا مثل قول أحدهم: أُنْشِأَتْ هذه الجامعة للطب ليتخرج فيها أطباء أكفاء.
لا نقول: أُنْشِأَتْ هذه الجامعة ليتخرج فيها أطباء، ويرسب فيها البعض.
لأن الهدف ليس رسوب بعض الطلبة، ولكن الهدف هو أن يتخرج أطباء، والرسوب هو وسيلة حتى يتخرج أطباء، لأنه لولا الإمتحان، لما تخرج الأطباء.
هنا يقول تعالى (لِيَجۡزِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ بِٱلۡقِسۡطِۚ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمۡ شَرَابٞ مِّنۡ حَمِيم وَعَذَابٌ أَلِيمُۢ) ولم يقل: وَيَجۡزِيَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ.
اشارة الى أن الهدف من البعث والحساب هو ان يَدْخِل الناس الجنة، والعذاب والوعيد هو وسيلة حتى يدخل الناس الجنة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمۡسَ ضِيَآء وَٱلۡقَمَرَ نُورا وَقَدَّرَهُۥ مَنَازِلَ لِتَعۡلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلۡحِسَابَۚ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۚ يُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ ﴿٥﴾
يذكر -تعالى- بعض دلائل ألوهيته -تعالى- فيقول:
(هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمۡسَ ضِيَآء وَٱلۡقَمَرَ نُورا)
هُوَ -تعالى- ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمۡسَ ضِيَآء بالنهار وَٱلۡقَمَرَ نُورا بالليل.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ما الفرق بين الضياء والنور؟
الضوء هو الذي يضيء الأشياء، ويكون من ذاته، مثل الشمس والنار.
أما النور فهو الذي يكون مكتسبًا من غيره.
ولذلك كان هذا التعبير القرآني الدقيق، والذي تكرر في اكثر من آية (هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمۡسَ ضِيَآء وَٱلۡقَمَرَ نُورا) لأن نور ٱلشَّمۡسَ من ذاته بينما نور القمر هو انعكاس لنور الشمس الساقط عليه.
و هذه الحقيقة -وهي أن القمر جسم معتم يعكس نور الشمس الساقط عليه- لم يتوصل اليها العلم الا في القرن التاسع عشر، بعد نزول القرآن بقرون طويلة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَقَدَّرَهُۥ مَنَازِلَ لِتَعۡلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلۡحِسَابَۚ)
(وَقَدَّرَهُ) الضمير يعود على القمر.
(وَقَدَّرَهُۥ مَنَازِلَ) يعنى وجعل للقمر مَنَازِلَ.
والمنازل هي أماكن النزول، يعنى جعل للقمر أماكن للنزول.
ما معنى هذا؟
خلق الله -تعالى- القمر وجعله يدور حول الأرض دورة كاملة كل شهر قمري، وفي خلال هذه الدورة يقع القمر في كل يوم، في منزل من المنازل، يعنى في مكان من الأماكن بالنسبة للأرض، وبناءًا على هذه المنازل تكون مساحة النور المنعكسة من سطح القمر.
هذا هو معنى (وَقَدَّرَهُۥ مَنَازِلَ) يعنى جعل للقمر أماكن نزول بالنسبة للأرض تختلف في كل يوم.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يقول تعالى (لِتَعۡلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلۡحِسَابَۚ)
يعنى جعل هذه المَنَازِلَ للقمر، حتى نعلم الأيام والشهور والسنين.
الشخص البدوي في الصحراء عندما ينظر الى القمر في أي ليلة فانه يعلم أي يوم هذا من الشهر، وبالتالى يعلم الشهر، وبالتالى يعلم السنة.
يقول تعالى (وَٱلۡحِسَابَۚ) لأن بداية علم الحساب، وأول شيء حسبه أو عده الإنسان، هي الأيام والشهور.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۚ)
يعني لم يخلق الله الشمس والقمر ومنازلهما عبثًا، وانما خلقها للدلالة على قدرته وعلى علمه.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(يُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡم يَعۡلَمُونَ ﴿٥﴾
(يُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ) يعنى يبين هذه ٱلۡأٓيَٰاتِ الكونية الدالة على ألوهيته
(لِقَوۡم يَعۡلَمُونَ) لأن العلماء هم الذين ينتفعون بالنظر الى هذه الايات الكونية.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(إِنَّ فِي ٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ لَأٓيَٰت لِّقَوۡم يَتَّقُونَ ﴿٦﴾
(إِنَّ فِي ٱخۡتِلَٰفِ ٱلّلَيۡلِ وَٱلنَّهَارِ) يعنى فِي تعاقب وتبادل ٱلَّليۡلِ وَٱلنَّهَارِ، لأن كل منهما يخلف الآخر.
وهذه من أعظم آيات الله الدالة على قدرته -تعالى- وعلى علمه، لأن كل صور الأحياء لا تتحمل البقاء في نور مستمر ولا في ظلام مستمر.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ) من أنواع المخلوقات التى لا تعد ولا تحصي.
حسب دراسة حديثة قام بها علماء من جامعة انديانا أكدوا أن عدد أنواع الكائنات الحية على الأرض قد يصل الى ألف مليار، يعنى تريليون نوع من أنواع الكائنات الحية، وتحت كل نوع مليارات من أعداد هذا النوع.
وحتى الآن لم يتم وصف سوي 1.300.000 نوع من أنواع الكائنات، معنى هذا أنه لم يتم اكتشاف الا عدد قليل جدًا، يعنى أقل من 1 في المائة من انواع الكائنات على وجه الأرض.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ)
الأرض جزء من المجموعة الشمسية، والشمس أكبر من الأرض بمليون وثلاثمائة ألف مرة، وهذه المجموعة الشمسية هي جزء من مجرة ضخمة يطلق عليها مجرة "درب التبانة" والمجرة فيها أكثر من 200 ألف مليون نجم مثل الشمس، والكون المرئي -حتى الآن- فيه من 200 ألف الى 500 ألف مليون مجرة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(لَأٓيَٰت لِّقَوۡم يَتَّقُونَ) كلمة آيات يعنى دلائل تدل على قدرة الله تعالى.
وقال تعالى (لِّقَوۡم يَتَّقُونَ) لأن المتقين هم الذين ينتفعون بالتدبر فى هذه الدلائل.
لأن المؤمن اذا تدبر في خلق السموات والأرض يخشع قلبه لله تعالى.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"
لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
|