Untitled Document

عدد المشاهدات : 882

الحلقة (550) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم تفسير وتدبر الآيات من (40) الى (44) من سورة "يُونُس"- (وَمِنۡهُم مَّن يُؤۡمِنُ بِهِۦ ….

الحلقة رقم (550)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
تفسير وتدبر الآيات من (40) الى (44) من سورة "يُونُس"- ص 213
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(وَمِنۡهُم مَّن يُؤۡمِنُ بِهِۦ وَمِنۡهُم مَّن لَّا يُؤۡمِنُ بِهِۦۚ وَرَبُّكَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُفۡسِدِينَ ﴿٤٠﴾ وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمۡ عَمَلُكُمۡۖ أَنتُم بَرِيٓ‍ُٔونَ مِمَّآ أَعۡمَلُ وَأَنَا۠ بَرِيٓءٞ مِّمَّا تَعۡمَلُونَ ﴿٤١﴾ وَمِنۡهُم مَّن يَسۡتَمِعُونَ إِلَيۡكَۚ أَفَأَنتَ تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ وَلَوۡ كَانُواْ لَا يَعۡقِلُونَ ﴿٤٢﴾ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ (43) إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44) 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇


(وَمِنۡهُم مَّن يُؤۡمِنُ بِهِۦ وَمِنۡهُم مَّن لَّا يُؤۡمِنُ بِهِۦۚ وَرَبُّكَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُفۡسِدِينَ ﴿٤٠﴾
يفصل الله تعالى أحوال المشركين، فيقول (وَمِنۡهُم مَّن يُؤۡمِنُ بِهِۦ وَمِنۡهُم مَّن لَّا يُؤۡمِنُ بِهِ) 
يعنى من المشركين مَّن يُؤۡمِنُ بالرسول ﷺ وَمِنۡهُم مَّن لَّا يُؤۡمِنُ بالرسول ﷺ
هل هناك مشرك يُؤۡمِنُ بالرسول ﷺ؟ نعم، لأن الإيمان عمل قلبي
فبعض المشركين كانوا يؤمنون في قرارة أنفسهم بالرسول ﷺ، ولكنهم مع ذلك كانوا يكذبونه في الظاهر، اما كبرًا أوعنادًا، أو خوفًا على زعامتهم ورياستهم، أو خوفًا على الزعامة الدينية مثل اليهود، أو غير ذلك.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
من هؤلاء مثلًا "الوليد بن المُغيرة" كان من سادة قريش، وقد مَرَّ على النبي ﷺ في المسجد الحرام وهو يقرأ القرآن، فشدته القراءة، فوقف وأخذ ينصت الى الرسول ﷺ، وانتبه اليه النبي ﷺ فأعاد القراءة، ثم ذهب "الوليد بن المُغيرة" الى اجتماع قريش، وقال لهم: "والله لقد سمعت من محمد آنفاً كلاماً؛ ما هو من كلام الأنس ولا من كلام الجن؛ والله إنَّ له لحلاوة، وإنَّ عليه لطلاوة، وإنَّ أعلاه لَمُثمِر، وإنَّ أسفَلهُ لَمُغدِق، وإنّه يعلو ولا يُعلى عليه."

"والله لقد سمعت من محمد آنفاً كلاماً؛ ما هو من كلام الأنس ولا من كلام الجن"

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

حين أسلم حمزة بن عبد المطلب، ورأت قريش أصحاب رسول الله يزيدون ويكثرون، قام عُتبة بن ربيعة يوماً في نادي قريش، ورسول الله حينها جالس في المسجد وحده، وقال: "يا معشر قريش، ألا أقوم إلى محمد فأُكلّمه، وأعرض عليه أُموراً، لعلّة يقبل بعضها، فنعطيه أيها شاء، ويكفّ عنّا؟".
فقالوا: "بلى يا أبا الوليد، قم إليه فكلّمه".
فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله، فقال: "يابن أخي، إنّك منّا حيث علمت، من الشرف في العشيرة، والمكان في النسب، وإنّك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فَرَّقْتَ به جماعتهم، وسَفَّهْتَ به أَحلامهم، وعِبْتَ به آلهتهم ودينهم، وكفّرت به من مضى من آبائهم، فاسمع مني أعرض عليك أُموراً تنظر فيها لعلّك تقبل منها بعضها".
فقال له رسول الله: "قل يا أبا الوليد، أَسْمَعْ". فاقترح عليه أُموراً5.
فلما فرغ عتبة من كلامه، قال رسول الله: "أقد فرغت يا أبا الوليد؟".
قال: "نعم".
قال: "فاسمع مني".
قال: "أَفعل".
فقال: ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * حَم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْم يَعْلَمُونَ * بَشِيراً وَ نَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ * وَ قَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّة مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَ فِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَ مِنْ بَيْنِنَا وَ بَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُون * ...﴾(فصّلت
ثم مضى رسولُ الله فيها يقرأُها عليه، و "عتبة" منصت لها، ملقياً يديه خلف ظهره، معتمداً عليهما، مذهولاً، إلى أن انتهى رسول الله إلى آية السجدة منها28 فسجد.
ثم قال: "قد سمعت يا ابا الوليد ما سمعت، فأنت وذاك".
فقام عُتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض: "نحلف بالله، لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الّذي ذهب به".
فلما جلس، إليهم قالوا: "ما وراءك يا أبا الوليد"؟.
قال:
"ورائي أنّي قد سمعت قولاً والله ما سمعت مثله قط. والله ما هو بالشعر، ولا بالسحر، ولا بالكهانة، يا معشر قريش أَطيعوني واجعلوها بي، وخلّوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه،  فوالله ليكونن لقوله الّذي سمعت منه نبأٌ عظيم. فإنْ تصبه العرب فقد كُفِيتموه بغيركم. وإن يظهر على العرب، فملكه ملككم، وعزّه عزّكم، وكنتم أَسْعَدَ الناس به".
قالوا: "سَحَرَكَ والله يا أَبا الوليد بلسانه".
قال: "هذا رأيي فيه، فاصنعوا ما بدا لكم".

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
عندما اجتمع "الأخنس بن شريق" مع أبو جهل، وسأله عن رأيه في الرسول ﷺ، فقال له أبو جهل: "تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف، أطعَموا فأطعمنا، وحمَلوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا على الركب، وكنا كفرسي رِهان، قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك هذه؟ والله لا نؤمن به أبدًا ولا نصدقه"!
الرسول من بنى عبد مناف، (الجد الثالث للرسول) وأبو جهل من بنى مخزوم
وفي موقف آخر قال أبو جهل:
"والله إني لأعلم أنه لَنبيٌّ، ولكن متى كنا لبني عبد مناف تبعًا؟" 

"والله إني لأعلم أنه لَنبيٌّ، ولكن متى كنا لبني عبد مناف تبعًا؟" 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

عندما ادعي "مسيلمة الكذاب" النبوة، قدم عليه أحد الأعراب، فلما تكلم معه، قال له:

"أشهد أنك كذاب وأن محمداً صادق؛ ولكن كذاب ربيعة أحبُّ إلينا من صادق مضر"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

عندما قدم "عمرو بن العاص" -قبل أن يسلم- على "مسيلمة الكذاب" وكان صديقًا له في الجاهلية، فقال له "مسيلمة" ماذا أنزل على صاحبكم في هذه المدة؟ فقال له عمرو: لقد أنزل عليه سورة وجيزة عجيبة، قال: وما هي؟ فقال: (والعصر ان الانسان لفي خسر الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) فقال مسيلمة: وأنا لقد أنزل عليّ مثلها ثم قال: "يا ضفدع بنت الضفدعين، نقى ما تنقين، لا الماء تكدرين ولا الشارب تمنعين، رأسك في الماء، وذنبك في الطين" ثم قال: كيف ترى يا عمرو؟ فقال له عمرو: والله إنك لتعلم أنى أعلم انك تكذب
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
أمنا "صفية" زوج النبي ﷺ أبوها اسمه "حي بن أخطب" وكان من زعماء اليهود وعلمائهم، وتروي لنا السيدة "صفية" هذه القصة فتقول: كنت أحب ولد أبي إليه ، وإلى عمي أبي ياسر ، لم ألقهما قط مع ولد لهما إلا أخذاني دونه، قالت: فلما قدم رسول الله ﷺ المدينة، ونزل "قباء" غدا عليه أبي: "حيي بن أخطب"، وعمي "أبو ياسر بن أخطب" مغلسين، قالت: فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس، قالت: فأتيا كالين كسلانين ساقطين يمشيان الهوينى، قالت: فهششت إليهما كما كنت أصنع، فوالله ما التفت إلي واحد منهما، مع ما بهما من الغم، قالت : وسمعت عمي أبا ياسر، وهو يقول لأبي حيي بن أخطب: أهو هو ؟ قال: نعم والله؛ قال: أتعرفه وتثبته ؟ قال: نعم، قال : فما في نفسك منه ؟ قال : عداوته والله ما بقيت . 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اذن يقول تعالى: (وَمِنۡهُم مَّن يُؤۡمِنُ بِهِۦ وَمِنۡهُم مَّن لَّا يُؤۡمِنُ بِهِ) 
 يعنى من المشركين من يؤمن في قرارة نفسه بالرسول ﷺ.
ومنهم من لا يؤمن بالفعل بالرسول ﷺ 
وسيأتي وصف حالهم في الآية 42 و43  

(وَرَبُّكَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُفۡسِدِينَ) وَرَبُّكَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُفۡسِدِينَ فى الأرض بالشرك والظلم والفجور، وهذه فيها تهديد لهؤلاء ٱلۡمُفۡسِدِينَ.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

وهذا التصنيف للمشركين مهم جدًا، وهذا التصنيف موجود الى الآن، هناك من غير المسلمين -الآن- من يعلم في قرارة نفسه أن الإسلام هو الدين الحق، ولكن يرفض الإسلام لإعتبارات خاصة به، وهناك من لا يؤمن بالفعل بالإسلام، فهذا له أسلوب في الدعوة، وهذا له أسلوب آخر في الدعوة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمۡ عَمَلُكُمۡۖ أَنتُم بَرِيٓ‍ُٔونَ مِمَّآ أَعۡمَلُ وَأَنَا۠ بَرِيٓء مِّمَّا تَعۡمَلُونَ ﴿٤١﴾
يعنى وان أصر هؤلاء المشركون على تكذيبك، فَقُل لهم: 
(لِّي عَمَلِي وَلَكُمۡ عَمَلُكُمۡ) كل واحد مسؤول عن عمله أمام الله.
(أَنتُم بَرِيٓ‍ُٔونَ مِمَّآ أَعۡمَلُ وَأَنَا۠ بَرِيٓء مِّمَّا تَعۡمَلُونَ) لن يُحاسب أحد على عمل الآخر.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(وَمِنۡهُم مَّن يَسۡتَمِعُونَ إِلَيۡكَۚ أَفَأَنتَ تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ وَلَوۡ كَانُواْ لَا يَعۡقِلُونَ ﴿٤٢﴾
هناك شخص تتكلم اليه دون أن يسمع منك كلمة واحدة، ولكنه في الحقيقة ليس باصم. 
ومثال ذلك: أننا نجد المدرس الذي يشرح الدرس للتلاميذ، وبين التلاميذ من يستشرف السمع؛ ولذلك يفهم الدرس، أما الذي لا يستشرف فكأنه لم يسمع الدرس.
أحيانًا شخص تحاول أن تنقل اليه فكرة معينة، ولكنه لا يقتنع أبدًا، كأنه شخص بلا عقل، مع أنه في الحقيقة انسان عاقل.
هذا هو حال هذا الصنف من المشركين مع الرسول ﷺ:

(وَمِنۡهُم مَّن يَسۡتَمِعُونَ إِلَيۡكَ)
ومَّن المشركين مَّن يستمع اليك يا محمد، وأنت تقرأ عليه القرآن، أو تسوق له الحجج، ومع ذلك لا يستقبل منك كلمة احدة.
(أَفَأَنتَ تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ وَلَوۡ كَانُواْ لَا يَعۡقِلُونَ) 
شخص أصم مهما تكلمت، فلن يسمع.
شخص بلا عقل، مهما حاولت أن تفهمه، لن يستوعب.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
عندما تجد 111 من الفائزين بجائزة نوبل، ملحدين، لا يؤمنون بوجود اله، وهذه مفارقة، لأن جائزة نوبل هي أكثر الجوائز المرموقة في العالم، وأصحابها هم القمم في شتى المجالات، ومع ذلك فهؤلاء لا عقل لهم.
وعندما تجد هندوسي فائز بجائزة نوبل في الفيزياء أو الكيمياء أو الاقتصادـ، فهو بلا عقل، لأن هذا الهندوسي إذا مرت بقرة سيسجد لها.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَمِنۡهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيۡكَۚ أَفَأَنتَ تَهۡدِي ٱلۡعُمۡيَ وَلَوۡ كَانُواْ لَا يُبۡصِرُونَ ﴿٤٣﴾
يعنى وَمِنۡ المشركين مَّن يَنظُرُ إِلَيۡكَ ويري الأدلة الواضحة وضوح الشمس على صدقك، ومع ذلك فانه يصر على الكفر والتكذيب.
فكما أنك لا تستطيع أن تجعل الأعمى يبصر، فكذلك لا تستطيع أن تجعل هؤلاء يبصرون الحقيقة، أن عندهم عمي في البصيرة. 


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

انظر الى قصة اسلام "عبد الله بن سلام" رضى الله عنه، "عبد الله بن سلام" كان من كبار احبار اليهود، وأسلم "عبد الله بن سلام" في أول يوم دخل فيه الرسول ﷺ المدينةَ.
يحكي "عبد الله بن سلام" قصة اسلامه فيقول:
لمَّا قدمَ النَّبيُّ ﷺ المدينةَ، انجَفلَ النَّاسُ قبلَهُ، وقيلَ: قد قدمَ رسولُ اللَّهِ، قد قدمَ رسولُ اللَّهِ، يقول: فَجِئْتُ في النَّاسِ لأنظرَ،
فلمَّا تبيَّنتُ وجهَهُ، عرفتُ أنَّ وجهَهُ ليسَ بوَجهِ كذَّابٍ"
لماذا؟ لأنه رجل ذو بصيرة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لو انسان ذو بصيرة يؤمن بالرسول ﷺ حتى من غير أن يراه.
قصة "أم معبد"
مر الرسول ﷺ وهو في طريق الهجرة من مكة الى المدينة بخيمة فيها امرأة كنيتها "أم معبد"، فطلبوا منها لبن ليشربوه، فقالت ليس عندي لبن، فأبصر الرسول ﷺ شاة ضعيفة في جانب الخيمة، لم تخرج للرعي لضعفها، فقال لها الرسول ﷺ: أتأذنين لي أن أحلبها ؟ فقالت: نعم إن رأيت حلبا فاحلبها، فمسح ﷺ ضرع الشاة وسمي الله، فدرت اللبن، وحلبها الرسول ﷺ حتى ملأ اناءًا كبيرًا، وسقي أم معبد وسقي أصحابه ثم شرب هو ﷺ ثم حلبها مرة أخري وشربوا جميعًا، ثم حلب مرة ثالثة، وقال لأم معبد: ارفعي هذا لأبو معبد اذا جاءك، ثم مضوا، فلما جاء "أبو معبد" رأي اللبن فتعجب، فقال: من أين لك هذا يا أم معبد؟ قالت: مر بنا رجل مبارك، وحدث كذا وكذا، فقال لها أبو معبد: صفيه لي يا أم معبد، فوصفته أم معبد وصفًا دقيقًا، هو أدق وصف في كتب السيرة للرسول ﷺ، فلما وصفته لزوجها، قال:
هذا والله صاحب قريش، ووالله لاتّبعنه.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَظۡلِمُ ٱلنَّاسَ شَيۡ‍ٔٗا وَلَٰكِنَّ ٱلنَّاسَ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ ﴿٤٤﴾
لما أخبر تعالى في الآيتين السابقتين أن من الناس من لايسمع كالأصم ولا يري كالأعمي، يخبر تعالى أن ذلك ليس ظلمًا منه تعالي. (إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَظۡلِمُ ٱلنَّاسَ شَيۡ‍ٔٗا)
يقول تعالى
(وَلَٰكِنَّ ٱلنَّاسَ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ) يعنى هم الذين ظلموا أنفسهم باختيارهم الكفر والمعصية، وان كان ذلك بقضاء الله تعالى.
فالله تعالى أعطاك السمع، ولكن أنت الذي اخترت ألا تسمع به، والله -تعالى- أعطاء البصر، ولكن أنت الذي اخترت ألا تبصر به

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَظۡلِمُ ٱلنَّاسَ شَيۡ‍ٔٗا)
وقال تعالى (شَيۡ‍ئًا) نكرة يعنى أقل شيء.
لا يمكن أن يعذب الله أحد وهو مؤمن.
لا يمكن أن ينقص ثواب عمل صالح.
لا يمكن أن ينقص الناس شيئًا من أسباب الهداية، فهو تعالى أرسل الرسل، وأنزل الكتب، ومنح العقل الذي يختار به ويهتدي به الإنسان.

(وَلَٰكِنَّ ٱلنَّاسَ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ) يعنى بالكفر والمعصية.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
روي مسلم في صحيحه من حديث أبو ذر الغفاري عَنِ النَّبيِّ ﷺ فِيما رَوَى عَنِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أنَّهُ قالَ: يا عِبَادِي: إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ علَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فلا تَظَالَمُوا، يا عِبَادِي: كُلُّكُمْ ضَالٌّ إلَّا مَن هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يا عِبَادِي: كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلَّا مَن أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يا عِبَادِي: كُلُّكُمْ عَارٍ إلَّا مَن كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يا عِبَادِي: إنَّكُمْ تُخْطِئُونَ باللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يا عِبَادِي: إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يا عِبَادِي: لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا علَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنكُمْ، ما زَادَ ذلكَ في مُلْكِي شيئًا، يا عِبَادِي: لوْ أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا علَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، ما نَقَصَ ذلكَ مِن مُلْكِي شيئًا، يا عِبَادِي: لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، قَامُوا في صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي، فأعْطَيْتُ كُلَّ إنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، ما نَقَصَ ذلكَ ممَّا عِندِي إلَّا كما يَنْقُصُ المِخْيَطُ إذَا أُدْخِلَ البَحْرَ، يا عِبَادِي: إنَّما هي أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إيَّاهَا، فمَن وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَن وَجَدَ غيرَ ذلكَ فلا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ.

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇