الحلقة رقم (551)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
تفسير وتدبر الآيتين (45) و(46) من سورة "يُونُس"- ص 214
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَيَوۡمَ يَحۡشُرُهُمۡ كَأَن لَّمۡ يَلۡبَثُوٓاْ إِلَّا سَاعَة مِّنَ ٱلنَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيۡنَهُمۡۚ قَدۡ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِ وَمَا كَانُواْ مُهۡتَدِينَ ﴿٤٥﴾ وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعۡضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمۡ أَوۡ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيۡنَا مَرۡجِعُهُمۡ ثُمَّ ٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفۡعَلُونَ ﴿٤٦﴾
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(وَيَوۡمَ يَحۡشُرُهُمۡ كَأَن لَّمۡ يَلۡبَثُوٓاْ إِلَّا سَاعَة مِّنَ ٱلنَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيۡنَهُمۡۚ)
هذه الاية مثل قول الله تعالى (كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار)
ويقول تعالى (ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة) 
هنا يقول تعالى: (وَيَوۡمَ يَحۡشُرُهُمۡ ) يعنى يوم القيامة (كَأَن لَّمۡ يَلۡبَثُوٓاْ إِلَّا سَاعَة مِّنَ ٱلنَّهَارِ)
السَاعَة في القرآن أو في السنة ليست هي الساعة التي نعرفها الآن، وهي الستون دقيقة، لأن تقسيم اليوم الى ساعات، وتقسيم الساعة الى دقائق ثم الى ثواني، لم يكن موجود وقت نزول القرآن.
فمعنى ساعة في القرآن أو عند العرب -بصفة عامة- يعنى فترة من الزمن غير محددة.
كانت العرب تقول: "جلست معه ساعة" يعنى قعد معاه شوية.
شوية قد ايه مش متحددة، ولذلك حددتها الاية، قال تعالى (سَاعَة مِّنَ ٱلنَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيۡنَهُمۡ) مدة تعارف اتنين مع بعض
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
فقول الله تعالى (وَيَوۡمَ يَحۡشُرُهُمۡ كَأَن لَّمۡ يَلۡبَثُوٓاْ إِلَّا سَاعَة مِّنَ ٱلنَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيۡنَهُمۡ) 
يعنى يوم القيامة عندما يحشر الله -تعالى- هؤلاء المشركين، سينسون كل الملذات والشهوات التي استمتعوا بها في الدنيا، حتى كأنهم لم يلبثوا في الدنيا الا مدة تعارف اثنين
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
في الحديث الصحيح "يؤتَى يومَ القيامةِ بأنعَمِ أَهْلِ الدُّنيا منَ الكفَّارِ، فيُقالُ: اغمِسوهُ في النَّارِ غَمسةً، (وفي رواية مسلم: فيُصْبَغُ في النَّارِ صَبْغَةً) فيُغمَسُ فيها، ثمَّ يقالُ لَهُ: أي فلانُ هل أصابَكَ نعيمٌ قطُّ ؟ فيقولُ: لا، ما أصابَني نعيمٌ قطُّ، ويؤتَى بأشدِّ المؤمنينَ ضرًّا وبلاءً ، فيقالُ: اغمِسوهُ غمسةً في الجنَّةِ، فيُغمَسُ فيها غمسةً، فيقالُ لَهُ: أي فلانُ هل أصابَكَ ضرٌّ قطُّ أو بلاءٌ، فيقولُ: ما أصابَني قطُّ  ضرٌّ ولا بلاءٌ.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

روي أن نوح -عَلَيْهِ السَّلامُ- عاش 1450 سنة، فلما جاءه ملك الموت قال له: يا نوح، يا أطول الأنبياء عمرًا، كيف رأيت الدنيا؟ قال: كدار لها بابان، دخلت من أحدهما، وخرجت من الآخر.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
في الحديث الذي رواه مسلم أن النبي ﷺ قال: "ما الدنيا في الآخرة إلا مِثْل ما يجعل أحدكم أُصْبُعَهُ في اليَمِّ، فلينظر بِمَ يَرْجع"
تريد أن تعرف حقيقة الدنيا بالنسبة للآخرة: ضع أصبعك في البحر، الدنيا بالنسبة للآخرة، كنسبة البلل الذي في أصبعك بالنسبة للبحر.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : أخذ رسول الله ﷺ بمنكبيّ فقال "كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول الرسول ﷺ “إنما مثلي ومثلُ الدُّنيا كراكبٍ استظلَّ تحت شجرةٍ ثم راحَ وتركها"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول سفيان الثوري: "اعمل للدنيا بقدر بقائك فيها، واعمل للآخرة بقدر بقائك فيها"
قيل "كل شيء له نهاية فهو قصير"
وقالوا "كل ما هو آت قريب"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
في علم الرياضة أي رقم إذا كان بالنسبة الى المالا نهاية يكون قيمته صفر.
يعنى رقم 10 إذا كان بالنسبة الى المالانهاية يكون قيمته صفر.
وذا كان ألف يكون قيمته صفر.
واذا كان مليار يكون قيمته صفر,
أي رقم اذا كان بالنسبة الى المالا نهاية يكون قيمته صفر.
اذن فالحياة الدنيا مهما طالت، ومهما كان النعيم فيها، بالنسبة للحياة الأبدية في الآخرة، تكون بلا أي قيمة، تكون قيمتها صفر.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (قَدۡ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِ) 
أي صفقة في الدنيا يمكن تعويضها، وحتى اذا لم تعوضها فإن أثرها لا يتجاوز الدنيا، والدنيا محدودة، فإذن خسارة الدنيا خسارة محتملة، أما خسارة الآخرة، فهي خسارة لا يمكن تعويضها، وهي خسارة للجنة، وهذا أعظم ربح، وهي خسارة يمتد أثرها للأبد وليس فترة محدودة مثل الدنيا، ولذلك فخسارة الآخرة هي الخسارة الحقيقية.
اياكم أن تخسروا الأخرة، اياكم أن تخسروا الجنة.
اياكم أن تبيعوا الجنة الباقية العظيمة، مقابل الدنيا الفانية الخسيسة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (وَمَا كَانُواْ مُهۡتَدِينَ)
وَمَا كَانُواْ موفقين فيما اختيارهم الخسيس الزائل وهي الدنيا، على النفيس الخالد وهي الآخرة.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعۡضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمۡ أَوۡ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيۡنَا مَرۡجِعُهُمۡ ثُمَّ ٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفۡعَلُونَ ﴿٤٦﴾
هذه الآية الكريمة مثل قول الله تعالى (وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الذي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البلاغ وَعَلَيْنَا الحساب)
 وقول الله تعالى (فاصبر إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الذي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ)
يعنى أما أن نريك -يا محمد- بعض الذي نتوعدهم به من العذاب الدنيوي، وما نتوعدهم به من هزيمة الباطل وانتصار الحق، أو نتوفاك قبل ذلك،  فسيعودون الينا، ونعاقبهم العقوبة التي يستحقونها.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

ونلاحظ في الثلاثة آيات قال تعالي (بَعۡضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمۡ)
إشارة إلى أن الله سيري الرسول ﷺ البعض لا الكل.
فالرسول ﷺ رأي انتصار بدر وفتح مكة، ودخول الناس في دين الله أفواجًا، ولكن لم يري الرسول ﷺ مثلًا الانتصار على الفرس والروم.
اذن ليس شرطًا أن تري عقاب الكافر بعينك في الدنيا، وليس شرطًا أن تري بعينك انتصار الحق على الباطل ، فسمية -أول شهيدة في الإسلام- وزوجها ياسر، لم يرا وعد الله تعالى من انتصار الحق على الباطل، وكل الذين ماتوا من المسلمين قبل غزوة بدر لم يروا وعد الله تعالى بانتصار الحق على الباطل.
قد تمر أجيال لا تري انتصار الحق على الباطل، فالآية تقول اما أن تري بعينك وفي حياتك انتصار الحق على الباطل، أو لا تراه في حياتك، فسيعودون الى الله -تعالى- في النهاية، ويعاقبهم العقاب الذي يستحقونه.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (ثُمَّ ٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفۡعَلُونَ) 
يعنى ثم الله شاهد على أفعالهم، وعالم بها، وسيحاسبهم عليها.

رأي الرسول ﷺ انتصار بدر وفتح مكة، ودخول الناس في دين الله أفواجًا،

ولكن لم يري الرسول ﷺ مثلًا الانتصار على الفرس والروم.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇