الحلقة رقم (558)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
تفسير وتدبر الآيات من (75) الى (86) من سورة "يُونُس"- ص 217
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(ثُمَّ بَعَثۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِم مُّوسَىٰ وَهَٰرُونَ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِيْهِۦ بَِٔايَٰتِنَا فَٱسۡتَكۡبَرُواْ وَكَانُواْ قَوۡما مُّجۡرِمِينَ ﴿٧٥﴾ فَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلۡحَقُّ مِنۡ عِندِنَا قَالُوٓاْ إِنَّ هَٰذَا لَسِحۡر مُّبِين ﴿٧٦﴾ قَالَ مُوسَىٰٓ أَتَقُولُونَ لِلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَكُمۡۖ أَسِحۡرٌ هَٰذَا وَلَا يُفۡلِحُ ٱلسَّٰحِرُونَ ﴿٧٧﴾ قَالُوٓاْ أَجِئۡتَنَا لِتَلۡفِتَنَا عَمَّا وَجَدۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا ٱلۡكِبۡرِيَآءُ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا نَحۡنُ لَكُمَا بِمُؤۡمِنِينَ ﴿٧٨﴾ وَقَالَ فِرۡعَوۡنُ ٱئۡتُونِي بِكُلِّ سَٰحِرٍ عَلِيمٖ ﴿٧٩﴾ فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (80) فَلَمَّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81) وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (82) فَمَآ ءَامَنَ لِمُوسَىٰٓ إِلَّا ذُرِّيَّة مِّن قَوۡمِهِۦ عَلَىٰ خَوۡف مِّن فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِيْهِمۡ أَن يَفۡتِنَهُمۡۚ وَإِنَّ فِرۡعَوۡنَ لَعَال فِي ٱلۡأَرۡضِ وَإِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلۡمُسۡرِفِينَ ﴿٨٣﴾ وَقَالَ مُوسَىٰ يَٰقَوۡمِ إِن كُنتُمۡ ءَامَنتُم بِٱللَّهِ فَعَلَيۡهِ تَوَكَّلُوٓاْ إِن كُنتُم مُّسۡلِمِينَ ﴿٨٤﴾ فَقَالُواْ عَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلۡنَا رَبَّنَا لَا تَجۡعَلۡنَا فِتۡنَة لِّلۡقَوۡمِ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴿٨٥﴾ وَنَجِّنَا بِرَحۡمَتِكَ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ ﴿٨٦﴾
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
تحدثت الايات السابقة عن قصة نوح -عليه السلام- مع قومه، ثم تبدأ السورة (في 19 آية) في الحديث عن موسي وهارون، فيقول تعالى:
(ثُمَّ بَعَثۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِم مُّوسَىٰ وَهَٰرُونَ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِيْهِ) يعنى أرسلنا من بعد الرسل الذين أُرسلوا بعد نوح -عليه السلام-
(مُّوسَىٰ وَهَٰرُونَ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِيْهِ) والملأ هم أشراف القوم وسادتهم وأعيانهم، وسموا بذلك لأنهم يملئون النفس مهابة، أو لأنهم يملئون العين، كأن العين لا تري غيرهم.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لمذا قال القرآن (إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِيْهِ) ولم يقل الى شعب مصر؟ وكان يطلق عليهم في ذلك الوقت "القبط"
لأن موسي أرسل نبيًا الى بنى اسرائيل، وم يرسل الى غيرهم.
ولذلك أمر الله موسي وهارون أن توجها إِلَىٰ (فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِيْهِ) حتى يسمحوا له أن يأخذ بنى اسرائيل ويخرج بهم من مصر.
وكون أن موسي أرسل نبيًا الى بنى اسرائيل لا يمنع إذا كان واحد من غير بنى اسرائيل يريد أن يتبعه، أهلا وسهلا، مثل السيدة آسيا، مؤمن آل فرعون، السحرة، كل هؤلاء مصريين آمنوا بموسى، ولم يكونوا من بنى إسرائيل، ولكن هم الذين سعوا اليه، وهو لم يسع اليهم.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(ثُمَّ بَعَثۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِم مُّوسَىٰ وَهَٰرُونَ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِيْهِۦ بَِٔايَٰتِنَا)
(بَٔايَٰتِنَا) يعنى مؤيدين بالمعجزات، وهي التسع آيات المذكورة في سورة الأعراف وغيرها.
(فَٱسۡتَكۡبَرُواْ) يعنى فَٱسۡتَكۡبَرُواْ عن قبول الحق، أن الكبر هو «بَطَرُ الحقِّ»، أي: رفضُ الحقِّ
والإستكبار يعنى طلب أن يكون كبيرًا، وهو ليس كبير.
(وَكَانُواْ قَوۡما مُّجۡرِمِينَ) يعنى راسخين في الإجرام، لأنهم كانوا يرتكبون جرائم ضد بنى اسرائيل: ويقتلون أبنائهم، ويستحيون نسائهم، ويذيقونهم من ألوان العذاب، ويفلعون كل شيء حتى يفتنونهم عن دينهم
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(فَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلۡحَقُّ مِنۡ عِندِنَا قَالُوٓاْ إِنَّ هَٰذَا لَسِحۡر مُّبِين ﴿٧٦﴾
(فَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلۡحَقُّ مِنۡ عِندِنَا) يعنى: فَلَمَّا جَآءَ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِيْهِۦ المعجزات الدالة على صدق ما جاء به موسي وهارون.
(قَالُوٓاْ إِنَّ هَٰذَا لَسِحۡر مُّبِين) (إِنَّ) أداة تأكيد و(سِحۡر مُّبِين) يعنى سِحۡر واضح، لا شك أنه سِحۡر.
وهذا هو أسلوب أهل الباطل أنهم يتبجحون في قلب الحقائق، فبرغم أن قوم فرعون كانوا هم أعلم الناس بالسحر، وبرغم أن السحرة أنفسهم اتبعوا موسي بعد أن أيقنوا أن ما جاء ليس سحرًا، وانما هو معجزة من الله تعالى، برغم ذلك يقولون إن ما جاء به سحر واضح انه سحر.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(قَالَ مُوسَىٰٓ أَتَقُولُونَ لِلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَكُمۡۖ أَسِحۡرٌ هَٰذَا وَلَا يُفۡلِحُ ٱلسَّٰحِرُونَ ﴿٧٧﴾
يعنى قَالَ لهم مُوسَىٰٓ أَتَقُولُونَ عن المعجزات التى جائتكم من عند الله تعالى: أَسِحۡرٌ هَٰذَا.
كأنهم سألوا هذا السؤال على وجه التفظيع، كما نقول: هل تركت العمل؟ هل تشاجرت مع أخيك؟
اذن (أَسِحۡرٌ هَٰذَا) على وجه التفظيع من كلام قوم فرعون.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ولكن أكثر المفسرين قالوا أن هذا من كلام موسي، يعنى هناك مفعول محذوف.
فيكون تقدير الكلام: قَالَ لهم مُوسَىٰٓ (أَتَقُولُونَ لِلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَكُمۡ) سحر؟ ثم يقول موسي منكرًا عليهم: أَسِحۡرٌ هَٰذَا؟
كيف تقولون على هذه المعجزة سحر؟
لأن السحر تخييل، قال تعالى (فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ)
ولا يمكن للساحر أن يغير الحقيقة، يعنى الحبال والعصي لم تتحول الى حيات حقيقية، ولكن جعلوا الناس تتخيل أنها حيات، ولو كان الساحر يستطيع أن يغير حقيقة الأشياء، للإستطاع الساحر أن يحول الحديد الى ذهي مثلًا، والزجاج الى ألماس، والورق الى نقود، ولكن الساحر لا يستطيع أن يفعل شيئًا من هذا، بدليل أننا نجد السحرة هم أكثر الناس فقرًا، ومعتمدين على رزقهم من الناس.
أما معجزة موسي فلم تكن سحرًا، بل أن الله تعالى حول العصى الى حية حقيقية، وحية تسعي، لها حياة كاملة، بل وتبتلع في جوفها جميع ما ألقوا من الحبال والعصي (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا ۖ)
اذن هذا لا يمكن أن يكون سحرًا.
والسحرة أنفسهم أقروا أن هذا ليس سحرًا، كما يقولون (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَلَا يُفۡلِحُ ٱلسَّٰحِرُونَ)
يعنى وَلَا يُفۡلِحُ من أتي بالسحر.
والفلاح هو الوصول للمطلوب.
فليس ممكننًا أن يأتي ساحر بدين أو نظام أو تشريع.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(قَالُوٓاْ أَجِئۡتَنَا لِتَلۡفِتَنَا عَمَّا وَجَدۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا ٱلۡكِبۡرِيَآءُ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا نَحۡنُ لَكُمَا بِمُؤۡمِنِينَ ﴿٧٨﴾
اللفت لغة هو اللى.
فحين تقول "التفت لى" يعنى الوي عنقك حتى تنظر الى.
(قَالُوٓاْ أَجِئۡتَنَا لِتَلۡفِتَنَا عَمَّا وَجَدۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَا)
قال فرعون وأركان دولته لموسى (أَجِئۡتَنَا لِتَلۡفِتَنَا) لتصرفنا (عَمَّا وَجَدۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَا) من عبادة الأصنام، ومن أن فرعون إله.
(وَتَكُونَ لَكُمَا ٱلۡكِبۡرِيَآءُ فِي ٱلۡأَرۡضِ) يعنى هدفكم هو أن تَكُونَ لَكُمَا ٱلۡكِبۡرِيَآءُ فِي ٱلۡأَرۡضِ، يكون لكم السلطة والملك والعلو.
ودائمًا أهل الباطل، يتهمون من يريد الإصلاح، بأنه يسعي الى السلطة.
اللى بيقول كده بيقول كده ليه، لإن هوه نفسه هدف حياته ومحور حياته ان يكون في السلطة، فمعتقد كل الناس زيه.
(وَمَا نَحۡنُ لَكُمَا بِمُؤۡمِنِينَ)
(وَمَا نَحۡنُ لَكُمَا) يا موسي وهارون (بِمُؤۡمِنِينَ) بِمُصدقين أنكما رسولان.
وهنا عبر عن مصر بلفظ "ٱلۡأَرۡضِ" وفي أكثر من موضع من القرآن عبر الله عن مصر بلفظ "ٱلۡأَرۡضِ" وهذه أهمية يضفيها القرآن الكريم على مصر.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَقَالَ فِرۡعَوۡنُ ٱئۡتُونِي بِكُلِّ سَٰحِرٍ عَلِيم ﴿٧٩﴾
وَقَالَ فِرۡعَوۡنُ لحاشيته ٱئۡتُونِي بِكُلِّ سَٰحِرٍ عَلِيم
يعنى اراد فِرۡعَوۡنُ أن يواجه موسي بمجموعة من السحرة، لأنه يريد أن يثبت للناس أن ما جاء به موسي هو مجرد سحر، وليس معجزة كما يدعي.
ولذلك طلب أن يأتوا له بالسحرة، ولكن ليس اي سحرة، بل أفضل مجموعة من السحرة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (80)
(فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ) الفاء تدل على سرعة اجتماع السحرة، لأن الأمر صادر من فرعون.
(قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ)
قول موسي (أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ) فيه استهانة بما سيلقونه
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(فَلَمَّآ أَلۡقَوۡاْ قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئۡتُم بِهِ ٱلسِّحۡرُۖ إِنَّ ٱللَّهَ سَيُبۡطِلُهُۥٓ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُصۡلِحُ عَمَلَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ ﴿٨١﴾
(فَلَمَّآ أَلۡقَوۡاْ قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئۡتُم بِهِ ٱلسِّحۡرُ)
يعنى فَلَمَّآ أَلۡقَوۡاْ حبااهم وعصيهم وخيل للناس أنها حيات، قَالَ لهم مُوسَىٰ (مَا جِئۡتُم بِهِ ٱلسِّحۡرُ) يعنى هذا هو سحر.
لأن موسي يريد أن يري الناس الفرق بين السحر والمعجزة، فلما ألقوا حبالهم وعصيهم وخيل للناس أنها تسعي، قال موسي: هذا هو السحر، وسأريكم الآن المعجزة من الله تعالى، حتى تعرفوا الفرق بين السحر والمعجزة، وتتأكدوا أن ما جئت به هو معجزة من الله تعالى وليست سحرًا.
(إِنَّ ٱللَّهَ سَيُبۡطِلُهُۥ) يعنى سيهزم الله صاحبه، ويظهر بطلانه للناس أمام المعجزة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُصۡلِحُ عَمَلَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ)
وهذه الجملة من سنن الله -تعالى- في تنازع الحق والباطل، أن الله -تعالى- لَا يُصۡلِحُ عَمَلَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ، يعنى لا يوفقهم، ولن يكون عملهم نافعًا لهم، لأن الإصلاح هو جعل الشيء نافعًا، وهؤلاء لن ينفعهم عملهم، ولن ينفعهم كيدهم وفسادهم، بل على العكس، سيكون كيدهم وفسادهم وبالًا عليهم، وستكون الدائرة عليهم في النهاية.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
قال البعض أن هذه الآية شفاء من السحر بإذن الله تعالى تقرأ على إناء فيه ماء ثم يصب على رأس المسحور
وروي عن ابن عباس أنه قال: من أخذ مضجعه من الليل ثم تلا هذه الآية.
(مَا جِئۡتُم بِهِ ٱلسِّحۡرُۖ إِنَّ ٱللَّهَ سَيُبۡطِلُهُۥٓ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُصۡلِحُ عَمَلَ ٱلۡمُفۡسِدِين) لم يضره سحر ولا ساحر.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَيُحِقُّ ٱللَّهُ ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَٰتِهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُجۡرِمُونَ ﴿٨٢﴾
هذا من تكملة كلام موسي -عَلَيْهِ السَّلامُ- للسحرة، يقول موسي -عَلَيْهِ السَّلامُ- للسحرة: (وَيُحِقُّ ٱللَّهُ ٱلۡحَقَّ) يعنى وينصر الله تعالى الحق.
(بِكَلِمَٰتِهِ) يعنى بوعده -تعالى- بنصر أولياءه على أعدائه، لأن الله تعالى قال لموسي (لا تخف إنك انت الأعلى)
(وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُجۡرِمُونَ) رغم أنف ٱلۡمُجۡرِمُونَ.
غصب عنهم، مهما عملوا برضه سينتصر الحق.
وهنا وصف -مرة أخري- الكفار من آل فرعون بالإجرام، لأنهم كانوا يرتكبون الجرائم ضد المؤمنين من بنى إسرائيل.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(فَمَآ ءَامَنَ لِمُوسَىٰٓ إِلَّا ذُرِّيَّة مِّن قَوۡمِهِۦ عَلَىٰ خَوۡف مِّن فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِيْهِمۡ أَن يَفۡتِنَهُمۡۚ وَإِنَّ فِرۡعَوۡنَ لَعَال فِي ٱلۡأَرۡضِ وَإِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلۡمُسۡرِفِينَ ﴿٨٣﴾
يعنى برغم هذه المعجزات الباهرة التي جاء بها موسي -عَلَيْهِ السَّلامُ- فلم يؤمن به (إِلَّا ذُرِّيَّة مِّن قَوۡمِهِ) يعنى إِلَّا بعض الشباب مِّن قَوۡمِ موسي مِّن بنى إسرائيل.
وقيل الذُرِّيَّة يعنى القليل، يعنى لم يؤمن من قومه الا القليل.
قج يقو قائل أنا كنت أعتقد ان كل بنى إسرائيل آمنوا بموسى، وبدليل أن كل بنى إسرائيل خرجوا معه من مصر.
الآية تقول إن في بداية الدعوة، لم يؤمن بموسى الا القليل من قومه.
ثم قد يؤمن بعد ذلك غيرهم من بنى إسرائيل.
أمر آخر فان الخروج مع موسي مع مصر ليس دليلًا على الإيمان بموسى، لأن الخروج مع موسي كان -على خطورته- أكثر أمانًا -بالنسبة لهم- من البقاء في أرض مصر.
فمن الممكن أن يكون قد خرج مع موسي منافقون، يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (فَمَآ ءَامَنَ لِمُوسَىٰٓ إِلَّا ذُرِّيَّة مِّن قَوۡمِهِۦ عَلَىٰ خَوۡف مِّن فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِيْهِمۡ أَن يَفۡتِنَهُمۡ)
يعنى هم آمنوا بموسى، وكتموا ايمانهم، ولم يجرؤا على أن يعلنوا الإيمان، خوفُا مِّن فِرۡعَوۡنَ (وَمَلَإِيْهِمۡ) يعنى وأركان دولته وجنوده وشرطته.
(أَن يَفۡتِنَهُمۡ) يعنى يَفۡتِنَهُمۡ عن دينهم، ويردوهم الى الكفر.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وكان الظاهر أن يقول "عَلَىٰ خَوۡف مِّن فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِيْهِمۡ أَن يَفۡتِنَوهم" ولكنه تعالى قال (أَن يَفۡتِنَهُمۡ) فأعد الضمير الى فرعون وحده، لأن جنوده وحاشيته كانوا مجرد آلات يستخدمها فرعون في فتنة المؤمنين، فلم يذكروا تقليلًا لشأنهم.
(وَإِنَّ فِرۡعَوۡنَ لَعَال فِي ٱلۡأَرۡضِ وَإِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلۡمُسۡرِفِينَ)
(َعَال فِي ٱلۡأَرۡضِ) يعنى متجبر ومستبد وباغ وطاغِ.
(فِي ٱلۡأَرۡضِ) يعنى فِي أَرۡضِ مصر.
(وَإِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلۡمُسۡرِفِينَ)
يعنى فرعون مسرف حتى في بغيه وطغيانه وظلمه.
لإن ممكن يكون متجبر، وعنده حدود في التجبر.
وممكن أن يتجبر بلا حدود، ليس عنده خطوط حمراء، فيكون مسرفًا في الظلم والطغيان والتجبر.
من ذلك مثلًا أن السحرة عندما آمنوا بموسى لم يكتف فرعون بقتلهم.
ولكن نكل بهم تنكيلًا عظيمًا، فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وصلبهم في جذوع النخل، وعذب ماشطة ابنته، وقتل أبنائها أمام عينها حرقًا ثم قتلها.
وهذه الجملة (وَإِنَّ فِرۡعَوۡنَ لَعَال فِي ٱلۡأَرۡضِ وَإِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلۡمُسۡرِفِينَ) تعليل لسبب الخوف من فرعون.
أنه عَال فِي ٱلۡأَرۡضِ وَإِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلۡمُسۡرِفِينَ.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَقَالَ مُوسَىٰ يَٰقَوۡمِ إِن كُنتُمۡ ءَامَنتُم بِٱللَّهِ فَعَلَيۡهِ تَوَكَّلُوٓاْ إِن كُنتُم مُّسۡلِمِينَ ﴿٨٤﴾
لما شكا بنوا إِسرائيل إِلى مُوسَىٰ تنكيل فرعون بهم، قال لهم مُوسَىٰ:
(يَٰقَوۡمِ إِن كُنتُمۡ ءَامَنتُم بِٱللَّهِ فَعَلَيۡهِ تَوَكَّلُوٓاْ إِن كُنتُم مُّسۡلِمِينَ)
(فَعَلَيۡهِ تَوَكَّلُوٓاْ) يعنى فوضوا أمركم الى الله.
لأن من يتوكل على الله يتلاشى عنده كل عظيم.
ولذلك مؤمن آل فرعون أخذ يتكلم أمام فرعون، ثم قال (وأفوض أمري الى الله) ولذلك قال تعالى بعدها (فوقاه الله سيئات ما مكروا)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
هنا وضع شرطين للتوكل: شرط الإيمان وشرط الإسلام:
(إِن كُنتُمۡ ءَامَنتُم بِٱللَّهِ فَعَلَيۡهِ تَوَكَّلُوٓاْ) هذا شرط الإيمان.
(إِن كُنتُم مُّسۡلِمِينَ) شرط الإسلام.
لماذا جائت بهذا الأسلوب الفريد: شرط مقدم وشرط مؤخر.
لأن هناك ترتيب للإسلام والإيمان والتوكل.
الإسلام يكون أولًا، فاذا كنت مسلمًا فتوكل على الله، لأن الإسلام هو الاستسلام لأمر الله تعالى وقضائه. (فَعَلَيۡهِ تَوَكَّلُوٓاْ إِن كُنتُم مُّسۡلِمِينَ)
ثم تمام الإيمان لا يكون الا بالتوكل على الله. (إِن كُنتُمۡ ءَامَنتُم بِٱللَّهِ فَعَلَيۡهِ تَوَكَّلُوٓاْ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(فَقَالُواْ عَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلۡنَا رَبَّنَا لَا تَجۡعَلۡنَا فِتۡنَة لِّلۡقَوۡمِ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴿٨٥﴾
الفاء تدل على السرعة، يعنى استجابوا لأمر موسي فورًا وقالوا
(عَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلۡنَا) يعنى فوضنا أمرنا له تعالى.
و(عَلَى ٱللَّهِ) أسلوب قصر، يعنى: عَلَى ٱللَّهِ وحده تَوَكَّلۡنَا.
(رَبَّنَا لَا تَجۡعَلۡنَا فِتۡنَة لِّلۡقَوۡمِ ٱلظَّٰلِمِينَ)
يعنى: "لَا تَجۡعَلۡنَا موضع فِتۡنَة" يعنى: لا تسلطهم علينا فيفتنوننا عن ديننا.
أو أن المعنى: لا تسلطهم وتنصرهم علينا فيظنون أنهم على الحق ونحن على الباطل.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَنَجِّنَا بِرَحۡمَتِكَ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ ﴿٨٦﴾
هذا من تكملة دعاء قوم موسي.
وهذا الترتيب في الدعاء يدل على أنه كان اهتمام هؤلاء بأمر دينهم فوق اهتمامهم بأمر دنياهم، وسلامة أنفسهم.
لأنهم دعوا أولًا أن يعصمهم الله من الفتنة في دينهم، ثم دعوا أن ينجيهم الله من فرعون وظلمه واستبداده.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
أيضًا في تقديم التوكل على الدعاء، اشارة الى أن الداعي ينبغي أن يبنى دعاءه على التوكل على الله تعالى.
يعنى تدعو وأنت مفوض أمرك لله.
يعنى تدعو وأنت لا ترجو أن يحقق الله لك دعوتك، ولكنك تدعو وأنت تفوض أمرك الى الله في أن يحقق لك ما هو في صالحك.
هناك فرق في أن تدعو وأنت لا ترجو الا ما تدعو اليه، وبين أن تدعو وأنت تقول يا رب أنا أريد كذا على حسب علمي القاصر، ولكن أنت يا رب تعلم ما فيه صالحي، فاللهم خير لى واختار لى.
هذا ما أشار اليه ترتيب الآيات الكريمة فجاء الدعاء بعد التوكل على الله تعالى.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"
لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
|