Untitled Document

عدد المشاهدات : 860

الحلقة (561) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم تفسير وتدبر الآيات من (94) الى (98) من سورة "يُونُس"- (فَإِن كُنتَ فِي شَكّ ….

الحلقة رقم (561)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
تفسير وتدبر الآيات من (94) الى (98) من سورة "يُونُس"- ص 219
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(فَإِن كُنتَ فِي شَكّ مِّمَّآ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ فَسۡ‍َٔلِ ٱلَّذِينَ يَقۡرَءُونَ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكَۚ لَقَدۡ جَآءَكَ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ ﴿٩٤﴾ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ ﴿٩٥﴾ إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتۡ عَلَيۡهِمۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ ﴿٩٦﴾ وَلَوۡ جَآءَتۡهُمۡ كُلُّ ءَايَةٍ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَلِيمَ ﴿٩٧﴾ فَلَوۡلَا كَانَتۡ قَرۡيَةٌ ءَامَنَتۡ فَنَفَعَهَآ إِيمَٰنُهَآ إِلَّا قَوۡمَ يُونُسَ لَمَّآ ءَامَنُواْ كَشَفۡنَا عَنۡهُمۡ عَذَابَ ٱلۡخِزۡيِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَمَتَّعۡنَٰهُمۡ إِلَىٰ حِين ﴿٩٨﴾ 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(فَإِن كُنتَ فِي شَكّ مِّمَّآ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ فَسۡ‍َٔلِ ٱلَّذِينَ يَقۡرَءُونَ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكَ)
الخطاب في هذه الآية الكريم ظاهريًا للرسول ﷺ ولكن ليس الرسول ﷺ -بالطبع- هو المقصود بالخطاب، إذا كان الوحي ينزل على الرسول ﷺ فكيف يشك في الوحي.
وعندما نوقش الرسول ﷺ في أمر الدعوة، قال: "يا عماه، والله لوْ وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر، حتى يُظهره الله أو أهلك فيه، ما تركتُه"
وفي موقف آخر قال: أَترَون هذهِ الشَّمس؟ قالوا: نعم، قال: ما أنا بَأَقدرَ على أن أَدَعَ لكُم ذلك مِنْ أن تُشْعِلوا لي منها شُعْلة 
اذن فليس الرسول ﷺ هو المقصود بالخطاب، ولكن المقصود بالخطاب هم الذين في شك في نبوة الرسول ﷺ، وشك في الوحي والقرآن.
وكان هذا من اساليب العرب في الكلام، أن يكون الكلام موجهًا الى شخص، والمقصود به شخص آخر.
ولذلك أخذوا منها المثل العربي الشهير "اياك أعنى واسمعي يا جارة"
وهذا متكرر في القرآن، أن يوجه الخطاب للرسول ﷺ ويقصد به غيره، مثل قول الله تعالى في سورة الزمر (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ)
هنا يقول تعالى
(فَإِن كُنتَ فِي شَكّ مِّمَّآ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ) 
الخطاب لمن هم الذين في شك في نبوة الرسول ﷺ
(فَسۡ‍َٔلِ ٱلَّذِينَ يَقۡرَءُونَ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكَ) يعنى فَسۡألِ علماء اليهود والنصاري، لأن هؤلاء سيشهدون -بما عندهم من العلم- على صدق محمد ﷺ، وأنه النبي الذي يجدون صفته في كتبهم.
لأن البشارة به ﷺ وصفته ﷺ موجودة في كتبهم بمنتهي الدقة.، كما قال تعالي
(الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ)
يقول "عبد الله بن سلام" عندما وقع بصره على النبي ﷺ أول مرة "فلمَّا تبيَّنتُ وجهَهُ، عرفتُ أنَّ وجهَهُ ليسَ بوَجهِ كذَّابٍ"
ويقول كعب الأحبار: "عرفت رسول الله كمعرفتي لابني، ومعرفتي لمحمد أشد"
ولما نزلت هذه الآية قال الرسول ﷺ
"لا أشك ولا أسأل"
لأن الآية تقول (فَإِن كُنتَ فِي شَكّ) (فَسۡ‍َٔلِ)
فقال النبي ﷺ "لا أشك ولا أسأل"
ثم يقول تعالى
(لَقَدۡ جَآءَكَ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ) يعنى الذي نزل عليك من القرآن هو حق ووحي من عند الله تعالى.
(فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ) فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الشاكين.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ ﴿٩٥﴾
لا يزال الخطاب للشاكين في نبوة الرسول، فهؤلاء مذبذبين بين الإيمان والكفر، كما قال تعالى (مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ لَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ) 
فهؤلاء يخاطبهم القرآن الكريم، ويقول: اياكم أن تكونوا من الذين اختاروا طريق التكذيب والكفر، وتركوا طريق الإيمان، لأن الذين اختاروا الكفر، هم من الخاسرين خسرانًا مبينًا.  

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتۡ عَلَيۡهِمۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ ﴿٩٦﴾
إِنَّ ٱلَّذِينَ قال الله فيهم أنهم لن يؤمنوا، فلن يؤمنوا.
ولذلك قال تعالى
(حَقَّتۡ عَلَيۡهِمۡ) لأن الحق هو الشيء الثابت الذي لا يتغير، وقضاء الله -تعالى- لا يمكن أن يغيره أحد.
وهذا لا يعنى أن الله تعالى أرادهم كفارًا، ولكن يعنى أن الله -تعالى- علم علمًا أزليًا قبل أن يخلقهم أنهم لن يؤمنوا.
ومثال ذلك -ولله المثل الأعلى- المدرس في الفصل، بعد أن قضى مع تلامذته عام دراسي كامل، وعرف مستوي كل طالب عنده، قال لتلامذته قبل الامتحان، فلان سيكون الأول وفلان سيرسب، ثم أدي التلاميذ الامتحان، وظهرت النتيجة، فاذا بالطالب الذي قال عنه أن سيكون الأول كان هو الأول، والطالب الذي قال إنه سيرسب رسب بالفعل، فهل هذا يعنى أن المدرس جعل الطالب الأول ينجح، وجعل الثاني يرسب؟ لا أحد يستطيع أن يقول ذلك.
ولله المثل الأعلى: علم الله - تعالى- علمًا أزليًا قبل أن يخلقهم، بل قبل أن يخلق السماوات والأرض أنهم هؤلاء لن يؤمنوا. 
فاذا قال تعالى
(إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتۡ عَلَيۡهِمۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ) وقلنا إن معناها إِنَّ ٱلَّذِينَ قال الله فيهم أنهم لن يؤمنوا، فانهم لن يؤمنوا.
فهذا لا ينفي عنهم مسئولية الاختيار، فهم كانوا يتمتعون بحق الاختيار، ولكن الله -تعالى- علم علمًا أزليًا باختيارهم، ثم جاءوا إلى الاختيار فتحقق علم الله تعالى فيهم.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَلَوۡ جَآءَتۡهُمۡ كُلُّ ءَايَةٍ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَلِيمَ ﴿٩٧﴾
هذه تتمة للآية السابقة، يعنى: إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتۡ عَلَيۡهِمۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ، وَلَوۡ جَآءَتۡهُمۡ كُلُّ ءَايَةٍ فانهم لن يؤمنوا.
والمقصود بالآية
(وَلَوۡ جَآءَتۡهُمۡ كُلُّ ءَايَةٍ) يعنى المعجزات التي يأتي بها الأنبياء، والحج والبراهين، لأن الأنبياء لا يأتون أقوامهم فقط بالمعجزات، ولكنهم يناقشون أقوامهم، ويسوقون إليهم الحجج والبراهين، على وجود الله تعالى وعلى وحدانيته.
فالمعنى أن هؤلاء لن يؤمنوا مهما جاء لهم الرسول بالمعجزات ومهما ساق لهم من حجج وبراهين.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَلِيمَ) يعنى لن يؤمنوا حتى يعاينوا العذاب، وينزل بهم العذاب، 
وفي هذا الوقت سيؤمنوا، ولن ينفعهم الإيمان، كما قال تعالى
(َلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا) وكما لم ينفع فرعون ايمانه بعد أن عاين العذاب، وقال تعالى: (ءَآلۡـَٰٔنَ وَقَدۡ عَصَيۡتَ قَبۡلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ)

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
 قد يقول قائل إذا كانت هذه الآية تتمة للآية السابقة عليها لماذا لم تضم في آية واحدة.
نقول لأن القرآن الكريم أراد أن تكون الآية السابقة منفصلة حتى تعطي معنى مكتمل، ثم تضم اليها هذه الآية فتعطي معنى آخر.
 (إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتۡ عَلَيۡهِمۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ) 
يعنى إِنَّ ٱلَّذِينَ قال الله فيهم أنهم لن يؤمنوا، فلن يؤمنوا.
وعندما تقرأ الآية التالية تعطي معنى آخر.

(وَلَوۡ جَآءَتۡهُمۡ كُلُّ ءَايَةٍ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَلِيمَ)
يعنى ولن يؤمنوا مهما جاءهم أنبيائهم بالمعجزات والحج والبراهين، حتى ينزل بهم ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَلِيمَ، فعندما ينزل بهم العَذَابَ سيؤمنوا.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(فَلَوۡلَا كَانَتۡ قَرۡيَةٌ ءَامَنَتۡ فَنَفَعَهَآ إِيمَٰنُهَآ إِلَّا قَوۡمَ يُونُسَ لَمَّآ ءَامَنُواْ كَشَفۡنَا عَنۡهُمۡ عَذَابَ ٱلۡخِزۡيِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَمَتَّعۡنَٰهُمۡ إِلَىٰ حِين ﴿٩٨﴾
(قَوۡمَ يُونُسَ) كانوا في قرية اسمها "نينوي" 
وقد عرفنا اسم قرية "يُونُسَ" من رحلة الطائف، عندما عرض عليهم الرسول ﷺ الإيمان، فطردوه وألقوا عليه الحجارة، وجلس الرسول ﷺ يستريح، بجوار بستان لعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة، فارسلا اليه عبد لهما بقطف من عنب، فلما جاء اليه بقطف العنب، قال له الرسول ﷺ ما أسمك؟ قال: عدَّاس. قال له الرسول ﷺ: من أين أنت يا عداس؟ قال من "نينوي" فقال له الرسول: من قرية العبد الصالح "يُونُسَ بن مَتَّى"؟ قال: نعم! وما يدريك ما يونس بن متَّى؟ قال ﷺ: "ذاك أخي كان نبياً وأنا نبي" فأكب "عدَّاس" وقبل يدي الرسول ﷺ وقدميه.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
و"نينوي" عَلَى شَاطِئِ دِجْلَةَ في "العراق"، وكانوا على الكفر، فأرسل الله إليهم "يُونُسَ" -عَلَيْهِ السَّلامُ- فدعاهم الى عبادة الله وحده، فرفضوا وأصروا على الكفر، واقام "يُونُسَ" يدعوهم تسع سنوات، دون أن يؤمن به أحد، حتى يأس من ايمانهم، فتركهم "يُونُسَ" مغاضبًا -كما قال تعالى في آية أخري- وذهب.
فلما تركهم "يُونُسَ" استدلوا بخروجه عنهم بقرب نزول العذاب بهم، كما كان يخبرهم، وكما حدث مع الأمم السابقة.
وقيل إن "يُونُسَ" أخبرهم ان العذاب سينزل بهم بعد ثلاثة أيام، ولكنهم أصروا على الكفر، فتركهم "يُونُسَ" مغاضبًا وذهب.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
فلما تركهم "يُونُسَ" قالوا: هذا الرجل لم يكذب أبدًا، فاذا كان قد قال أن العذاب سينزل بعد ثلاث، فلابد أنه سينزل بعد ثلاث، فآمنوا جميعًا دفعة واحدة، وكانوا -كما أخبر القرآن- مائة ألف أو يزيدون، وتابوا الى الله، وتضرعوا الى الله، وردوا المظالم.
حتى روي عن ابن مسعود أنه قال: 
بلغ من توبتهم أن ترادوا المظالم بينهم، حتى إن كان الرجل ليأتي الحجر وقد وضع عليه أساس بنيانه فيقتلعه فيرده
 يعنى واحد سرق من واحد حجر، وبنى عليه بيته كله، يهد البيت كله، حتى يرد الحجر لصاحبه.
وظل قوم "يُونُسَ" يجئرون بالدعاء والاستغفار والتوبة الى الله تعالى أربعين ليلة، حتى قبل الله توبتهم، ورفع عنهم العذاب.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اذن قوم "يُونُسَ" آمنوا قبل نزول العذاب، لأن "يُونُسَ" -عَلَيْهِ السَّلامُ- أخبرهم ان العذاب سينزل بهم بعد ثلاث، أو أنه تركهم فعلموا أن العذاب سينزل بهم، فبادروا الى التوبة قبل نزول العذاب بهم.
وهناك من الأمم مثل قوم "عاد" أخبرهم نبيهم أن العذاب سينزل بهم، كأنه يقول لهم أن هذه هي الفرصة الأخيرة، ولكنهم أصروا على الكفر والتكذيب.
حتى عندما رأوا بوادر العذاب أصروا على التكذيب.

(فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا ۚ بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ ۖ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ)


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

يقول تعالى (فَلَوۡلَا كَانَتۡ قَرۡيَةٌ ءَامَنَتۡ فَنَفَعَهَآ إِيمَٰنُهَآ إِلَّا قَوۡمَ يُونُسَ لَمَّآ ءَامَنُواْ كَشَفۡنَا عَنۡهُمۡ عَذَابَ ٱلۡخِزۡيِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَمَتَّعۡنَٰهُمۡ إِلَىٰ حِين)
(فَلَوۡلَا) يعنى فهلا، يا ريت، كنا نحب. 
يا ريت قَرۡيَةٌ من القري الكافرة التي أهلكناها كانت تؤمن قبل نزول العذاب بها، حتى ينفعها هذا الإيمان.
لأنها تؤمن بعد نزول، فلا ينفعها هذا الإيمان.

(إِلَّا قَوۡمَ يُونُسَ) ولكن هذا لم يحدث الا مع قَوۡمَ يُونُسَ فقط.
قَوۡمَ يُونُسَ فقط، من بين جميع الأمم السابقة، الذين آمنوا قبل نزول العذاب، فنفعهم ايمانهم.
يقول تعالى
(لَمَّآ ءَامَنُواْ كَشَفۡنَا عَنۡهُمۡ) يعنى رفعنا عَنۡهُمۡ العذاب قبل وقوعه. 
(عَذَابَ ٱلۡخِزۡيِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا) يعنى: عَذَابَ الذل والهوان فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا
(وَمَتَّعۡنَٰهُمۡ إِلَىٰ حِين) يعنى وَمَتَّعۡنَٰهُمۡ بحياتهم وآجالهم 
(إِلَىٰ حِين) يعنى إِلَىٰ حِين انقضاء آجالهم.
وأطلق على هذا الأجل وهذه الحياة تمتع، لأنه الحياة في الدنيا فرصة العبد للتوبة والعبادة والاستزادة من الأعمال الصالحة. 
ولذلك أطلق القرآن على الموت مصيبة، قال تعالى
(فأصابتكم مصيبة الموت) لأن بالموت ينقطع عمل الإنسان، ويغلق باب التوبة، وهذه هي أكبر مصيبة يمكن أن تصيب العبد.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول علي ابن أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عن هذه الاية الكريمة: 
إِنَّ الْحَذَرِ لَا يَرُدُّ الْقَدَرَ، وَإِنَّ الدُّعَاءَ يَرُدُّ الْقَدَرَ، وَذَلِكَ من كِتَابِ اللَّهِ، يقول تعالى: (إِلَّا قَوۡمَ يُونُسَ لَمَّآ ءَامَنُواْ كَشَفۡنَا عَنۡهُمۡ عَذَابَ ٱلۡخِزۡيِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا).

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
تتحدث هذه الاية الكريمة عن (قَوۡمَ يُونُسَ) وقد تحدثت سورة "يُونُسَ" عن ثلاثة من أنبياء الله تعالى، فتحدثت عن "نوح" وعن "موسي وهارون" ثم عن "يُونُسَ" وهو الرسول الذي سُمِّيت السورة باسمه.
لماذا ذكر هذه الرسالات الثلاثة بالتحديد؟
نجد أن قوم نوح أهلكوا بالغرق، وفرعون وقومه أهلكوا -كذلك- بالغرق، وقصة "يونس" لها علاقة بالبحر، لأنه ألقي في البحر، ثم ابتلعه الحوت، وجري به في البحر.
فهؤلاء الرسل الثلاثة لهم علاقة بالماء، أما بقية الرسل فلم تكن لهم علاقة بالماء.
وسميت السورة باسم "يُونُسَ" لأن يونس نجي من الهلاك بعد أن كاد يهلك، ونجي قومه من الهلاك بعد أن كادوا يهلكوا، كأن الله تعالى يقول لكل من هو على دين غير دين الإسلام، ولكل مقترف لكبيرة، ولكل صاحب معصية، الحق ادخل في الإسلام، الحق تب عن الكبيرة، الحق اقلع عن المعصية.
اياك أن تكون مثل قوم نوح، أياك أن تكون مثل قوم فرعون، فرعون آمن -كما قلنا- ولكنه ايمان بعد فوات الأوان.
سورة يونس تقول لك: كونوا مثل قوم "يُونُسَ" الحقوا توبوا آمنوا في المهلة، كلنا نعيش في المهلة.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

روي الترمذي من حديث أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: "بادروا بالأعمال سبعًا، هل تنتظرون إلا فقراً مُنسيًا، أو غنًى مُطغيًا، أو مرضاً مُفسدًا، أو هَرَماً مُفنِّدًا، أو موتاً مُجهِزًا، أو الدجال، فشر غائب ينتظر، أو الساعة، والساعة أدهى وأمر"
روي مسلم والترمذي وأحمد من حديث أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: "بادروا بالأعمال، فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمناً، ويمسي كافراً، أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا" 

 

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇