Untitled Document

عدد المشاهدات : 815

الحلقة (569) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم تفسير وتدبر الآيات (9) و(10) و(11) من سورة "هًود"- (وَلَئِنۡ أَذَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِنَّا رَحۡمَة ….

الحلقة رقم (569)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

تفسير وتدبر الآيات (9) و(10) و(11)  من سورة "هًود"- ص 222
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَلَئِنۡ أَذَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِنَّا رَحۡمَة ثُمَّ نَزَعۡنَٰهَا مِنۡهُ إِنَّهُۥ لَيَ‍ُٔوس كَفُور ﴿٩﴾ وَلَئِنۡ أَذَقۡنَٰهُ نَعۡمَآءَ بَعۡدَ ضَرَّآءَ مَسَّتۡهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ ٱلسَّيِّ‍َٔاتُ عَنِّيٓۚ إِنَّهُۥ لَفَرِح فَخُورٌ ﴿١٠﴾ 
إِلَّا ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُم مَّغۡفِرَة وَأَجۡر كَبِير ﴿١١﴾ 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(وَلَئِنۡ أَذَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِنَّا رَحۡمَة ثُمَّ نَزَعۡنَٰهَا مِنۡهُ إِنَّهُۥ لَيَ‍ُٔوس كَفُور ﴿٩﴾
تبين هذه الآيات الكريمة جوانب من طبيعة بنى آدم، فيقول تعالى 
(وَلَئِنۡ أَذَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِنَّا رَحۡمَة) يعنى واذا أنعمنا على ٱلۡإِنسَٰانِ بنعمة من نعم الدنيا، مثل الصحة أو المال أو منصب أو غير ذلك.
(ثُمَّ نَزَعۡنَٰهَا مِنۡهُ) ثُمَّ سلبنا مِنۡهُ هذه النعمة، لحكمة تقتضي ذلك.
واستخدم التعبير
(نَزَعۡنَٰهَا) التى تدل على الشدة في الأخذ، للإشارة الى شدة تعلق الإنسان بالدنيا ومتاعها.
(ثُمَّ نَزَعۡنَٰهَا مِنۡهُ إِنَّهُۥ لَيَ‍ُٔوس كَفُور) 
يعنى عند سلب النعمة ييئس ويقنط من رحمة الله.
وعند وجود النعمة، يكفر بهذه النعمة، 
وكفر النعمة يكون بأن تستخدم هذه النعمة في معصية الله تعالى، بدلًا من أن يسخرها في طاعة الله

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
تقول الآية الكريمة (وَلَئِنۡ أَذَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِنَّا رَحۡمَة ثُمَّ نَزَعۡنَٰهَا مِنۡهُ إِنَّهُۥ لَيَ‍ُٔوس كَفُور) 
هل معنى هذا أن كل الناس هكذا، كل انسان يَ‍ُٔوس كَفُور؟
نقول نعم هذه هي طبيعة بنى آدم، الا من يهذب نفسه، قال تعالى (ونفس وما زكاها) يعنى طهرها من الأخلاق الخبيثة.
نحن ولدنا من بطون أمهاتنا وهذه هي طبيعتنا نقنط في الشدة ونكفر بالنعمة.
بدليل أن الطفل أناني بطبيعته، يريد أن يحتفظ بحاجته لنفسه، واذا أخذ منه شي، 
أو كسرت لعبته يقيم الدنيا ولا يقعدها.
الآية تقول لك هذه هي طبيعتك كانسان: عند النعمة تكفر بالنعمة، وتستخدمها في معصية الله، 
واذا سلب منك النعمة تيئس وتتسخط وتنقم على ربك.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
فالآية تقول لك انتبه لا تكفر بالنعمة، لا تستخدم نعم الله في معصية الله، ولكن استخدم نعم الله في طاعة الله.
الآية تقول لك انتبه اذا سلبت منك نعمة فلا تقنط من رحمة الله، 
أنت عبد الفتاح ولست عبد الفتح، اذا سلبت منك نعمة من نعم الدنيا، فانه يجب أن تقول
"لله ما أعطي وله ما أخذ"


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

كان "أبو طلحة" رضى الله عنه له ابن يحبه كثيرًا، ثم مرض، وسافر "أبو طلحة" في تجارة، وفي أثناء سفره مات ابنه، فلما رجع سأل عن ابنه، فقالت له امرأته "هو في أهدَأ حال" فاطمئن وجلس يأكل، ثم قالت له امرأته: يا أبا طلحة أتغضب من وديعة كانت عندنا، فرددناها إلى أصحابها؟ فقال: سبحان الله، لا، رديها اليهم، فقالت: فان ابنك كان عندنا وديعة فاسترده الله تعالى، فقال أبو طلحة: فأنا أحق بالصبر منك، فقام واغتسل وصلى ركعتين، وحمد الله تعالى، فلما أصبح صلى مع النبي ﷺ وقص عليه ما حدث، فدعا لهما النبي ﷺ وقال: بارِكَ اللهَ لكما في لَيلتِكُما، ويُعوِّضَكما عن فَقيدِكما بالخلَفِ الصَّالحِ، واستجابَ اللهُ دَعوةَ نبيِّه ﷺ ، ورزَقَهما اللهُ بولد صالح، اسمع "عبد الله" وأنجب "عبد الله" تِسعةَ أولادٍ كلهم  حفظ القرآن ببركة دعوة الرسول ﷺ وجزاءً لهما على صبرِهما
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
"عروة بن الزبير" مات ابن له، وفي نفس الوقت أصابت الغرغرينا ساقه، وبترت ساقه، فقال: "اللهم إنه كان لي أطراف أربعة فأخذت واحدا وأبقيت ثلاثة فلك الحمد ، وكان لي بنون سبعة فأخذت واحدا وأبقيت لي ستًا فلك الحمد ، وايم الله لئن أخذت لقد أبقيت ، ولئن أبليت طالما عافيت .

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
عَطِيَّتُهُ إِذَا أَعْطَى سُرُورًا   ***   وَإِنْ أَخَذَ الذي أعطَى أَثَابَا
فَأَيُّ النعمتينِ أجلُّ قدرًا  ***    وَأَحْمَدُ  فِي عَوَاقِبِهَا مَآَبَا
أَنِعْمَتُهُ التي أَهْدَتْ سُرُورًا ؟  ***   أَمِ الأُخْرَى التي أَهْدَتْ ثَوَابَا ؟
بَلِ الأُخرَى وإِن نزلتْ بِكُرْهٍ  ***  أَحَقُّ بِشُكْرِ مَنْ صَبَرَ احتِسَابَا .

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

اذن هذه هي طبيعة بنى آدم: في الشدة "قنوط" وفي النعمة "كفور".
وهذا مثل قول الله تعالى في سورة "المعارج"
(إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا)
وهي في نفس الوقت اشارة الى أن أحوال الدنيا في تغير وتحول وانتقال.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(وَلَئِنۡ أَذَقۡنَٰهُ نَعۡمَآءَ بَعۡدَ ضَرَّآءَ مَسَّتۡهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ ٱلسَّيِّ‍َٔاتُ عَنِّيٓۚ إِنَّهُۥ لَفَرِح فَخُورٌ ﴿١٠﴾
تستمر الايات في ذكر طبيعة بنى آدم فيقول تعالى
(وَلَئِنۡ أَذَقۡنَٰهُ نَعۡمَآءَ بَعۡدَ ضَرَّآءَ مَسَّتۡهُ)
العكس: اذا كان هذا الإنسان في بلاء وضيق  ثم رفع الله عنه هذا البلاء، وبدل حاله من الشقاء الى النعمة.
مثل الصحة بعد المرض، والغتى بعد الفقر، والأمن بعد الخوف، والنجاح بعد الفشل.

(لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ ٱلسَّيِّ‍َٔاتُ عَنِّيٓ) يعنى يطمئن ويركن الى الدنيا (ذَهَبَ ٱلسَّيِّ‍َٔاتُ عَنِّيٓ)   
ذهبت المصائب الى غير رجعة، وسميت المصائب بالسيئات لأنها تسوء صاحبها.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(ِإنَّهُۥ لَفَرِح فَخُورٌ)
كما نقول عن شخص "فرحان بنفسه"
يعنى يتباهي ويتفاخر ويتخايل، وينسب هذا الحال التى تبدل الى نفسه، وينسي شكر الله على هذه النعمة
اذا كان فقيرًا ثم اصبح ذال مال، نسب ذلك الى شطارته.
اذا كان شخصًا مغمورًا ثم اصبح ذا شأن نسب ذلك نفسه، وهكذا.

(إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي)

(ِإنَّهُۥ لَفَرِح فَخُورٌ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(إِلَّا ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُم مَّغۡفِرَة وَأَجۡر كَبِير ﴿١١﴾
(إِلَّا ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ) سواء في الشدة أو الرخاء.
اذا أتتهم شدة من الدنيا يصبرون صبرًا جميل، والصبر الجميل هو الرضا بقضاء الله، وعدم التسخط.
هذا جاء كل أولاده اناثًا يحمد الله ويرضى بما قسمه الله
هذا أولاده ليسوا كما يريد
هذا لم يرزق بأولاد
يحمد الله تعالى، لو كشف الغطاء لاخترتم الواقع.
هذا لا تروق له زوجته، هذا أمر يحتاج الى صبر، ألا ينظر الى غير زوجته حتى وان كانت له تروق له زوجته. 
وهذه لا تحب زوجها، أن تخلص له، وتحفظه في ماله وعرضه.
هذا دخه محدود، هذا جيرانه يؤذونه، هذا زملائه في العمل يكيدون له، هذا عنده عله في جسده.
ليس هناك أحد يمشي على وجه الأرض الا وهو مبتلى
وهذا يحتاج من العبد الى الرضا بقضاء الله تعالى
وأن يعلم أن الله تعالى لا يأتي الا بخير.

(وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ) يعنى اذا كانوا في شدة لا يثنهم ذلك عن طاعة الله تعالى.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(إِلَّا ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ) أيضًا في الرخاء.
اذا أتتهم نعمة فانهم يصبرون علي هذه النعمة، فلا يستخدمون النعمة في معصية الله، ولكن يستخدمونها في طاعته تعالى.
(وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ) ولا تصرفهم النعمة وتلههم عن طاعة الله.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(أُوْلَٰٓئِكَ لَهُم مَّغۡفِرَة) يعنى: مَّغۡفِرَة لذنوبهم
الصبر على المكاره مغفرة للذنوب

"مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حَزَن وَلاَ أَذًى وَلاَ غمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُها إِلاَّ كفَّر اللَّه بهَا مِنْ خطَايَاه" متفقٌ عَلَيهِ.
وعمل الصالحات مغفرة للذنوب (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ)
(وَأَجۡر كَبِير) وهي الجنة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
 اذن هذه الآيات الكريمة هامة جدًا لأنها توضح طبيعة بنى آدم.
(وَلَئِنۡ أَذَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِنَّا رَحۡمَة ثُمَّ نَزَعۡنَٰهَا مِنۡهُ إِنَّهُۥ لَيَ‍ُٔوس كَفُور)
اذا أنعمنا على ٱلۡإِنسَٰانِ بنعمة من نعم الدنيا، فانه يكفر بهذه النعمة، بأن يستخدمها في معصية الله.
فاذا سلبنا مِنۡهُ هذه النعمة فانه ييأس ويقنط من رحمة الله، وينقم على ربه ويتسخط.

(وَلَئِنۡ أَذَقۡنَٰهُ نَعۡمَآءَ بَعۡدَ ضَرَّآءَ مَسَّتۡهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ ٱلسَّيِّ‍َٔاتُ عَنِّيٓۚ إِنَّهُۥ لَفَرِح فَخُورٌ)
والعكس اذا كان في بلاء، ورفع عنه هذا البلاء 
ينسب ذلك الى نفسه، ويختال ويتكبر ويفرح بنفسه، ويطمئن الى الدنيا

ثم استثنى تعالى (إِلَّا ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ)
(صَبَرُواْ) في الشدة أو الرخاء.
اذا أصابتهم شدة يرضون بقضاء الله تعالى.
واذا جائتهم نعمة يستخدمونها في طاعة الله

(وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ) أيضًا في الشدة أو الرخاء.
اذا كانوا في شدة لا تثنيهم الشدة عن الطاعة.
واذا كانوا في نعمة لا تلهيهم عن طاعة الله.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

وهذا نفس معنى السورة العظيمة، وهي سورة العصر: 
(وَالْعَصْرِ ۝ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ۝ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)

 

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇