Untitled Document

عدد المشاهدات : 844

الحلقة (574) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم تفسير وتدبر الآيات من (36) الى (41) من سورة "هًود" ) وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ ….

الحلقة رقم (574)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
تفسير وتدبر الآيات من (36) الى (41) من سورة "هًود"- ص 225
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُۥ لَن يُؤۡمِنَ مِن قَوۡمِكَ إِلَّا مَن قَدۡ ءَامَنَ فَلَا تَبۡتَئِسۡ بِمَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ ﴿٣٦﴾ وَٱصۡنَعِ ٱلۡفُلۡكَ بِأَعۡيُنِنَا وَوَحۡيِنَا وَلَا تُخَٰطِبۡنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِنَّهُم مُّغۡرَقُونَ ﴿٣٧﴾ وَيَصۡنَعُ ٱلۡفُلۡكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيۡهِ مَلَأ مِّن قَوۡمِهِۦ سَخِرُواْ مِنۡهُۚ قَالَ إِن تَسۡخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسۡخَرُ مِنكُمۡ كَمَا تَسۡخَرُونَ ﴿٣٨﴾ فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ مَن يَأۡتِيهِ عَذَاب يُخۡزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيۡهِ عَذَاب مُّقِيمٌ ﴿٣٩﴾ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَمۡرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ قُلۡنَا ٱحۡمِلۡ فِيهَا مِن كُلّ زَوۡجَيۡنِ ٱثۡنَيۡنِ وَأَهۡلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيۡهِ ٱلۡقَوۡلُ وَمَنۡ ءَامَنَۚ وَمَآ ءَامَنَ مَعَهُۥٓ إِلَّا قَلِيل ﴿٤٠﴾ ۞ وَقَالَ ٱرۡكَبُواْ فِيهَا بِسۡمِ ٱللَّهِ مَجۡرىٰهَا وَمُرۡسَىٰهَآۚ إِنَّ رَبِّي لَغَفُور رَّحِيم ﴿٤١﴾ 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُۥ لَن يُؤۡمِنَ مِن قَوۡمِكَ إِلَّا مَن قَدۡ ءَامَنَ فَلَا تَبۡتَئِسۡ بِمَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ ﴿٣٦﴾
بعد تسمائة وخمسون سنة من الدعوة التى لا تتوقف، أُوحِيَ الله -تعالى- إِلَىٰ نُوحٍ -عَلَيْهِ السَّلامُ- 
أَنَّهُۥ لَن يُؤۡمِنَ مِن قَوۡمِه إِلَّا مَن قَدۡ ءَامَنَ.
يقول تعالى
(فَلَا تَبۡتَئِسۡ بِمَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ)
وهذه مواساة من الله تعالى لنبيه نوح -عَلَيْهِ السَّلامُ-
لأن قوم نوح كانوا يؤذونه ايذاءًا شديدًا، يقول تعالى في سورة القمر
(وَقَالُوا مَجنُونٌ وَازدُجِرَ) 
يعنى كانوا يتهمونه بالجنون ويزجرونه، ولا يتركون له فرصة للكلام.
وروي أنهم كانوا يضربونه حتى يغشي عليه، فيتكرونه وهم يعتقدون انه قد مات.
وقيل تعاقب عليه ثلاثة أجيال، وكل جيل كان أسوأ من الجيل الذي قبله، 
لأن كل جيل كان يتربي على كراهية نوح وعلى ايذائه وعلى التنكيل به.
وكان الآباء يقولن لأبنائهم انظروا الى هذا الشيخ المجنون، 
وكانوا يأمرون ابنائهم بأن يسبونه ويلقون عليه الحجارة.
واستمر هذا الإيذاء الشديد تسمائة وخمسون سنة
ولذك فان الله تعالى -بعد كل هذا يواسي نوح -عَلَيْهِ السَّلامُ فيقول تعالى 

(فَلَا تَبۡتَئِسۡ بِمَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ)
يعنى لَا تحزن ولا تغتم، بِسبب مَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ من الإصرار على الكفر والتكذيب، والإيذاء لك وللمؤمنين.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ولما أُوحِيَ الله إِلَىٰ نُوحٍ-عَلَيْهِ السَّلامُ- أَنَّهُۥ لَن يُؤۡمِنَ مِن قَوۡمِه إِلَّا مَن قَدۡ ءَامَنَ
دعا نوح -عَلَيْهِ السَّلامُ- ربه وقال:كما في سورة نوح
(رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأرض مِنَ الكافرين دَيَّاراً  إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا)
اذن لم يدعوا نوح -عَلَيْهِ السَّلامُ- على قومه بالهلاك الا بعد أن أعلمه ربه بانه لَن يُؤۡمِنَ أحد مِن قَوۡمِه إِلَّا مَن قَدۡ ءَامَنَ.
فقال نوح (إنك إن تذرهم يضلوا عبادك) يعنى ان تركتهم فانهم يضلوا عبادك المؤمنين ويفتنونهم عن دينهم.
(ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا ) لن يلدوا الا كفارًا مثلهم.
اذن فبقائهم في الدنيا ليس له أي فائدة، بل على العكس، فان وجودهم شر لأنهم سيضلوا المؤمنين، ويلدوا كفارًا آخرين


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

ثم يقول تعالى (وَٱصۡنَعِ ٱلۡفُلۡكَ بِأَعۡيُنِنَا وَوَحۡيِنَا وَلَا تُخَٰطِبۡنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِنَّهُم مُّغۡرَقُونَ ﴿٣٧﴾
أمر الله تعالى نوح -عليه السلام- أن يصنع الفلك أي السفينة.
(بأَعۡيُنِنَا وَوَحۡيِنَا)
(بأَعۡيُنِنَا) يعنى تحت رعايتنا.
كما نقول فلان هذا تحت عينى، خليك عينك على الولد.
كما في قوله تعالى
(ولتصنع على عينى) يعنى تحت رعاينى. (فانك بأعيننا)
(وَوَحۡيِنَا) بتوجيهنا وإرشادنا وتعليمنا.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لماذا (بأَعۡيُنِنَا وَوَحۡيِنَا) ؟
لأن نوح لم يكن يعلم كيف تصنع السفينة.
بالرغم من أنه قيل أن نوح كان نجارًا، ولكن ربما كانت هذه هي أول سفينة على وجه الأرض، يعنى لم تكن السفن قد اخترعت قبل ذلك.

أو كان نجارًا وكنه لم يكن يعلم كيف تصنع السفينة.
أو لأن سفينة نوح كانت لها مواصفات خاصة:
لأنها سفينة ليس المطلوب منها سرعة الجري كما هو شأن بقية السفن، ولكن المطلوب منها الثبات وأن تحفظ ما بداخلها.

ولذلك لم يكن في السفينة وسائل لقيادة السفينة.
ويحب ان تكون كبيرة لأنها ستحمل المؤمنين وعدد من الحيوانات.
ويجب أن تكون مغطاة من أعلى حتى لا تغرق بمياه الأمطار.
وتكون فيها أماكن وأقفاص للحيوانات والطيور التى سيحملها معه في السفينة.
ويجب أن تبنى بحيث تتحمل الأمواج العالية، والعواصف، وكل الظواهر الطبيعية العنيفة التي ستصاحب الطوفان، 

قال تعالى بعد ذلك (وهي تجري بهم في موج كالجبال)
من أجل كل ذلك كان لابد أن يكون بناء السفينة (بأَعۡيُنِنَا وَوَحۡيِنَا)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يقول تعالى (وَلَا تُخَٰطِبۡنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِنَّهُم مُّغۡرَقُونَ)
يعنى وَلَا تراجعنى ولا تناقشنى في هؤلاء الكفار، وتطلب منى أن أعفو عنهم، أو أن أمهلهم مدة أخري.
يقول تعالى (إِنَّهُم مُّغۡرَقُونَ)
صدر حكمي وقضائى بإغراقهم بالطوفان ولا راد لقضائى.
وسيمر بنا قول الله -تعالى- في هذه السورة الكريمة 

(يإبراهيم أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جَاء أَمْرُ رَبّكَ وَإِنَّهُمْ اتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ)
وقوله تعالى (إِنَّهُم مُّغۡرَقُونَ) وأمر الله -تعالى- نوح بأن يصنع سفينة، أدرك نوح أن هناك طوفان عظيم سيقع.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(وَيَصۡنَعُ ٱلۡفُلۡكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيۡهِ مَلَأ مِّن قَوۡمِهِۦ سَخِرُواْ مِنۡهُۚ قَالَ إِن تَسۡخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسۡخَرُ مِنكُمۡ كَمَا تَسۡخَرُونَ ﴿٣٨﴾
امتثل نوح -عليه السلام- لأمر ربه، وشرع في صناعة السفينة، وتوقف عن دعوة قومه، ولكن قومه لم يتركونه في حاله، فكانوا كلما مروا به جعلوا يسخرون منه، 
فكانوا يقولون: يا نوح صرت نجارا بعد أن كنت نبيا.
وقيل قالوا له: ماذا تصنع؟ فيقول لهم اصنع سفينة. قالوا: وما السفينة؟ فيقول لهم: بيتًا يمشي على الماء. فكانوا يتضاحكون ويسخرون منه، 

ويقولون: أين الماء؟ تبنى سفينة في البر وتقول أنها تمشي في الماء.
فيقول لهم نوح: إِن تَسۡخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسۡخَرُ مِنكُمۡ كَمَا تَسۡخَرُونَ.
يعنى أنتم تسخرون منا، ونحن في المقابل نسخر من غفلتكم، 
لأنكم تروحون وتجيئون وتضحكون ولا تدركون ما ينتظركم من الموت بالغرق والطوفان.
وقوله تعالى
(فَإِنَّا نَسۡخَرُ مِنكُمۡ) يعنى أن نوح كان يعمل ومعه الجماعة المؤمنة

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ مَن يَأۡتِيهِ عَذَاب يُخۡزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيۡهِ عَذَاب مُّقِيمٌ ﴿٣٩﴾
ثم قال لهم نوح فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ من سينزل به عَذَاب يهينه ويذله، وهو الغرق في الطوفان.
(وَيَحِلُّ عَلَيۡهِ عَذَاب مُّقِيمٌ) يعنى عَذَاب دائم لا ينقضي، وهو عذاب الآخرة.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

هناك أثر موجود في كثير من كتب التفسير عن ابن عباس أنه قال كان نوح يُضرب ثم يُلفُّ في لِبْدٍ (قطعة من صوف) فيُلقى في بيته، يُرَوْن أنه قد مات، ثم يخرج فيدعوهم.
حتى إِذا يئس من إِيمان قومه، جاءه رجل ومعه ابنه وهو يتوكأ على عصاً، فقال: يا بني، انظر هذا الشيخ لايغررك، قال: ياأبت أمكني من العصا، فأخذها فضرب بها نوح حتى سالت الدماء على وجهه، فقال نوح" رب قد ترى مايفعل بي عبادك، فان يكن لك فيهم حاجة فاهدهم، وإِلا فصبِّرني إِلى أن تحكم، فأوحى الله إِليه (أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن.. الى قوله تعالى...  واصنع الفلك) قال: يارب، وما الفلك؟ قال: بيت من خشب يجري على وجه الماء أُنجّي فيه أهل طاعتي، وأُغْرِق أهل معصيتي، قال: يارب، وأين الماء؟ قال: إِني على ما أشاء قدير، قال: يارب، وأين الخشب؟ قال: اغرس الشجر، فغرس الساج عشرين سنة، وكفّ عن دعائهم، وكفُّوا عنه، إِلا أنهم يستهزئون به، فلما أدرك الشجر، أمره ربه، فقطعه وجفَّفَه ثم قال: يارب، كيف أتخذ هذا البيت؟ قال: أجعله على ثلاث صور، رأسه كرأس الطاووس، وجؤجؤه كجؤجؤ الطائر (يعنى كصدر الطير) وذنبه كذنب الديك، واجعلها مطبقة، وبعث الله إِليه جبريل يعلمه، وأوحى الله إِليه أن عجِّل عمل السفينة فقد اشتد غضبي على مَنْ عصاني، فاستأجر نجارين يعملون معه، وسام، وحام، ويافث، وفجَّرَ الله له عين القار تغلي غلياناً حتى طلاها.
ثم نحدث ابن عباس عن طولها وعرضها وارتفاعها، وانها ثلاثة طوابق، بحيث جعل الحيوانات في طابق والطيور في طابق والناس في طابق.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَمۡرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ قُلۡنَا ٱحۡمِلۡ فِيهَا مِن كُلّ زَوۡجَيۡنِ ٱثۡنَيۡنِ وَأَهۡلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيۡهِ ٱلۡقَوۡلُ وَمَنۡ ءَامَنَۚ وَمَآ ءَامَنَ مَعَهُۥٓ إِلَّا قَلِيل ﴿٤٠﴾
 (حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَمۡرُنَا) حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَمۡرُنَا بالطوفان واغراق قوم نوح واهلاكهم.
(وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ) أغلب المفسرون أن ٱلتَّنُّورُ هو الفرن الذي يخبز فيه، 
وكانت هذه هي العلامة التي جعلها الله تعالى لنوح ليعلم بداية الطوفان:
أن يخرج الماء من الفرن الذي يخبز فيه، فاذا رأي هذه العلامة يركب هو ومن معه من المؤمنين في السفينة، ويحمل الحيوانات الى السفينة.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقال البعض أن (ٱلتَّنُّورُ) هو وجه الأرض. (لغة)
و
(وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ) يعنى بدء خروج الماء من الأرض.
لأن الطوفان كان ماء منهمر من السماء وينابيع ماء تنفجر من الأرض.
قال تعالى في سورة القمر
(ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر * وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر)
فكأن العلامة التي بين الله وبين نوح، هو أن يبدأ خروج الماء من الأرض
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقال بعض المفسرين المعاصرين أن (فَارَ ٱلتَّنُّورُ) يعنى انفجار بركان، 
لأن كلمة
(فَارَ) تعنى الغليان ومن معاني (ٱلتَّنُّورُ) المكان العالى من الأرض، وهذا هو شكل البركان.
وعلى هذا فالعلامة التي جعلها الله تعالى لنوح هي أن ينفجر بركان كان موجود في المنطقة.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يقول تعالى (قُلۡنَا ٱحۡمِلۡ فِيهَا مِن كُلّ زَوۡجَيۡنِ ٱثۡنَيۡنِ) يعنى تحمل معك في السفينة 
من كل حيوان ذكر وأنثي، حتى يتكاثروا بعد رسو السفينة.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (وَأَهۡلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيۡهِ ٱلۡقَوۡلُ)
كلمة الأهل تشمل الزوجة والأولاد.
تحمل أهل بيتك
(إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ)
إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ من الله سبحانه وتعالى
يعنى الا من قال الله فيهم وقضى عليهم بأن يكونوا من الهالكين.
وهم زوجته، كانت كافرة، وأحد أبناءه الأربعة، 
وكان اسمه "كنعان" وقيل كان أسمه "يام" كان كافرًا.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (وَمَنۡ ءَامَنَۚ وَمَآ ءَامَنَ مَعَهُۥٓ إِلَّا قَلِيل)
 يعنى وَاحمل معك في السفينة مَن آمَنَ بك.
يقول تعالى
(وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيْلٌ)
يعنى عدد الذين آمنوا بنوح -عليه السلام- بعد تسعمائة وخمسون سنة من الدعوة، هو عدد قليل.
وهذه سنة من سنن الله في الكون، أن أهل الحق أقل دائمًا من أهل الباطل.
المسلمين الآن خمس العالم، وهذا الخمس خمسه من الشيعة،وهؤلاء -لا نقول أنهم غير مسلمين- ولكنهم على ضلال،

والمسلمين السنة القليل منهم ملتزم، وهذا القليل الملتزم منه
القليل جدًا الملتزم التزامًا حقيقيًا، وعلى سنة الرسول ﷺ

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيْلٌ)
واختلف في عدد هؤلاء القليل، فقيل كانوا سبعة فقط نوح وابناءه الثلاثة وزوجاتهم، 
وقيل كانوا عشرين، نوح وابناءه الثلاثة وزوجاتهم، وستة آخرين وزوجاتهم.
وقيل كانوا اثنين وسبعون، وقيل ثمانية وسبعون، وقيل كانوا ثمانون: اربعون رجلًا وأربعون امرأة.
وكان منهم ثلاثة من أبناء نوح وهم: سام وحام ويافث، وزوجاتهم.
وجاءت ذرية كل أهل الأرض بعد ذلك من هؤلاء الثلاثة فقط، 
قال تعالى
(وجعلنا ذريته هم الباقين) يعنى ذرية نوح فقط هم الذين تناسلوا وعمروا الأرض، 
وهذا يعنى أن بقية المؤمنين الذين كانوا في السفينة انقطع نسل.
وهذا يعنى أيضًا البشر في زمن نوح كانوا هم فقط قوم نوح، 
ولم يكن هناك بشر في أماكن أخري من الأرض.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇


(۞ وَقَالَ ٱرۡكَبُواْ فِيهَا بِسۡمِ ٱللَّهِ مَجۡرىٰهَا وَمُرۡسَىٰهَآۚ إِنَّ رَبِّي لَغَفُور رَّحِيم ﴿٤١﴾
يعنى وَقَالَ نوح للمؤمنين (ٱرۡكَبُواْ فِيهَا) ٱرۡكَبُواْ فِي السفينة
(بِسۡمِ ٱللَّهِ مَجۡرىٰهَا وَمُرۡسَىٰهَآ) يعنى قال نوح وأمر المؤمنين أن يقولوا عند ركوب السفينة (بِسۡمِ ٱللَّهِ مَجۡرىٰهَا وَمُرۡسَىٰهَآ)
ومعنى (بِسۡمِ ٱللَّهِ) يعنى أبدأ هذا العمل مستعينًا بالله، متوسلًا به، ملتمسًا لبركته تعالى.
فقول نوح (بِسۡمِ ٱللَّهِ مَجۡرىٰهَا وَمُرۡسَىٰهَآ) دعاء لله تعالى ان يحفظ السفينة وهي تجري في هذا الطوفان العظيم.
وأن يحفظها في ارسائها، وأن يختار لها المكان الذي ترسي فيه بعد انتهاء هذا الطوفان.

(مَجۡرىٰهَا) لا نقول "مجراها" ولا نقول "مجريها" 
ولكن تنطق (مَجۡرىٰهَا) بين الألف والياء
يطلق عليها الإمالة الكبري، يعنى تنطق في مكان متوسط بين الألف والياء 
والإمالة الصغري تكون أقرب الى الألف.
وليس هناك امالة صغري عند حفص، ولكن توجد امالة كبري واحدة، 
وهي هذه الكلمة (مَجۡرىٰهَا) ووضعوا لها علامة المعين الصغير تحت الراء. Rhombus 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَقَالَ ٱرۡكَبُواْ فِيهَا بِسۡمِ ٱللَّهِ مَجۡرىٰهَا وَمُرۡسَىٰهَآ) وقال - سبحانه - فى موضع آخر، 
في سورة الأعراف
(فَإِذَا استويت أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الفلك فَقُلِ الحمد للَّهِ الذي نَجَّانَا مِنَ القوم الظالمين * وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلاً مُّبَارَكاً وَأَنتَ خَيْرُ المنزلين)
وأخذ من ذلك العلماء أنه يستحب التسمية عند ابتداء الركوب، سواء سيارة أو سفينة أو طائرة أو دابة.
(إِنَّ رَبّى لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) لأنه لولا مغفرة الله لذنوبنا ورحمته بنا لما نجانا في السفينة.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

وقبل أن نستكمل الآيات نسأل هل عم الطوفان كامل الكرة الأرضية، 
أم أنه كان فقط في الجزء من الأرض الذي كان فيه قوم نوح؟
واذا كان في جزء من الأرض كيف لم يغرق كامل الأرض، 

والماء من خصائصه الاستطراق ؟
التوراة ذكرت أن طوفان نوح قد عم كل الأرض، 
ليس هذا فحسب فالتوراة تقول أن الطوفان غطي أعلى قمة جبل في العالم بعشرات الأمتار، 
معنى هذا أن عمق المياه التي غطت الأرض أكثر من تسعة كيلوا مترات.
بينما القرآن الكريم لم يذكر في موضع واحد أن طوفان نوح قد عم كل الأرض، 
بالرغم من أن قصة نوح وردت في القرآن الكريم في ثلاثة وأربعين موضعًا.
وما ذكرته التوراة -المحرفة- من أن الطوفان قد عم كل الأرض، 
وارتفع فوق قمم الجبال أمر غير علمي وغير منطقي:

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
غير علمي: لأن كمية المياه الموجودة في الأرض ثابتة لا تتغير، 
هناك دورة مياه: الماء يتبخر ثم يتكثف ثم يسقط، 
في هذه الدورة للمياه تعمل منذ ملايين السنين، 
كمية المياه في هذه الدورة لم تتغير منذ ملايين السنين،
فاين ذهبت هذه الكمية المهولة من المياه التي غطت كامل الكرة الأرضية، 
وارتفعت فوق أعلى قمة فيها كما جاء في التوراة؟!
وهذا جعل بعض العلماء الغربيون ينكرون تمامًا قصة نوح

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
فكون أن يعم الطوفان جميع الأرض أمر غير علمي، وأيضُا هو أمر غير منطقي، 
لأن البشر في زمن نوح اما أنهم كانوا فقط قوم نوح، 
أو أن هناك أقوام أخري في أماكن أخري من الأرض، 
فلو لم يكن هناك بشر في الأرض الا قوم نوح فقط، 
فلماذا يغرق الله كل الأرض، ويقضى على جميع الأحياء في الأرض؟ 
وإذا كان هناك بشر في أماكن أخري من الأرض، 
غير قوم نوح، فلماذا يهلكهم الله مع قوم نوح؟
ولذلك فنحن نقول إن الطوفان لم يعم كل الأرض، وانما كان فقط في المنطقة التي كان فيها قوم نوح، وهذه المنطقة كانت بين نهري دجلة والفرات.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وردًا على السؤال اذا كان الطوفان قد وقع في جزء من الأرض كيف لم يغرق كامل الأرض، والماء من خصائصه الاستطراق ؟
نقول: رأينا في التاريخ القريب حوادث التسوماني 
والتى يُغْرق فيها الماء منطقة محدودة من الأرض، وعلى سبيل المثال: 
حادث تسوماني الذي وقع في جنوب شرق آسيا في سنة 2004 ميلادية، وراح ضحيته أكثر من ربع مليون شخص.

اذن فليس هناك مانع أن يطغي الماء على قطعة محددة من الأرض، وأن يهلك البشر الموجودين في هذه القطعة المحددة من الأرض، 
وهذا هو ما حدث مع قوم نوح.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وهذا يجرنا الى سؤال آخر: هل حمل نوح معه في السفينة كل أنواع الأحياء؟
مرة أخري التوراة المحرفة ذكرت أن نوح –عليه السلام- قد حمل ذكرًا وأنثي من جميع أنواع الأحياء، وهذا أمر مستحيل لأن هذا يلزم أن يحمل زوجين من ملايين الأنواع الأحياء، ومرة أخري هذا جعل بعض العلماء الغربيون ينكرون تمامًا قصة نوح.

ولكن القرآن الكريم قال (قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْ) 
يعنى من كل حيوان تحمله، تحمل ذكر وأنثي، ولا يعنى كل أنواع الأحياء.
فالحيوانات التي حملها نوح معه في السفينة هي الحيوانات والطيور التي كانت موجودة في المنطقة التي حدث فيها الطوفان، والتي يحتاجها نوح بعد ذلك في معيشته بعد انتهاء الطوفان، فحمل نوح معه مثلًا: نعجة وكبش، دجاجة وديك، بقرة وثور، وهكذا.
ولكن لم يحمل نوح معه -مثلًا- أسد وأنثاه، أو فيل وأنثى الفيل، ولم يحمل ثعابين وعقارب وفئران وحشرات، لأن الطوفان لم يعم كل الأرض -كما ذكرنا- حتى تهلك هذه الأحياء.
وكل هذه الأحياء كانت في مواطنها بعيدة عن الطوفان، ولم تتاثر أو تشعر به.


        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇