|
الحلقة رقم (576)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)
تفسير وتدبر الآيات من (45) الى (49) من سورة "هًود"- ص 226
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَنَادَىٰ نُوح رَّبَّهُۥ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ٱبۡنِي مِنۡ أَهۡلِي وَإِنَّ وَعۡدَكَ ٱلۡحَقُّ وَأَنتَ أَحۡكَمُ ٱلۡحَٰكِمِينَ ﴿٤٥﴾ قَالَ يَٰنُوحُ إِنَّهُۥ لَيۡسَ مِنۡ أَهۡلِكَۖ إِنَّهُۥ عَمَلٌ غَيۡرُ صَٰلِحٖۖ فَلَا تَسَۡٔلۡنِ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۖ إِنِّيٓ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلۡجَٰهِلِينَ ﴿٤٦﴾ قَالَ رَبِّ إِنِّيٓ أَعُوذُ بِكَ أَنۡ أَسَۡٔلَكَ مَا لَيۡسَ لِي بِهِۦ عِلۡمٞۖ وَإِلَّا تَغۡفِرۡ لِي وَتَرۡحَمۡنِيٓ أَكُن مِّنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ ﴿٤٧﴾ قِيلَ يَٰنُوحُ ٱهۡبِطۡ بِسَلَٰمٖ مِّنَّا وَبَرَكَٰتٍ عَلَيۡكَ وَعَلَىٰٓ أُمَمٖ مِّمَّن مَّعَكَۚ وَأُمَمٞ سَنُمَتِّعُهُمۡ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٞ ﴿٤٨﴾ قِيلَ يَٰنُوحُ ٱهۡبِطۡ بِسَلَٰم مِّنَّا وَبَرَكَٰتٍ عَلَيۡكَ وَعَلَىٰٓ أُمَم مِّمَّن مَّعَكَۚ وَأُمَم سَنُمَتِّعُهُمۡ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيم ﴿٤٨﴾ تِلۡكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلۡغَيۡبِ نُوحِيهَآ إِلَيۡكَۖ مَا كُنتَ تَعۡلَمُهَآ أَنتَ وَلَا قَوۡمُكَ مِن قَبۡلِ هَٰذَاۖ فَٱصۡبِرۡۖ إِنَّ ٱلۡعَٰقِبَةَ لِلۡمُتَّقِينَ ﴿٤٩﴾
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ما زالت الآيات الكريمة تتناول قصة نوح
وقد قلنا أن سورة "هود" التي معنا هي أكثر سورة تناولت قصة نوح -عليه السلام-
وانتهينا في الحلقة السابقة حين نادي نوح -عليه السلام- ابنه النداء الأخير.
وقال (يَٰبُنَيَّ ٱرۡكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ ٱلۡكَٰفِرِينَ) ولكن ابن نوح، وهو أحد أبناءه الأربعة، أصر على الكفر، وقال (سََٔاوِيٓ إِلَىٰ جَبَل يَعۡصِمُنِي مِنَ ٱلۡمَآءِ) وانتهي الأمر بقوله تعالى (وَحَالَ بَيۡنَهُمَا ٱلۡمَوۡجُ فَكَانَ مِنَ ٱلۡمُغۡرَقِينَ) وقلنا أن هذا من رحمة الله بنبيه نوح -عليه السلام- حتى لا يري ابنه وهو يغرق، ثم رست السفينة بعد نهاية الطوفان على جبل ٱلۡجُودِيِّ كما اخبر القرآن العظيم.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يقول تعالى (وَنادَىٰ نُوح رَّبَّهُۥ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ٱبۡنِي مِنۡ أَهۡلِي وَإِنَّ وَعۡدَكَ ٱلۡحَقُّ وَأَنتَ أَحۡكَمُ ٱلۡحَٰكِمِينَ ﴿٤٥﴾
(وَنادَىٰ نُوح رَّبَّهُ)
(وَنادَىٰ) يعنى دعا نُوح رَّبَّهُ كان بتضرع واستعطاف ورجاء.
مثل قوله تعالى (ونادي في الظلمات أن لا إله الا أنت سبحانك اني كنت من الظالمين)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَنادَىٰ نُوح رَّبَّهُ: رَبِّ إِنَّ ٱبۡنِي مِنۡ أَهۡلِي وَإِنَّ وَعۡدَكَ ٱلۡحَقُّ)
يعنى نوح قال: يا رب إِنَّ ٱبۡنِي مِنۡ أَهۡلِي، وأنت وعدتنى بنجاة أهلى، قلت (وأهلك)
(وَإِنَّ وَعۡدَكَ ٱلۡحَقُّ) وأنت يارب اذا وعدت فلا يمكن ان تخلف الوعد
(وَأَنتَ أَحۡكَمُ ٱلۡحَٰكِمِينَ) وَأَنتَ أَحۡكَمُ وأعدل من يحكم.
كأن نوح يريد ان يقول: كيف غرق ابني يا رب، وانت وعدت بنجاة أهلي؟
ولكن لم يقل نوح هذا بصيغة مباشرة تدأبًا مع الله تعالى وحياء منه، وهذا هو ادب الأنبياء في مخاطبتهم الله عز وجل.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ولكن هل وعد الله -تعالى- نوح بنجاة أهله.
قال تعالى (وَأَهۡلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيۡهِ ٱلۡقَوۡلُ)
اذن فالله تعالى استثني وقال (إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيۡهِ ٱلۡقَوۡلُ)
يعنى: إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيۡهِ ٱلۡقَوۡلُ منى بالهلاك.
ولكن عاطفة الأبوة جعلت نوح ينسي قوله تعالى (إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيۡهِ ٱلۡقَوۡلُ) ولم يتذكر الا قوله تعالى (وَأَهۡلَكَ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
أو أن الله -تعالى- عندما اوحي الى نوح وقال له: (وَأَهۡلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيۡهِ ٱلۡقَوۡلُ) اعتقد نوح أن (مَن سَبَقَ عَلَيۡهِ ٱلۡقَوۡلُ) هم الكافرين من قومه، وليس الإستثناء من أهل بيته.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
قول الله تعالى (إِنَّ ٱبۡنِي مِنۡ أَهۡلِي) أخذ منها الفقهاء أن الابن من الأهل فمن وصى لأهله دخل في ذلك ابنه
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(قَالَ يَٰنُوحُ إِنَّهُۥ لَيۡسَ مِنۡ أَهۡلِكَۖ إِنَّهُۥ عَمَلٌ غَيۡرُ صَٰلِحٖۖ فَلَا تَسَۡٔلۡنِ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۖ إِنِّيٓ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلۡجَٰهِلِينَ ﴿٤٦﴾
(قَالَ يَٰنُوحُ إِنَّهُۥ لَيۡسَ مِنۡ أَهۡلِكَ)
يعنى أنت يا نوح تقول (إِنَّ ٱبۡنِي مِنۡ أَهۡلِي) ولكن الحقيقة أنه ليس من أَهۡلِكَ، لأنه بالكفر قد قطع الصلة التي بينك وبينه.
ولذلك قال تعالى في موضع آخر (وَنُوحًا إِذْ نَادَىٰ مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ)
(وَأَهْلَهُ) هنا ليست أهل بيته، ولكن (أَهْلَهُ) يعنى المؤمنين، فَنَجَّيْنَاهُ وَالمؤمنين به مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ.
فاهلك يا نوح هم أهل دينك وليس أهل نسبك.
فإذن مدار الأهلية هي أهلية الدين، وليست أهلية النسب.
بدليل أن الإبن الكافر لا يرث من أبوه المؤمن، والعكس إذا كان الإب كافر لا يرث من ابنه المؤمن، واذا كفر الزوج أو الزوجة يفرق بينهما.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقال البعض أن قوله تعالى (إِنَّهُۥ لَيۡسَ مِنۡ أَهۡلِكَ) اخبار من الله تعالى لنوح بأن هذا الذي غرق في الطوفان، ليس ابنًا له، وانما هو لد زنا جاءت به زوجته الكافرة من سفاح.
والى جانب هذه الآية احتجوا بقول الله تعالى في سورة التحريم:
(ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وجمهور العلماء على انه كان ابنه من صلبه، وأنه يجب أن نصون مقام الأنبياء عن هذه الفضيحة.
قال ابن عباس وغيره: مَا زنت امْرَأَةُ نَبِيٍّ قَطُّ، فإن الله -تعالى- أغير من أن يمكن امرأة نبى من الفاحشة.
وقالوا أن قوله تعالى في سورة (التحريم) (فخانتاهما) ليست خيانة الفراش، ولكنها خيانة الدين.
ومن خيانتهما أن امرأة نوح كانت تخبر قومها بأنه مجنون، وامرأة لوط كانت تدل قومها على الأضياف الذين يدخلون بيت لوط.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقال الفريق الأول الذي لا يستبعد أن يكون الذي غرق ليس ابنًا لنوح:
ليس بعد الكفر ذنب، يعنى الكفر أعظم من الزنا، وامرأة نوح قد ضربها الله مثلًا للكفر، قال تعالى (ضرب الله مثلًا للذين كفروا امرأة نوح) فاذا كانت قد ارتكبت الذنب الأكبر وهو الكفر، فلماذا نستبعد أن ترتكب الذنب الأقل منه وهو الزنا.
وردوا عليهم وقالوا أن كفر المرأة يعود عليها وحدها، أما اذا زنت المرأة فان ذلك يكون فضيحة وعارًا على زوجها.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ومما احتج الفريق الذي لا يستبعد أن يكون هذا الإبن جاء من زنا، أن الرسول في حادثة الإفك عندما تحدث المنافقون عن أمنا عائشة وأتهموها بالزنا، تغير الرسول مع زوجته عائشة، ولو كان الرسول ﷺ يعلم أن نساء الأنبياء معصومات من الزنا ما تغير مع أمنا عائشة، ثم لما جلس معها ومع أبيها أبو بكر وأمها، حمد الله وأثنى عليه ثم قال: "يا عائشة ان كنت قارفت سوءًا فتوبي الى الله"
فاذا كان الرسول ﷺ يعلم أن نساء الأنبياء لا يمكن أن يقع منهن الزنا ما قال لها ذلك
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
الخلاصة أن جمهور العلماء على ان هذا الإبن الذي غرق في الطوفان هو ابنه لصلبه،
وأن قوله تعالى (إِنَّهُۥ لَيۡسَ مِنۡ أَهۡلِكَ)
أن مدار الأهلية هي أهلية الدين، وليست أهلية النسب.
ولكن هناك فريق آخر من العلماء، لا يجزمون ولكن لا يستبعدون أن يكون
الذي غرق ليس ابنًا من صلب نوح عليه السلام
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(قَالَ يَٰنُوحُ إِنَّهُۥ لَيۡسَ مِنۡ أَهۡلِكَۖ إِنَّهُۥ عَمَلٌ غَيۡرُ صَٰلِح)
كان الظاهر أن نقول: إِنَّهُۥ ذو عَمَل غَيۡرُ صَٰلِح، ولكن اذا قال: (إِنَّهُۥ عَمَلٌ غَيۡرُ صَٰلِح)
كأنه من كثرة ذنوبه، ومنن كثرة فساده، ومن كثرة ما ارتكب من أعمال غير صالحة، أصبح هوه نفسه عمل غير صالح.
كما نقول رجل عدل، وليس رجل عادل، كأن العدل متجسد فيه.
فحين نقول: (عَمَلٌ غَيۡرُ صَٰلِح) كأن الأعمال الغير صالحة متجسدة فيه
كأنه هو نفسه بشحمه ولحمه عمل غير صالح.
اذن (عَمَلٌ) بالتنوين للمبالغة.
لأنه ابن نبي ومع ذلك كان مصرًا على الكفر والتكذيب.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقرأت (إِنَّهُۥ عَمَلَ غَيۡرُ صَٰلِح) بدون تنوين.
على تقدير: إِنَّهُۥ عمل عملا غير صالح وهو الكفر، والقراءة الأولى أبلغ،
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقيل أن المعنى أن سؤالك أني أنجي هذا الكافر هو (عَمَلٌ غَيۡرُ صَٰلِح) لا أرضاه لك.
وقال البعض (عَمَلٌ غَيۡرُ صَٰلِح) يعنى جاء من عَمَلٌ غَيۡرُ صَٰلِح، يعنى جاء من سفاح
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(فَلَا تَسَۡٔلۡنِ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌ)
يعنى لا تسألنى عن اسباب أفعالى التى أخفي علمها عن الناس.
لا تسألني عن حكمتي في قضائي.
يا رب لك حكمة في فعلك هذا.
لا يجوز لنوح ولا لغيره أن يسأل الله عن ذلك.
قال تعالى في سورة الأنبياء (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون)
لا أحد يسأل الله عما يفعل بخلقه، لأنهم خلقه وعبيده..
ولكن لا غبار على الأنبياء حين يربيِّهم ربُّهم.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(إِنِّيٓ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلۡجَٰهِلِينَ ﴿٤٦﴾
(إِنِّيٓ أَعِظُكَ) يعنى: إِنِّيٓ أَحذرك وأنهاك.
كما في قوله تعالى (يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبداً) يعنى يحذرّكم وينهاكم
(أَن تَكُونَ مِنَ ٱلۡجَٰهِلِينَ) يعنى أن تقع في هذه المعصية،
وهي أن تسأل الله -تعالى- عن حكمته في أفعاله.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(قَالَ رَبِّ إِنِّيٓ أَعُوذُ بِكَ أَنۡ أَسَۡٔلَكَ مَا لَيۡسَ لِي بِهِۦ عِلۡمٞۖ وَإِلَّا تَغۡفِرۡ لِي وَتَرۡحَمۡنِيٓ أَكُن مِّنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ ﴿٤٧﴾
هنا نوح عليه السلام يستغفر الله تعالى لأنه سأل ربه سؤالًا ما كان ينبغي أن يساله.
وقبل أنت يستغفر نوح ربه، قال (رَبِّ إِنِّيٓ أَعُوذُ بِكَ أَنۡ أَسَۡٔلَكَ مَا لَيۡسَ لِي بِهِۦ عِلۡمٞۖ)
يعنى يا رب أن أستعين بك وأستجير بك، وأحتمى بجنابك، من أن أقع في هذه المعصية،
وهي أَنۡ أَسَۡٔلَكَ مَا لَيۡسَ لِي بِهِۦ عِلۡمٞ.
لأنك يا رب ان لم تعني على ذلك وقعت في المعصية.
وهذا مثل قول يوسف (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ﴾
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَإِلَّا تَغۡفِرۡ لِي) وَإِلَّا تَغۡفِرۡ لِي ما فرط منى من قول.
(وَتَرۡحَمۡنِيٓ) وَتَرۡحَمۡنِيٓ برحمتك الواسعة التى وسعت كل شئ .
(أَكُن مِّنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ) أَكُن مِّنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ خسرانًا مينًا .
نفس توبة آدم (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(قِيلَ يَٰنُوحُ ٱهۡبِطۡ بِسَلَٰم مِّنَّا وَبَرَكَٰتٍ عَلَيۡكَ وَعَلَىٰٓ أُمَم مِّمَّن مَّعَكَۚ وَأُمَم سَنُمَتِّعُهُمۡ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيم ﴿٤٨﴾
يبشر الله -تعالى- نوح -عليه اسلام- بقبول توبته، فقال تعالى:
(قِيلَ يَٰنُوحُ) وكان الظاهر أن يقول: قال يا نوح، ولكن جاء التعبير بقيل ، مسايرة للتعبيرات السابقة فى القصة: (وَقِيلَ يا أرض ابلعي مَآءَكِ)) وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظالمين)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(قِيلَ يَٰنُوحُ ٱهۡبِطۡ بِسَلَٰم مِّنَّا) يعنى ٱهۡبِطۡ من السفينة الى الأرض،
أو اهبط من الجبل الى سفح الجبل.
بسلامة وأمن واطمئنان من الله تعالى.
وحرف (مِّنَّا) لتأكيد هذه السلامة.
(وَبَرَكَٰتٍ عَلَيۡكَ وَعَلَىٰٓ أُمَم مِّمَّن مَّعَكَۚ)
(بَرَكَٰتٍ) يعنى وخيرات ونعم كثيرة
وقوله (بَرَكَٰتٍ عَلَيۡكَ)
حتى يطمئن نوح على أسباب معيشته بعد الطوفان
لأن الطوفان دمر كل شيء، فلم يعد هناك نبات أو حيوان أو بيوت يسكنوا فيها
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يقول تعالى (وَعَلَىٰٓ أُمَم مِّمَّن مَّعَكَۚ)
لم يكن مع نوح أمم، ولكن عدد قليل من المؤمنين كما قال تعالى (وما آمن معه الا قليل)
ولكن المقصود الأمم التي سـتأتي من ذريته بعد ذلك، الأمم التي في صلب أبناءه
لأن كل البشر بعد الطوفان جاء من ذرية نوح
قال تعالى (وجعلنا ذريته هم الباقين)
ولذلك قالوا ان نوح هو الأب الثاني للبشرية.
وقالوا هو آدم الأصغر
لأن كل البشرية جاءت من أبنائه الثلاثة المؤمنين الذين كانوا معه في السفينة
بينما انقطع نسل باقي المؤمنين الذين كانوا في السفينة.
وهؤلاء الثلاثة هم: سام وحام ويافث
وقيل أنهم بعد هبوطهم سكن "يافث" شمال غرب الأرض، وجاء
من نسله الأوروربين والصينيين وكل شعوب جنوب وشرق وشمال آسيا
وسكن "سام" اليمن وجاء من نسله العرب والفرس.
وسكن "حام" افريقيا، وجاء من نسله الأفارقة والهنود وكل أصحاب البشرات الداكنة.
وروي عن النبي ﷺ أنه قال: "سامُ أبو العَربِ، وحامُ أبو الحبَشِ، ويافِثُ أبو الرُّومِ" والحديث ضعيف
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ولذلك فقوله تعالى (وَعَلَىٰٓ أُمَم مِّمَّن مَّعَكَۚ)
ليس المقصود أمم مع نوح، ولكن أمم في صلب أبناءه ستأتي بعد ذلك..
ومن البركات تكثير ذريته حتى ملأت هذا العالم.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَأُمَم سَنُمَتِّعُهُمۡ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيم) وهناك أُمَمٌ أخري
ستأتي من ذريتك كافرة سَنُمَتِّعُهُمْ في الدنيا (سيأخذون رزقهم في الدنيا)
ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ يوم القيامة.
أنه سيأتي بعد ذلك "عاد" و"هود" وقوم لوط وغيرهم من الأمم الكافرة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(تِلۡكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلۡغَيۡبِ نُوحِيهَآ إِلَيۡكَۖ مَا كُنتَ تَعۡلَمُهَآ أَنتَ وَلَا قَوۡمُكَ مِن قَبۡلِ هَٰذَاۖ فَٱصۡبِرۡۖ إِنَّ ٱلۡعَٰقِبَةَ لِلۡمُتَّقِينَ ﴿٤٩﴾
(تِلۡكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلۡغَيۡبِ نُوحِيهَآ إِلَيۡكَ) هذه القصة، وهي قصة نوح مع قومه (مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلۡغَيۡبِ) والنبأ هو الخبر المهم.
لأن قصة نوح كانت من أهم الأحداث التي مرت بالأرض.
ليس فقط لأنه حدث عظيم خارق للعادة لم يحدث الا مرة واحدة.
ولكن لأن هذا الطوفان نقي البشرية من الجينات الشريرة التي كانت في هذه المجموعة من الأشرار التى غرقت في الطوفان
ولولا هذه التنقية والتي حدثت في تاريخ مبكر من عمر البشرية لكانت الحياة على الأرض جحيمًا لا يطاق.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(تِلۡكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلۡغَيۡبِ نُوحِيهَآ إِلَيۡكَ) لا يمكن أن تعرف الا عن طريق الوحي.
لأن نوح -كما ذكرنا- كان في عصر ما قبل التاريخ، يعنى عصر ما قبل الكتابة، فلم يدون اي شيء من الأحداث التى وقعت في هذه.
(مَا كُنتَ تَعۡلَمُهَآ أَنتَ وَلَا قَوۡمُكَ مِن قَبۡلِ هَٰذَا)
يعنى مَا كُنتَ تَعۡلَم أَنتَ وَلَا قَوۡمُكَ من العرب، هذه القصة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وبالرغم من أن قصة نوح وردت في التوراة في سفر التكوين، بل ووردت في الديانات الهندية الوثنية، تحت اسم "مانو"
ولكن مع ذلك فان قصة نوح -عليه السلام- من الإعجاز الغيبي في القرآن الكريم.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لأن قصة نوح كما جائت في القرآن، فيها بعض الإختلافات عن التوراة.
وتأتي المعطيات الحديثة فتثبت صحة ما جاء في القرآن، وخطأ وعدم صحة ما جاء في التوراة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
من ذلك مثلًا، أن التوراة ذكرت أن سفينة نوح قد رست على "جبال أراراط"
بينما ذكر القرآن أن سفينة نوح رست على "الجودي"
وبعد عدة قرون كثيرة من نزول القرآن تم اكتشاف بقايا سفينة نوح على جبل الجودي
كما أخبر القرآن الكريم، وهو جبل موجود في أقصى جنوب تركيا، واسمه بالتركية Cudi
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ذكرت التوراة أن الطوفان عم كل الأرض، وأنه أرتفع فوق أعلى جبل بعدة أذرع
ومعنى هذا أن عمق المياه فوق اليابسة كان يزيد عن تسعة كيلوا مترات.
بينما لم يذكر القرآن العظيم أن الطوفان قد عم كل الأرض.
ويأتي العلم فيقول باستحالة أن تغطي المياه كامل الأرض.
لأن كمية المياه الموجودة في دورة المياه التي تعمل في الأرض منذ ملايين السنين ثابتة
لا تتغير، فأين ذهبت هذه الكمية المهولة من المياه التي غطت الأرض وارتفعت فوق قمة أعلى جبل في الأرض.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ذكرت التوراة أن نوح -عليه السلام- حمل معه كل أنواع الأحياء التي في الأرض.
بينما لم يذكر القرآن أن نوح -عليه السلام- حمل معه كل أنواع الأحياء التي في الأرض.
وانما ذكر أن الله أمره أن يحمل ذكر وأنثي من كل حيوان يحمله معه في السفينة
فحمل معه نوح حمل مع ذكر وأنثي من الحيوانات التي كانت موجودة في المنطقة التي وقع فيها الطوفان، والتي سيحتاج اليها وينتفع بها بعد انتهاء الطوفان.
ويأتي العلم فيقول باستحالة أن تحمل سفينة مهما كان حجمها ذكر وأنثي من كل أنواع الأحياء التي في الأرض، لأن هذا يلزم حمل ملايين الأنواع من الأحياء.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اذن قول الله تعالي (تِلۡكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلۡغَيۡبِ نُوحِيهَآ إِلَيۡكَۖ مَا كُنتَ تَعۡلَمُهَآ أَنتَ وَلَا قَوۡمُكَ مِن قَبۡلِ هَٰذَا) ليس فقط لأن هذا العلم بأخبار الأمم السابقة، لم يكن موجودًا عند العرب وانما كان موجودًا عند اليهود.
وانما أيضًا لأن القرآن العظيم جاء فصوب ما تعرضت له نصوص التوراة من تحريفات.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ولذلك فان قصة نوح كما جاءت في القرآن العظيم فيها الرد المفحم على من اتهموا الرسول ﷺ بأنه نقل أخبار الأنبياء من الكتب السابقة، وما زال الى الآن بعض أعداء الإسلام يرددون هذا الكلام، فيقولون أن محمد ﷺ قد نقل قصص الأنبياء التي وردت في القرآن من التوراة، والتوراة كانت موجودة في جزيرة العرب، لأنه كان هناك يهود في الجزيرة العربية
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وهم قالوا ذلك محتجين الى التشابه بين الأخبار التي وردت في التوراة وبين ما جاء في القرآن العظيم،
وهذا التشابه لأن بعض الأخبار التي وردت في التوراة قد بقيت دون تحريف،
والإسلام لم يقل إن الكتب السابقة قد حرفت بالكامل،
بل هناك جزء حُرِّفَ أو أخفي عمدًا مثل صفة الرسول ﷺ،
وهناك أجزاء أخري كتبت بالخطأ نتيجة ضياع الأصول أو النسيان لأن التوراة كتبت بعد وفاة موسي بثمانية قرون،
وهناك أجزاء نجت من التحريف
ولذلك قال الرسول ﷺ في الصحيح "إذا حدَّثَكم أَهلُ الْكتابِ فلا تصدِّقوهم ولا تُكذِّبوهم فإمَّا أن يحدِّثوكم بحقٍّ فتُكذِّبوهُ وإمَّا أن يحدِّثوكم بباطلٍ فتصدِّقوهُ"
فقول الرسول ﷺ (فإمَّا أن يحدِّثوكم بحقٍّ) يعنى هناك أخبار صحيحة.
ولذلك أمرنا الرسول ألا نكذب ولا نصدق
لأننا ممكن أن نكذب خبر صحيح، ويمكن أن نصدق خبر كاذب.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اذن هم يتهمون الرسول ﷺ بأنه نقل أخبار الأمم الماضية من التوراة
لأن هناك تشابه بين القصص في القرآن والتوراة.
والرد على ذلك أن هذا التشابه لأن هناك أجزاء في التوراة نجت من التحريف.
بل على العكس هذا التشابه يجب أن يكون دليلًا على صدق الرسول ﷺ
لأن الرسول ﷺ كان اميًا لم يقرأ كتابًا ولم يجلس الى معلم
حتى يتهم بأنه قد نقل من كتب سابقة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
أما الاختلافات بين قصة نوح كما وردت في القرآن وبين قصة نوح كما وردت في التورة
فهي أيضًا دليل ورد مفحم على من اتهموا الرسول ﷺ بأنه نقل أخبار الأنبياء من الكتب السابقة.
لأن هناك اختلافات دقيقة بين القصة كما وردت في التوراة، وبين القصة كما ورد في القرآن.
قلنا إن التوراة ذكرت في "سفر التكوين" أن سفينة نوح رست بعد انتهاء الطوفان على جبال "أراراط" وجاء القرآن وقال (واستوت على الجودي)
فاذا كان محمد ﷺ ينقل القصة من التوراة، لماذا يغير مكان إرساء السفينة من "أراراط" الى "الجودي"؟
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
بل ان ذكر مكان إرساء سفينة نوح وهو جبل الجودي، جاء على غير عادة القرآن
لأن القرآن في كل القصص والأخبار لا يهتم بذكر التفصيلات التي لا أهمية لها.
فمثلًا في قصة نوح لم يذكر القرآن طول السفينة وعرضها وارتفاعها، ولا الفترة التي ظل فيها نوح مع المؤمنين في السفينة، أو اسم ابنه الكافر، ولم يذك أين عاش قوم نوح قبل الطوفان وبعد الطوفان.
ومع ذلك اهتم القرآن بذكر المكان الذي استقرت عليه السفينة، وهذا أمر ملفت للنظر.
ولكن القرآن ذكر مكان إرساء السفينة، حتى يصوب الخطأ الذي ورد في التوراة.
وليكون هذا دليلًا على تحريف التوراة، وعلى أن هذا القرآن العظيم حفظه الله تعالى من التحريف.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
نفس هذا الكلام نقوله على ما ذكرته التوراة من أن الطوفان قد عم كل الأرض وأن نوح حمل معه كل أنواع الأحياء
وخالف القرآن التوراة في ذلك
وهذا دليل على أن الرسول لم يأت بأخبار الأمم السابقة من الكتب السابقة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يقول تعالى (فَٱصۡبِرۡۖ إِنَّ ٱلۡعَٰقِبَةَ لِلۡمُتَّقِينَ)
والعبرة والخلاصة من قصة نوح هي: (فَٱصۡبِرۡۖ إِنَّ ٱلۡعَٰقِبَةَ لِلۡمُتَّقِينَ)
ودائمًا العبرة في قصص القرآن تكون في الآية الأخيرة من القصة.
(فَٱصۡبِرۡۖ إِنَّ ٱلۡعَٰقِبَةَ لِلۡمُتَّقِينَ) فَٱصۡبِرۡ صبرًا جميلًا على تبليغ رسالة ربك، وما تلقي في سبيل ذلك من اذي قومك كما صبر -نوح- عليه السلام.
(إِنَّ ٱلۡعَٰقِبَةَ لِلۡمُتَّقِينَ) العاقبة الحسنة الطيبة فى الدنيا والآخرة ، لِلۡمُتَّقِينَ.
العاقبة في الدنيا هي النصر والظفر والتمكين والسعادة للمؤمنين كما حدث مع مؤمني قوم نوح، وفي الآخرة الجنة والخلود فيها.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"
لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
|
