الحلقة رقم (582)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
تفسير وتدبر الآيات من (84) الى (95) من سورة "هًود"- ص 231
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(۞ وَإِلَىٰ مَدۡيَنَ أَخَاهُمۡ شُعَيۡباۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ وَلَا تَنقُصُواْ ٱلۡمِكۡيَالَ وَٱلۡمِيزَانَۖ إِنِّيٓ أَرَىٰكُم بِخَيۡر وَإِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡم مُّحِيط ﴿٨٤﴾ وَيَٰقَوۡمِ أَوۡفُواْ ٱلۡمِكۡيَالَ وَٱلۡمِيزَانَ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَلَا تَبۡخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشۡيَآءَهُمۡ وَلَا تَعۡثَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِينَ ﴿٨٥﴾ بَقِيَّتُ ٱللَّهِ خَيۡر لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَۚ وَمَآ أَنَا۠ عَلَيۡكُم بِحَفِيظ ﴿٨٦﴾ قَالُواْ يَٰشُعَيۡبُ أَصَلَوٰتُكَ تَأۡمُرُكَ أَن نَّتۡرُكَ مَا يَعۡبُدُ ءَابَآؤُنَآ أَوۡ أَن نَّفۡعَلَ فِيٓ أَمۡوَٰلِنَا مَا نَشَٰٓؤُاْۖ إِنَّكَ لَأَنتَ ٱلۡحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ ﴿٨٧﴾ قَالَ يَٰقَوۡمِ أَرَءَيۡتُمۡ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَة مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنۡهُ رِزۡقًا حَسَناۚ وَمَآ أُرِيدُ أَنۡ أُخَالِفَكُمۡ إِلَىٰ مَآ أَنۡهَىٰكُمۡ عَنۡهُۚ إِنۡ أُرِيدُ إِلَّا ٱلۡإِصۡلَٰحَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُۚ وَمَا تَوۡفِيقِيٓ إِلَّا بِٱللَّهِۚ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَيۡهِ أُنِيبُ ﴿٨٨﴾ وَيَٰقَوۡمِ لَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شِقَاقِيٓ أَن يُصِيبَكُم مِّثۡلُ مَآ أَصَابَ قَوۡمَ نُوحٍ أَوۡ قَوۡمَ هُودٍ أَوۡ قَوۡمَ صَٰلِح وَمَا قَوۡمُ لُوط مِّنكُم بِبَعِيد ﴿٨٩﴾ وَٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِۚ إِنَّ رَبِّي رَحِيم وَدُود ﴿٩٠﴾ قَالُواْ يَٰشُعَيۡبُ مَا نَفۡقَهُ كَثِيرا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَىٰكَ فِينَا ضَعِيفاۖ وَلَوۡلَا رَهۡطُكَ لَرَجَمۡنَٰكَۖ وَمَآ أَنتَ عَلَيۡنَا بِعَزِيز ﴿٩١﴾ قَالَ يَٰقَوۡمِ أَرَهۡطِيٓ أَعَزُّ عَلَيۡكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَٱتَّخَذۡتُمُوهُ وَرَآءَكُمۡ ظِهۡرِيًّاۖ إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعۡمَلُونَ مُحِيط ﴿٩٢﴾ وَيَٰقَوۡمِ ٱعۡمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمۡ إِنِّي عَٰمِل سَوۡفَ تَعۡلَمُونَ مَن يَأۡتِيهِ عَذَاب يُخۡزِيهِ وَمَنۡ هُوَ كَٰذِب وَٱرۡتَقِبُوٓاْ إِنِّي مَعَكُمۡ رَقِيب﴿٩٣﴾ وَلَمَّا جَآءَ أَمۡرُنَا نَجَّيۡنَا شُعَيۡبا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ بِرَحۡمَة مِّنَّا وَأَخَذَتِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيۡحَةُ فَأَصۡبَحُواْ فِي دِيَٰرِهِمۡ جَٰثِمِينَ ﴿٩٤﴾ كَأَن لَّمۡ يَغۡنَوۡاْ فِيهَآۗ أَلَا بُعۡدا لِّمَدۡيَنَ كَمَا بَعِدَتۡ ثَمُودُ ﴿٩٥﴾
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
تتناول هذه الآيات الكريمة قصة نبي الله "شُعَيْب" -عَلَيْهِ السَّلامُ- مع قومه "مَدْيَنَ"
و"مَدْيَنَ" هي قبيلة أطلق عليها هذا الاسم نسبة الى جدهم "مَدْيَنَ"
وقيل إن "مَدْيَنَ" هو أحد أبناء إبراهيم -عَلَيْهِ السَّلامُ-، وقيل إنه تزوج أحد بنات لوط -عَلَيْهِ السَّلامُ- يعنى تزوج من بنت ابن عمه، ومن ذريتهما جاءت هذه القبيلة الكبيرة، والتي بلغ عددهم نحو خمسة وعشرين ألف.
وسكن أهل "مَدْيَنَ" في المنطقة التي تسمي "مَعَان" الآن في جنوب الأردن.
وهذه المنطقة كانت في طريق التجارة بين الحجاز والشام لذلك كانت أسواق "مَدْيَنَ" مزدهرة، وعمل كثير منهم في التجارة، كما عمل بعضهم في الزراعة ورعي الأغنام، فعاش أهل "مَدْيَنَ" حياة رغدة ومرفهة، ولكنهم تركوا عبادة الله وحده، وارتكبوا الكثير من المفاسد كما سنري.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وأرسل الله تعالى الى "مَدْيَنَ" رسوله "شُعَيْب"
وكلمة "شُعَيْب" هو تصغير لكلمة "شعب" و"الشعب" عند العرب هي القبيلة الكبيرة كثيرة العدد.
و"شُعَيْب" من أنبياء العرب، وأنبياء العرب أربعة فقط وهم: هود وصالح وشعيب ونبينا محمد ﷺ
وقد بعث "شُعَيْب" -عَلَيْهِ السَّلامُ- بعد "لوط" -عَلَيْهِ السَّلامُ- وقبل يوسف -عَلَيْهِ السَّلامُ-
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقيل إن "شُعَيْب" -عَلَيْهِ السَّلامُ- كان ضعيف البنية، وقيل إنه كان ضعيف البصر، وقيل إنه كان كفيفًا، وربما كان ضعيف البصر ثم فقد بصره بعد أن تقدم في العمر، ولكن تميز "شُعَيْب" -عَلَيْهِ السَّلامُ- بأنه كان شديد الفصاحة، قوي الحجة، وقال عنه الرسول ﷺ أنه خطيب الأنبياء.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقد ذكر القرآن العظيم أن "شُعَيْب" -عَلَيْهِ السَّلامُ- أرسل الى اهل "مَدْيَنَ" وذكر في مواضع أخري أنه أرسل الى أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ.
قال بعض العلماء أن "مَدْيَنَ" هم "أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ" والْأَيْكَةِ نوع من الشجر الكبير الملتف، وقد أطلق القرآن على "مَدْيَنَ" هذا الاسم لأنهم كانوا يعبدون شجرة من شجر "الأيك".
وقال البعض الآخر أن "مَدْيَنَ" قبيلة و"أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ" قبيلة أخري كانت تعبد هذه الشجرة، وقد أرسل "شُعَيْب" الى القبيلتين معًا.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(۞ وَإِلَىٰ مَدۡيَنَ أَخَاهُمۡ شُعَيۡباۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ وَلَا تَنقُصُواْ ٱلۡمِكۡيَالَ وَٱلۡمِيزَانَۖ إِنِّيٓ أَرَىٰكُم بِخَيۡر وَإِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡم مُّحِيط ﴿٨٤﴾
(وَإِلَىٰ مَدۡيَنَ أَخَاهُمۡ شُعَيۡبا)
يعنى: وأرسلنا إِلَىٰ قبيلة "مَدۡيَنَ" نبي الله "شُعَيۡب"
وقال تعالى (أَخَاهُمۡ شُعَيۡبا) يعنى واحدًا منهم يعرفون نسبه وصدقه وأخلاقه.
(قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُ)
قال لهم "شُعَيۡب" الكلمة التى قالها كل نبي (ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُ)
قال تعالى في سورة الأنبياء (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)
ويقول الرسول ﷺ: "أَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وهذه الجملة التي في سطر واحد، هي ملخص لكلام كثير، ومناقشات كثيرة، استغرقت عشرات السنين، ولكن كل الذي دعاهم اليه يتلخص في هذه الكلمة وهي (ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم قال (وَلَا تَنقُصُواْ ٱلۡمِكۡيَالَ وَٱلۡمِيزَانَ)
بعد دعوة أي نبي الى التوحيد، يبدأ في ذكر الأهم في المهم.
فذكر "شُعَيۡب" أكبر معصية، وأعظم داء استشري في "مدين" وهي إنقاص المكيال والميزان.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ما الفرق بين ٱلۡمِكۡيَالَ وَٱلۡمِيزَانَ؟
عندما تذهب الى أي محل هناك ميزان، وهناك الأوزان التي يستخدمها في الوزن، هذه الأوزان التي تستخدم في الوزن هي المكيال.
فٱلۡمِيزَانَ هو الآلة التي يوزن بها.
وٱلۡمِكۡيَالَ هو الأوزان التي يوزن بها، أو يكال به.
فنقص (ٱلۡمِكۡيَالَ) أن يكون أنقص من وزنه.
فمثلًا لو وحدة قياس عندنا كيلو، ومكتوب عليها "1 كيلوجرام" لكن هي حقيقتها 900 جرام، فهذا نقص في المكيال، هذا غش في المكيال نفسه.
فإذن (وَلَا تَنقُصُواْ ٱلۡمِكۡيَالَ)
أن تكون وحدات القياس التي يتعاملون بها أقل من قيمتها الحقيقية المتعارف عليها.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ونقص (وَٱلۡمِيزَانَ) أن يكون الغش في ٱلۡمِيزَانَ نفسه.
يعنى ليس هناك توازن بين الكفتين، هناك كفة أثقل من الكفة الأخرى.
في أحد الأوقات كان منتشرًا بيع الثوم بسعر رخيص جدًا، لا يغطي حتى ثمن نقله من الحقل الى التاجر، فكنت أتعجب من ذلك، فقال لى أحدهم أن السبب هو الغش في الميزان، وقال لى أنه طلب من أحد التجار أن يشتري منه بضعف الثمن بشرط أن يتم الوزن بواسطة ميزان المشتري وليس ميزان البائع فرفض أن يبيع له.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
كنت مرة أشتري عجل في عيد الأضحية، دفعت عربون، والمفروض أن يتم الوزن في يوم ذبح العجل في اول أيام العيد، ومشهور عند التجار -الا من رحم ربي- انهم يضعوا للبهيمة في اليوم الذي ستذبح فيه، يضعوا لها في العلف ملح حتى تشرب كثيرًا، ويزيد الوزن قبل الميزان، فحذرته ان يفعل ذلك، قال لى لا حد الله، ثم ذهبت في يوم الذبح مبكرًا جدًا، فوجدت في العلف كتل من الملح، ووجدت صبي يصع جردل من المياه أمام البهيمة، فمنعته، فذهب يشتكي الى أبيه، وجاء أبوه، فأمسكت كتل الملح في العلف، وواجهته بغشه، ومع ذلك صمم أن يشرب العجل، وانا صممت ألا يشرب، وقال لى حرام ألا يشرب، وأنتهي الأمر أن أعاد لي نقودي.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
فإذن قول شعيب (وَلَا تَنقُصُواْ ٱلۡمِكۡيَالَ وَٱلۡمِيزَانَ)
يعنى وَلَا تَنقُصُواْ حقوق الناس في ٱلۡمِكۡيَالَ وَٱلۡمِيزَانَ.
وهذه صورتين من صور الغش التجاري، وهذه هي الطرق المتاحة للغش التجاري في ذلك الوقت.
والآن صور الغش التجاري كثيرة جدًا لا حصر لها.
وأصبح من النادر جدًا أن تجد أمين، أو شركة أمينة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وهذا من أهم أسباب غلاء الأسعار ونقص البركة.
وفي الحديث عن النبي ﷺ قال: "ما أظهر قوم البخس في المكيال والميزان إلا ابتلاهم الله بالقحط والغلاء"
طالما هناك غش، ومستشري بهذه الصورة التي نراها، فلن تكون هناك بركة، وسيكون هناك غلاء وشدة.
فالآية فيها تحذير شديد من الغش التجاري، لأن شعيب ذكر الغش التجاري كأول وأكبر معصية عندهم بعد الكفر بالله، والتي استحقوا عليها نزول العذاب بعد ذلك.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم قال شعيب (إِنِّيٓ أَرَىٰكُم بِخَيۡر)
يعنى أنتم لستم في حاجة الى الغش، لأنكم في سعة من العيش.
يعنى الغش في حد ذاته مذموم ومعصية، ولكن إذا كنتم فقراء، فربما لكم حجة.
لكن إذا كنتم أغنياء، فليس لكم أي حجة، ويكون الذنب أكبر وأعظم.
كما قال النبي ﷺ في الحديث الذي رواه أحمد: "إن الله -عز وجل- يبغض ثلاثة: يبغض الشيخ الزاني، والفقير المختال، والمكثر البخيل"
فهنا أيضًا (إِنِّيٓ أَرَىٰكُم بِخَيۡر)
أنتم أهل بلد غنى، لأن "مدين" كما قلنا في طريق التجارة بين الحجاز والشام، فكان أغلبهم يعملون في التجارة، وأرضكم -كذلك- أرض خصب وزروع وثمار، ومع كل ذلك لا تتوانون في الغش بجميع طرق الغش المتاحة لديكم.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَإِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡم مُّحِيط)
يعنى الذي يحملنى على النصيحة هو خوفي عليكم، وهذا تلطف في الخطاب، و(يَوۡم مُّحِيط)
يعنى يحيط بكم عذابه لن يفلت منه أحد.
كما حدث مع قري لوط، حين قلبها عليهم جبريل وجعل عاليها سافلها، ثم أمطر الله عليها حجارة من سجيل، كان بعض أهل هذه القري في سفر، في تجارة، ولم يكن موجودًا في القري، فكان الحجر يطير اليه حتى ينزل عليه في مكانه، وكان أحدهم في مكة في حرم الله، فأبي الحجر أن يسقط على صاحبه وهو في حرم الله، فظل الحجر معلقًا بين السماء والأرض، حتى اذا خرج من أرض الحرم، سقط عليه الحجر فقتله.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يقول (وَيَٰقَوۡمِ أَوۡفُواْ ٱلۡمِكۡيَالَ وَٱلۡمِيزَانَ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَلَا تَبۡخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشۡيَآءَهُمۡ وَلَا تَعۡثَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِينَ ﴿٨٥﴾
(وَيَٰقَوۡمِ أَوۡفُواْ ٱلۡمِكۡيَالَ وَٱلۡمِيزَانَ بِٱلۡقِسۡطِ)
الإيفاء هو إعطاء الحق كاملًا دون ان ينقص منه أي شيء.
ولذلك تجد التاجر الأمين، حين يزن يجعل الكفة التي فيها ما تشتريه تطب (تنزل) حتى يتأكد أن الذي اشتري قد أخذ حقه كاملًا مستوفيًا.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
فهذه الآية تأكيد للأمر، ولكن بأسلوب مختلف، فالآية الأولى: (لَا تَنقُصُواْ ٱلۡمِكۡيَالَ وَٱلۡمِيزَانَ) نهي.
والآية الثانية امر (أَوۡفُواْ ٱلۡمِكۡيَالَ وَٱلۡمِيزَانَ)
وهذه للتأكيد، كمن يقول "صل قرابتك ولا تقطعهم"
وهذا يدل على ان هذا الغش والتطفيف كان مستشريًا في أهل "مدين" ولذلك احتاج الأمر الى التأكيد والتكرار.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَيَٰقَوۡمِ أَوۡفُواْ ٱلۡمِكۡيَالَ وَٱلۡمِيزَانَ بِٱلۡقِسۡطِ) بالعدل.
يعنى أنا لم أطلب منكم أن تعطوا المشتري أكثر من حقه، ولكن أعطوه حقه بالعدل.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَلَا تَبۡخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشۡيَآءَهُمۡ)
البخس هو النقص.
وكلمة (أَشۡيَآءَهُمۡ) جمع "شيء" ويقولون إن "الشيء" هو: "جنس الأجناس" فالثمرة الواحدة يقال لها: "شيء"، وطن من الثمار يقال له: "شيء".
فكلمة (أَشۡيَآءَهُمۡ) تشمل كل شيء سواء كان صغيرًا أو كبيرًا.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَلَا تَبۡخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشۡيَآءَهُمۡ)
وَلَا تنقصوا ٱلنَّاسَ حقوقهم.
لأن قوم "مَدْيَنَ" كانوا أهل غصب ونصب وغش واحتيال
فالآية الأولى نهت عن النقص في المكيال والميزان، وهذه الآية نهت عن الغش والاحتيال في كل المعاملات.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَلَا تَعۡثَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِينَ)
عثي يعنى أفسد.
فالمعنى: وَلَا تفسدوا فِي ٱلۡأَرۡضِ.
والتعبير (وَلَا تَعۡثَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِينَ)
ولا تنشروا الفساد في الأرض.
وقيل إنهم كانوا من آفاتهم هو قطع الطريق.
ولذلك قال تعالى في سورة اخري (وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(بَقِيَّتُ ٱللَّهِ خَيۡر لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَۚ وَمَآ أَنَا۠ عَلَيۡكُم بِحَفِيظ ﴿٨٦﴾
(بَقِيَّتُ ٱللَّهِ خَيۡر لَّكُمۡ) يعنى ما يبقى لكم بعد إيفاء الكيل والميزان من الربح الحلال، خير لكم مما تأخذونه من المال الحرام مهما كان كثيرًا.
وأضاف هذه البقية الى الله، فقال (بَقِيَّتُ ٱللَّهِ) ليدل على ان هذه البقية ستكون فيها البركة لأنها من الله تعالى.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ)
يعنى لن تدركوا هذه القضية، يعنى قضية (بَقِيَّتُ ٱللَّهِ) وقضية البركة في المال الحلال، الا إذا كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَمَآ أَنَا۠ عَلَيۡكُم بِحَفِيظ)
يعنى أنا لا أستطيع أن أحفظكم من عذاب الله، أو من زوال نعم الله عنكم، إذا لم تتركوا هذه الأعمال القبيحة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(قَالُواْ يَٰشُعَيۡبُ أَصَلَوٰتُكَ تَأۡمُرُكَ أَن نَّتۡرُكَ مَا يَعۡبُدُ ءَابَآؤُنَآ أَوۡ أَن نَّفۡعَلَ فِيٓ أَمۡوَٰلِنَا مَا نَشَٰٓؤُاْۖ إِنَّكَ لَأَنتَ ٱلۡحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ ﴿٨٧﴾
هذا رد قوم شعيب عليه.
(قَالُواْ يَٰشُعَيۡبُ أَصَلَوٰتُكَ تَأۡمُرُكَ أَن نَّتۡرُكَ مَا يَعۡبُدُ ءَابَآؤُنَا)
(أَصَلَاتُكَ تَأۡمُرُكَ) هكذا عند حفص.
وعند جمهور القراء بالجمع (أَصَلَواتُكَ)
قيل إن شعيب كان كثير الصلاة، فلذلك قالوا (أَصَلَوٰتُكَ تَأۡمُرُكَ) والمقصود يعنى دينك هذا الذي تدعو اليه.
(أَصَلَوٰتُكَ تَأۡمُرُكَ أَن نَّتۡرُكَ مَا يَعۡبُدُ ءَابَآؤُنَا) هذا سؤال للإنكار، يعنى كيف تأمرنا أَن نَّتۡرُكَ مَا يَعۡبُدُ ءَابَآؤُنَا من الآلهة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(أَوۡ أَن نَّفۡعَلَ فِيٓ أَمۡوَٰلِنَا مَا نَشَٰٓؤُاْ)
كان من أفعالهم وغشهم أنهم كانوا يقرضون أطراف الدراهم والدنانير، ثم يأخذون هذه القراضة ويصنعون منها دراهم ودنانير أخري.
وهذا باب في الفقه يطلق عليه "كسر" أو "قطع" الدراهم والدنانير، وعدها الفقهاء من الكبائر، لأنها من الفساد في الأرض، وكان بعض الحكام يجلد من يفعل ذلك، وكان البعض يقطع يد من يفعل ذلك، مثل "عبد الله بن الزبير"
وهذا أيضًا سؤال استنكاري كيف يأمرك هذا الدين في ألا نَّفۡعَلَ فِيٓ أَمۡوَٰلِنَا مَا نَشَٰٓؤُاْ.
كأنهم يستنكرون أن يتدخل الدين في مثل هذه المعاملات الدنيوية.
لأن الآلهة التي يعبدونها لا تتدخل في معاملتهم، ولا تقل لهم افعلوا كذا ولا تفعلوا كذا، فتعجبوا من هذا الدين الذي يأمرهم الا يطففوا في الميزان، أو أن يقرضوا الدراهم والدنانير.
وهذا نفس منطق الذين يقولون إن الدين ليس له دخل بالحياة والمعاملات، الدين مكانه فقط في المسجد.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(إِنَّكَ لَأَنتَ ٱلۡحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ)
يعنى انت رجل حليم وأنت رجل رشيد يعنى عاقل، فكيف تطلب منا ذلك.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(قَالَ يَٰقَوۡمِ أَرَءَيۡتُمۡ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَة مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنۡهُ رِزۡقًا حَسَناۚ وَمَآ أُرِيدُ أَنۡ أُخَالِفَكُمۡ إِلَىٰ مَآ أَنۡهَىٰكُمۡ عَنۡهُۚ إِنۡ أُرِيدُ إِلَّا ٱلۡإِصۡلَٰحَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُۚ وَمَا تَوۡفِيقِيٓ إِلَّا بِٱللَّهِۚ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَيۡهِ أُنِيبُ ﴿٨٨﴾
(قَالَ يَٰقَوۡمِ أَرَءَيۡتُمۡ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَة مِّن رَّبِّي)
(قَالَ يَٰقَوۡمِ) وتكرار كلمة يَٰا قَوۡمِ فيه تلطف في الخطاب.
(أَرَءَيۡتُمۡ) يعنى أخبروني.
(إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَة مِّن رَّبِّي) يعنى إِن كُنتُ عَلَىٰ أمر واضح مِّن رَّبِّي، وواثق منه، ويأتيني الوحي من الله تعالى، يأمرني بعبادة الله وحده، وترك التطفيف والبخس، وأن آمركم بعبادة الله وحده وترك المعاصي
وجواب الشرط محذوف لعلم المخاطبين بالمعنى، وتقديره: هل يمكن بعد كل هذا أن أخالف أمر الله تعالى، أو ألا أبلغكم ما أمرني بتبليغه.
(أَرَءَيۡتُمۡ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَة مِّن رَّبِّي)
قولوا لي، أنا راضي ذمتكم، إذا كنت على أمر واضح لا شك فيه من الله تعالى، هل يمكن أن أخالف أمر الله بعد ذلك؟
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَرَزَقَنِي مِنۡهُ رِزۡقًا حَسَنا) وَرَزَقَنِي الله مالًا حلالًا كثيرًا
وقيل إن شعيبًا كان غنيًا كثير المال.
فشعيب يريد ان يقول لهم: أنا أمامكم تجربة عملية، أنا ملتزم بكل ما نهيتكم عنه من نقص المكيال والميزان أو بخس الناس أشيائهم، ومع ذلك فعندي مال كثير، ومن أكثركم مالًا.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَمَآ أُرِيدُ أَنۡ أُخَالِفَكُمۡ إِلَىٰ مَآ أَنۡهَىٰكُمۡ عَنۡهُ)
يعنى لا يمكن أَنۡ أَنۡهَاٰكُمۡ عَنۡ شيء ثم أفعله.
يعنى تأكدوا ان هذا المال الكثير الذي عندي بدون نقص مكيال ولا نقص ميزان ولا بخس الناس أشيائهم.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
والتعبير (وَمَآ أُرِيدُ) تعبير بليغ لأنه يدل على نفوره من هذه المعاصي التي ينهاهم عنها.
لأن هناك فرق بين شخص لا يقع في المعصية ولكنه يحبها.
وبين من ينفر من المعصية نفسها.
مثل رجل يحب شرب الخمر، ولكنه لا يشرب الخمر لأن الله حرمه.
ورجل يكره شرب الخمر، ولا يطيق طعمه ولا رائحته.
الإثنين لا يقعون في هذه المعصية.
ولكن الأول لا نستطيع أنه نقول إنه لا يريد شرب الخمر، لأنه يريد بالفعل شرب الخمر.
أما الثاني فيمكن أن نقول انه لا يريد شرب الخمر.
فهنا شعيب يقول (وَمَآ أُرِيدُ أَنۡ أُخَالِفَكُمۡ إِلَىٰ مَآ أَنۡهَىٰكُمۡ عَنۡهُ)
كأنهم يتهمونه أن الأموال الكثيرة التي معه لابد أنها جاءت من أمور هو نهاهم عنها، من التطفيف والبخس.
فينفي "شعيب" هذه التهمة بأبلغ أسلوب، ويقول إنه ينفر أصلًا من التطفيف والغش وبخس الناس أشيائهم.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
جاءت امْرَأَةً الى ابْنَ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فَقَالَتْ أَتَنْهَى، عَنِ الْوَاصِلَةَ قَالَ: نَعَمْ فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ فَلَعَلَّهُ فِي بَعْضِ نِسَائِكَ فَقَالَ مَا حَفِظْتِ إِذًا وَصِيَّةَ الْعَبْدِ الصَّالِحِ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(إِنۡ أُرِيدُ إِلَّا ٱلۡإِصۡلَٰحَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُ)
ما أُرِيدُ من هذه الدعوة إِلَّا ٱلۡإِصۡلَٰاحَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُ، يعنى على قدر طاقتي.
مثل كل الأنبياء عندما قالوا (وما أسألكم من أجر)
ليس لي غرض من هذه الدعوة الا اصلاحكم وإصلاح أحوالكم.
لأنك عندما تغش في الميزان، أنت شخص واحد، وفي المقابل كل الذين تتعامل معهم يغشونك.
عندما تبخس الناس أشيائهم، كل الذين تتعامل معهم يبخسونك حقك.
فتكون أنت الخاسر في النهاية.
وبالتالي المجتمع كله يخسر.
وقوله (مَا ٱسۡتَطَعۡتُ) يعنى على قدر طاقتي، وقدر طاقتي هو الموعظة والنصيحة.
(وَمَا تَوۡفِيقِيٓ إِلَّا بِٱللَّهِ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَيۡهِ أُنِيبُ)
وَمَا تَوۡفِيقِيٓ الى الحق والصواب إِلَّا بِٱللَّهِ تعالى.
(عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُ) عَلَيۡهِ وحده أفوض أمري
(وَإِلَيۡهِ أُنِيبُ) اليه أرجع يوم القيامة فيحاسبني على أعمالى.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
كان "عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ" عندما يرسل رسالة الى أحد عماله فيأمرهم وينهاهم، ثم يكتب في آخر الرسالة: وَمَا كُنْتُ فِي ذَلِكَ إِلا كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ: وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَيَٰقَوۡمِ لَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شِقَاقِيٓ أَن يُصِيبَكُم مِّثۡلُ مَآ أَصَابَ قَوۡمَ نُوحٍ أَوۡ قَوۡمَ هُودٍ أَوۡ قَوۡمَ صَٰلِح وَمَا قَوۡمُ لُوط مِّنكُم بِبَعِيد ﴿٨٩﴾
(وَيَٰقَوۡمِ) يعنى لا يزال يتحدث اليهم باللين.
(لَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ) يعنى لَا يَحملَنَّكُمۡ.
كانت العرب تقول: جرمه على كذا، يعنى: حمله على كذا.
(شِقَاقِيٓ) يعنى عداوتي وبغضي
كأن كل واحد من المتعادين في شق غير الشق الذي فيه الآخر.
(وَيَٰقَوۡمِ لَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شِقَاقِيٓ) يعنى: لَا يَحملَنَّكُمۡ عداوتي وبغضى على العناد والإصرار على الكفر، ورفض ما أدعوكم اليه من عبادة الله وحده.
(أَن يُصِيبَكُم مِّثۡلُ مَآ أَصَابَ قَوۡمَ نُوحٍ أَوۡ قَوۡمَ هُودٍ أَوۡ قَوۡمَ صَٰلِح)
فيؤدي بكم ذلك الى وقوع العذاب بكم، وأَن يُصِيبَكُم من العذاب مثل مَآ أَصَابَ قَوۡمَ نُوحٍ أَوۡ قَوۡمَ هُودٍ أَوۡ قَوۡمَ صَٰلِح.
وهذا يدل على أن أخبار هلاك هذه الأمم الهالكة كان معروفًا عندهم.
(وَمَا قَوۡمُ لُوط مِّنكُم بِبَعِيد) يعنى وَمَا أصاب قَوۡمُ لُوط من العذاب قريبًا منكم، سواء في المكان أو الزمان.
لأن قري لوط كانت قريبة من مدين
قري لوط كانت جنوب البحر الميت، و"مدين" في "معان" الإثنين في الأردن الآن.
وقريبة في الزمان لأن "شعيب" هو أول نبي يأتي بعد "لوط" عليهما السلام.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اذن "شعيب" يدعوهم الى ان يعتبروا بما أصاب الأمم الهالكة السابقة.
ويطلب منهم الا يشخصنوا دعوته، إذا كنتم تكرهونني لشخصي، فليس لكم دخل بي، ولكن قيموا ما أدعوكم اليه، سواء من عبادة الله وحده، ونبذ عبادة الأصنام التي لا تضر ولا تنفع، أو ما ادعوكم اليه من مكارم الأخلاق وترك الغش والتطفيف في الميزان، لأن كل واحد فيكم يغش في البيع والشراء، فيحقق لنفسه ربح زائد بسيط، ولكن في المقابل كل الذين يتعامل معهم يغشونه في البيع والشراء، فيكون خاسرًا في النهاية.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
عندما أَحَاطَ النَّاسُ بِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- إِذَا أَشْرَفَ عَلَيْنَا مِنْ دَارِهِ فَقَالَ: يَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ يَا قَوْمِ لَا تَقْتُلُونِي إِنَّكُمْ إِنْ قَتَلْتُمُونِي كُنْتُمْ هَكَذَا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِۚ إِنَّ رَبِّي رَحِيم وَدُود ﴿٩٠﴾
(وَٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ) يعنى من عبادة الأصنام وغيرها من المعاصي.
(ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِ) يعنى ثُمَّ لا تنشئوا ذنوبًا جديدة.
قال بعض السلف: الاستغفار بلا إقلاع توبة الكذابين.
(إِنَّ رَبِّي رَحِيم وَدُود)
(رَحِيم) واسع الرحمة لمن استغفر وتاب إليه.
(وَدُود) كثير التودد واللطف والعطف والإحسان والعطاء لعباده المؤمنين.
ومن أعظم ما يتودد به الله لعباده الصالحين هو ان يوفقهم الى طاعته، وأن يتقبل منهم أعمالهم.
يقول تعالى في الحديث القدسي "يا بن آدم أنا لك مُحِبٌّ؛ فبحقي عليك كنْ لي مُحِبّاً"
وأوحى الله إلى داود عليه السلام فقال: "يا داود لو يعلم المدبرون عني انتظاري لهم، ورفقي بهم، وشوقي إلى ترك معاصيهم، لماتوا شوقا إلي، ولتقطعت أوصالهم لمحبتي، يا داود هذه إرادتي بالمدبرين عني فكيف بالمقبلين علي؟
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(قَالُواْ يَٰشُعَيۡبُ مَا نَفۡقَهُ كَثِيرا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَىٰكَ فِينَا ضَعِيفاۖ وَلَوۡلَا رَهۡطُكَ لَرَجَمۡنَٰكَۖ وَمَآ أَنتَ عَلَيۡنَا بِعَزِيز ﴿٩١﴾
(قَالُواْ يَٰشُعَيۡبُ مَا نَفۡقَهُ كَثِيرا مِّمَّا تَقُولُ)
الفقه هو الفهم.
ومنه قول الرسول ﷺ "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين"
(مَا نَفۡقَهُ كَثِيرا مِّمَّا تَقُولُ) أغلب كلامك مش مفهوم.
وهذه مفارقة لأن: شعيب" كان من أفصح الأنبياء، حتى قال عنه الرسول ﷺ أنه "خطيب الأنبياء" يعنى من أفصح الناس في تاريخ البشرية، وهو يتحدث الى عرب، يعنى الى أهل لغة وفصاحة، ومع ذلك كان ردهم عليه: نحن لا نفهم
وهذه صورة فجة وواضحة لعدم قبول أهل الباطل للحق، وقلبهم للحقائق.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَإِنَّا لَنَرَىٰكَ فِينَا ضَعِيفا)
يعنى بنيانك الجسدي ضعيف.
وقيل إن المعنى أنه كَانَ ضعيف النظر، وقيل إنه كَانَ ضَرِيرًا، وربما كان ضعيف البصر، فلما تقدم به العمر فقد بصره.
وكانت بعض قبائل العرب تسمي الضرير ضعيفًا؛ لأنه قد ضعف بذهاب بصره، كما يقال له ضرير: أي قد ضُرَّ بذهاب بصره.
وهذه أيضًا من الحماقة في الكلام، لأن موضوع القوة والضعف مجاله في المصارعة والقتال، ولكن "شعيب" يتحدث إليهم في الدين ومكارم الأخلاق، وهو مجال لا علاقة له بقوة الجسد او ضعفه.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَلَوۡلَا رَهۡطُكَ لَرَجَمۡنَٰكَ)
(رَهۡطُكَ) يعنى عشيرتك.
يعنى: وَلَوۡلَا عشيرتك القوية لَرَجَمۡنَٰاكَ.
والرجم هو الرمي بالحجارة حتى يدفن فيها المرجوم.
وهي أسوء طريقة للقتل.
فقولهم (وَلَوۡلَا رَهۡطُكَ لَرَجَمۡنَٰكَ)
يعنى وَلَوۡلَا عشيرتك التي تمنعك لقتلناك شر قتلة.
(وَمَآ أَنتَ عَلَيۡنَا بِعَزِيز)
أَنتَ لا قيمة لك عندنا.
وهم يقولون ذلك، وهو أفضل أهل الأرض في زمانه.
وليس على وجه الأرض -في ذلك الوقت- أعز على الله من شعيب
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اذن كل ردودهم على "شعيب" ليس لها أي علاقة بالحجج والبراهين التى ساقها "شعيب" وكلها كانت شتم وسفاهة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(قَالَ يَٰقَوۡمِ أَرَهۡطِيٓ أَعَزُّ عَلَيۡكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَٱتَّخَذۡتُمُوهُ وَرَآءَكُمۡ ظِهۡرِيًّاۖ إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعۡمَلُونَ مُحِيط ﴿٩٢﴾
(قَالَ يَٰقَوۡمِ أَرَهۡطِيٓ أَعَزُّ عَلَيۡكُم مِّنَ ٱللَّهِ)
هذا استفهام إنكاري.
قَالَ لهم شعيب: يَٰا قَوۡمِ هل عشيرتي أعظم وأَعَزُّ عندكم مِّنَ ٱللَّهِ تعالى.
الله تعالى أولى أن تخافوه وأن تعظموه من عشيرتي.
(وَٱتَّخَذۡتُمُوهُ وَرَآءَكُمۡ ظِهۡرِيًّا)
وجعلتم الله خلف ظهوركم
يعنى لم تجعلوا لله تعالى أي حساب.
كما نقول هذا الموضوع رميته وراء ظهري.
يعنى أهملته ولا حتى أفكر فيه
(إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعۡمَلُونَ مُحِيط)
يعنى الله -سبحانه وتعالى- محيط بعلمه بأقوالكم وأعمالكم، وسيجازيكم عليها بما تستحقون من عقاب.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَيَٰقَوۡمِ ٱعۡمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمۡ إِنِّي عَٰمِل سَوۡفَ تَعۡلَمُونَ مَن يَأۡتِيهِ عَذَاب يُخۡزِيهِ وَمَنۡ هُوَ كَٰذِب وَٱرۡتَقِبُوٓاْ إِنِّي مَعَكُمۡ رَقِيب ﴿٩٣﴾
ينتقل "شعيب" الى أسلوب التهديد، فيقول لهم:
(وَيَٰقَوۡمِ ٱعۡمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمۡ إِنِّي عَٰمِل)
(مَكَانَتِكُمۡ) من المكان.
وقراءة الجمهور (ٱعۡمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَكُمۡ)
يعنى استمروا في مكانكم، استمروا على ما أنتم عليه، (إِنِّي عَٰمِل) وأنا مستمر على ما انا عليه.
(سَوۡفَ تَعۡلَمُونَ مَن يَأۡتِيهِ عَذَاب يُخۡزِيهِ وَمَنۡ هُوَ كَٰذِب)
سَوۡفَ تَعۡلَمُونَ -بعد ذلك- مَن سينزل به (عَذَاب يُخۡزِيهِ) يعنى يهينه ويذله، (وَمَنۡ هُوَ كَٰذِب)
أنتم تقولون إنني أكذب، فسوف تعلمون من هو الكاذب ومن هو الصادق.
(وَٱرۡتَقِبُوٓاْ إِنِّي مَعَكُمۡ رَقِيب)
يعنى انتظروا وأنا سأنتظر معكم ماذا سيحكم الله بيننا.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَلَمَّا جَآءَ أَمۡرُنَا نَجَّيۡنَا شُعَيۡبا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ بِرَحۡمَة مِّنَّا وَأَخَذَتِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيۡحَةُ فَأَصۡبَحُواْ فِي دِيَٰرِهِمۡ جَٰثِمِينَ ﴿٩٤﴾
(وَلَمَّا جَآءَ أَمۡرُنَا)
وَلَمَّا جَآءَ أجل أو وقت أَمۡرُنَا بإهلاك قوم "شعيب"
(نَجَّيۡنَا شُعَيۡبا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ) يعنى من المؤمنين.
(بِرَحۡمَة مِّنَّا) يعنى هذه النجاة ليست بسبب عملهم، ولكنها بِرَحۡمَة خاصة مِّنّ الله تعالي.
قال الرسول ﷺ "لا يدخل الجنة أحد بعمله" قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا الا أن يتغمدني الله برحمة من وفضل.
(وَأَخَذَتِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيۡحَةُ)
الأخذ تدل على الشدة والسرعة.
(ٱلصَّيۡحَةُ) صاح بهم جبريل صيحة عظيمة هائلة
(فَأَصۡبَحُواْ فِي دِيَٰرِهِمۡ جَٰثِمِينَ)
الجثوم هو عدم الحركة.
يعنى: فَأَصۡبَحُواْ جثثًا هامدة مكبين على وجوههم لا حراك لهم.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(كَأَن لَّمۡ يَغۡنَوۡاْ فِيهَآۗ أَلَا بُعۡدا لِّمَدۡيَنَ كَمَا بَعِدَتۡ ثَمُودُ ﴿٩٥﴾
(كَأَن لَّمۡ يَغۡنَوۡاْ فِيهَآ)
كانت العرب تقول: غنى بالمكان يعنى أقام فيه.
(كَأَن لَّمۡ يَغۡنَوۡاْ فِيهَآ)
كَأَنهم لَّمۡ يعيشوا ولم يكونوا في هذا المكان.
(أَلَا بُعۡدا لِّمَدۡيَنَ كَمَا بَعِدَتۡ ثَمُودُ)
أَلَا بُعۡدا وهلاكًا ولعنًا وطردًا من رحمة الله لِّمَدۡيَنَ، مثل الهلاك واللعنة التي عوقبت بها ثَمُودُ.
وذكر الله -تعالى- ثمود لأن كلًا من مدين وثمود أهلكوا بصيحة عظيمة من جبريل، رجفت منها الأرض، ورجفت منها أجسامهم، وخروا ميتين.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ومن دقيق الأداء اللغوي للقرآن العظيم، أن قوله تعالى (لَمَّا جَآء أَمْرُنَا) جاء في هذه السورة في قصص أربعة من الرسل.
ولكن جاءت في قصتين: (وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا) العطف بالواو.
وفي قصتين، (فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا) العطف بالفاء.
في قصة هود وقصة شعيب جاء العطف بالواو (وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا).
في قصة صالح ولوط العطف بالفاء (فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا)
ما الفرق بين العطف بالواو والعطف بالفاء.
الفاء تدل على السرعة: جاء عمرو فزيد، يعنى جاء عمرو وزيد بعده مباشرة، كما في سورة عبس (ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ)
أما الواو فلا تدل على السرعة.
ولذلك جاءت في قصتي هود وشعيب بالواو، لأن العذاب لم يأت مباشرة بعد أن توعدهم نبيهم بالعذاب، ربما جاء بعد أن توعدهم نبيهم بالعذاب بعدة سنوات، ولذلك قال شعيب (فارتقبوا إنى معكم رقيب)
أما في قصتي صالح ولوط فكان العذاب قريب.
في قصة صالح (فعقورها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام)
في قصة لوط (فان موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب)
ولذلك استخدم حرف العطف الفاء التي تدل على السرعة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
عاقب الله تعالى قوم شعيب بثلاثة أنواع من العذاب، وهذا يدل على غضب الله الشديد عليهم لشدة كفرهم وفسادهم:
قال تعالى في سورة الشعراء (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) أصاب أن أهل "مدين" حر شديد وأسكن الله الهواء لمدة سبعة أيام، حتى بلغ منهم الجهد، ثم أرسل الله في اليوم السابع سحابة عظيمة فاستبشر أهل "مدين" وتجمعوا تحتها رجاء أن تمطر عليهم، فاذا بالسحابة تمطر عليهم لهبًا.
فقال تعالي (عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ) اشارة الى هذه الغيمة، التي استظلوا تحتها، والتي جاءهم منها العذاب.
ثم قال تعالى في هذه السورة، سورة هود (وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ) صاح بهم جبريل صيحة عظيمة هائلة.
وفي سورة الأعراف (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) أي الزلزلة الشديدة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اذن عوقب أهل "مدين" بثلاثة أنواع من العذاب: الغيمة التي اظلتهم وأمطرت عليهم لهبًا، ثم الصيحة والرجفة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
والتعبير عن هلاك أهل "مَدْيَنَ" مرة بالصيحة ومرة بالرجفة، من الاشارة العلمية المبهرة في القرآن العظيم
لأن العلماء انتهوا الآن الى أن الصوت عبارة عن اهتزازات تنتقل في الهواء، فاذا زاد الصوت عن حد معين فان هذه الاهتزازات تؤدي اهتزاز الأعضاء الداخلية لجسم الانسان، وإذا زاد الصوت أكثر ووصل الى حد معين، فانه يدمر أجهزة جسم الانسان.
ولذلك عبر القرآن العظيم في دقة بالغة عن هلاك "مَدْيَنَ" قوم "شعيب" مرة بالصيحة ومرة بالرجفة، يعنى جاءتهم صيحة هائلة، رجفت منها أجسامهم، وأدت الى تدمير أجهزة أجسامهم وهلاكهم.
ولم يكن أحد يتخيل وقت نزول القرآن أن الصوت له قوة تدميرية، وأنه يمكن أن يدمر شعب بأكمله.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
أخيرًا يعتقد البعض أن موسي -عَلَيْهِ السَّلامُ- عندما فر من مصر وجاء الى "مَدْيَنَ" ووَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ، ووَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ، وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ، ثم تزوج أحدي هاتين الفتاتين، أن هذه الفتاة التي تزوجها هي ابنة نبي الله شعيب، وهذا غير صحيح، لأن الفترة بين "شعيب" وبين "موسي" حوالي ألف سنة.
ولكن ربما بعد أن أهلك الله تعالى أهل "مَدْيَنَ" وكانت –كما ذكرنا- في جنوب الأردن، خرج "شعيب" والذين آمنوا معه واتجهوا الى الجنوب قليلًا، واستقروا في مكان في شمال غرب الجزيرة العربية، وأطلق على قريتهم الجديدة اسم "مَدْيَنَ" أيضًا لأن هذا هو اسم القبيلة، وليس اسم مكان، وهذه القرية لا تزال آثارها موجودة الى الآن، في محافظة تبوك بشمال غرب المملكة السعودية ويطلق عليها "مدائن شعيب"
وعندما جاء موسي -عَلَيْهِ السَّلامُ- الى هذه القرية هربًا من فرعون، بعد ألف سنة، من وفاة "شعيب" كان أهل المدينة لا يزال بعضهم على التوحيد، أو على دين "شعيب" -عَلَيْهِ السَّلامُ- وتزوج موسي -عَلَيْهِ السَّلامُ- من ابنة رجل صالح، على دين "شعيب" ثم أقام في "مَدْيَنَ" –كما ذكر القرآن- ثماني أو عشر سنوات.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وهناك في مدائن شعيب الأثرية والموجودة الآن في المملكة السعودية، بئر يطلق عليه بئر موسي، لأنه يعتقد أنه البئر الذي استسقي فيه موسي لابنتي الرجل الشيخ الكبير الذي تزوج موسي من أحدهما.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"
لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
|