Untitled Document

عدد المشاهدات : 795

الحلقة (584) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم تفسير وتدبر الآيات من (100) الى (109) من سورة "هًود" ) ذَٰلِكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلۡقُرَىٰ نَقُصُّهُۥ.......

الحلقة رقم (584)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
تفسير وتدبر الآيات من (100) الى (108) من سورة "هًود"- ص 233
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(ذَٰلِكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلۡقُرَىٰ نَقُصُّهُۥ عَلَيۡكَۖ مِنۡهَا قَآئِم وَحَصِيد ﴿١٠٠﴾ وَمَا ظَلَمۡنَٰهُمۡ وَلَٰكِن ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡۖ فَمَآ أَغۡنَتۡ عَنۡهُمۡ ءَالِهَتُهُمُ ٱلَّتِي يَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مِن شَيۡء لَّمَّا جَآءَ أَمۡرُ رَبِّكَۖ وَمَا زَادُوهُمۡ غَيۡرَ تَتۡبِيب ﴿١٠١﴾ وَكَذَٰلِكَ أَخۡذُ رَبِّكَ إِذَآ أَخَذَ ٱلۡقُرَىٰ وَهِيَ ظَٰلِمَةٌۚ إِنَّ أَخۡذَهُۥٓ أَلِيم شَدِيدٌ ﴿١٠٢﴾ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَة لِّمَنۡ خَافَ عَذَابَ ٱلۡأٓخِرَةِۚ ذَٰلِكَ يَوۡم مَّجۡمُوع لَّهُ ٱلنَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوۡم مَّشۡهُود ﴿١٠٣﴾ وَمَا نُؤَخِّرُهُۥٓ إِلَّا لِأَجَل مَّعۡدُود ﴿١٠٤﴾ يَوۡمَ يَأۡتِ لَا تَكَلَّمُ نَفۡسٌ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦۚ فَمِنۡهُمۡ شَقِيّ وَسَعِيد ﴿١٠٥﴾ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ فَفِي ٱلنَّارِ لَهُمۡ فِيهَا زَفِير وَشَهِيقٌ ﴿١٠٦﴾ خَٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ إِلَّا مَا شَآءَ رَبُّكَۚ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّال لِّمَا يُرِيدُ ﴿١٠٧﴾ ۞ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي ٱلۡجَنَّةِ خَٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ إِلَّا مَا شَآءَ رَبُّكَۖ عَطَآءً غَيۡرَ مَجۡذُوذ ﴿١٠٨﴾

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(ذَٰلِكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلۡقُرَىٰ نَقُصُّهُۥ عَلَيۡكَۖ مِنۡهَا قَآئِم وَحَصِيد ﴿١٠٠﴾
ذكرت السورة الكريمة قصص سبعة من أنبياء الله.
ثم قال تعالى
(ذَٰلِكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلۡقُرَىٰ) يعنى ذَٰلِكَ الذي قصصناه عليك في هذه السورة الكريمة مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلۡقُرَىٰ التى أهلكها الله.
(نَقُصُّهُۥ عَلَيۡكَ) كلمة (نَقُصُّهُ) مأخوذة من "قص الأثر" ومن يقص الأثر يتتبع مواقع الأقدام، وبسير معها فلا يتجه لا يمينًا ولا شمالًا.
ولذلك فكلمة "القصص" في اللغة العربية تعنى الإلتزام الحرفي بكل ما وقع من أحداث.
فحين يقول تعالى
(نَقُصُّهُۥ عَلَيۡكَ) يعنى ما ذكر من أحداث، هي عين ما حدث بالفعل. 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(مِنۡهَا قَآئِم وَحَصِيد) 
كلمة (قَآئِم) يعنى الزرع القَآئِم (وَحَصِيد) هو الزرع المحصود.
والمعنى أن هذه القري المُهْلَكة، منها ما هو آثاره لا تزال قائمة باقية ترونها بأعينكم، مثل "مدائن صالح" و"مدائن شعيب" وآثار الفراعنة. 
ومنها ما هو كالأرض التى حُصِّدَ زرعها، يعنى آثارهم خربة، أو مدروسة مطمورة تحت الأرض، مثل ديار قوم نوح، وآثار قوم "عاد" وقرى قوم لوط. 


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(وَمَا ظَلَمۡنَٰهُمۡ وَلَٰكِن ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡۖ فَمَآ أَغۡنَتۡ عَنۡهُمۡ ءَالِهَتُهُمُ ٱلَّتِي يَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مِن شَيۡء لَّمَّا جَآءَ أَمۡرُ رَبِّكَۖ وَمَا زَادُوهُمۡ غَيۡرَ تَتۡبِيب ﴿١٠١﴾
(وَمَا ظَلَمۡنَٰهُمۡ وَلَٰكِن ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ) 
يعنى وَمَا ظلمنا أهل هذه القري عندما أهلكناهم، ولكم هم الذين ظلموا أنفسهم، لأنهم عرضوا أنفسهم لعقاب الله تعالى، بسبب اصرارهم على الكفر، وكفرهم بالرسل الذين أرسلوا اليهم.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(فَمَآ أَغۡنَتۡ عَنۡهُمۡ ءَالِهَتُهُمُ ٱلَّتِي يَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مِن شَيۡء)
لم تنفعهم الأصنام ٱلَّتِي يَعبدونها مِن غير ٱللَّهِ تعالى.
وكلمة
(مِن شَيۡء) يعنى لم تنفعهم بأي شَيۡء مهما كان صغيرا.
(لَّمَّا جَآءَ أَمۡرُ رَبِّكَ) لَّمَّا جَآءَ أَمۡرُ رَبِّكَ بهلاكهم.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَمَا زَادُوهُمۡ غَيۡرَ تَتۡبِيب) 
التَتۡبِيب هو الهلاك والخسران.
فكانت العرب تقول: تبًا لك، يعنى هلاكًا لك.
ومنه قول الله تعالى
(تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) يعنى هلكت وخسرت.
فقوله تعالى
(وَمَا زَادُوهُمۡ غَيۡرَ تَتۡبِيب) 
يعنى هذه الأصنام لم تنفعهم، وانما  كانت سببًا للخسران والهلاك.
لأن هذه الأصنام ستشهد عليهم يوم القيامة.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَكَذَٰلِكَ أَخۡذُ رَبِّكَ إِذَآ أَخَذَ ٱلۡقُرَىٰ وَهِيَ ظَٰلِمَةٌۚ إِنَّ أَخۡذَهُۥٓ أَلِيم شَدِيدٌ ﴿١٠٢﴾
(وَكَذَٰلِكَ أَخۡذُ رَبِّكَ إِذَآ أَخَذَ ٱلۡقُرَىٰ) 
يعنى عقابه وعذابه -تعالى- ليس مقتصرًا على هذه الأمم البائدة التى ذكرها -تعالى- في هذه السورة، 
ولكن هذه هي سنته -تعالى- التي لا تتخلف مع كل الأمم الظالمة العاصية، 
وهذا تحذير للناس من أن يسيروا في نفس طريقهم. 

(وَكَذَٰلِكَ أَخۡذُ رَبِّكَ) والأخذ تدل على السرعة وتدل على الشدة.
(وَهِيَ ظَٰلِمَةٌ) أي وَهِيَ مشركة وعاصية لله تعالى.
(إِنَّ أَخۡذَهُۥٓ أَلِيم شَدِيدٌ) أَخۡذَهُۥٓ -تعالى- مؤلم موجع قاس غليظ لا هوادة فيه.
أخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه عن أبي موسى الأشعري أن النبي ﷺ قال
"إن الله ليملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته" ثم قرأ الرسول ﷺ (وكذلك أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القرى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)
يقول الزمخشري في تفسيره الكشاف
" فعلى كل من أذنب أن يحذر أخذ ربه الأليم الشديد، فيبادر التوبة ولا يغتر بالإمهال."
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ويقول الرازي في تفسيره "مفاتيح الغيب"
واعلم أن هذه الآية تدل على أن من أقدم على ظلم، فإنه يجب عليه أن يتدارك ذلك بالتوبة والإنابة، لئلا يقع في الأخذ الذي وصفه الله تعالى بأنه أليم شديد، ولا ينبغي أن يظن أن هذه الأحكام مختصة بأولئك المتقدمين، لأنه تعالى لما حكى أحوال المتقدمين قال (وَكَذَٰلِكَ أَخۡذُ رَبِّكَ إِذَآ أَخَذَ ٱلۡقُرَىٰ وَهِيَ ظَٰلِمَةٌ إِنَّ أَخۡذَهُۥٓ أَلِيم شَدِيدٌ) فبين أن كل من شارك أولئك المتقدمين في فعل ما لا ينبغي، فلا بد وأن يشاركهم في ذلك الأخذ الأليم الشديد.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَة لِّمَنۡ خَافَ عَذَابَ ٱلۡأٓخِرَةِۚ ذَٰلِكَ يَوۡم مَّجۡمُوع لَّهُ ٱلنَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوۡم مَّشۡهُود ﴿١٠٣﴾
(إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَة)
يعنى ما ساقه القرآن من أحوال الأمم السابقة فيه عبرة وعظة
(لِّمَنۡ خَافَ عَذَابَ ٱلۡأٓخِرَةِ) يعنى لمن يؤمن بيوم القيامة، ويخاف عذاب الله -تعالى- وعقابه.
أما الذي لا يؤمن بيوم القيامة، وما فيه من ثواب وعقاب، وهم الملاحدة، فانه لا يعتبر ولا يتعظ بما حل بهذه الأمم البائدة من العذاب، انما ينسب ما حل بهم الى عوامل طبيعية، ولا علاقة له بكفرهم.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(ذَٰلِكَ يَوۡم مَّجۡمُوع لَّهُ ٱلنَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوۡم مَّشۡهُود)
(ذَٰلِكَ يَوۡم مَّجۡمُوع لَّهُ ٱلنَّاسُ) وهو يوم القيامة يجمع له كل الناس لا يتخلف منهم أحد.
يقول الشعراوي: كلمة "مجموع" تقتضي وجود "جامع"؛ و"المجموع" يتناسب مع قدرة "الجامع"؛ فاذا كان الجامع هو الله فلا يمكن أن يتخلف مخلوق عن شهود هذا اليوم.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَذَٰلِكَ يَوۡم مَّشۡهُود) يعنى كثير شهوده.
يشهده المؤمن والكافر، ويشهده أهل السماء وأهل الأرض.
ويشهده الناس من لدن آدم الى قيامة الساعة، وتشهده الجن، وتشهده الملائكة.
تشهده حتى البهائم فتشهد في هذا اليوم على من ظلمها. 
وتشهده حتى الوحوش، فيشهد بعضها على بعض، ويقتص بعضها من بعض.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَمَا نُؤَخِّرُهُۥٓ إِلَّا لِأَجَل مَّعۡدُود ﴿١٠٤﴾
يعنى لا نؤخر هذا اليوم، وهو يوم القيامة، إلا لوقت محسوب ومحدد، ومعلوم عندنا.
وما كان له عدد فله نهاية.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(يَوۡمَ يَأۡتِ لَا تَكَلَّمُ نَفۡسٌ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦۚ فَمِنۡهُمۡ شَقِيّ وَسَعِيد ﴿١٠٥﴾
يذكر الله جانب من أهوال يوم القيامة، ومن أحوال الناس فيه، فيقول تعالى:  
(يَوۡمَ يَأۡتِ لَا تَكَلَّمُ نَفۡسٌ إِلَّا بِإِذۡنِهِ) 
(لَا تَكَلَّمُ)
أصلها: لَا تتَكَلَّمُ، وحذفت احدي التائين للتخفيف.
والمعنى: يَوۡمَ يَأۡتِي هذا اليوم، وهو يوم القيامة، لَا تتَكَلَّمُ نَفۡسٌ إِلَّا بِإِذۡنِ الله تعالى.
وفي سورة النبأ قال تعالى
( يَوْمَ يَقُومُ الروح والملائكة صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحمن وَقَالَ صَوَاباً) 
ثم يقول تعالى (فَمِنۡهُمۡ شَقِيّ وَسَعِيد)
يعنى هذه النفوس ِمنۡهُمۡ شَقِيّ وَسَعِيد.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ فَفِي ٱلنَّارِ لَهُمۡ فِيهَا زَفِير وَشَهِيقٌ ﴿١٠٦﴾
نحن نعلم أن الشَهِيقٌ هو ادخال النفس في الصدر، و الزَفِير هو اخراج النفس من الصدر.
كأنهم -كما نقول- بينهجوا وهم فِي ٱلنَّارِ.
والإنسان ينهج عندما يبذل الجهد.
فقوله تعالى
(لَهُمۡ فِيهَا زَفِير وَشَهِيقٌ) تصوير لما هم فيه من جهد وشقاء وكرب عظيم.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقيل أن الزفير هو أول صوت نهيق الحمار، والشهيق آخر نهيقه.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(خَٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ إِلَّا مَا شَآءَ رَبُّكَۚ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّال لِّمَا يُرِيدُ ﴿١٠٧﴾
(خَٰلِدِينَ فِيهَا) يعنى لا يخرجون منها ولا يموتون فيها.
(مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ) 
قيل أن المقصود منها سَّمَٰاوَٰاتُ الآخرة وأرضها، وليس ٱلسَّمَٰاوَٰاتُ وَٱلۡأَرۡضُ التى نحن فيها.
يقول تعالى في سورة ابراهيم
(يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ)
فالمقصود هو التابيد، يعنى خَٰلِدِينَ فِيهَا أبدا، لأن سَّمَٰاوَٰاتُ الآخرة وأرضها دائمتان أبدا.
وقيل: أن الله تعالى خاطب العرب بالألفاظ التى يستخدمونها في التأبيد، فكانت العرب تقول: لا أفعل ذلك ما دامت السموات والأرض، فخاطبهم القرآن على عرفهم في كلامهم.
فسواء المقصود ٱلسَّمَٰاوَٰاتُ وَٱلۡأَرۡضُ التى نحن فيها، أو سَّمَٰاوَٰاتُ الآخرة وأرضها، فالتعبير يقصد به التابيد.

(خَٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ) خَٰالِدِينَ فِي النار أبدًا لا يخرجون منها ولا يموتون فيها.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم استثنى تعالى وقال (إِلَّا مَا شَآءَ رَبُّكَ) 
يعنى إِلَّا مَا شَآءَ رَبُّكَ أن يخرجهم من النار، من عصاة المسلمين.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: هؤلاء قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْقِبْلَةِ، يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ بِالنَّارِ مَا شَاءَ بِذُنُوبِهِمْ، ثُمَّ يَأْذَنُ فِي الشَّفَاعَةِ لَهُمْ، فَيَشْفَعُ لَهُمُ الْمُؤْمِنُونِ، فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ، فَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ، فَسَمَّاهُمْ أَشْقِيَاءٌ حِينَ عَذَّبَهُمْ فِي النَّارِ، فَقَالَ: فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(إِنَّ رَبَّكَ فَعَّال لِّمَا يُرِيدُ) 
يَقُولُ أَبَو نَضْرَةَ -وكان من كبار علماء البصرة- يَنْتَهِي الْقُرْآنُ كُلُّهُ إِلَى هَذِهِ الآيَةِ (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّال لِّمَا يُرِيدُ) 


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 (۞ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي ٱلۡجَنَّةِ خَٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ إِلَّا مَا شَآءَ رَبُّكَۖ عَطَآءً غَيۡرَ مَجۡذُوذ ﴿١٠٨﴾
(وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ) يعنى وَأَمَّا ٱلَّذِينَ أسعدهم الله. 
(فَفِي ٱلۡجَنَّةِ خَٰلِدِينَ فِيهَا) يعنى خَٰالِدِينَ في ٱلۡجَنَّةِ لا يخرجون منها ولا يموتون فيها. 
(مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡض) 
أيضًا سواء المقصود ٱلسَّمَٰاوَٰاتُ وَٱلۡأَرۡضُ التى نحن فيها، أو سَّمَٰاوَٰاتُ الآخرة وأرضها، فالتعبير يقصد به التابيد.
يعنى لا يخرجون من ٱلۡجَنَّةِ أبدا ولا يموتون فيها أبدا.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم استثنى هنا أيضًا وقال (إِلَّا مَا شَآءَ رَبُّكَ) 
هل معنى ذلك أن هناك من يدخل الجنة ثم يخرج منها ؟
قال العلماء أن هذا الإستثناء المقصود به الفترة التى مكث فيها أصحاب المعاصي من المسلمين قبل دخولهم الجنة.
فهذا الإستثناء من الخلود، هو فترة دخولهم النار قبل دخولهم الجنة.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يطمئن الله تعالى القلوب ويطيبها برحمته فيقول (عَطَآءً غَيۡرَ مَجۡذُوذ) يعنى لن ينقطع عنهم أبدًا.
جذ يعنى قطع، جذ الشجرة يعنى قطعها.

(فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا) يعنى حطم الأصنام وجعلها قطعًا صغيرة. 
فقوله تعالى
(عَطَآءً غَيۡرَ مَجۡذُوذ) يعنى عَطَآءً غَيۡرَ مقطوع، لن ينقطع عنهم أبدًا.
يعنى بعد دخول الجنة لن يخرجوا منها أبدا.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ولم يذكر هذا في حق أهل النار، لأن بعض أهل النار -كما ذكرنا- سيخرج منها، وهم الموحدون.
ولكنه -تعالى- ذكرها في حق أهل الجنة، لأن أهل الجنة لن يخرجون منها ابدا.

وقد جاء في الصحيحين "
يؤتى بالموت في صورة كبش أملح فيذبح بين الجنة والنار ثم يقال يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت" 
وفي الصحيح أيضا "يقال يا أهل الجنة إن لكم أن تعيشوا فلا تموتوا أبدا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا، وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا".

وقيل أن قوله تعالى (إِلَّا مَا شَآءَ رَبُّكَ) معناه أن ما هم فيه من النعيم ليس أمرًا واجبًا بذاته، بل هو موكول إلى مشيئة الله تعالى فله المنة عليهم.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

وقيل أن قوله تعالى (إِلَّا مَا شَآءَ رَبُّكَ) يعنى أهل الجنة لهم نعيم سوي الجنة، وهو النظر الى وجه الله تعالى.
روي مسلم في صحيحه عَنْ صُهَيْبٍ -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أنه قَالَ: 

إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ: يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنْ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، يعنى يَكْشِفُ الله الْحِجَابَ الذي بينه وبين عباده، يقول: فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ. 
ندعو الله تعالى أن يرزقنا لذة النظر الى وجهه الكريم.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
هناك لمسة بلاغية دقيقة، حين تكلم تعالى عن أهل الجنة قال (وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ) جائت بصيغة ما لم يسم فاعله، أو المبنى للمجهول، يعنى: ٱلَّذِينَ أسعدهم الله.
وحين تكلم عن أهل النار
(فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ) يعنى هم الذين اشقوا أنفسهم بكفرهم وأعمالهم.
فالذين أسعدوا أسعدوا برحمة الله، والذين شقوا شقوا بما قدمت أيديهم.
روي البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: 

"لَنْ يُدْخِلَ أحَدًا عَمَلُهُ الجَنَّةَ، قالوا: ولا أنْتَ يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: ولا أنا، إلَّا أنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بفَضْلٍ ورَحْمَةٍ"

 

        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

الملِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇