Untitled Document

عدد المشاهدات : 841

الحلقة (587) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" بين يدي سورة "يُوسُف"- الجزء الأول

الحلقة رقم (587)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

بين يدي سورة "يُوسُف"- الجزء الأول
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

سورة "يُوسُف" هي السورة رقم (12) في ترتيب المصحف، وعدد آياتها (111) آية.
وسورة "يُوسُف" سورة "مَكِّيَّةٌ"، أي أنها نزلت قبل هجرة النبي ﷺ من مكة الى المدينة.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وسميت سورة "يُوسُف" بهذا الاسم لأنه جاءت فيها قصة نبي الله يُوسُفَ -عَلَيْهِ السَّلامُ-
وقصة يُوسُفَ -عَلَيْهِ السَّلامُ- هي أطول قصة في القرآن 
وتميزت قصة يُوسُفَ أيضًا بأنها لم تأت مفرقة  في عدة سور، 
وانما جاءت مجمعة في سورة واحدة من أولها الى آخرها،
لأن كل قصص الأنبياء الآخرين، جاءت مفرقة في عدة سور.
يعنى مثلًا قصة موسي جاءت في سبعة عشر موضعًا.
وهذا له هدف، أن كل جزء من القصة، أو كل لقطة من القصة يأتي ليخدم مقصد السورة التي جاء فيها.
وهذا امر لا تجده الى في القرآن العظيم.
اما قصة يُوسُفَ فتميزت -كما ذكرنا- بأنه لم تأت مفرقة في عدة سور مثل كل قصص الأنبياء في القرآن، 
وانما جاءت في سورة واحدة كاملة من أولها الى آخرها.
لماذا تميزت قصة يوسف بهذا الأمر؟
لأن قصة يوسف فيها ترتيب وتسلسل للأحداث لا يناسبها أن تأتي مفرقة
وفي نفس الوقت جاءت سورة يوسف لها المقاصد الخاصة بها.

اذن لم تأت حتى تخدم مقصد سورة جاءت فيها، ولكن هيه نفسها لها مقاصد خاصة بها.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

المحور الأساسي لقصة يُوسُفَ هو ان العاقبة الحميدة للمؤمنين.
يعنى نهاية القصة بالنسبة للمؤمن لابد أن تكون نهاية سعيدة.
لأن ملخص قصة يُوسُفَ أن يُوسُفَ -عَلَيْهِ السَّلامُ- مر بسلسلة طويلة من الصعوبات والشدائد، فصبر عليها جميعًا، والتزم بمنهج الله، ثم كانت النتيجة هي هذه النهاية السعدية، أن أصبح عزيز مصر، واجتمع بأبويه، وسجد له أخوته.
نهاية سعيدة ليعقوب، لأنه ايضًا التزم بمنهج الله (فصبر  جميل والله المستعان على ماتصفون) عاد اليه بصره، واجتمع بيوسف وأخيه.
نهاية سعيدة حتى لأخوة يوسف وامرأة العزيز لأنهم ندموا وتابوا من ذنوبهم.
وجاء هذا المقصد الأساسي لسورة يُوسُفَ في نهاية القصة، في الآية (90) في قوله تعالى على لسان يوسف وهو يلخص تجربته في الحياة: 
(إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ ٱلله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ) 
العاقبة الحميدة للمؤمنين، نهاية القصة بالنسبة للمؤمن لابد أن تكون نهاية سعيدة.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ولذلك كان نزول سورة يوسف في السنة العاشرة من البعثة، وهي الفترة التي كانت بعد وفاة زوجته السيدة خديجة، ووفاة عمه النصير القوي "أبو طالب" واشتد فيها إيذاء قريش للنبي ﷺ 
فنزلت سورة يوسف لمواساة النبي ﷺ وللمؤمنين، ولتؤكد للنبي ﷺ وللمؤمنين هذه القاعدة من قواعد القرآن الكريم، وهي ان العاقبة الحميدة للمؤمنين.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

المقصد الثاني لسُورَةُ يُوسُفَ، هو الثقة في تدبير الله -عز وجل- 
تجد أن كل أحداث سُورَةُ يُوسُفَ نتائجها عكس مقدماتها
، يعنى الظاهر شيء والنتيجة عكسه، فيسوف كان محبوبًا من والده، 
وهذا الأمر ظاهره جيد، ولكن كانت النتيجة أن اخوته حسدوه والقوه في البئر.
 ثم القاء يوسف في البئر، وبيعه واسترقاقه كلها أمور ظاهرها سيء، ولكن كانت النتيجة انه انتقل الى بيت عزيز مصر، وفي هذا البيت حصل علوم ما كان يستطيع أن يحصلها وهو في البادية، وهذه العلوم هي التى جعلته ينجح في مهمته عندما أصبح عزيز مصر، وأنقذ مصر والمنطقة من المجاعة.
وجود يوسف في بيت العزيز ظاهره جيد، ولكن كان نتيجته أن راودته امرأة العزيز عن نفسه، وانتهي به الأمر الى دخول السجن.
دخول يوسف السجن ظاهره سيء، ولكن كانت النتيجة ان أصبح عزيز مصر.
حتى عندما أوصي يُوسُفَ صاحبه في السجن أن يذكر مظلمته عند الملك، ونسي صاحبه أن يذكره عند الملك، هذا أمر ظاهره سيء، ولكن كانت النتيجة أن هذا الرجل تذكر في الوقت المناسب، وهو وقت احتياج الملك لمن يعبر له رؤيته.
كذلك الجفاف الذي أصاب المنطقة التي فيها يعقوب وأخوة يوسف ظاهره سيئ، ولكن كانت النتيجة ان جاءوا الى مصر واجتمعوا بيوسف.
اذن كل أحداث القصة تأتي فيها النتائج عكس المقدمات.
وهذه من أهم مقاصد سُورَةُ يُوسُفَ، وهو الثقة في تدبير الله -عز وجل- 
سيبك من أي حاجة بتحصل من حواليك خلك معايا 
قال تعالى في سورة البقرة (وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون) 
عندما يصاب الإنسان بأي مصيبة لا يجب أن يحزن، بل يثق في تدبير الله عز وجل، 
كان نفسك تتزوجي من ابن خالتك، لكن هو لم يتقدم لك، وتزوج من بنت خالتك الثانية، لماذا تحزني؟ هل أنت تعرفين الغيب، أنت لا تعرفين أي شيء.
كان نفسك تدخل كلية الشرطة، ولم تقبل، لماذا هذا الاكتئاب؟ هل أنت تعلم ما الذي كان سيحدث في المستقبل عندما تدخل كلية الشرطة؟ طب انته عارف اليه اللي حيصل عشان ما دخلتش كلية الشرطة ودخلت كلية تانية؟
قدمت في الشركة الفلانية، وكان نفسك تشتغل فيها
قدمت لسفر لدولة ولم يتم الأمر.
وهكذا كل الأحداث المحزنة التي يمر بها، يجب أن يكون معتدل في حزنه، لأن الله يعلم ونحن لا نعلم، (والله يعلم وأنتم لا تعلمون) 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
كان "سعد بن أبي وقاص" وهو من العشرة المبشرين بالجنة، وكان من مناقبه أنه مستجاب الدعوة، وكان هذا من بركة دعوة الرسول ﷺ له، قال "الله سدد رميته، وأجب دعوته" 
وكان الصحابة والتابعين يأتون اليه، ويطبون منه الدعاء، فيستجيب الله لدعائه، 
ثم كف بصره عندما تقدم عمره، فجاءه يومًا "عبد الله بن السائب" وكان غلامًا في ذلك الوقت وقال له:
-    يا عم أنت تدعو للناس ويستجاب لك، فلو دعوت لنفسك أن يرد الله عليك بصرك.
فقال له سعد: 
-    يا بنى قضاء الله عندي أحب الى من بصري.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اذن هذه من أهم مقاصد سُورَةُ يُوسُفَ، وهو الثقة في تدبير الله -عز وجل- والثقة والرضا بقضائه تعالي. 
وعدم اليأس، ولذلك فمن الايات المحورية: (وَلَا تَيْئَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)
يعنى: لَا تَيْئَسُوا ولا تفقدوا الأمل في فرج الله وفي رحمة الله.
وجعل اليأس من رحمة الله من صفات الكافرين، لأنه يكذب صفة من صفات الله، وهي صفة الرحمة.
عندما قال يعقوب هذه الكلمة (وَلَا تَيْئَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ) كان في أحرج موقف، لإنه كان قد مر على فقد يوسف عشرين سنة، ثم فقد ثاني أحب أبناءه اليه بعد يوسف وهو بنيامين، وكان فقد بصره.
يعنى المصيبة أصبحت مصيبتين، ومع ذك يقول (وَلَا تَيْئَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ)

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اذن من أهم مقاصد سُورَةُ يُوسُفَ، هو الثقة في تدبير الله -عز وجل- وعدم اليأس.
ولذلك يقول عطاء ابن أبي رباح -من علماء التابعين- "لا يقرأ سورة يوسف محزون الا سري عنه" 
لأن الذي يقرأ سورة يوسف بتدبر ويقين لابد أن يشعر بالهدوء والسكينة ويسري عنه حزنه.
يقول أحدهم: علمتني سورة يوسف أن: المريض سيشفى، والغائب سيعود، والحزين سيفرح، والكرب سيرفع بإذن ﷲ.
ولذلك قالوا: اذا أردت جوائز مثل جوائز يوسف، 
فعليك بمنهج يوسف: 
(إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
مقصد ثالث من مقاصد سُورَةُ يُوسُفَ، وهو الثبات على منهج الله، سواء في الشدة أو الرخاء.
لأن حياة الإنسان عبارة عن فترات شدة وفترات رخاء، وسواء كان الإنسان في فترات الشدة أو الرخاء فهو مختبر من الله تعالى، هل سيصبر في الشدة ولا يتسخط ورضى بقضاء الله تعالى؟ وهل سيصبر في الرخاء، ولا تطغيه أو تلهيه أو تصرفه النعم عن الالتزام بمنهج الله؟
يوسف -عَلَيْهِ السَّلامُ- مر من الرخاء الى الشدة ومن الشدة الى الرخاء، عدة مرات، وكلها انتقالات عنيفة، من القمة الى القاع ومن القاع الى القمة عدة مرات، وفي كل الأحوال كان يوسف ثابتًا.
انتقل من حضن أبيه النبي المحب العطوف، الى قاع البئر.
ومن قاع البئر الى قصر العزيز
ومن قصر العزيز الى السجن
ومن السجن الى عزيز مصر.
في كل هذه المواقف كان يوسف ثابت على منهج الله، وثابت على طاعة الله كالجبل.
ثابت على على منهج الله وهو في قصر العزيز.. ثابت على منهج الله وهو في السجن.. ثابت على منهج الله وهو عزيز مصر.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ولذلك وجدوا أن أكثر سورة ذكر فيها الاحسان هي سورة يوسف، وأكثر نبي وصف بالإحسان هو يوسف عليه السلام.
والإحسان هو أن تؤدي أفضل ما عندك.
تجد قصة يوسف خمسة مشاهد: في البادية مع أبوه، في البئر، في قصر العزيز، في السجن، عزيز مصر.
في كل مشهد من المشاهد، أو في  كل مقطع من القاطع، تأتي آية تتكلم عن الإحسان.
يعني يوسف في كل مرحلة من المراحل، سواء في الشدة او ارخاء، فهو ثابت كالجبل على منهج الله تعالى.
فهذا مقصد من أهم  مقاصد سُورَةُ يُوسُفَ، وهو الثبات على طاعة الله وعلى منهج الله، سواء في الشدة أو الرخاء.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
من مقاصد سورة يوسف اعتزاز المؤمن بإيمانه:
بيع يوسف في السوق بدراهم معدودة، وأصبح بعد أن كان غلام حر يعيش وسط أسرته، أصبح عبد في بلد غريب.
ومع ذلك عندما ترادوه زوجة رئيس وزراء مصر، يقول في عزة المؤمن ( مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ )
وعندما تراوده كل نساء الطبقة العليا الثرية الحاكمة في مصر، يرفض ويقول في عزة المؤمن "رب السجن أحب الى مما يدعونني اليه"
عندما اعترفت امرأة العزيز على نفسها، قالت (الآن حصص الحق أنا راودته عن نفسه فاستعصم) كلمة فاستعصم تحس فيها بالشموخ.
حتى عندما يدخل السجن ظلمًا وعدوانًا، ويرسل اليه ملك مصر يطلبه، يرفض أن يخرج من السجن قبل أن يثبت براءته، 
(ارْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ۚ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ) لدرجة أن هذا الموقف تعجب من النبي 
"لَو لَبِثْتُ في السِّجنِ طولَ ما لَبِثَ يوسفُ لأجبتُ الدَّاعيَ"

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
عندما وقع "عبد الله بن حذافة السهمي" اسيرًا لدي الروم، -كان ذلك في عهد عمر وذهبوا الى قيصر الروم، وحاول ملك الروم أن يكسره ويذله و"عبد الله بن حذافة" شامخ كالجبل، في قصة طويلة، حتى قال له الملك: تقبل رأس وأخلى سبيلك، فرفض وقال: الا أن تخلى سبيل كل أسري المسلمين، ووافق الملك وقبل حذافة رأس الملك وعاد الى عمر بكل أسري المسلمين، وهو يبكي بكاءُا مرًا لأنه قبل رأس قيصر الورم، وحتى أشفق عليه "عمر بن الخطاب" وقال حق على كل مسلم أن يقبل رأس ابن حذافة وأنا أبدأ، وقام "عمر" وقبل رأس "عبد الله بن حذافة" 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اذن في سورة "يوسف" نجد يوسف في المواقف التى هي مظنة الذلة أو الخنوع، مثل وجوده كعبد في قصر العزيز، أو وجوده في السجن، أو التحقيق معه، نجد يوسف شامخ كالجبل، وهو ليس اعتزاز بالنفس، ولكن اعتزاز بالإيمان بدينه.
بدليل أنه عندما أصبح عزيز مصر، كان هناك التواضع الشديد (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) 


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

من مقاصد سورة يوسف أنها تدل على طريق النجاح في الدنيا والآخرة.
لأن قصة "يوسف" هي قصة نجاح مبهر
ة، وأعظم قصص النجاح هي التي تكون بدايتها لا تبشر ولا تساعد على أي نجاح، وهكذا كانت بداية قصة يوسف، بدأت بكراهية من الأخوة، وتآمر على التخلص منه، ثم بيع عبدًا بدراهم معدودة، ثم محنة مراودة امرأة العزيز وكل نساء الطبقة الحاكمة في مصر، ثم الى السجن، وأن يظل في السجن سنوات طويلة، كل هذه الظروف القاسية، لا تبشر بأي نجاح، لا يمكن أن تكون مقدمة لأي نجاح، ولكن من رحم هذه الظروف القاسية، يصبح "يوسف" هو عزيز مصر، وهي أعلى وظيفة إدارية في الدولة، يعنى وظيفة "رئيس الوزراء الآن" وربما هو منصب كان لا يشغله الا واحد من داخل الأسرة الحاكمة، ومع ذلك تولى "يوسف" هذا المنصب الرفيع.
والنجاح الأعظم ليوسف، أن جلوسه على هذا الكرسي، لم يكن في فترة من فترات قوة الدولة، بل -على العكس- كان ذلك في فترة من فترات ضعف الدولة عسكريًا واقتصاديًا، ومرت المنطقة كلها بفترة طويلة من فترات الجفاف استمرت سبع سنوات، ومع كل هذا أصبح يوسف هو أنجح من تولى هذه المنصب في تاريخ مصر.
كيف حقق يوسف هذا النجاح المبهر من لا شيء؟ كيف حقق هذه المعادلة المستحيلة؟ 
بهذه القاعدة أو هذا التوجيه الذي ذكره الله تعالى على لسان يوسف في الاية (90) (إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ ٱلله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ)
تخيل لو كان يوسف قد وافق امرأة العزيز عندما راودته عن نفسه؟ في القصة (وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ) يعنى كان زوجها سيكتشف الخيانة، وكان سيقتل يوسف أو ينكل به، وتنتهي قصة يوسف.
تخيل لو كان يوسف وهو في قصر العزيز، كان انسان خامل، أو كان مكتئب ورافض للحياة بسبب الظروف التي وجد نفسه فيها، ولكن يوسف لم يستسلم لهذه الظروف، وانما استفاد من وجوده في قصر العزيز، وتعلم كل ما هو متاح من أنواع العلوم، ولذلك قال بعد ذلك بمنتهي الثقة (ٱجْعَلْنِى عَلَىٰ خَزَائِنِ ٱلاْرْضِ إِنّى حَفِيظٌ عَلِيمٌ)
اذن من مقاصد سورة يوسف أنها تدل على طريق النجاح في الدنيا والآخرة.
لأن قصة يوسف هي قصة نجاح مبهرة من رحم ظروف قاسية.
ولخص "يوسف" تجربة نجاحه في هذه الآية المحورية الكريمة: 
(إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ ٱلله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ)

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
أدبيًا: قصة يوسف فيها كل فنون القصة، من تصوير الأحداث، الى الحبكة، الى الحوار، الى عرض خبايا النفس من خلال الحوار، الى التشويق، الى استخدام الرموز، الى الفلاش باك، وفلاش باك لا يحرق القصة.
تجد القصة بدأت بحلم، وانتهت بتفسير الحلم.
قصة لا تمل من قراءتها.
قصة يوسف عالجت قضايا تربوية واجتماعية ونفسية وأخلاقية واصلاحية وسياسية واقتصادية وطبية.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
تجد قميص يوسف استخدم كأداة براءة لأخوته، وكان هو نفس دليل خيانتهم، وتجد القميص استخدم كأداة براءة يوسف من تهمة التعدي على امرأة العزيز، ثم استخدم لرد بصر يعقوب.
قصة يوسف فيها نهاية سعيدة لكل شخصيات القصة، ذكرنا ان فيها نهاية سعيدة ليوسف، ونهاية سعيدة ليعقوب، ونهاية سعيد لإخوة يوسف، ونهاية سعيدة لإمرأة العزيز.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ونهاية سعيدة للملك لإن مملكته نجت من المجاعة، وارتفع شأن مملكته بين الأمم المجاورة، لإن مملكته هي التى أنقذت المنطقة من المجاعة، نهاية سعيدة للمصريين كلهم، لأنهم نجوا من المجاعة، وكان هناك عدل في عهد هذا الملك.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
قصة يوسف فيها عدد لا ينتهي من المقاصد والعبر والدروس، سنتعرض لها ان شاء الله من خلال التفسير.
فيها عدد من الإشارات العلمية الرائعة سنتعرض لها أيضًا ان شاء الله من خلال الحلقات.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
الحلقة القادمة لن نبدأ في التفسير، نبدأ في الحلقة بعد القادمة ان شاء الله.
انما الحلقة القادمة ستكون ان شاء الله تعريف بيوسف نفسه، متى ولد؟ واين عاش؟ والوضع السياسي لمصر والمنطقة في عصر يوسف؟

        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

الملِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇