الحلقة رقم (593)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
تفسير وتدبر الآيات من (19) الى (22) من سورة "يُوُسُف"- ص 237
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَجَآءَتۡ سَيَّارَةٞ فَأَرۡسَلُواْ وَارِدَهُمۡ فَأَدۡلَىٰ دَلۡوَهُۥۖ قَالَ يَٰبُشۡرَىٰ هَٰذَا غُلَٰمٞۚ وَأَسَرُّوهُ بِضَٰعَةٗۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِمَا يَعۡمَلُونَ ﴿١٩﴾ وَشَرَوۡهُ بِثَمَنِۢ بَخۡسٖ دَرَٰهِمَ مَعۡدُودَةٖ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَّٰهِدِينَ ﴿٢٠﴾ وَقَالَ ٱلَّذِي ٱشۡتَرَىٰهُ مِن مِّصۡرَ لِٱمۡرَأَتِهِۦٓ أَكۡرِمِي مَثۡوَىٰهُ عَسَىٰٓ أَن يَنفَعَنَآ أَوۡ نَتَّخِذَهُۥ وَلَدٗاۚ وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلِنُعَلِّمَهُۥ مِن تَأۡوِيلِ ٱلۡأَحَادِيثِۚ وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰٓ أَمۡرِهِۦ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ ﴿٢١﴾ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُۥٓ ءَاتَيۡنَٰهُ حُكۡمٗا وَعِلۡمٗاۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ ﴿٢٢﴾
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
انتهينا في الآيات السابقة الى أن اخوة يُوسُف نفذوا مؤامرتهم الغادرة الطائشة، ووضعوا أخاهم يُوسُف في بئر، ثم رجعوا الى أبيهم وقالوا إن الذئب قد عدا على يُوسُف وأكله.
ولم يصدقهم يعقوب في هذه الكذبة
لأنهم جاءوا بقميص يوسف عليه دم، قالوا إنه دم يوسف، بينما القميص كان سليمًا كما هو لم يتمزق.
ولو كان الذئب قد أكل يوسف -كما يقولون-
فلابد أنه قد مزق القميص.
وانتهي المشهد بقول يعقوب
(بَلۡ سَوَّلَتۡ لَكُمۡ أَنفُسُكُمۡ أَمۡرٗاۖ فَصَبۡرٞ جَمِيلٞۖ وَٱللَّهُ ٱلۡمُسۡتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ويتساءل البعض لماذا لم يجبر يعقوب أبناءه بأي طريقة على الاعتراف بحقيقة ما حدث؟
لماذا لم يطلب يعقوب أن يذهب الى المكان الذي قالوا أن الذئب قد أكل فيه يوسف، ليحقق بنفسه في هذا الإدعاء؟
نقول: من قال لك أن ذلك لم يحدث.
ولكن القرآن قائم على الاختصار
لابد أن بعقوب قد بذل كل ما يستطيع بذله من أجل الوصول الى الحقيقة، ولكن لم يستطع في النهاية أن يصل الى شيء.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يقول تعالى: (وَجَآءَتۡ سَيَّارَةٞ فَأَرۡسَلُواْ وَارِدَهُمۡ فَأَدۡلَىٰ دَلۡوَهُۥۖ قَالَ يَٰبُشۡرَىٰ هَٰذَا غُلَٰمٞۚ وَأَسَرُّوهُ بِضَٰعَةٗۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِمَا يَعۡمَلُونَ ﴿١٩﴾
الآن انصرف اخوة يُوسُف بعد ان ارتكبوا جريمتهم النكراء، وبقي يُوسُف في البئر، وجاء عليه الليل وهو لا يزال في البئر،
وفي اليوم التالى مرت قافلة متجهة من الشام الى مصر،
وقيل إن القافلة مرت بعد ثلاثة أيام، يعنى ظل يوسف في البئر وحيدًا لمدة ثلاثة أيام كاملة.
وتوقفت القافلة في ناحية من البئر الذي فيه يُوسُف.
يقول تعالى: (فَأَرۡسَلُواْ وَارِدَهُمۡ) الوارد هو الذي يرد الماء.
يعنى أهل القافلة أرسلوا واحدًا منهم حتى يأتي لهم بالماء من البئر.
(فَأَدۡلَىٰ دَلۡوَهُۥ) يعنى أنزل دلو في البئر، بواسطة حبل، حتى يرفع به الماء من البئر.
فلما رأي يُوُسُف الحبل تعلق به.
فلما رفع الرجل الحبل رأي يوسف، وهو آية في الحسن والجمال.
فهتف الرجل (يَٰبُشۡرَىٰ هَٰذَا غُلَٰمٞ)
قرأت يا بشري ويا بشراي
يعنى يا فرحتاه هَٰذَا غُلاَٰمٞ يمكن أن يباع ويأخذ ثمنه.
ولما رآه بهذا الجمال والبهاء طمع أن يبيعه بسعر عظيم.
ثم يقول تعالى (وَأَسَرُّوهُ بِضَٰعَةٗ)
وقرأت (وأَسَرُوهُ) من الأسر
(وَأَسَرُّوهُ) يعنى وأخفوه.
و(بِضَٰعَةٗ) يعنى واعتبروه بضاعة من جملة تجارتهم.
اعتبروا يوسف شيء يباع ويشتري
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لماذا أخفوا يوسف؟
لأنهم سألوا يوسف عن قصته، وعلموا أنه حر، وعلموا أن أهله لابد سيبحثون عنه، فأخفوه حتى لا يصل اليه أهله.
يقول تعالى (وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِمَا يَعۡمَلُونَ)
وَٱللَّهُ -تعالى- عَلِيمُۢ بهذه الجريمة النكراء حين استرقوا يوسف، وهم يعلمون أنه حر، وهي جريمة لا تقل بشاعة عن جريمة اخوته حين ألقوه في البئر.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَشَرَوۡهُ بِثَمَنِۢ بَخۡسٖ دَرَٰهِمَ مَعۡدُودَةٖ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَّٰهِدِينَ ﴿٢٠﴾
(شَرَوۡهُ) بمعنى باعوه، وقد جاء البيع بمعنى الشراء في القرآن في أكثر من موضع، مثل قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ)
لماذا يأتي الشراء في اللغة العربية بمعنى البيع؟
لأن في أي عملة بيع وشراء، كل واحد من المتعاملين، بائع لما في يده، مشتري لما في يد صاحبه.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
فقوله تعالى (وَشَرَوۡهُ بِثَمَنِۢ بَخۡسٖ)
يعنى أصحاب القافلة بعد أن وصلوا الى مصر، باعوه لأحد التجار كعبد
(بِثَمَنِۢ بَخۡسٖ) أي بِثَمَنِۢ قليل، يعنى أقل من قيمة مثله من العبيد.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
قال تعالى (وَشَرَوۡهُ بِثَمَنِۢ بَخۡسٖ)
(دَرَٰهِمَ مَعۡدُودَةٖ) يعنى قليلة.
وكانت العرب تزن ما بلغ الأوقية وهي أربعون درهما فما فوقها، وما كان أقل من أوقية تعده، ولذلك كانوا يعبرون عن القليل بالمعدودة.
وفي التوراة أن يوسف بيع بعشرين درهمًا، والدرهم حوالي ثلاث جرامات من الفضة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لماذا قال تعالى (دَرَٰهِمَ مَعۡدُودَةٖ) ولم يكتف بقوله تعالى (بِثَمَنِۢ بَخۡسٖ)
لأنه لو قال (بِثَمَنِۢ بَخۡسٖ) وتوقف.
أي ثَمَنِۢ مهما كان كثيرًا -حتى لو كانت الدنيا كلها- فهو (ثَمَنِۢ بَخۡسٖ) مقابل يوسف.
فقال تعالى (دَرَٰهِمَ مَعۡدُودَةٖ) ليدل على أنه (ثَمَنِۢ بَخۡسٖ) حتى في عرف الناس، وأنه بيع بأقل حتى من قيمة مثله من العبيد.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يقول تعالى (وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَّٰهِدِينَ)
الزهد هو قلة الرغبة في الشيء.
وهذا تعليل بيعه بثمن بخس برغم جماله ونبله، لأنهم كانوا يريدون التخلص منه.
خوفًا من أن يصل اليه أهله، فيؤخذ منهم، وينتقمون منهم. (أنتم خطفتم ابننا)
فكانوا يريدون أن يتخلصوا منه بسرعة بأي مكسب.
وهذا مثل تاجر آثار، باع قطعة بمليون دولار، والدولار بخمسين جنيه مثلًا، مستعد يبيع الدولار بجنيه واحد، بس يخلص من التهمة اللي معاه.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقال البعض أن الله -تعالى- زهدهم في يوسف اكرامًا وحفظُا له
حتى لا يرغب فيه أحد لحسنه وجماله
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وفي التوراة أن أخوة يوسف كانوا يترددون على البئر الذي فيه يوسف، فجاءوا يومًا فوجدوا يوسف مع القافلة، فقالوا لهم: هذا عبد أبق منا، فقالوا لهم: نشرتيه منكم، فباعه اخوته الى أصحاب القافلة بعشرين درهم، فأخذ كل واحد من الإخوة درهمين.
وبعد أن قبضوا ثمنه قالوا لهم: استوثقوا منه لا يأبق، فربطوا يوسف حتى وصلوا الى مصر.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وعلى هذا يكون قوله تعالى (وَشَرَوۡهُ بِثَمَنِۢ بَخۡسٖ دَرَٰهِمَ مَعۡدُودَةٖ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَّٰهِدِينَ) المقصود به اخوة يوسف، يعنى باعوه أخوته بثمن قليل، لأنهم كانوا يريدون التخلص منه.
وان كان ظاهر النظم أن الذين باعوه هم القافلة.
وسواء كان المقصود أن الذي باع يوسف هم أصحاب القافلة أو أخوة يوسف، فالنتيجة واحدة أن يوسف -عليه السلام- بيع عبدًا بعد أن كان حرًا بثمن قليل دراهم معدودة.
ولم يكن أحد يتخيل أن هذا الذي بيع عبدًا بدراهم معدودة، سيصبح نبيًا عظيمًا، وسيصبح عزيز مصر، وسيكون هو الذي سينقذ شعب مصر بالكامل، بل سينقذ شعوب المنطقة كلها من المجاعة.
ولذلك لا تقلل من شأن أحد، وخصوصًا الصغار لا تقلل من شأنهم، قد يكون هذا الطفل الصغير الذي لا تلتفت اليه، قد يكون عالمًا، قد يكون وليًا، قد يكون داعيًا الى الله، قد يكون طبيبًا رحيمًا.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وكلمة (غُلَٰامٞ) تدل على سن يوسف وقت ألقى في البئر.
لأن في التوراة أن سن يوسف -حين ألقي في البئر- كان سبعة عشر عامًا، وكثر من كتب التفسير ذكرت ذلك أيضًا، لأنه لا يوجد في السنة حديث عن سن يوسف حين ألقي في البئر.
ولكن كلمة (غُلَٰامٞ) لا تدل على أن سنه كان سبعة عشر عامًا
وقت ألقي في البئر.
لأن كلمة (غُلَٰامٞ) في اللغة يعنى السن منذ الولادة حتى البلوغ.
وقلنا أن كلمة (يلتقطه) تدل على أن وزنه كان خفيفًا، يعنى لم يكن وزن شاب وانما وزن غلام صغير.
سياق القصة يدل أيضًا على أن سن يوسف -حين ألقي في البئر- لم يكن صغيرًا جدًا، لأن أساسيات العقيدة ومكارم الأخلاق كانت راسخة عند يوسف طوال القصة، وهذه أمور تعلمها من أبيه يعقوب قبل أن ينفصل عنه بمؤامرة اخوته، فيدل ذلك على أنه لم ينفصل عن أبيه والقي في البئر في سن صغيرة جدًا، بل انفصل عنه بعد أن ترسخت عنده أساسيات العقيدة، وتعلم الحلال والحرام، والخطأ والصواب.
من كل ذلك نقول ان سن يوسف حين ألقي في البئر كان -والله أعلم- من بين عشرة الى اثني عشر سنة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَقَالَ ٱلَّذِي ٱشۡتَرَىٰهُ مِن مِّصۡرَ لِٱمۡرَأَتِهِۦٓ أَكۡرِمِي مَثۡوَىٰهُ عَسَىٰٓ أَن يَنفَعَنَآ أَوۡ نَتَّخِذَهُۥ وَلَدٗاۚ وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلِنُعَلِّمَهُۥ مِن تَأۡوِيلِ ٱلۡأَحَادِيثِۚ وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰٓ أَمۡرِهِۦ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ ﴿٢١﴾
(وَقَالَ ٱلَّذِي ٱشۡتَرَىٰهُ مِن مِّصۡرَ)
علمنا بعد ذلك من القصة أن الذي اشتراه هو عزيز مصر.
وهذا يعنى ان يوسف بيع مرتين:
المرة الأولى: بيع من أخوته الى أصحاب القافلة، أو بيع من أصحاب القافلة الى أحد تجار العبيد في مصر بثمن بخس، حتى يتخلصوا منه كما قلنا.
المرة الثانية: بيع في أحد أسواق مصر، وقد بيع هذه المرة بسعر مرتفع، وليس بثمن بخس كما في أول مرة، بدليل أن ثمنه لم يقدر عليه واحد من كبار رجال الدولة.
وقيل إن يوسف لما دخل السوق ضج الناس وتزاحموا حتى يشاهدوا جماله، وظل الناس يترافعون في ثمنه، حتى بلغ أضعاف وزنه ذهبا، ولذلك لم يقدر على ثمنه الا عزيز مصر.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وعزيز مصر -واسمه في التوراة "فوطيفار"- يعنى الوزير الأول في الدولة، أو كما نقول الآن رئيس الوزراء، وهي اعلى وظيفة في الدولة بعد الملك.
ونذكر ما قلناه في الدرس الثاني من أن الذي كان يحكم شمال مصر وجزء من صعيد مصر في ذلك الوقت هم الهكسوس، بينما تقلصت دولة الفراعنة في جنوب الصعيد فقط.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (وَقَالَ ٱلَّذِي ٱشۡتَرَىٰهُ مِن مِّصۡرَ لِٱمۡرَأَتِهِۦ أَكۡرِمِي مَثۡوَىٰهُ)
من خصائص قصة يوسف أنها تظهر ملامح الشخصيات من خلال الحوار.
وهنا مثلًا يظهر ان عزيز مصر قد أحب يوسف حبًا شديدًا، وأنه من اللحظات الأولى لم يعامله كعبد أو كخادم وانما عامله كواحد منهم.
(وَقَالَ ٱلَّذِي ٱشۡتَرَىٰهُ مِن مِّصۡرَ) وهو العزيز
(لِٱمۡرَأَتِه) وقيل إن امرأة العزيز اسمها "راعيل" وقيل أن اسمها "زليخة"
(أَكۡرِمِي مَثۡوَىٰهُ)
(المثوي) هو مكان الإقامة.
وهذا مبالغة في الإكرام، إذا كان مكان الإقامة مكرمًا، فكيف بصاحب المقام نفسه.
اذن هو شدد عليها ألا يعامل كعبد أو كخادم، وانما يعامل معاملة خاصة كأنه واحد منهم.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم علل ذلك فقال (عَسَىٰٓ أَن يَنفَعَنَآ أَوۡ نَتَّخِذَهُۥ وَلَدٗا)
بالرغم من أنه عزيز مصر والكل في خدمته، ومع ذلك يقول:
(عَسَىٰٓ أَن يَنفَعَنَآ) لأن الإنسان مهما بلغ من السلطة فهو لا يضمن اخلاص المحيطين به ولا أمانتهم.
وقد أدرك العزيز بفراسته أن هذا الغلام أمينًا وصادقًا وزكيًا ونجيبًا، وأنه يمكن أن يأتمنه على أمواله وعلى بيته وعلى مصالحه، وهذا الذي حدث بالفعل بعد ذلك.
في التوراة تتكلم على العزيز (ترك كل ما كان له في يد يوسف)
ولذلك يقول عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَفْرَسُ النَّاسِ ثَلاثَةٌ: العزيز حين تفرس في يُوسُفَ فقَالَ لامرأته: أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا، والتي قالت: يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ، وأبو بكر حين تفرَّس في عمر.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يقول (أَوۡ نَتَّخِذَهُۥ وَلَدٗا)
يعنى أَوۡ نعتقه ونتبناه ويكون ولدًا لنا، لأنه لم يكن عندهما أولاد.
وهذا يدل على أن حب يوسف تمكن من قلب العزيز.
وهذا من رعاية الله -تعالى- ليوسف.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلۡأَرۡضِ)
يعنى أصبح ليوسف مكانة عالية في أرض مصر.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰٓ أَمۡرِه)ۦ
في قصة يوسف نجد القرآن يسوق لنا بعض القواعد، أو بعض سنن الله الكونية، مثل هذه القاعدة: (وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰٓ أَمۡرِه)ۦ
ٱللَّهُ -تعالى- غَالِبٌ عَلَىٰٓ ما يريده، يقول له "كن" فيكون
لا راد لقضاءه، ولا مانع لحكمه في أرضه وسمائه.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰٓ أَمۡرِه)
أراد أخوة يوسف أن يقتلوه، وألقوه في البئر، وبيع عبدًا، ولكن غلب أمر الله تعالى، وأصبح يوسف حاكمًا، وسجد له اخوته.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اثنان من الإخوة كان ميراثهما قطعة أرض وأموال، أكل الأخ الأكبر ميراث أخيه الأصغر في الأموال، ولم يستطع أن يأكل حقه في الأرض، بنى الأخ الأكبر بالأموال التي أخذها من أخيه عمارة على قطعة الأرض، وقام بتأجير شقق العمارة حتى تدر عليه ايرادًا شهريًا، ولم يستطع الأخ الأصغر أن يبنى شيئًا على أرضه وبقيت خالية، تمر سنوات، تقل قيمة النقود ويصبح الإيجار الذي يحصله من ايجار الشقق لا قيمة له، بينما يرتفع سعر الأرض جدًا، وأصبح بالملايين، وينتهي الأمر أن يقف الكبير على باب الصغير حتى يتصدق عليه.
﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
شريكان من سوريا أنشئا مصنعا في لبنان، أحدهما يملك المال، والثاني عنده الخبرة، لما تمكن صاحب المال وأصبح عنده الخبرة هو أيضًا، بدأ يزعج شريكه حتى يخرجه من الشركة، فلما وجد شريكه ذلك، قال له أعطي مالى وأخرج من الشركة، وبالفعل أخذ ماله وخرج من الشركة، وعاد الى بلده في سوريا، وما هي إلا أيام حتى نشبت الحرب الأهلية هناك فاحترق المصنع وضاع كل المال.،
﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
زوجة صالحة في قمة مؤدبة مطيعة جميلة، وكان زوجها يظلمها ويضربها ويهينها، ثم طلقها بلا ذنب، وتزوجت بعده زوجًا عرف قدرها وأكرمها، وتزوج هو بعدها امرأة أخري ارته النجوم في عز الظهر، وأخذت حق الزوجة الأولى التي ظلمها.
﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
أوحي الله الى دواد عليه السلام: "يا داود إنك تريد وأنا أريد، وإنما يكون ما أريد، فإن سلمت لما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلم لما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
تزوّجت امرأه تاجر بخيلًا سيء الخلق،
جلسا يأكلان يومًا دجاجة، وأثناء تناول الطعام طرق الباب.
فتح الزوج فوجد رجلًا فقيرًا يطلب بعض الطعام.
فطرده وقال له كلامًا قاسيًا وأغلق الباب في وجهه، ثم عاد الى طعامه.
سمعت الزوجة ما قاله زوجها فقالت له: كانت تكفينا نصف دجاجة وتعطيه نصفها، أو تقول له كلمة طيبة.
ثم ذهب الزوج الى متجره فوجد ان النار قد أكلته.
وأصبح التاجر لا يملك أي شيء.
ثم طلق التاجر زوجته لأنه لا يستطيع أن ينفق عليها
وبعد عامين تزوجت المرأة من ناجر آخر، كان معروفًا بكرمه وأخلاقه.
وفي يوم كانت جالسة مع زوجها وأمامهما دجاجة، فطرق الباب وقامتا الزوجة فتفتح الباب، ثم عادت وقالت لزوجها سائل بالباب يسأل طعامًا.
قال لها الزوج اعطه نصف هذه الدجاجة يكفينا نصفها.
فأعطته الزوجة نص فالدجاجة ثم عادت والدموع تملأ علينيها.
فقال لها زوجا: ما يبكيك
قالت: أبكي لأن السائل هو زوجي الأول.
فقال لها: إذا كان السائل هو زوجك الأول.
فوالله لقد كنت أنا السائل الأول.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ)
(وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ)
وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ، أَنَّ قدرة الله غالبةٌ ومشيئته نافذةٌ.
اياك أن تكون مع الأكثرية الجاهلة التي لا تعلم، ولكن كن مع الأقلية المستقيمة، لا تكن مع الأكثرية الظالمة، ولكن كن مع الأقلية المنصفة.
﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ)
"بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء"
"من علامات قيام الساعة تفيض الدنيا لؤماً ، يكون المطر قيظاً ، والولد غيظاً ، ويفيض اللئام فيضاً ، ويغيض الكرام غيضاً"
"عليك بطريق الحق، ولا تستوحش لقلة السالكين، وإياك وطريق الباطل، ولا تغتر بكثرة الهالكين. وكلما استوحشت في تفردك فانظر إلى الرفيق السابق، واحرص على اللحاق بهم، وغَضّ الطرف عمن سواهم، فإنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا، وإذا صاحوا بك في طريق سيرك فلا تلتفت إليهم، فإنك متى التفت إليهم أخذوك وعاقوك."
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُۥٓ ءَاتَيۡنَٰهُ حُكۡمٗا وَعِلۡمٗاۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ ﴿٢٢﴾
(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُۥٓ)
وَلَمَّا وصل يوسف الى أوج شبابه وقوته.
(ءَاتَيۡنَٰهُ حُكۡمٗا) أي حكمة وفهم (وَعِلۡمٗا)
(وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ)
هذه قاعدة أخري من قواعد سورة يوسف، ومن سنن الله -تعالى- في كونه
يعنى هذا العطاء من الحكمة ومن العلم لا ينطبق على يوسف وحده، ولكن هذه سنة الله في جزاء المحسنين عامة، ولكن محسن على قدر احسانه.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"
الملِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
|