الحلقة رقم (595)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)
تفسير وتدبر الآيات من (30) الى (35) من سورة "يُوُسُف"- ص 238
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(۞ وَقَالَ نِسۡوَةٞ فِي ٱلۡمَدِينَةِ ٱمۡرَأَتُ ٱلۡعَزِيزِ تُرَٰوِدُ فَتَىٰهَا عَن نَّفۡسِهِۦۖ قَدۡ شَغَفَهَا حُبًّاۖ إِنَّا لَنَرَىٰهَا فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ ﴿٣٠﴾ فَلَمَّا سَمِعَتۡ بِمَكۡرِهِنَّ أَرۡسَلَتۡ إِلَيۡهِنَّ وَأَعۡتَدَتۡ لَهُنَّ مُتَّكَٔٗا وَءَاتَتۡ كُلَّ وَٰحِدَةٖ مِّنۡهُنَّ سِكِّينٗا وَقَالَتِ ٱخۡرُجۡ عَلَيۡهِنَّۖ فَلَمَّا رَأَيۡنَهُۥٓ أَكۡبَرۡنَهُۥ وَقَطَّعۡنَ أَيۡدِيَهُنَّ وَقُلۡنَ حَٰشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا مَلَكٞ كَرِيمٞ ﴿٣١﴾ قَالَتۡ فَذَٰلِكُنَّ ٱلَّذِي لُمۡتُنَّنِي فِيهِۖ وَلَقَدۡ رَٰوَدتُّهُۥ عَن نَّفۡسِهِۦ فَٱسۡتَعۡصَمَۖ وَلَئِن لَّمۡ يَفۡعَلۡ مَآ ءَامُرُهُۥ لَيُسۡجَنَنَّ وَلَيَكُونٗا مِّنَ ٱلصَّٰغِرِينَ ﴿٣٢﴾ قَالَ رَبِّ ٱلسِّجۡنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدۡعُونَنِيٓ إِلَيۡهِۖ وَإِلَّا تَصۡرِفۡ عَنِّي كَيۡدَهُنَّ أَصۡبُ إِلَيۡهِنَّ وَأَكُن مِّنَ ٱلۡجَٰهِلِينَ ﴿٣٣﴾ فَٱسۡتَجَابَ لَهُۥ رَبُّهُۥ فَصَرَفَ عَنۡهُ كَيۡدَهُنَّۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ ﴿٣٤﴾ ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّنۢ بَعۡدِ مَا رَأَوُاْ ٱلۡأٓيَٰتِ لَيَسۡجُنُنَّهُۥ حَتَّىٰ حِينٖ ﴿٣٥﴾
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
تستكمل الآيات الكريمة قصة يُوُسُف -عَلَيْهِ السَّلامُ- وانتهينا حين راودت امرأة العزيز يُوُسُف عن نفسه، ورفض يوسف لهذه الخيانة، وعندما علم زوجها عزيز مصر بهذا الأمر، عالج الموضوع بضعف شديد وتراخي فقال: (يُوسُفُ أَعۡرِضۡ عَنۡ هَٰذَاۚ وَٱسۡتَغۡفِرِي لِذَنۢبِكِۖ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلۡخَاطِِٔينَ) وظل يوسف في القصر كما كان الوضع من قبل.
وبرغم أن هذا الموضع كان محصورًا بين يوسف والعزيز وامرأة العزيز والشاهد وهو أحد اقارب امرأة العزيز.
الا أن الأمر قد عرف وانتشر وخرج من قصر العزيز.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (۞ وَقَالَ نِسۡوَةٞ فِي ٱلۡمَدِينَةِ ٱمۡرَأَتُ ٱلۡعَزِيزِ تُرَٰوِدُ فَتَىٰهَا عَن نَّفۡسِهِ)
النسوة اللاتي تحدثن بهاذا الحديث، أو اللاتي بدأن هذا الحديث، هن نساء الطبقة الحاكمة الثرية من مصر.
لأن امرأة العزيز دعتهم بعد ذلك.
وامرأة العزيز لن تدعو كل نساء مصر، ولكنها تدعو النساء اللاتي من طبقتها، أي نساء الطبقة الحاكمة الثرية من مصر.
وهذه الطبقة يكون مكانها في عاصمة الدولة.
ولذلك قال تعالى (۞ وَقَالَ نِسۡوَةٞ فِي ٱلۡمَدِينَةِ) يعنى في عاصمة الدولة.
وقلنا أن الدولة هي دولة الهكسوس التى كانت تسيطر على شمال مصر.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(ٱمۡرَأَتُ ٱلۡعَزِيزِ تُرَٰوِدُ فَتَىٰهَا عَن نَّفۡسِهۦ)
لم يقولوا اسمها وانما قالوا (ٱمۡرَأَتُ ٱلۡعَزِيزِ) يعنى زوجة كبير زراء الملك، يعنى كيف وهي زوجة كبير زراء الملك تفعل ذلك.
(تُرَٰوِدُ فَتَىٰهَا عَن نَّفۡسِهۦ)
(تُرَٰوِدُ) فعل مضارع يعنى هي مستمرة في هذا الأمر.
يعنى هي ما زالت تحاول أن (تُرَٰوِدُ فَتَىٰهَا عَن نَّفۡسِهۦ)
ما زالت تحاول أن ترتكب معه الفاحشة وهو يرفض.
وكلمة (فَتَىٰهَا) يعنى مع خادمها او عبدها.
وأيضًا فيها انتقاد آخر، لأن كلمة (فَتَىٰهَا) توحي أيضًا بأنه صغير السن.
اذن الإنتقاد الآخر بجانب أنه خادم أو عبد، أنه تحب شابًا في عمر ابنائها.
لأن العزيز لما جاء به قال (أكرمي مثواه عسي أن ينفعنا أو نتخذه ولدًا) فهو في عمر أبناءها.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(قَدۡ شَغَفَهَا حُبًّا)
الشغف، مأخوذ من شِغاف القلب، وهو غلاف القلب.
والمعنى أن حب هذا العبد أصبح محيطًا بقلبها، ومسيطرًا على قلبها.
كما نقول: أنا شغوف بموضوع كذا.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(إِنَّا لَنَرَىٰهَا فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ) يعنى هي ترتكب أمرًا مزريًا وأمرًا مشينًا، لأنها زوجة عزيز مصر، وهي أميرة مصرية وتحب عبدًا لها أو خادمًا لها.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(فَلَمَّا سَمِعَتۡ بِمَكۡرِهِنَّ أَرۡسَلَتۡ إِلَيۡهِنَّ وَأَعۡتَدَتۡ لَهُنَّ مُتَّكَٔٗا وَءَاتَتۡ كُلَّ وَٰحِدَةٖ مِّنۡهُنَّ سِكِّينٗا وَقَالَتِ ٱخۡرُجۡ عَلَيۡهِنَّۖ فَلَمَّا رَأَيۡنَهُۥٓ أَكۡبَرۡنَهُۥ وَقَطَّعۡنَ أَيۡدِيَهُنَّ وَقُلۡنَ حَٰشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا مَلَكٞ كَرِيمٞ ﴿٣١﴾
(فَلَمَّا سَمِعَتۡ بِمَكۡرِهِنَّ)
يعنى لَمَّا سَمِعَتۡ بِقولهن: (ٱمۡرَأَتُ ٱلۡعَزِيزِ تُرَٰوِدُ فَتَىٰهَا عَن نَّفۡسِهِۦۖ قَدۡ شَغَفَهَا حُبًّاۖ إِنَّا لَنَرَىٰهَا فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ)
وسمي كلامهن مكرًا، لأن كل امرأة من هؤلاء كانت تظهر الحب والمودة لإمرأة العزيز، ثم بعد أن تخرج من عندها تتحدث عنها وتخوض فى عرضها.
كما نقول في مصر "في الوش مراية وفي القفا سلاية"
أو لأن امرأة العزيز كانت تبوح بسرها لصديقات لها، وتطلب منهن ان يكتمن السر، فلما تحدثن بهذا السر كان ذلك مكرًا وغدرًا منهن .
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(فَلَمَّا سَمِعَتۡ بِمَكۡرِهِنَّ أَرۡسَلَتۡ إِلَيۡهِنَّ) أَرۡسَلَتۡ إِلَيۡ هذه النساء، ودعتهن الى الحضور الى بيتها لتناول الطعام.
وقيل كان عددهن أربعين امرأة.
(وَأَعۡتَدَتۡ لَهُنَّ مُتَّكَٔٗا) يعنى جهزت لهن مجلس للطعام، وجعلت في المجلس وسائد وغير ذلك يتكأن عليها.
المعنى أنها جهزت مكان مريح بالنسبة للنساء الى أقصى حد.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَءَاتَتۡ كُلَّ وَٰحِدَةٖ مِّنۡهُنَّ سِكِّينٗا) بعد أن قدمت لهن الطعام، وانتهوا من تناول الطعام، قدمت لهن فاكهة لا تقطع الا بالسكين، قيل أنها فاكهة "الأُتْرًجَة" وأعطت كل واحدة منهن سكينًا حتى تقطع به الفاكهة.
(وَقَالَتِ ٱخۡرُجۡ عَلَيۡهِنَّۖ) يعنى أمرت يوسف أن يخۡرُجۡ عَلَيۡهِنَّۖ، وهن في هذه الحالة من الإتكاء، وتقطيع الفاكهة بالسكين.
يعنى أمرته أن يقدم لهن شراب مثلًا، فمعنى هذا انه سيقف أمام واحدة واحدة ويضع لها الشراب، وتنظر في وجهه.
(فَلَمَّا رَأَيۡنَهُۥٓ أَكۡبَرۡنَهُۥ) فَلَمَّا خرج عليهم يوسف ورأوه، (أَكۡبَرۡنَهُ) يعنى أعظمنه، وهبنه، ودهشن لجماله .
الأُتْرًجَة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول النبي ﷺ "مررت بيوسف عليه السلام ليلة عرج بي إلى السماء فقلت لجبريل عليه السلام من هذا؟ فقال هذا يوسف. فقيل يا رسول الله كيف رأيته؟ قال: "كالقمر ليلة البدر"
وفي حديث الإسراء الطويل أن الرسول ﷺ رأي يوسف في السماء الثالثة، يقول: فإذا أنا بيوسف وإذا هو قد أعطي شطر الحسن.
وقيل أن يوسف ورث الجمال من جده اسحق، وكان اسحق -عليه السلام- من أحسن الناس وجهًا، وورث اسحق الجمال من امه سارة، وكانت اجمل النساء، وورثت سارة الجمال من حواء، وأخذت حواء الجمال من آدم لأنها خلقت منه، فكان يوسف -عليه السلام- يشبه آدم يوم خلقه الله.
ولكن كلمة (أَكۡبَرۡنَهُۥ) تدل على أن الأمر ليس أمر جمال خلقة يوسف فقط، ولكن أيضًا لأنهم رأين هذا الجمال العظيم مقرونًا بنور النبوة ومهابة الرسالة والوقار والشموخ وعدم الإلتفات لهن.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَقَطَّعۡنَ أَيۡدِيَهُنَّ)
يعنى كل واحدة منهن من هول المفاجأة والدهشة من جمال يوسف، كانت تعتقد أنها تقطع الفاكهة التى بين يديها، وهي في الواقع تجرح يديها دون أن تشعر، حتى سالت الدماء من أيديهن.
وهنا استعمل الجرح بمعنى القطع، وهذا معهود الى الآن، كما تقول: كنت أقطع اللحم فقطعت يدي، يعنى جرحت يدي.
فقَالَتْ لَهُنَّ امرأة العزيز: أَنْتُنَّ مِنْ نظرة وَاحِدَةٍ قطعتم ايديكن، فَكَيْفَ أَصْنَعُ أَنَا؟
فقُلْنَ (حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلا مَلَكٌ كَرِيمٌ)
(حَٰشَ لِلَّهِ) يعنى كما نقول "سبحان الله" يعنى تعجب من قدرة الله على خلق مثل هذا الجمال البديع.
(مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا مَلَكٞ كَرِيمٞ)
ليس هذا كسائر البشر، وانما هو مَلَكٞ كَرِيمٞ.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(قَالَتۡ فَذَٰلِكُنَّ ٱلَّذِي لُمۡتُنَّنِي فِيهِۖ وَلَقَدۡ رَٰوَدتُّهُۥ عَن نَّفۡسِهِۦ فَٱسۡتَعۡصَمَۖ وَلَئِن لَّمۡ يَفۡعَلۡ مَآ ءَامُرُهُۥ لَيُسۡجَنَنَّ وَلَيَكُونٗا مِّنَ ٱلصَّٰغِرِينَ ﴿٣٢﴾
بعد ان انصرف يوسف من المجلس، قَالَتۡ امرأة العزيز بانتصار (فَذَٰلِكُنَّ ٱلَّذِي لُمۡتُنَّنِي فِيهِ)
هذا ٱلَّذِي تلومونني في أنني روادته عن نفسه.
يعنى أنا معذورة في انني راودته عن نفسه.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم شجعها انبهار النساء بجمال يوسف ، في أن تعترف على نفسها، وفي أن تتبجح وقالت (وَلَقَدۡ رَٰوَدتُّهُۥ عَن نَّفۡسِهِۦ فَٱسۡتَعۡصَمَ)
يعنى نعم أنا حاولت أن يرتكب معنى الفاحشة،
ونعم هو امتنع وأصر على الإمتناع.
وكلمة (ٱسۡتَعۡصَمَ) من العصمة وهي المنع،
كانت العرب تقول: عصم القربة، يعنى ربطها حتى يمنع نزل الماء منها.
والرباط نفسه اسمه "عصام"
فكلمة استعصم، وجاءت فيها السين والتاء للمبالغة، يعنى امتنع امناعًا شديدًا.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم قالت في تبجح أكثر:
(وَلَئِن لَّمۡ يَفۡعَلۡ مَآ ءَامُرُهُۥ لَيُسۡجَنَنَّ وَلَيَكُونٗا مِّنَ ٱلصَّٰغِرِينَ)
(وَلَئِن لَّمۡ يَفۡعَلۡ مَآ ءَامُرُه) من الزنا والفاحشة
(ۥ لَيُسۡجَنَنَّ وَلَيَكُونٗا مِّنَ ٱلصَّٰغِرِينَ)
أكدت السجن بلام القسم وبالنون الثقيلة.
كمن يقول: والله حاسجنك ليس هناك هزار.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَلَيَكُونٗا مِّنَ ٱلصَّٰغِرِينَ)
يعنى وسيكون من الأذلاء المقهورين.
ويوسف كان له مكانة كبيرة في قصر العزيز، وفي خارج قصر العزيز
بدليل قوله تعالى (وكذلك مكنا ليوسف الأرض) أي في أرض مصر.
فهي تتوعد يوسف بأن تسلب منه هذه المكانة الرفيعة، ويكون بدلًا من ذلك مِّنَ ٱلصَّٰغِرِينَ الأذلاء المقهورين.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
كل هذا الذي يحدث، من أن امرأة العزيز دعت النساء.
واعترفت بأنها رودت يوسف وأنه يرفضها.
وأنها تتوعده بالسجن والإذلال اذا لم يستجب لها.
كل هذا يحدث تحت سمع وبصر زوجها العزيز.
وقلنا أن موقف العزيز الضعيف البارد حين اكتشف خيانتها.
فلم يعاقبها ولا حتى أبعد يوسف عن القصر.
هذا الموقف المتراخي من العزيز هو الذي شجع زوجته على التمادي.
حتى وصل بها الإمر الى أن تتبجح وتعلن انها قد روادته، وبأنها ستسجنه اذا لم يستجب لها.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وهذه أخذنا منها عدة دروس:
اولها أن رب السرة لا يجب عليه أن يتهاون في مثل هذه الأمور على الإطلاق: لا مع زوجته ولا بناته ولا حتى أبناءه الذكور.
لأن التهاون يؤدي الى تمادي الطرف الآخر.
ومن دروسها ألا تختار زوجتك أعلى منك لا في المستوي المادي ولا في المستوي الإجتماعي، ولا في المستوي العلمي.
لأن سبب سلطة امرأة العزيز عليه، وضعفه أمامها، وتحكمها فيه، أنها كانت قريبة الملك، فقيل أنها كانت ابن أخت المال.
فالذي يختار الزوجة اما أن تكون أقل منه و في نفس مستواه.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(قَالَ رَبِّ ٱلسِّجۡنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدۡعُونَنِيٓ إِلَيۡهِۖ وَإِلَّا تَصۡرِفۡ عَنِّي كَيۡدَهُنَّ أَصۡبُ إِلَيۡهِنَّ وَأَكُن مِّنَ ٱلۡجَٰهِلِينَ ﴿٣٣﴾
لما توعدت امرأة العزيز يوسف بالسجن، وقالت
(وَلَئِن لَّمۡ يَفۡعَلۡ مَآ ءَامُرُهُۥ لَيُسۡجَنَنَّ وَلَيَكُونٗا مِّنَ ٱلصَّٰغِرِينَ )
دعا يوسف ربه وقَالَ
(رَبِّ ٱلسِّجۡنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدۡعُونَنِيٓ إِلَيۡهِ)
وقرأت (السَّجن) بفتح السين.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقوله تعالى (يَدۡعُونَنِيٓ إِلَيۡهِ) يدل على أن البلاء لم يعد مراودة امرأة العزيز فقط، ولكن أصبح الأمر الآن أن كل نساء الطبقة الحاكمة الثرية كلها تراود يوسف عن نفسه.
والدليل على ذلك أن الملك عندما حقق بنفسه في الأمر بعد ذلك قَالَ (مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَٰوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
السؤال كيف يطلبون هذا الأمر من يوسف وهو في قصر العزيز.
الرد أن يوسف لم يمكن محبوسًا في قصر العزيز.
بل كان له عمل خارج القصر ، ويخرج من القصر، وينتقل كيف يشاء.
بدليل قوله تعالى (وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يقول يوسف في دعائه:
(وَإِلَّا تَصۡرِفۡ عَنِّي كَيۡدَهُنَّ أَصۡبُ إِلَيۡهِنَّ وَأَكُن مِّنَ ٱلۡجَٰهِلِينَ)
الكيد هو التدبير بخفاء.
معنى هذا أن كل واحدة من النساء كانت تحاول وتحتال وتدبر حتى تصل الى يوسف.
وقيل من كيدهن، أن بعضهن طلبن من امرأة العزيز أن تخلو بيوسف حتى تنصحه بأن يطيع أمر سيدته، فلما تخلو به ترواده عن نفسه.
فقال يوسف : يا رب كانت واحدة فصرن جماعة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(أَصۡبُ إِلَيۡهِنَّ)
استجيب اليهن.
(وَأَكُن مِّنَ ٱلۡجَٰهِلِينَ)
يعنى أكون من أصحاب المعاصي والكبائر.
لأن الْجَاهِلِينَ هم الذين لا يدركون عواقب الأمور.
والذي يرتكب المعاصي لا يدرك ولا يلتفت الى عاقبة هذه المعصية في الدنيا والآخرة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
دعاء يوسف -عليه السلام- في هذه الآية الكريمة، فيه فائدتين:
أولًا قول يوسف (رَبِّ ٱلسِّجۡنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدۡعُونَنِيٓ إِلَيۡهِ)
كان الأولى أن يطلب يوسف من ربه العافية.
حتى قيل أن يوسف لو لم يقل: (ٱلسِّجۡنُ أَحَبُّ إِلَيَّ) لم يبتل بالسجن.
روي أن الله أوحي الى يوسف، قال: يا يوسف ! أنت حبست نفسك حيث قلت السجن أحب إلي، ولو قلت العافية أحب إلي لعوفيت " .
اذن الأولى بالمرء أن يسأل الله العافية.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
الأمر الثاني والهام جدًا
أن يوسف -عليه السلام- في دعاءه
(وَإِلَّا تَصۡرِفۡ عَنِّي كَيۡدَهُنَّ أَصۡبُ إِلَيۡهِنَّ وَأَكُن مِّنَ ٱلۡجَٰهِلِينَ)
فوض أمره كله لله، وتبرأ من حوله وقوته، واعترف بأنه ان لم يعصمه الله من المعصية وقع فيها.
وهذا درس هام، وتوجيه قرآني هام، أنه لا ينصرف أحد عن المعصية إلا بلطف الله عز وجل وعصمته.
وكان من دعاء الرسول ﷺ "يا حيّ يا قَيُّومُ برحمتك أستغيثُ، أصلحْ لي شأني كلَّه، وَلَا تَكِلْنِي إِلَى نفسي طَرْفَةَ عين"
كان شيخنا يقول: "لو رفع الله عصمته عنا لسجدنا الى صنم في لحظة"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(فَٱسۡتَجَابَ لَهُۥ رَبُّهُۥ فَصَرَفَ عَنۡهُ كَيۡدَهُنَّۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ ﴿٣٤﴾
فَٱسۡتَجَابَ الله -تعالى- لدعاء يوسف- فَصَرَفَ عَنۡهُ وحفظه من مكر النساء وتدبيرهم.
اذن كل واحدة كانت قد أعدت خطة للإيقاع بيوسف، فحفظ الله تعالى يوسف من كل هذه المكائد.
(إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ)
(إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ) لدعاء يوسف
(ٱلۡعَلِيمُ) يعنى ٱلۡعَلِيمُ باخلاص يوسف في الدعاء.
وٱلۡعَلِيمُ بكيد النساء وتدبيرهم ومكرهم.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّنۢ بَعۡدِ مَا رَأَوُاْ ٱلۡأٓيَٰتِ لَيَسۡجُنُنَّهُۥ حَتَّىٰ حِينٖ ﴿٣٥﴾
حرف (ثُمَّ) تدل على طول المدة، يعنى ظل يوسف في هذا افبتلاء فترة من الزمن.
(ثُمَّ بَدَا لَهُم) كلمة بَدَا لَهُم تدل على تغير الرأي.
لأن الرأي الأول (يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك)
تغير هذا الراي بعد ذلك.
والذين بَدَا لَهُم هم العزيز وأهل مشورته.
(مِّنۢ بَعۡدِ مَا رَأَوُاْ ٱلۡأٓيَٰتِ)
مِّنۢ بَعۡدِ مَا رَأَوُاْ ٱلۡأٓيَٰتِ يعنى العلامات على صدق يوسف، من قطع القميص من دبر، الى شهادة الشاهد، الى أعتراف امرأة العزيز نفسها
هي قالت (وَلَقَدۡ رَٰوَدتُّهُۥ عَن نَّفۡسِهِۦ فَٱسۡتَعۡصَمَ) والاعتراف سيد الأدلة,
يعنى برغم هذه الأدلة الواضحة، وبرغم تأكدهم من برائة يوسف وعفته، كان القرار (لَيَسۡجُنُنَّهُۥ حَتَّىٰ حِينٖ)
أن يسجن يوسف الى وقت غير محدد.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
هذا القرار بسجن يوسف، ربما كان قرارًا من العزيز وأهل مشورته، اضطر اليه العزيز بعد أن فضحته زوجته باصرارها على مراودة يوسف، فأمر بسجنه حتى يهدأ حديث الناس وتقل الفضحية.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
أو أن هذا القرار كان بايعاز من امرأة العزيز.
لأنها كانت قد توعدت يوسف -فعلًا- بالسجن اذا لم يستجب لها وقالت (وَلَئِن لَّمۡ يَفۡعَلۡ مَآ ءَامُرُهُۥ لَيُسۡجَنَنَّ وَلَيَكُونٗا مِّنَ ٱلصَّٰغِرِينَ)
فقيل أنها قالت لزوجها:
إِن هذا العبد العبراني قد فضحني، فأمر بسجنه،
وهذا هو الراجح: أن قرار سجن يوسف كان بايعاز امرأة العزيز
لأن السياق يدل على انها الآمر الناهي في القصر.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
الآيات التالية ستنتقل الى مشهد آخر.
مشهد يوسف في السجن، كيف كان يتصرف يوسف في السجن.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"
الملِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
|