Untitled Document

عدد المشاهدات : 804

الحلقة (597) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم تفسير وتدبر الآيات من (43) الى (49) من سورة "يُوُسُف" (وَقَالَ ٱلۡمَلِكُ إِنِّيٓ أَرَىٰ سَبۡعَ بَقَرَٰتٖ سِمَانٖ.......

الحلقة رقم (597)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)
تفسير وتدبر الآيات من (43) الى (49) من سورة "يُوُسُف"- ص 240
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(وَقَالَ ٱلۡمَلِكُ إِنِّيٓ أَرَىٰ سَبۡعَ بَقَرَٰتٖ سِمَانٖ يَأۡكُلُهُنَّ سَبۡعٌ عِجَافٞ وَسَبۡعَ سُنۢبُلَٰتٍ خُضۡرٖ وَأُخَرَ يَابِسَٰتٖۖ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَأُ أَفۡتُونِي فِي رُءۡيَٰيَ إِن كُنتُمۡ لِلرُّءۡيَا تَعۡبُرُونَ ﴿٤٣﴾ قَالُوٓاْ أَضۡغَٰثُ أَحۡلَٰمٖۖ وَمَا نَحۡنُ بِتَأۡوِيلِ ٱلۡأَحۡلَٰمِ بِعَٰلِمِينَ ﴿٤٤﴾  وَقَالَ ٱلَّذِي نَجَا مِنۡهُمَا وَٱدَّكَرَ بَعۡدَ أُمَّةٍ أَنَا۠ أُنَبِّئُكُم بِتَأۡوِيلِهِۦ فَأَرۡسِلُونِ ﴿٤٥﴾ يُوسُفُ أَيُّهَا ٱلصِّدِّيقُ أَفۡتِنَا فِي سَبۡعِ بَقَرَٰتٖ سِمَانٖ يَأۡكُلُهُنَّ سَبۡعٌ عِجَافٞ وَسَبۡعِ سُنۢبُلَٰتٍ خُضۡرٖ وَأُخَرَ يَابِسَٰتٖ لَّعَلِّيٓ أَرۡجِعُ إِلَى ٱلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَعۡلَمُونَ ﴿٤٦﴾ قَالَ تَزۡرَعُونَ سَبۡعَ سِنِينَ دَأَبٗا فَمَا حَصَدتُّمۡ فَذَرُوهُ فِي سُنۢبُلِهِۦٓ إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّا تَأۡكُلُونَ ﴿٤٧﴾ ثُمَّ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ سَبۡعٞ شِدَادٞ يَأۡكُلۡنَ مَا قَدَّمۡتُمۡ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّا تُحۡصِنُونَ ﴿٤٨﴾ ثُمَّ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ عَامٞ فِيهِ يُغَاثُ ٱلنَّاسُ وَفِيهِ يَعۡصِرُونَ ﴿٤٩﴾

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(وَقَالَ ٱلۡمَلِكُ إِنِّيٓ أَرَىٰ سَبۡعَ بَقَرَٰتٖ سِمَانٖ يَأۡكُلُهُنَّ سَبۡعٌ عِجَافٞ وَسَبۡعَ سُنۢبُلَٰتٍ خُضۡرٖ وَأُخَرَ يَابِسَٰتٖۖ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَأُ أَفۡتُونِي فِي رُءۡيَٰيَ إِن كُنتُمۡ لِلرُّءۡيَا تَعۡبُرُونَ ﴿٤٣﴾
هذه هي أول اشارة الى حاكم مصر في ذلك الوقت، 
وجاء ذكر حاكم مصر بلقب "الملك" قال تعالى (وَقَالَ المَلِكُ)
وكل من يتدبر القرآن الكريم يلفت نظره أن حاكم مصر وصف في سورة "يوسف" بلقب الملك.
وجاء هذا اللقب في خمسة مواضع من سورة "يوسف"
بينما حاكم مصر في زمن موسي جاء بلقب "فرعون" 
وجاء لقب فرعون أربعة وسبعين ‏(74)‏ مرة في عرض قصة موسي‏‏ -عليه السلام-
والسبب في ذلك أن "يوسف" عاش في مصر، في زمن حكم الهكسوس لمصر، أو احتلال الهكسوس لمصر.
والذي استمر من 1900 ق. م الى 1525 ق. م يعنى نحو 375 سنة، وكان حكام الهكسوس يلقبون بالملوك وليس بالفراعنة.
أما موسي فقط جاء بعد يوسف بنحو أربعة مائة سنة، وكان المصريون قد طردوا الهكسوس من مصر، فكان حكام مصر يسمون في زمن موسي بالفراعنة.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

فاذن كان حكام مصر يسمون قبل زمن يوسف، وبعد زمن يوسف بالفراعنة، أما في زمن يوسف فكانوا يسمون بالملوك، ولذلك جاء لقب حاكم مصر في كل سورة يوسف، والذي جاء في خمسة مواضع، بلقب الملك.
وهذا أمر اثبته علماء الأثار والمؤرخين الغربيين الغير مسلمين.
وهذا الوصف الدقيق لحاكم مصر في زمن يوسف ـعليه السلام ـ بوصف الملك هو من الإشارات العلمية والتاريخية الدقيقة في القرآن، وهو من الأدلة علي الدقة المطلقة لكل كلمة في القرآن، وعلى حفظ الله -تعالى- للقرآن الكريم من التحريف، حتى وصل الينا كما أنزله -تعالى- على قلب نبينا محمد ﷺ

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

بينما في التوارة والتى يؤمن بها اليهود والنصاري، استعملت لقب "فرعون" مع حاكم مصر في زمن يوسف وفي زمن موسي، وهذا خطأ تاريخي واضح، وهذا دليل على تعرض التوارة للتحريف.
وهو دليل -أيضًا- على عدم نقل الرسول ﷺ لقصص الأمم السابقة من التوراة، كما يدعي الكفار من أعداء الإسلام، فلو كان الرسول ﷺ قد نقل قصة يوسف من التوارةما الذي يجعله يغير لقب حاكم مصر الذي ورد في التوارة من فرعون الى ملك؟

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

وننوه الى أن هذا من الأخطاء في المسلسل الإيراني "يوسف الصديق" والذي عرض سنة 2009 م حيث جعل حكام مصر في زمن يوسف من الفراعنة، وكان يوسف طوال المسلسل يتعامل مع فراعنة، وهذا من الأخطاء في المسلسل بالرغم من أن سيناريو المسلسل كتبه طاقم من 20 شخص.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(وَقَالَ ٱلۡمَلِكُ إِنِّيٓ أَرَىٰ سَبۡعَ بَقَرَٰتٖ سِمَانٖ يَأۡكُلُهُنَّ سَبۡعٌ عِجَافٞ وَسَبۡعَ سُنۢبُلَٰتٍ خُضۡرٖ وَأُخَرَ يَابِسَٰتٖ)
(وَقَالَ ٱلۡمَلِكُ إِنِّيٓ أَرَى)
بصيغة المضارع، لم يقل "إِنِّيٓ رأيت"
وهذا يدل على أن الرؤيا كانت متكررة مع الملك.
كلما ينام الملك يري هذه الرؤيا.
ولذك فالرؤيا افزعته وهمته.

(إِنِّيٓ أَرَىٰ سَبۡعَ بَقَرَٰتٖ سِمَانٖ يَأۡكُلُهُنَّ سَبۡعٌ عِجَافٞ)
رأي الملك كأن سَبۡعَ بَقَرَٰاتٖ سِمَانٖ يخرجن من نهر، ويخرجن في أثرهن سَبۡعٌ بَقَرَٰاتٖ عِجَافٞ، يعنى مهزولات ضعيفات.
ثم أكلت وابتلعت السَبۡعٌ بَقَرَٰاتٖ العِجَافٞ، السَبۡعَ بَقَرَٰاتٖ السِمَانٖ.
يقول تعالى
(وَسَبۡعَ سُنۢبُلَٰتٍ خُضۡرٖ وَأُخَرَ يَابِسَٰتٖ)
يعنى وراي سَبۡعَ سُنۢبُلَٰاتٍ خُضۡرٖ، وَالى جوارها سَبۡعَ سُنۢبُلَٰاتٍ يَابِسَٰتٖ.
وراي السبع اليَابِسَٰاتٖ تلتوي على السبع الخُضۡرٖ، وتغلبها وتذهب بخضرتها ونضارتها.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَأُ أَفۡتُونِي فِي رُءۡيَٰيَ إِن كُنتُمۡ لِلرُّءۡيَا تَعۡبُرُونَ ﴿٤٣﴾
(ٱلۡمَلَأُ)
هي الحاشية وكبار رجال الدولة.
وكلمة
(أَفۡتُونِي) تدل على اهتمام الملك بتفسير هذه الرؤيا.
(إِن كُنتُمۡ لِلرُّءۡيَا تَعۡبُرُونَ) يعنى ان كنتم تعرفون تفسير هذه الرؤيا.
وكلمة
(تَعۡبُرُونَ) من العبور، وهو اجتياز الطريق او النهر من جهة الى أخري، وسمي تفسير الرؤيا بالتعبير، لأن التفسير ينتقل من الرموز التى في الرؤيا الى معنى آخر حقيقي سيحدث، كما ينتقل عابر الطريق او النهر من جهة الى أخري.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(قَالُوٓاْ أَضۡغَٰثُ أَحۡلَٰمٖۖ وَمَا نَحۡنُ بِتَأۡوِيلِ ٱلۡأَحۡلَٰمِ بِعَٰلِمِينَ ﴿٤٤﴾
(قَالُوٓاْ) يعنى قال الملأ
(أَضۡغَٰثُ أَحۡلَٰمٖ) "أَضۡغَٰاثُ" جمع ضِغْث، وهو الحزمة من الحشائش وعيدان الأرض المختلفة.
كما ورد في قصة أيوب
(وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ)
فأَضۡغَٰثُ أَحۡلَٰامٖ، يعنى: أَحۡلَٰام أجزائها داخلة في بعضها، وبالتالى ليس لها معنى.
وقالوا ذلك لأن الرؤيا فيها بقر يأكل بقر، والبقر لا يأكل بقر.
والبقرة الهزيلة هي التى تأكل البقرة السمينة وليس العكس.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

يقول تعالى (وَمَا نَحۡنُ بِتَأۡوِيلِ ٱلۡأَحۡلَٰمِ بِعَٰلِمِينَ)
يعنى بعد أن قالوا (أَضۡغَٰثُ أَحۡلَٰمٖ) لم يقتنع الملك بهذا الجواب.
لأن الرؤيا تبدو وكأن لها معنى، ولأنها متكررة.
ولذلك نهرهم الملك، أو وبخهم على قولهم (أَضۡغَٰثُ أَحۡلَٰمٖ)
فلم تجد الحاشية الا أن يقولوا
(وَمَا نَحۡنُ بِتَأۡوِيلِ ٱلۡأَحۡلَٰمِ بِعَٰلِمِينَ)


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(وَقَالَ ٱلَّذِي نَجَا مِنۡهُمَا وَٱدَّكَرَ بَعۡدَ أُمَّةٍ أَنَا۠ أُنَبِّئُكُم بِتَأۡوِيلِهِۦ فَأَرۡسِلُونِ ﴿٤٥﴾
(وَقَالَ ٱلَّذِي نَجَا مِنۡهُمَا)
يعنى وَقَالَ أحد الرجلين اللذين كانا مع يوسف في السجن، والذي نَجَا من القتل، وعاد الى عَمَلِهِ كساقي للخمر في بلاط المَلِك.
(وَٱدَّكَرَ بَعۡدَ أُمَّةٍ) 
الأمة هي الفترة الطويلة من الزمن
يعنى وتذكر بعد فترة طويلة من الزمن.
وهي الفترة التى ظل فيها يوسف في السجن بعد خروج هذا الرجل.
وقلنا أن أشهر الأقوال أن يوسف قضى في السجن بعد خروج الساقي سبع سنوات، يعنى تذكر بعد سبع سنوات.
وقرأت
(وَٱدَّكَرَ بَعۡدَ أَمَهٍ) بفتح الألف، وتخيف الميم وفتحها، وهي قراءة شاذة، يعنى: بَعْدَ نِسْيَانٍ.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

كلمة (ٱدَّكَرَ) يعنى "تذكر"
وأصل
(ٱدَّكَرَ) "اذتكر" 
ثم قلبت التاء الى دال لثقلها، فأصبحتك "اذدكر"
ثم قلبت الذل الى دال لأن الدال أخف من الذال، فاصبحت "اددركر"
ثم اضغمت الدالين فاصبحت (ٱدَّكَرَ) يعنى "تذكر"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

لماذا هذه الصيغة للتذكر؟ يعنى لماذا لم يقل تعالى و"تذكر"
هذه الصيغة وهي صيغة الإفتعال ليشير الى أن هذا الرجل تذكر بصعوبة.
يعنى كأن موضوع رؤيا الملك، وحيرة الملك وحيرة الحاشية في معرفة تأويل هذه الرؤيا، يذكره بشيء بعيد، وشيء لا يحب تذكره.
بدأ يتذكر عندما كان في السجن، وكانه هناك رؤيا، ورؤيا رآها صاحبه الذي صلب، وكيف تحققت الرؤيا في حقه، وتحققت في حق صاحبه.
وتذكر يوسف، وتذكر توصية يوسف (أذكرني عند ربك)

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(أَنَا۠ أُنَبِّئُكُم بِتَأۡوِيلِهِۦ فَأَرۡسِلُونِ)
وهو هنا لم يتوجه بخطابه للملك، والا كان الخطاب بصيغة المفرد.
لأنه ليس من المقبول أن يتحدث ساقي خمر في بلاط الملك الى  الى الملك مباشرة.
ولذك تحدث الساقي الى حاشية الملك.
كأن الملك كلف حاشيته بأن يبحثوا له عمن يعبر له هذه الرؤيا.
أو أن الحاشية كانت مشغولة بالوصول الى من يعبر هذه الرؤيا، عندما وجدوا الملك مهتمًا ومشغولًا بهذا الإمر.
فقال ساقي الملك للحاشية:
(أَنَا۠ أُنَبِّئُكُم بِتَأۡوِيلِه)
أَنَا۠ سأخبركم بِتَأۡوِيلِ رؤيا الملك 
(فَأَرۡسِلُونِ) يعنى ليس عندي تأويل الرؤيا، وليس عندي هذا العلم، ولكن أرسلوني الى شخص أعرفه عنده علم بتأويل الرؤي، وهو يوسف -عليه السلام- 
وقيل أن السجن كان خارج المدينة، ولذك قال (فَأَرۡسِلُونِ)


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(يُوسُفُ أَيُّهَا ٱلصِّدِّيقُ أَفۡتِنَا فِي سَبۡعِ بَقَرَٰتٖ سِمَانٖ يَأۡكُلُهُنَّ سَبۡعٌ عِجَافٞ وَسَبۡعِ سُنۢبُلَٰتٍ خُضۡرٖ وَأُخَرَ يَابِسَٰتٖ لَّعَلِّيٓ أَرۡجِعُ إِلَى ٱلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَعۡلَمُونَ ﴿٤٦﴾
هنا حذف القرآن الجزء المتعلق بموافقة الحاشية، ثم ذهاب الساقي الى يوسف السجن، كأن الحاشية أسرعت الى ارسال الساقي الى السجن، لتلهفهم على معرفة تعبير رؤيا الملك.
(يُوسُفُ أَيُّهَا ٱلصِّدِّيقُ) 
هكذا نادي الساقي يُوسُفُ: يُوسُفُ أَيُّهَا ٱلصِّدِّيقُ
وٱلصِّدِّيقُ لقب لمن بلغ القمة في الصلاح والقرب من الله.
ولذلك وصفت السيدة مريم بالصديقة، قال تعالى: (وأمه صدّيقة)
ولَقّب النبي ﷺ أبا بكر بالصدّيق في حديث رجف جبل أحُد "أُسْكُنْ أُحُد فإنما عليك نبي وصدّيق وشهيدان".
اذن هذا الساقي شاهد من صحبته ليوسف -عليه السلام- في السجن من مكارم أخلاقه، واستقامة سلوكه، وكثرة عبادته، ما جعله يناديه بهذا اللقب: (يُوسُفُ أَيُّهَا ٱلصِّدِّيقُ) 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(يُوسُفُ أَيُّهَا ٱلصِّدِّيقُ أَفۡتِنَا فِي سَبۡعِ بَقَرَٰتٖ سِمَانٖ يَأۡكُلُهُنَّ سَبۡعٌ عِجَافٞ وَسَبۡعِ سُنۢبُلَٰتٍ خُضۡرٖ وَأُخَرَ يَابِسَٰتٖ) 
لماذا أعاد القرآن الكلام مرة أخري؟
اشارة الى أن الساقي أعاد الكلام على يوسف بنفس الألفاظ التى ذكرها الملك.
وهذه اشارة من القرآن بأن تعبير الرؤي يختلف باختلاف أدق التفاصيل، كما ذكر أهل  العالم في هذا المجال، 
ولذلك يجب تجاهل الرؤي الغير واضحة، والاهتمام فقط الرؤي الواضحة، لأن الرؤي يكون فيها تفاصيل منسية، وبالتالى يكون التأويل غير صحيح.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(لَّعَلِّيٓ أَرۡجِعُ إِلَى ٱلنَّاسِ) يعنى الى حاشية الملك. 
استخدم حرف "لعل" كما نقول نحن "ان شاء الله"
كأن وجوده في حضرة يوسف، ذكره بالأدب مع الله تعالى.

(لَعَلَّهُمۡ يَعۡلَمُونَ) 
لَعَلَّهُمۡ يَعۡلَمُونَ تأويل الرؤيا.
وقيل لَعَلَّهُمۡ يَعۡلَمُونَ قدرك وفضلك فيُخلِّصوك مما أنت فيه من بلاء السجن.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(قَالَ تَزۡرَعُونَ سَبۡعَ سِنِينَ دَأَبٗا فَمَا حَصَدتُّمۡ فَذَرُوهُ فِي سُنۢبُلِهِۦٓ إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّا تَأۡكُلُونَ ﴿٤٧﴾ 
هنا الموقف العجيب والملفت ليُوُسُف -عَلَيْهِ السَّلامُ- 
فأولًا لم يعاتب يُوُسُف الساقي لأنه نسي وصيته بأن يذكر مظلمته عند الملك، وبدأ مباشرة في تعبير رؤيا الملك.
ثم لم يساوم يُوُسُف -عَلَيْهِ السَّلامُ- بأن يعبر الرؤيا مقابل أن ينال حريته ويخرج من السجن، أو على الأقل ان يحاكم محاكمة عادلة.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

ليس هذا فحسب، بل كان يمكن لأي شخص في مثل ظروف يوسف أن يحاول الإنتقام من المجتمع أو من الدولة التى ظلمته هذا الظلم البين وألقته في السجن سنوات طويلة دون جريمة ارتكبها، 
وخصوصًا ان أهل هذا البلد وهي مصر، ليسوا موحدين، بل كلهم من الكفار المشركين، وبالإضافة الى ذلك فهو ليس مصريًا، ولا هو حتى من الهكسوس الذين يحكمون البلد، بل هو غريب، مملوك، تعرض لظلم بشع، وتعرض للتعذيب داخل السجن، فكان طبيعيًا أن يحاول شخص في مثل هذه الظروف أن ينتقم من هذا المجتمع الكافر الظالم.
فكان يمكن -في سبيل الإنتقام من المجتمع ومن البلد- أن يتعمد أن يأول الرؤيا تأويلًا خاطئًا، أو حتى يدعي عدم معرفته بتأويل الرؤيا.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

ولكن يوسف الصديق على عكس كل ذلك، عبر الرؤيا بمنتهي الصدق، وحذر من أن مصر مقبلة على كارثة، 
ليس هذا فحسب، بل قدم -دون أن يطلب منه- خطة محكمة للخروج من هذه الكارثة.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

ولذلك كان يُوُسُف -عَلَيْهِ السَّلامُ- هو اكثر نبي وصف بالإحسان في القرآن الكريم.
لأن الإحسان هو أن تؤدي افضل ما يمكن أداءه.
(أن تعبد الله كأنك تراه) كما قال النبي ﷺ
أفضل ما يمكن أداءه حين رادوت امرأة العزيز يوسف عن نفسه، أنه استعاذ بالله، وذكرها بالله وبزوجها، وانصرف بمنتهي الحسم والتصميم.
في هذا الموقف قدم يوسف أفضل ما يمكن أداءه، لم يساوم على حريته مقابل تعبير الرؤيا، لم يكتف بتعبير الرؤيا فقط، بل قدم خطة الخروج من الأزمة، أو من الكارثة التى أشارت اليها الرؤيا. 
ولذلك استحق يُوُسُف -عَلَيْهِ السَّلامُ- أن يكون اكثر نبي يوصف بالإحسان في القرآن الكريم.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

يقول تعالى (قَالَ تَزۡرَعُونَ سَبۡعَ سِنِينَ دَأَبٗا) الى آخر الآية
لما سمع يوسف رؤيا الملك، علم أن مصر ستمر بها سبع سنوات، يأتي فيها ماء النيل وفيرا كعادته، وهي التى اشارت ايها السبع بقرات السمان، والسبع سنبلات الخضر. 
ثم تأتي بعد ذلك سبع سنوات يقل فيها ماء النيل و ينضب، حتى يعجز الفلاحون عن الزراعة، وهي التى أشارت اليها السبع بقرات العجاف، والسنبلات اليابسات، ثم بعد هذه السنوات السبع سينتهي الجفاف، ويعود ماء النيل كما كان.
ولكن لم يكتفي يوسف -كما ذكرنا- بتأويل الرؤيا، وانما قدم -أيضًا- خطة الخروج من هذه الأزمة التى ستمر بها مصر والمنطقة.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

يقول  تعالى (قَالَ تَزۡرَعُونَ سَبۡعَ سِنِينَ دَأَبٗا)
خبر بمعنى الأمر.
يعنى عليكم أن تزرعوا سَبۡعَ سِنِينَ
(دَأَبٗا)
وأصل الدأب الإستمرار على الشيء وملازمته.
كما نقول "شخص دؤوب" يعنى مجتهد وعنده اصرار.
والمعنى أن عليكم تجتهدوا في هذه السنوات السبع في الزراعة، حتى تعطي الأرض أقصى انتاجية لها، لأن المستهدف هو ان يعطي محصول هذه السنوات السبع، ما يكفي لأربعة عشر عامًا. 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(فَمَا حَصَدتُّمۡ فَذَرُوهُ فِي سُنۢبُلِهِۦٓ إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّا تَأۡكُلُونَ)
يعنى ما تحصدونه لا تستهلكونه بالكامل، بل ستقومون بتخزيته،
وارشد يوسف الى الطريقة التى  تحفظ بها الحبوب من التلف، وهو أن تظل الحبوب في سنابلها.
وهذا يعنى ألا يتم تفريط الحبوب من الساق الحامل للحبوب، وأن تظل الحبة محتفظة بقشرتها.

وهذا ينطبق على نباتات مثل القمح والشعير والأرز والذرة وغير ذلك.
وقد اثبت العلماء عن طريق التجارب أن ابقاء الحبوب في سنابلها هي أفضل اسلوب للحفاظ على الحبوب.
والأغلب أن هذه الطريقة في حفظ الحبوب كانت بوحي من الله تعالى لنبيه يوسف -عليه السلام- لأن هذا الأسلوب -كما ذكرنا- لم يكن متبعًا عند قدامي المصريين.

(إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّا تَأۡكُلُونَ)
يعنى الا القليل من المحصول لا يترك في سنابله، بل يدرس حتى تأكلون منه.
وهنا يوجه يوسف الى التزام التقشف، في سنوات الرخاء السبعة، والإكتفاء في هذه السنوات السبع بما يسد الجوع.
حتى تكون هناك فرصة لإدخار الطعام لسنوات الجفاف. 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(ثُمَّ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ سَبۡعٞ شِدَادٞ يَأۡكُلۡنَ مَا قَدَّمۡتُمۡ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّا تُحۡصِنُونَ ﴿٤٨﴾ 
(ثُمَّ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ سَبۡعٞ شِدَادٞ)
ثُمَّ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِ سنوات الخصب (سَبۡعٞ شِدَادٞ) يعنى سَبۡعٞ سنوات من الجدب، والجفاف وقلة النيل.
(يَأۡكُلۡنَ مَا قَدَّمۡتُمۡ لَهُنَّ) يعنى يذهبن ويفنين، ما ادخرتم لَهن، من سنوات الخصب.
واستخدم تعبير (يَأۡكُلۡنَ) ليتطابق التعبير مع الرؤيا التى كان فيها سبع بقرات سمان يأكن السبع العجاف. 
وهذا توجيه آخر الى تقسيم الطعام المدخر من سنوات الخصب، على سنوات الجدب، يعنى يقسم الطعام المدخر الى سبعة أقسام، كل عام يستهلك فيه قسم من هذه الأقسام. 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

ثم وجه الى أمر آخر هام جدًا وهو (إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّا تُحۡصِنُونَ)
يعنى يجب أن تأخذوا في الاعتبار أن تبقوا القليل حتى يستخدم كبذور للزراعة في العام التالى.
واستخدم تعبير
" تُحۡصِنُونَ" كأنها وضعت في حصن، للدلالة على اهمية ادخار هذا القليل، لأن بدونه لن يستطيعوا الزراعة للعام التالى حتى مع توفر المياه.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(ثُمَّ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ عَامٞ فِيهِ يُغَاثُ ٱلنَّاسُ وَفِيهِ يَعۡصِرُونَ ﴿٤٩﴾
(ثُمَّ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ) يعنى ثُمَّ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِ السنوات الشداد.
(عَامٞ) ويغلب استخدام لفظ العام في الرخاء والخصب، بينما يغلب استخدام السنة في القحط والجدب.
(عَامٞ فِيهِ يُغَاثُ ٱلنَّاسُ وَفِيهِ يَعۡصِرُونَ)
أصل (يُغَاثُ) من الغيث وهو المطر.
وهي تستخدم في كل أنواع المعونة بعد الشدة.
بعض المستشرقين قديمًا قالوا أن كلمة (يُغَاثُ) ليست دقيقة، لأن الغيث هو المطر، وخصب مصر يكون بفيضان النيل وليس بالمطر.
والرد على ذلك أن الغوث يستخدم -كما ذكرنا- في كل أنواع المعونة بعد الشدة.
كما نقول: أغاث فلان الرجل، يعنى أعانه ونجاه.
الأمر الثاني أن فيضان النيل أصله من المطر الذي ينزل عند منابع النيل.
فاعتراضهم على كلمة "يغاث" مردود عليه، بل على العكس، دلنا هذا البحث الى أن هذه الكلمة هي أنسب كلمة في هذا الموضع.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(وَفِيهِ يَعۡصِرُونَ) يعنى يعصرون الفواكه، أو الزيتون أو السمسم أو القصب، وقيل المعنى يحلبون ضروع البهائم.
والمراد أن هذا العام سيكون عام خصب وخير، لأن العصر يكون بعد الأكل والشبع، فهو  يدل على النعمة والترف.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

وهناك سؤال: أن رؤيا الملك لم تتناول هذا العام الأخير، فكيف علم يوسف أن هذا العام  سيكون عام خصب وخير؟
علم يوسف بذلك لأن رؤيا الملك اشارت الى ان العام السابع سيكون انتهاء الجدب، واذا انتهي الجدب فلابد أن يكون هناك خصب.
أما أن هذا العام سيكون عام عظيم الخصب، والذي يدل عليه قوله (وَفِيهِ يَعۡصِرُونَ) فهذا أمر لم يعرفه يوسف الا عن طريق الوحي 
وقد ساقه الله تعالى على لسان يوسف، حتى يكون من دلائل نبوة يوسف -عليه السلام-

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(فَمَا حَصَدتُّمۡ فَذَرُوهُ فِي سُنۢبُلِهِۦ)

يعنى لا يتم تفريط الحبوب من الساق الحامل للحبوب، وأن تظل الحبوب محتفظة بقشورها.
وهذا ينطبق على نباتات مثل القمح والشعير والأرز والذرة وغير ذلك.
وقد اثبت العلماء عن طريق التجارب أن ابقاء الحبوب في سنابلها هي أفضل اسلوب للحفاظ على الحبوب.
والأغلب أن هذه الطريقة في حفظ الحبوب كانت بوحي من الله تعالى لنبيه يوسف -عليه السلام- لأن هذا الأسلوب -كما ذكرنا- لم يكن متبعًا عند قدامي المصريين.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

وقد قام عدد من علماء النبات باجراء تجارب استمرت عدة سنوات.
من هؤلاء عالم نبات مغربي قام بزراعة فدانين من القمح، ثم قام بحفظ نصف المحصول في سنابه، والنصف الآخر حفظه فيما يشبه صوامع الغلال، وكرر هذه التجربة لمدة عامين متتاليين.
وفي كل عام يقوم بتحليل الحبوب المحفوظة في سنابل، والحبوب المحفوظة مفروطة.
ووجد هذا العالم بأن الحبوب التى ظلت في السنابل لم تفقد شيئًا من محتاوها الغذائي، الا أنها فقدت جزءًا من بخار الماء، وأدي ذلك الى زيادة قيمتها الغذائية.
بينما  الحبوب المفروطة، فقد فقدت جزءًا من قيمتها الغذائية، واصابها التسوس والعفن، وكونت بعض السموم، والتى من أخطرها سم الأفلاتوكسين (Aflatoxin) وهو سم يؤدي الى سرطان الكبد.
وعلل ذك بأن الحبوب التى تظل في ساقها وفي قشرتها، سواء القمح أو الشعير أو الأرز أو غير ذلك، تكون مغلفة تغليفا محكما للغاية يحميها من وصول الرطوبة أو التسوس أو الحشرات اليها، بل على العكس تزيد قيمتها الغذائية بفقد القليل من الماء.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

يحكي د. زغلول النجار أنها كان مدعوَا لإلقاء محاضرة في جامعة المنصورة، فاتصل به أحد استاذ الأورام السرطانية في جامعة المنصورة، وطلب منه أن يقوم بتوصيله من الفندق الى الجامعة حتى يكون عنده فرصة للحديث معه، وفي الطريق

قال له أنه متخصص في أورام الأطفال ولاحظ أن الأورام السرطانية للأطفال بدأت تزيد زيادة كبيرة 
وبعد دراسة دقيقة توصل الى أن السبب هو سم الأفلاتوكسين، وهذا السم مصدره هو الغلال القادمة من خارج البلاد.
يقول ذهبت الى الميناء، وأخذ عينة من القمح المستورد من الخارج، وقام بتحليلها، واكتشف أن هذا القمح به سم الأفلاتوكسين. وأن السبب هو أن هذه الغلال يتم فرطها عن سيقانها، ثم يتم ازالة القشرة عنهـا وتخزن في صومع لعدد من السنوات، وبالتالى تفقد أولًا جزءًا كبيرا من قيمتها الغذائية، ثم الأخطر أنها تصاب بالتسوس والعفن، ومن ثم تمتلأ بسم الأفلاتوكسين، والذي يسبب الأورام السرطانية للأطفال وغير الأطفال.
وطلب من د. زغول النجار أن يطلب من المسئولين في الدول الإسلامية أن يتوقفوا عن استيراد القمح من الخارج، وأن ينتجوا القمح في بلادهم، وأن يتم حفظه بالطريقة التى أشار اليها القرآن الكريم، مهما كلفهم ذلك.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

ليس هذا فحسب بل ان قول الله تعالى (إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّا تُحۡصِنُونَ) يعنى الإبقاء على بعض البذور حت تستخدم في زراعة نباتات جديدة في السنة الخامسة عشرة والتى يغاث فيها الناس.
هذه أيضًا فيها ومضة علمية مبهرة.
حيث وجد العلماء أن الحبوب المفروطة تصبح عاجزة عن الأنبات أو اعطاء سنابل جديدة.
بينما الحبوب المحفوظة في سنابلها وفي قشرتها تظل صالحة للزرع لمدة 15 سنة، وهي وهي مجموع سنوات الخصب السبعة، يليها السبع الشداد، ثم السنة الخامسة عشرة والتى يغاث فيها الناس.
وهنا ومضة علمية في كتاب الله ألهم الله تعالى بها يوسف ليعلمها الى قومه

 

        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇