الحلقة رقم (601)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)
تفسير وتدبر الآيات من (63) الى ( 68 ) من سورة "يُوُسُف"- ص 242
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(فَلَمَّا رَجَعُوٓاْ إِلَىٰٓ أَبِيهِمۡ قَالُواْ يَٰٓأَبَانَا مُنِعَ مِنَّا ٱلۡكَيۡلُ فَأَرۡسِلۡ مَعَنَآ أَخَانَا نَكۡتَلۡ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ ﴿٦٣﴾ قَالَ هَلۡ ءَامَنُكُمۡ عَلَيۡهِ إِلَّا كَمَآ أَمِنتُكُمۡ عَلَىٰٓ أَخِيهِ مِن قَبۡلُ فَٱللَّهُ خَيۡرٌ حَٰفِظاۖ وَهُوَ أَرۡحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ ﴿٦٤﴾ وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَٰعَهُمۡ وَجَدُواْ بِضَٰعَتَهُمۡ رُدَّتۡ إِلَيۡهِمۡۖ قَالُواْ يَٰٓأَبَانَا مَا نَبۡغِيۖ هَٰذِهِۦ بِضَٰعَتُنَا رُدَّتۡ إِلَيۡنَاۖ وَنَمِيرُ أَهۡلَنَا وَنَحۡفَظُ أَخَانَا وَنَزۡدَادُ كَيۡلَ بَعِيرٖۖ ذَٰلِكَ كَيۡلٞ يَسِيرٞ ﴿٦٥﴾ قَالَ لَنۡ أُرۡسِلَهُۥ مَعَكُمۡ حَتَّىٰ تُؤۡتُونِ مَوۡثِقٗا مِّنَ ٱللَّهِ لَتَأۡتُنَّنِي بِهِۦٓ إِلَّآ أَن يُحَاطَ بِكُمۡۖ فَلَمَّآ ءَاتَوۡهُ مَوۡثِقَهُمۡ قَالَ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٞ ﴿٦٦﴾ وَقَالَ يَٰبَنِيَّ لَا تَدۡخُلُواْ مِنۢ بَابٖ وَٰحِدٖ وَٱدۡخُلُواْ مِنۡ أَبۡوَٰبٖ مُّتَفَرِّقَةٖۖ وَمَآ أُغۡنِي عَنكُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٍۖ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِۖ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُۖ وَعَلَيۡهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ ﴿٦٧﴾ وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنۡ حَيۡثُ أَمَرَهُمۡ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغۡنِي عَنۡهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٍ إِلَّا حَاجَةٗ فِي نَفۡسِ يَعۡقُوبَ قَضَىٰهَاۚ وَإِنَّهُۥ لَذُو عِلۡمٖ لِّمَا عَلَّمۡنَٰهُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ ﴿٦٨﴾
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
انتهينا في الحلقة السابقة عند قول الله تعالى (وَقَالَ لِفِتۡيَٰنِهِ ٱجۡعَلُواْ بِضَٰعَتَهُمۡ فِي رِحَالِهِمۡ لَعَلَّهُمۡ يَعۡرِفُونَهَآ إِذَا ٱنقَلَبُوٓاْ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِمۡ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ ﴿٦٢﴾
وقلنا أن المعنى أن يوسف قَالَ لعماله: ضعوا البضاعة التى دفعها اخوته مقابل الطعام داخل متاعهم.
(لَعَلَّهُمۡ يَعۡرِفُونَهَآ إِذَا ٱنقَلَبُوٓاْ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِمۡ)
يعنى خبوها بحيث لا يكتشفون وجودها الا بعد أن يعودوا الى ديارهم.
(لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ) يعنى كي يرجعوا
يعنى عندنا يجدوا الثمن الذي دفعوه مقابل الطعام قد عاد اليهم، فسيعودوا لشراء طعام آخر.
ثم يقول تعالى:
(فَلَمَّا رَجَعُوٓاْ إِلَىٰٓ أَبِيهِمۡ قَالُواْ يَٰٓأَبَانَا مُنِعَ مِنَّا ٱلۡكَيۡلُ فَأَرۡسِلۡ مَعَنَآ أَخَانَا نَكۡتَلۡ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ ﴿٦٣﴾
بعد أن عاد إِخۡوَةُ يُوسُفَ الى ديارهم اتجهوا مباشرة الى أبيهم يعقوب -عليه السلام- حتى قبل أن يفتحوا متاعهم، وقصوا عليه كل ما حدث، وعن اكرام يوسف لهم، وحسن ضيافته، وحكوا له أنه شك أنهم جواسيس، ثم قالوا له أهم نقطة (يَٰٓأَبَانَا مُنِعَ مِنَّا ٱلۡكَيۡلُ) يعنى مُنِعَ مِنَّا ٱلۡطعام في المستقبل.
وهذا الكلام لأبيهم -كما قلنا- كان قبل أن يفتحوا متاعهم، لأن الاية التالية (فلما فتحوا متعهم) وهذا يدل على شعورهم بأهمية الأمر، لأن منع الطعام عنهم من مصر هو كارثة بالنسبة لهم، لأن مصر هي المكان الوحيد الذي كان فيه طعام في المنطقة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم قالوا (فَأَرۡسِلۡ مَعَنَآ أَخَانَا نكتل وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ)
يعنى: فَأَرۡسِلۡ مَعَنَآ أَخَانَا "بنيامين" َوهو شقيق يُوسُف
(نكۡتَلۡ) وأصلها نكتال وقرأت (يكۡتَلۡ) بالياء، يعنى ليأخذ نصيبه من الطعام.
لأن يوسف كان يعطي حمل بعير لكل رجل.
فلا يعطى الطعام لمن كان غائبُا
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ)
يعنى سنحافظ عليه.
وأكدوا حفظه بالجملة الاسمية الدالة على الثبات، وبحرف التوكيد.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
هنا استخدم إِخۡوَةُ يُوسُفَ نفس التعبير الذي استخدموه عندما طلبوا يوسف، وقالوا (أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) والآن يستخدمون نفس التعبير، وهم يطلبون بنيامين، ويقولون (وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ)
وهذا يدل على افتقاد إِخۡوَةُ يُوسُفَ للحكمة، أو لأنهم نسوا هذا تفاصيل هذا الموقف.
ولكن كان يعقوب -عليه السلام- لا يزال يتذكر الموقف بكل تفاصيله.
ولذلك حرك قولهم هذا كوامن الأحزان والآلام فى نفسه، فرد عليهم يعقوب في ألم:
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(قَالَ هَلۡ ءَامَنُكُمۡ عَلَيۡهِ إِلَّا كَمَآ أَمِنتُكُمۡ عَلَىٰٓ أَخِيهِ مِن قَبۡلُ فَٱللَّهُ خَيۡرٌ حَٰفِظاۖ وَهُوَ أَرۡحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ ﴿٦٤﴾
(هَلۡ ءَامَنُكُمۡ عَلَيۡهِ إِلَّا كَمَآ أَمِنتُكُمۡ عَلَىٰٓ أَخِيهِ مِن قَبۡلُ)
هل تريدون أن أأتمنكم على "بنيامين" كما أئتمنتكم عَلَىٰٓ أَخِيهِ يوسف مِن قَبۡلُ ، فكانت النتيجة أنكم أضعتم يوسف.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم قال (فَٱللَّهُ خَيۡرٌ حَٰافِظا)
وقرأت (فالله خَيْرٌ حِفظاً)
يعنى حفظ الله لبنيامين خَيْرٌ من حفظكم له.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَهُوَ أَرۡحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ) أرجو برحمته ألا يحرمنى من "بنيامين" كما حرمني من أخيه من قبل
وهنا لم يصرح لهم يعقوب بالموافقة، ولكن كأنه يميل الى الموافقة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول ابن عباس لما قال يعقوب (فَٱللَّهُ خَيۡرٌ حَٰافِظا) رد الله عليه ولديه الإثنين
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَٰعَهُمۡ وَجَدُواْ بِضَٰعَتَهُمۡ رُدَّتۡ إِلَيۡهِمۡۖ قَالُواْ يَٰٓأَبَانَا مَا نَبۡغِيۖ هَٰذِهِۦ بِضَٰعَتُنَا رُدَّتۡ إِلَيۡنَاۖ وَنَمِيرُ أَهۡلَنَا وَنَحۡفَظُ أَخَانَا وَنَزۡدَادُ كَيۡلَ بَعِيرٖۖ ذَٰلِكَ كَيۡلٞ يَسِيرٞ ﴿٦٥﴾
بعد أن قصوا على أبيهم ما حدث، وبعد أن لمسلوا من أبيهم ميلًا على أرسال أخيهم "بنيامين" معهم، اتجهوا الى فتح متاعهم وإخراج ما فيها من طعام حضروا به مصر، وهنا كانت المفاجأة، والتي كانت سارة بالنسبة لهم، قال تعالى:
(وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ ) وقرأت (رِدَّتْ إِلَيْهِمْ )
عندما فَتَحُواْ مَتَٰاعَهُمۡ وجدوا البضاعة التي كانوا قد قدموها مقابل الطعام قد عادت اليهم مرة أخري.
والتي قلنا أن هذه البضاعة اما دراهم ودنانير، وقيل أنها جلود ونعال.
فدهشوا وقالوا لأبيهم يعقوب في تعجب.
(يَٰٓأَبَانَا مَا نَبۡغِي) يعنى ماذا نريد أكثر من هذا.
وقيل المعنى لانطلب منك بضاعة جديد حتى نشتري بها طعام لأن البضاعة التي ذهبنا بها رُدَّتۡ إِلَيۡنَا مرة أخري.
(هَٰذِهِۦ بِضَٰعَتُنَا رُدَّتۡ إِلَيۡنَا)
البضاعة التي دفعناها ثمنًا للطعام رُدَّتۡ إِلَيۡنَا مرة أخري.
(وَنَمِيرُ أَهۡلَنَا)
الميرة الطعام
هناك مثل عربي "ما عنده خير ولا مير" .
يعنى بهذه البضاعة نحضر بها الطعام لأهلنا.
(وَنَحۡفَظُ أَخَانَا) يعنى وَنؤكد أننا سنَحۡفَظُ أَخَانَا "بنيامين" عندما يذهب معنا.
(وَنَزۡدَادُ كَيۡلَ بَعِيرٖ) يعنى عندما يأتي معنا "بنيامين" سننَزۡدَادُ حمل بَعِيرٖ من الطعام، لأن يوسف كان يعطي على عدد الرجال.
(ذَٰلِكَ كَيۡلٞ يَسِيرٞ) يعنى هذا كيل سهل ليس فيه مشقة، مجرد أن يأتي معنا سنأخذ هذا الكيل.
أو أن المعنى أن الطعام الذي جئنا به من مصر، هو طعام قليل، لا يلبث أن ينفذ ونحتاج أن نعود مرة أخري الى مصر حتى نأتي بطعام آخر.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(قَالَ لَنۡ أُرۡسِلَهُۥ مَعَكُمۡ حَتَّىٰ تُؤۡتُونِ مَوۡثِقٗا مِّنَ ٱللَّهِ لَتَأۡتُنَّنِي بِهِۦٓ إِلَّآ أَن يُحَاطَ بِكُمۡۖ فَلَمَّآ ءَاتَوۡهُ مَوۡثِقَهُمۡ قَالَ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٞ ﴿٦٦﴾
هنا صرح "يعقوب" بموافقته على ارسال ابنه "بنيامين" مع اخوته الى مصر،
ولكن اشترط عليهم هذا الشرط الذي ذكره القرآن، قال تعالى: (قَالَ لَنۡ أُرۡسِلَهُۥ مَعَكُمۡ) لَنۡ أُرۡسِلَ مَعَكُمۡ أخيكم.
(حَتَّىٰ تُؤۡتُونِ مَوۡثِقٗا مِّنَ ٱللَّهِ) يعنى حَتَّىٰ تعطوني عهد موثق مِّنَ ٱللَّهِ.
والعهد الموثق من الله يعنى أن يحلفوا بالله.
ولكن يعقوب لم يقل: "حَتَّىٰ تحلفوا بالله"
وانما قال (حَتَّىٰ تُؤۡتُونِ مَوۡثِقٗا مِّنَ ٱللَّهِ)
حتى يبين لهم خطورة الحلف بالله، وحتى لا يستهين أحد منهم بالحلف بالله.
فبين لهم ان الحلف بالله هو عهد موثق بشهادة الله عليه.
تحلفواعلى ماذا؟
(لَتَأۡتُنَّنِي بِهِۦٓ إِلَّآ أَن يُحَاطَ بِكُمۡ) يعنى تعيدونه لى سالمًا معافي.
(إِلَّآ أَن يُحَاطَ بِكُمۡ) الا ان تهلكوا جميعًا، تموتوا كلكم
احيط بفلان يعنى هلك، وهو من احاطة العدو بالشخص، مثل (وأحيط بثمره)
يعنى ما تجوليش الا وهوه معاكم
(فَلَمَّآ ءَاتَوۡهُ مَوۡثِقَهُمۡ)
يعنى فَلَمَّآ حلفوا له وقالوا: والله لنعيده اليك سالمًا معافي، الا أن نهلك جميعًا.
(قَالَ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٞ)
يعنى: ٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ شاهد ومطلع ورقيب.
فجعل الله شاهدا على هذا العهد.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
سؤال: كيف وافق يعقوب على ارسال "بنيامين" معهم، من بعد ما فعلوه مع يوسف.
والجواب على ذلك من عدة وجوده، أولًا أن بنيامين، كان في ذلك الوقت شابًا ناضجًا، وليس غلامًا صغيرًا مثلما كان يوسف.
وثانيًا أنه كان يعلم أنه ليس بينهم وبين بنيامين من الحسد والحقد مثل ما كان بينهم وبين يوسف عليه السلام.
ثالثُا: شدة الحاجة الى الطعام، وليس هناك طعام في المنطقة الا عند يوسف.
يقول ابن كثير : "وإنما فعل ذلك ، لأنه لم يجد بداً من بعثهم لأجل الميرة التى لا غنى لهم عنها فبعثه معهم " .
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَقَالَ يَٰبَنِيَّ لَا تَدۡخُلُواْ مِنۢ بَابٖ وَٰحِدٖ وَٱدۡخُلُواْ مِنۡ أَبۡوَٰبٖ مُّتَفَرِّقَةٖۖ وَمَآ أُغۡنِي عَنكُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٍۖ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِۖ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُۖ وَعَلَيۡهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ ﴿٦٧﴾
اعاد فعل (قَالَ) للإشارة إلى اختلاف زمن القولين.
فهذا الكلام كان وقت رحيلهم، وهو يودعهم.
(يَٰبَنِيَّ لَا تَدۡخُلُواْ مِنۢ بَابٖ وَٰحِدٖ وَٱدۡخُلُواْ مِنۡ أَبۡوَٰبٖ مُّتَفَرِّقَةٖ)
يعنى عندما تصلوا الى مصر، وتريدون أن تدخلوا المدينة، فلا تدخلوها من باب واحد، لأن المدن قديما كان لها اسوار وأبواب.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لماذا قال (وَٱدۡخُلُواْ مِنۡ أَبۡوَٰبٖ مُّتَفَرِّقَةٖ)
لأن قوله (لَا تَدۡخُلُواْ مِنۢ بَابٖ وَٰاحِدٖ) يحتمل أن يدخلوا من بابين، وهو يريد لهم أن يتفرقوا بين أبواب كثيرة.
ولا يشترط هنا أن يدخل كل واحد منهم من باب مختلف.
ولكن يمكن أن يدخل كل اثنين أو ثلاثة من باب.
وقيل أن أبواب المدينة كانت أربعة، فعلى هذا يدخل كل ثلاثة أو اثنين من باب واحد.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
واختلف المفسرون في سبب هذه الوصية من يعقوب لأبناءه.
فقيل أن يعقوب أمرهم بذلك طمعاً أن يتسمعوا خبر يوسف -عليه السلام-
وأغلب أقوال المفسرين أن يعقوب قال لهم ذلك خوفًا عليهم من الحسد، لأنهم كانوا ذوي جمال وهيئة حسنة وأجساد قوية، فكانوا مظنة أن يحسدوا اذا دخلوا جماعة واحدة.
ولم ينهاهم عن أن يسيروا معًا في طرقات المدينة، لأن العيون دائمًا متعلقة بالأبواب، وبالداخل من الأبواب.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ولم يأمرهم يعقوب بذلك في المرة الأولي، لأنهم في المرة الأولة كانوا مجهولين لا يعرفهم أحد، فلعلهم جماعة من قبيلة واحدة وليسوا أخوة من أب واحد.
أما في هذه المرة فقد كان قد عرف أمرهم في المدينة، وبأنهم أخوة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يقول (وَمَآ أُغۡنِي عَنكُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٍ)
بعد أن أمرهم يعقوب بأن يأخذوا بالأسباب نبه الى أن الأخذ بالأسباب لا يمنع قدر الله
كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- "لا ينفع حذر من قدر"
يعنى دخولكم من أبواب متفرقة لن يحول بينكم وبين ما قدره الله عليكم.
ولكن آمركم بذلك أخذًا بالأسباب، لأن الإنسان مأمور بالأخذ بالأسباب تأدبًا مع واضع الأسباب، ومأمور أيضا بأن يعتقد بأنه لا يصل إليه إلا ما قدره الله تعالى.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وهذا هو منهج المسلم في حياته
أن يأخذ بجميع الأسباب، وأن يتوكل على الله تعالى.
كما في قصة الهجرة، قصة الهجرة كلها أخذ بالأسباب، يخرج في وقت اشتداد الحر، ويكمن في غار ثور ثلاثة ايام، والدليل كافر، ويسلك طريق لا تسكله العرب، فلما وصل المشركون الى غار ثور، قال ابو بكر: يا رسول الله لو أنَّ أحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا، ، فقال الرسول-صلى الله عليه وسلم-" ما ظَنُّكَ يا أبَا بَكْرٍ باثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا "
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
الأخذ بالأسباب واجب
والتوكل على الله فرض
وترك الأسباب جهل
وترك التوكل فسق
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم قال (إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِ)
يعنى ما ٱلۡحُكۡمُ الا لله وحده، في قضاءه، لا يشاركه فيه أحد.
فقضاء الله واقع عليكم لا محالة.
وقد تكرر هذه الجملة في سورة يوسف مرتين
مرة على لسان يوسف ومرة على لسان يعقوب
جائت على لسان يوسف بمعنى ٱلۡحُكۡمُ لله وحده شرعًا.
وجائت على لسان يعقوب ٱلۡحُكۡمُ لله وحده قدرًا
فٱلۡحُكۡمُ لله وحده شرعًا وقدرًا.
فالله تعالى يشرع ما يشاء، ويقدر ما يشاء.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يقول (عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُۖ وَعَلَيۡهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ)
بدلًا من أن يقول لهم يعقوب: توكلوا على الله.
استخدم اسلوب القدوة او النموذج
فقال: (عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُۖ) يعنى عَلَيۡهِ وحده أعتمد وأثق.
(وَعَلَيۡهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ)
يعنى وينبغي على المتوكلين أن يتوكلوا عيه سبحانه.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
والتوكل على الله
من أعظم المقامات في القرب من الله تعالى.
ولما تحقق ليعقوب هذا المقام أعاد الله له يوسف وأعاد له بنيامين.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وهذه الآية فيها شفقة من يعقوب على أبناءه، وهكذا الأب لابد أن يظهر حبه لأبناءه.
في المرة الأولى مع يوسف قال (انه ليحزنني أن تذهبوا به)
قم قال (وأخاف أن يأكله الذئب)
في هذه المرة استوعب يعقوب الدرس، وأظهر حبه وشفقته لأبناءه
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنۡ حَيۡثُ أَمَرَهُمۡ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغۡنِي عَنۡهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٍ إِلَّا حَاجَةٗ فِي نَفۡسِ يَعۡقُوبَ قَضَىٰهَاۚ وَإِنَّهُۥ لَذُو عِلۡمٖ لِّمَا عَلَّمۡنَٰهُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ ﴿٦٨﴾
(وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنۡ حَيۡثُ أَمَرَهُمۡ أَبُوهُم) يعنى وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنۡ أبواب مترفقة كما أَمَرَهُمۡ أَبُوهُم، وكان بالمدينة -كما ذكرنا- أربعة أبواب فدخلوا منها جميعًا.
(مَّا كَانَ يُغۡنِي عَنۡهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٍ)
يعنى لو أراد الله بهم اي سوء فهذا الإحتراز لا ينفعهم اذ لا راد لقضاءه تعالى.
(إِلَّا حَاجَةٗ فِي نَفۡسِ يَعۡقُوبَ قَضَىٰهَا)
(قَضَىٰهَا) يعنى أتمها
يعنى دخولهم من أبواب متفرقة كان لحَاجَةٗ فِي نَفۡسِ يَعۡقُوبَ، وهي أن تسكن نفسه وتطمئن بعد الأخذ بالأسباب.
أو أن هذه الحاجة أنه أراد أن يظهر شفقته على أبناءه، وانه خايف عليهم كلهم، حتى يعالج مشاعر الغيرة والحسد في قلوبهم.
ومنهم من قال نحن لا نعلم ما الذي كان في نفس يعقوب
يعنى عمل ذلك لعلم معين أعلم الله به
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَإِنَّهُۥ لَذُو عِلۡمٖ لِّمَا عَلَّمۡنَٰهُ)
وَإِنَّ يعقوب لَذُو عِلۡمٖ بتعليمنا اياه، وهو علم النبوة
(وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ)
يعنى وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ ما يعلمه الله لأولياءه.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"
لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
|