Untitled Document

عدد المشاهدات : 170

الحلقة (602) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تفسير وتدبر الآيات من (69) الى ( 79 ) من سورة "يُوُسُف" ) وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ......

الحلقة رقم (602)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)

تفسير وتدبر الآيات من (69) الى ( 79 ) من سورة "يُوُسُف"- ص 243
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ ءَاوَىٰٓ إِلَيۡهِ أَخَاهُۖ قَالَ إِنِّيٓ أَنَا۠ أَخُوكَ فَلَا تَبۡتَئِسۡ بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ﴿٦٩﴾ فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمۡ جَعَلَ ٱلسِّقَايَةَ فِي رَحۡلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا ٱلۡعِيرُ إِنَّكُمۡ لَسَٰرِقُونَ ﴿٧٠﴾ قَالُواْ وَأَقۡبَلُواْ عَلَيۡهِم مَّاذَا تَفۡقِدُونَ ﴿٧١﴾ قَالُواْ نَفۡقِدُ صُوَاعَ ٱلۡمَلِكِ وَلِمَن جَآءَ بِهِۦ حِمۡلُ بَعِيرٖ وَأَنَا۠ بِهِۦ زَعِيمٞ ﴿٧٢﴾ قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدۡ عَلِمۡتُم مَّا جِئۡنَا لِنُفۡسِدَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا كُنَّا سَٰرِقِينَ ﴿٧٣﴾ قَالُواْ فَمَا جَزَٰٓؤُهُۥٓ إِن كُنتُمۡ كَٰذِبِينَ ﴿٧٤﴾ قَالُواْ جَزَٰٓؤُهُۥ مَن وُجِدَ فِي رَحۡلِهِۦ فَهُوَ جَزَٰٓؤُهُۥۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلظَّٰلِمِينَ ﴿٧٥﴾ فَبَدَأَ بِأَوۡعِيَتِهِمۡ قَبۡلَ وِعَآءِ أَخِيهِ ثُمَّ ٱسۡتَخۡرَجَهَا مِن وِعَآءِ أَخِيهِۚ كَذَٰلِكَ كِدۡنَا لِيُوسُفَۖ مَا كَانَ لِيَأۡخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ ٱلۡمَلِكِ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُۚ نَرۡفَعُ دَرَجَٰتٖ مَّن نَّشَآءُۗ وَفَوۡقَ كُلِّ ذِي عِلۡمٍ عَلِيمٞ ﴿٧٦﴾ ۞قَالُوٓاْ إِن يَسۡرِقۡ فَقَدۡ سَرَقَ أَخٞ لَّهُۥ مِن قَبۡلُۚ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفۡسِهِۦ وَلَمۡ يُبۡدِهَا لَهُمۡۚ قَالَ أَنتُمۡ شَرّٞ مَّكَانٗاۖ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا تَصِفُونَ ﴿٧٧﴾ قَالُواْ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡعَزِيزُ إِنَّ لَهُۥٓ أَبٗا شَيۡخٗا كَبِيرٗا فَخُذۡ أَحَدَنَا مَكَانَهُۥٓۖ إِنَّا نَرَىٰكَ مِنَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ﴿٧٨﴾ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ أَن نَّأۡخُذَ إِلَّا مَن وَجَدۡنَا مَتَٰعَنَا عِندَهُۥٓ إِنَّآ إِذٗا لَّظَٰلِمُونَ ﴿٧٩﴾

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

بعد أن اشترط يوسف على اخوته ألا يعطيهم طعامًا ولا يدخلوا مصر الا إذا احضروا معهم أخيهم "بنيامين" 
ووافق "يعقوب" -على كره منه- على أن يرسل معهم أخيهم "بنيامين" بعد أخذ عليهم موثقًا من الله بأن يأتوا به الا أن يحاط بهم، يعنى الا أن يهلكوا جميعًا.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يقول تعالى.
(وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ ءَاوَىٰٓ إِلَيۡهِ أَخَاهُۖ قَالَ إِنِّيٓ أَنَا۠ أَخُوكَ فَلَا تَبۡتَئِسۡ بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ﴿٦٩﴾
(وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ)
يعنى وَلَمَّا دَخَل اخوة يُوسُفَ عَلَىٰ يُوسُفَ.
(ءَاوَىٰٓ إِلَيۡهِ أَخَاهُ) 
التعبير يعنى أن "بنيامين" هو الذي آوي الى يوسف.
يعنى "بنيامين" عندما رأي يوسف سكن اليه، وتعلق به، وأحبه، حتى قبل أن يخبره بأنه هو أخوه.
حتى نحن في المثل نقول "الدم يحن"

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وروي أن اخوة يوسف لما دخلوا عليه قالوا له:
هذا أخونا الذي أمرتَنا أن نأتيك به.
فقال لهم يوسف: أحسنتم وأصبتم، واني أريد أن أكرمكم.
وأمر يوسف أن ينزل كل رجلين في منزل.
ثم قال لهم: إني أرى هذا الرجل الذي جئتم به ليس معه ثانٍ، فسيكون منـزله معي.
فلما خلا يوسف بأخيه بنيامين، أخبره بأنه أخوه، يقول تعالى:

(قَالَ إِنِّيٓ أَنَا۠ أَخُوكَ فَلَا تَبۡتَئِسۡ بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ)
قيل إن يوسف لما خلا بأخيه بنيامين، قال له: ما اسم أمك؟ قال: راحيل بنت لازي.
قال: فهل لك من أخ لأمك؟ قال: كان لي أخ فهلك، قال يوسف: أتحب أن أكون أخاك بدل أخيك الذي هلك؟ فقال بنيامين: ومن يجد أخا مثلك أيها الملك، فبكى يوسف عند ذلك وقام إليه وعانقه.
ثم قال له أنا أخيك يوسف، الذي قال عنه اخوتك انه قد أكله الذئب.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالي (فَلَا تَبۡتَئِسۡ بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ)
يعنى قال له يوسف لا تحزن ولا تغتم بسبب يفعله معك اخوتك من الأذى.
والبؤس هو الحزن الشديد والغم، وها يدل على أنهم كانوا يؤذون أخيهم "بنيامين" أذى شديدًا.
ثم طلب منه يوسف ألا يخبرهم بأنه يوسف، وأخبره بأنه سيحتال على أن يستبقيه عنده.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمۡ جَعَلَ ٱلسِّقَايَةَ فِي رَحۡلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا ٱلۡعِيرُ إِنَّكُمۡ لَسَٰرِقُونَ ﴿٧٠﴾
ثم بين - تعالى- ما فعله يوسف -عليه السلام- حتى يبقي معه أخيه فلا يرجع مع اخوته، فيقول تعالى:
( فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمۡ) يعنى فلما أعطاهم الطعام الذي جاءوا لأجله
(جَعَلَ ٱلسِّقَايَةَ فِي رَحۡلِ أَخِيهِ) 
(ٱلسِّقَايَةَ) هو الإناء الذي يشرب فيه

وقد جاء بعد ذلك قوله تعالى (نفقد صواع الملك) والصُوَاع هو أيضُا ما يشرب فيه.
فقوله تعالى (جَعَلَ ٱلسِّقَايَةَ فِي رَحۡلِ أَخِيهِ) 
يعنى وضع هذا الإناء الذي يشرب فيه الملك فِي داخل أمتعة أَخِيهِ.
وفي التوراة أن هذا الإناء كان من فضة، وقيل من ذهب، وقيل من ذهب وفضة، وإذا كان اناء الملك فلابد أنه من معدن نفيس.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وكان يوسف يستخدم الإناء الذي كان يشرب فيه الملك في أن يكيل به الطعام.
واستخدام هذا الإناء على صغره، يدل على نفاسة المكيل، وهو الطعام الذي يكال.
وهذا يدل على دقة يوسف في المحافظة على مخزون الغذاء في مصر.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ما الذي يجعل يوسف يستخدم اناء الملك في ان يكيل به الطعام?
استخدم يوسف اناء الملك ليكيل به الطعام للناس، 
كأن الملك هو الذي يعطي هذا الطعام.
وهذا رمز أراد به يوسف إرضاء الملك
لأن يوسف كان قد اشتهر وذاع صيته، 
وهو الذي يعطي الطعام 
وهو الذي يدير دفة الأمور في الدولة.
ولذلك نجد الآيات لم تعد تأت بذكر الملك
كأن الملك لم يعد له وجدود، 
وأن الظاهر للناس هو يوسف فقط.
ولم يكن يوسف يريد أن يثير حفيظة الملك، 
ولم يكن يوسف له أطماع في السلطة أصلًا، 
فكان يوسف يستخدم سقاية الملك في أن يكيل بها الطعام، 
كأن هذا الغذاء مقدم من عند الملك، وليس من عند يوسف.
وهذا من ذكاء يوسف وحسن سياسته.
وهذه أيضُا من دروس سورة يوسف.
أحيانًا أصحاب الأهداف النبيلة، لا يلتفتون الى معالجة المشاعر السلبية من بعض النفوس الضعيفة.
وتكون النتيجة أن هذه النفوس الضعيفة يكونون عقبة في طريقهم.
فيوسف بإجراء بسيط جدًا، لم يكلفه أي شيء، جعل المكيال الذي يكيل الطعام للناس هو الإناء الذي يشرب منه الملك، كأن هذا الطعام مقدم من الملك.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
من جهة أخري كان يوسف حريصًا أن يكون المكيال الذي يكتال به الطعام مميزًا فلا يكال الا به.
وهذا يدل -كذلك- على شدة دقة يوسف في المحافظة على الطعام.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمۡ جَعَلَ ٱلسِّقَايَةَ فِي رَحۡلِ أَخِيهِ) يعنى أمر يوسف أحد فتيانه بأن يضع هذا الإناء داخل أمتعة أخيه بنيامين دون أن يراه أحد


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا ٱلۡعِيرُ إِنَّكُمۡ لَسَٰرِقُونَ)
يعنى بعد استعد أخوة يوسف للسفر، وأوشكوا على الرحيل.
وقيل أنهم قد أخذوا في الطريق ولحقوا بهم.
(أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ) يعنى نادي منادٍ بصوت مرتفع 
(أَيَّتُهَا ٱلۡعِيرُ إِنَّكُمۡ لَسَٰرِقُونَ)
يعنى يا أصحاب القافلة إِنَّكُمۡ لَسَٰارِقُونَ.
العير تكون ابلًا أو بغالًا أو حميرًا.
وهذا المنادي كان على راس قوة من الجنود، يعنى هو رئيسهم، كما سنفهم من الآيات التالية.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(قَالُواْ وَأَقۡبَلُواْ عَلَيۡهِم مَّاذَا تَفۡقِدُونَ ﴿٧١﴾
يعنى قال وَأَقۡبَل اخوة يوسف على الجنود الذين جائوا .
وقالوا لهم بدهشة وفزع: مَّاذَا تَفۡقِدُونَ؟
ما الذي سرق منكم؟
أو أن الجنود هم الذين اقبلوا عليهم، فقال لهم اخوة يوسف: مَّاذَا تَفۡقِدُونَ؟

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(قَالُواْ نَفۡقِدُ صُوَاعَ ٱلۡمَلِكِ وَلِمَن جَآءَ بِهِۦ حِمۡلُ بَعِير وَأَنَا۠ بِهِۦ زَعِيم ﴿٧٢﴾
يعنى رد الجنود (نَفۡقِدُ صُوَاعَ ٱلۡمَلِكِ) يعنى الذي سرق هو المكيال الذي يكيل به يوسف، والذي هو صُوَاعَ ٱلۡمَلِكِ أو الإناء الذي يشرب فيه ٱلۡمَلِكِ.
ثم قال رئيسهم وهو الذي نادي أولًا، والذي يبدو أنه كان يتحدث بتوجيه وأمر من يوسف.
 (وَلِمَن جَآءَ بِهِۦ حِمۡلُ بَعِير وَأَنَا۠ بِهِۦ زَعِيم)
يعنى وَلِمَن دل على السارق، وجَآءَ بِهِذا الصواع فله حِمۡلُ بَعِير من الطعام.
(وَأَنَا۠ بِهِۦ زَعِيم) يعنى وَأَنَا۠ متكفل بهذا الأمر.
يعنى أنا اضمن له أن يأخذ حمل بعير من الطعام.
وهذه الجائزة لمن يدل على السارق هو نوع من التمويه على اخوة يوسف.
لأن الذي يعرف السارق يتجه اليه مباشرة، لا يحتاج الى وضع جائزة لمن يدل عليه.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدۡ عَلِمۡتُم مَّا جِئۡنَا لِنُفۡسِدَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا كُنَّا سَٰرِقِينَ ﴿٧٣﴾
(قَالُواْ تَٱللَّهِ) يعنى والله.
قال الفقهاء: من أقسم على شيء ناسيًا فلا يلزمه كفارة.
(لَقَدۡ عَلِمۡتُم مَّا جِئۡنَا لِنُفۡسِدَ فِي ٱلۡأَرۡضِ)
يعنى لَقَدۡ عَلِمۡتُم من سلوكنا في المرتين اللتين جئنا فيهما الى مصر، أننا مَّا جِئۡنَا لِنُفۡسِدَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بارتكاب المعاصي، وكانوا قد عرفوا بين أهل المدينة بالصلاح والأخلاق الحسنة.
حتى روي أنهم كانوا إذا دخلوا مصر كمموا أفواه دوابهم لكيلا تتناول شيئا من زروع الناس ولم يكن أحد يفعل ذلك.
(وَمَا كُنَّا سَٰرِقِينَ) يعنى لو كنا سَٰارِقِينَ ما رددنا البضاعة التي وجدناها في رحالنا.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(قَالُواْ فَمَا جَزَٰٓؤُهُۥٓ إِن كُنتُمۡ كَٰذِبِينَ ﴿٧٤﴾
يعنى قال الجنود فما جزاء وعقوبة من سرق
(إِن كُنتُمۡ كَٰذِبِينَ) إِن كُنتُمۡ كَٰاذِبِينَ في أن السارق ليس واحدًا منكم.
وكان الحكم في مصر أن يضرب السارق، وأن يغرم ضعف قيمة المسروق.
وكان الحكم في شريعة يعقوب وابراهيم، وفي ارض كنعان أن يؤخذ السارق عبدًا عند من سرقه، وقيل إن يسترق لمدة سنة واحدة.
وكان هذا الذي يريده يوسف، وهو أن يحبس أخاه عنده،
ولذلك رد الحكم إليهم، وطلب منهم أن يحكموا هم على السارق، فقال لهم: (فَمَا جَزَٰٓؤُهُۥٓ إِن كُنتُمۡ كَٰذِبِينَ)
يعنى: أنتم أحكموا عليه.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(قَالُواْ جَزَٰٓؤُهُۥ مَن وُجِدَ فِي رَحۡلِهِۦ فَهُوَ جَزَٰٓؤُهُۥۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلظَّٰلِمِينَ ﴿٧٥﴾
 (قَالُواْ) يعنى قال اخوة يوسف
(جَزَٰٓؤُهُۥ مَن وُجِدَ فِي رَحۡلِهِۦ) يعنى جزاء وعقاب مَن وُجِدَ الصواع فِي رَحۡلِهِ.
(فَهُوَ جَزَٰٓؤُهُ) يعنى أن يكون أخذ السارق نفسه هو الجزاء، يعنى يكون عبدًا عند المسروق منه.
( كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلظَّٰلِمِينَ) يعنى هكذا جزاء السارق في شريعتنا.
وقالوا (ٱلظَّٰلِمِينَ) استنكارًا منهم للسرقة.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(فَبَدَأَ بِأَوۡعِيَتِهِمۡ قَبۡلَ وِعَآءِ أَخِيهِ ثُمَّ ٱسۡتَخۡرَجَهَا مِن وِعَآءِ أَخِيهِۚ كَذَٰلِكَ كِدۡنَا لِيُوسُفَۖ مَا كَانَ لِيَأۡخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ ٱلۡمَلِكِ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُۚ نَرۡفَعُ دَرَجَٰتٖ مَّن نَّشَآءُۗ وَفَوۡقَ كُلِّ ذِي عِلۡمٍ عَلِيمٞ ﴿٧٦﴾
السياق بعد ذلك أن هذا الموقف كان بمشهد من يوسف.
(فَبَدَأَ بِأَوۡعِيَتِهِمۡ قَبۡلَ وِعَآءِ أَخِيهِ) 
يعنى بدأ المؤذن أو المنادي أو رئيس هذه الفرقة من الجنود بتفتيش أوعيتة اخوة يوسف قبل أن يفتش أوعية "بنيامين" وكل هذا كان بتوجيه من يوسف لهذا المؤذن، حتى لا يشك أحد من اخوة يوسف بأن هذا الحادث من تدبير يوسف.
فروي أن يوسف كَانَ كُلَّمَا فَتَحَ مَتَاعَ رَجُلٍ اسْتَغْفَرَ تَائِبًا 
فلما وصل الى وعاء "بنيامين" قال يوسف: "ما أظن هذا أخذ شيئًا"
فقالوا: لا والله لا تتركه حتى تنظر في رحله، فانه أطيب لنفسك وأنفسنا" 
فلما فتش وعاء "بنيامين"، وجد السقاية بداخله، فاستخرجها على مشهد من الجميع.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (كَذَٰلِكَ كِدۡنَا لِيُوسُفَ)
الكيد هو التدبير بخفاء.
فالمعنى هكذا دبرنا لِيُوسُفَ
اذن كان ذلك بوحي من الله تعالي.
وهذا الرد على سؤال لماذا احتال يوسف حتى يستقدم أخيه من الشام الى مصر، ثم يحبسه عنده، مع أن ذلك أحزن اباه يعقوب حزنًا شديدًا حتى فقد بصره من شدة الحزن.
كان ذلك بأمر ووحي من الله تعالى حتى يشتد البلاء على يعقوب، وحتى يعظم الله له الثواب على صبره.
 روي عن وهب بن منبه، قال‏:‏ لما جمع الله بين يوسف ويعقوب، قال له يعقوب‏:‏ بيني وبينك هذه المسافة القريبة، ولم تكتب إِليَّ تعرِّفني‏؟‏ قال يوسف‏:‏ إِن جبريل أمرني ألا أعرِّفك.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(مَا كَانَ لِيَأۡخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ ٱلۡمَلِكِ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ) 
يعنى لم يكن يوسف يمكنه أن يحبس أخاه، لو كان قد حكم بدين ملك مصر، لأن جزاء السرقة في دين الملك هو الضرب وتغريم السارق.
(إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ)
لم يكن يمكن أن يأخذ أخاه الا بمشيئة الله تعالى.
قال العلماء: هذه الآية فيها الدليل على أنه يجوز الوصول الى الأغراض المشروعة بالحيلة والمكيدة، إذا لم يخالف ذلك الشرع.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(نَرۡفَعُ دَرَجَٰت مَّن نَّشَآءُ)
يعنى نَرۡفَعُ من نشاء رفعه من عبادنا درجات في العلم والقرب من الله تعالى. 
وكلما ارتفع العبد وهو في طريقه الى الله درجة، فهناك فوقه درجات من القرب من الله لا نهاية لها.
وهذا الذي يجب أن يكون مضمار السباق، وميدان المنافسة.
يقول تعالي (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَفَوۡقَ كُلِّ ذِي عِلۡمٍ عَلِيم)
يعنى فَوۡقَ كُلِّ ذِي عِلۡمٍ من العباد علم الله سبحانه وتعالى. 
وعِلْمُ اللَّهِ فَوْقَ عِلْمِ الْعِبَادِ
ويقول ابْنِ عَبَّاسٍ: يَكُونُ الرَّجُلُ أَعْلَمُ مِنَ الرَّجُلِ، وَالرَّجُلُ أَعْلَمُ مِنَ الرَّجُلِ، وَاللَّهُ فَوْقَ كُلِّ ذِي عَلِمٍ عَلِيمٌ.
قال جماعة من أهل التفسير: يجب على العالم أن يشعر بالتواضع، لأنه لا يخلو عالم من عالم يفوقه.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(۞ قَالُوٓاْ إِن يَسۡرِقۡ فَقَدۡ سَرَقَ أَخ لَّهُۥ مِن قَبۡلُۚ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفۡسِهِۦ وَلَمۡ يُبۡدِهَا لَهُمۡۚ قَالَ أَنتُمۡ شَرّ مَّكَاناۖ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا تَصِفُونَ ﴿٧٧﴾
قَالُوٓاْ إِن يَسۡرِقۡ فَقَدۡ سَرَقَ أَخ لَّهُۥ مِن قَبۡلُ) 
يعنى هذا الأمر ليس بغريب منه، لأن أخاه الذي هلك كان أيضا سارقا، يعنى السرقة هو أمر موروث من أمهما راحيل، خصلة في أولاد راحيل، ولا علاقة لهم بذلك.
وهم لا يعلمون أنهم يتحدثون إلى يوسف ابن راحيل
وهذه تدل على أن قلب الحاسد لا يطهر من الغل أبدًا.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وورد في قصة سرقة يوسف عدة روايات، فقيل أن جد يوسف لأمه كان كافرًا يعبد الأصنام، وكان اسمه لابان، وكان عنده صنم من ذهب وفضة، فأخذه يوسف وكسره والقاه في الطريق، فكانوا يقولون أن يوسف سرق هذا الصنم.
وقيل إنه كان يسرق الطعام حتى يعطيه للمساكين.
وروي أنه كان في البيت دجاجة فجاء سائل فأعطاها له.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وأشهر الروايات أن عمته ابنة اسحق، كانت اكبر أبناء اسحق، وكان قد صار اليها منطقة اسحق، وكانوا يتوارثونها، وتكون عند أكبرهم، وكان يوسف وهو غلام يبيت عند عمته، وكانت تحب يوسف حبًا شديدًا، فذهب ايها يعقوب وقال ليها: يا أخية، والله ما أقدر أن يغيب عنى يوسف ساعة، فقالت لهم: والله لا أتركه، ووالله لا أقدر أن يغيب عنى ساعة، فقال يعقوب: فوالله ما أنا بتاركه، فقالت له: فدعه عندي أيامًا ثم تعال فخذه، فوافق يعقوب، فلما خرج يعقوب أخذت منطقة اسحق وحزمتها على يوسف من تحت ثيابه، ثم قالت لقد فقدت منطقة اسحق، فأخذوا يبحثون عنها، حتى وجدوها تحت ثياب يوسف، وكان -كما ذكرنا- على سحب شريعتهم من يسرق يكون تحت امرة من سرقه، فقالت ليعقوب ان ابنك سرق وهو ملك لي فلم يستطع يعقوب أن يأخذ يوسف حتى ماتت عمته.
فكان اخوة يوسف يعايروه بأنه قد سرق. 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(قَالُوٓاْ إِن يَسۡرِقۡ فَقَدۡ سَرَقَ أَخ لَّهُۥ مِن قَبۡلُ)
روي أنه لما استخرج الصواع من رحل "بنيامين": قال له اخوته: مَا يَزَالُ لَنَا مِنْكُمْ بَلاءٌ يَا بَنِي رَاحِيلَ؟ قَالَ بِنْيَامِينُ: بَنُو رَاحِيلَ الَّذِي لَا يَزَالُ لَهُمْ مِنْكُمْ بَلاءٌ، وقد ذَهَبْتُمْ بِأَخِي وضيعتموه فِي المفازة، ثم تقولون لي هذا الكلام، قالوا له: فكيف خرج الصواع من رحلك؟ وأخذوا يشَتَمُوهُ

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(۞ قَالُوٓاْ إِن يَسۡرِقۡ فَقَدۡ سَرَقَ أَخ لَّهُۥ مِن قَبۡلُۚ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفۡسِهِ) يعنى أضمرها في نفسه. 
كما نقول "شالها فِي نَفۡسِهِ"
(وَلَمۡ يُبۡدِهَا لَهُمۡ) ولم يظهرها لهم. 
(قَالَ أَنتُمۡ شَرّ مَّكَانا) يعنى قال فِي نَفۡسِهِ أَنتُمۡ شَرّ منزلة عند الله.
أو أَنتُمۡ شَرّ مما كنتم من قبل.
وكان يوسف يرجو أن يكونوا أفضل من قبل.
(وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا تَصِفُونَ)
كلمة " تَصِفُونَ" غلب استعمالها في الكذب.
فالمعنى: وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا تَكذبون.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(قالُواْ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡعَزِيزُ إِنَّ لَهُۥٓ أَبٗا شَيۡخٗا كَبِيرٗا فَخُذۡ أَحَدَنَا مَكَانَهُۥٓۖ إِنَّا نَرَىٰكَ مِنَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ﴿٧٨﴾
(قالُواْ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡعَزِيزُ)
هنا لأول مرة يخاطب يوسف بلقب العزيز.
وقلنا إن يوسف تولى وظيفين: الأولى أنه كان على خزائن الأرض، يعنى مسئولًا عن موارد الدولة ومصارفها.
ثم بعد أن أثبت جدارته في هذا المنصب.
تولى المنصب الأعلى وهو "عزيز مصر" 
و"عزيز مصر" يعنى الوزير الأول، أو رئيس الوزراء
وتولى يوسف هذا المنصب بعد وفاة "عزيز مصر" الذي كان يوسف خادمًا في قصره، أو بعد عزله.
وتولي يوسف لهذا المنصب كان أمرًا على غير العادة من عدة وجوه.
أولًا
أن هذا المنصب هو ثاني أكبر منصب بعد الملك، والعادة أن الذي يتولى مثل هذه المناصب الرفيعة واحد من الأسرة الحاكمة، ولم يكن يوسف كذلك.
وثانيًا أن يوسف لم يكن حتى من الهكسوس الذين يحكمون مصر في ذلك الوقت، بل كان عبرانيًا، يعنى كان عرقًا مختلفًا.
وثالثُا أن يوسف كان عبدًا، بيع في السوق واشتراه عزيز مصر، حتى لو كان عزيز مصر قد أعتقه اكرامًا له، وهذا هو الأغلب، فانه من المعروف أنه كان عبدًا.
برغم كل ذلك فان يوسف وصل الى هذا المنصب الرفيع، وهو منصب عزيز مصر.
ولذلك قلنا إن قصة يوسف هي قصة نجاح. 
وروشتة نجاح يوسف هو الآية المحورية 
(إنه من يتق ويصبر فان الله لا يضيع أجر المحسنين)

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
قالُ اخوة يوسف، يستعطفون يوسف 
(يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡعَزِيزُ إِنَّ لَهُۥٓ أَبٗا شَيۡخٗا كَبِيرٗا)
وهو يعقوب -عليه السلام-
وشَيۡخٗا يعنى متقدمُا في السن.
وكَبِيرٗا يعنى كَبِيرٗا في القدر والمقام، لأنه نبي.
او (كَبِيرٗا) يعنى طاعنًا في السن.
(شَيۡخٗا كَبِيرٗا) يعنى شَيۡخٗا طاعنًا في السن.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(فَخُذۡ أَحَدَنَا مَكَانَهُ) يعنى فَخُذۡ أَحَدَنَا عبدًا مَكَانَهُ
لأن أباه لا يطيق أن يبتعد عنه.
(إِنَّا نَرَىٰكَ مِنَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ) يعنى مِنَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ في أفعالك.
لأنك أعطيتنا الطعام، ورددت لنا الأثمان، وأكرمتنا وضيفتنا.
فأحسن الينا في أن تعفو عنه أو أن تأخذ أحدنا مكانه


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ أَن نَّأۡخُذَ إِلَّا مَن وَجَدۡنَا مَتَٰعَنَا عِندَهُۥٓ إِنَّآ إِذٗا لَّظَٰلِمُونَ ﴿٧٩﴾
(قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ) يعنى قال أستجير بالله من أن أقع في هذا الذنب وهذا الظلم، وهو أن نَّأۡخُذَ غير الذي وَجَدۡنَا مَتَٰاعَنَا عِندَهُۥٓ.
(إِنَّآ إِذٗا لَّظَٰلِمُونَ) يعنى أكون من الظالمين ان أخذت بريئًا مكان المذنب. 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ما الذي دار بين اخوة يوسف بعد أن خرجوا مع يوسف.
وكيف واجهوا أباهم بهذا الخبر المؤلم
وكيف استقبل يعقوب هذا الخبر
هذا سيكون حديثنا في الآيات التالية ان شاء الله تعالى.

 

        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇