الحلقة رقم (604)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)
تفسير وتدبر الآيات من (88) الى ( 98 ) من سورة "يُوُسُف"- ص 246
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيۡهِ قَالُواْ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهۡلَنَا ٱلضُّرُّ وَجِئۡنَا بِبِضَٰعَةٖ مُّزۡجَىٰةٖ فَأَوۡفِ لَنَا ٱلۡكَيۡلَ وَتَصَدَّقۡ عَلَيۡنَآۖ إِنَّ ٱللَّهَ يَجۡزِي ٱلۡمُتَصَدِّقِينَ ﴿٨٨﴾ قَالَ هَلۡ عَلِمۡتُم مَّا فَعَلۡتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذۡ أَنتُمۡ جَٰهِلُونَ ﴿٨٩﴾ قَالُوٓاْ أَءِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُۖ قَالَ أَنَا۠ يُوسُفُ وَهَٰذَآ أَخِيۖ قَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيۡنَآۖ إِنَّهُۥ مَن يَتَّقِ وَيَصۡبِرۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ﴿٩٠﴾ قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدۡ ءَاثَرَكَ ٱللَّهُ عَلَيۡنَا وَإِن كُنَّا لَخَٰطِِٔينَ ﴿٩١﴾ ٱذۡهَبُواْ بِقَمِيصِي هَٰذَا فَأَلۡقُوهُ عَلَىٰ وَجۡهِ أَبِي يَأۡتِ بَصِيرٗا وَأۡتُونِي بِأَهۡلِكُمۡ أَجۡمَعِينَ ﴿٩٣﴾ وَلَمَّا فَصَلَتِ ٱلۡعِيرُ قَالَ أَبُوهُمۡ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَۖ لَوۡلَآ أَن تُفَنِّدُونِ ﴿٩٤﴾ قَالُواْ تَٱللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَٰلِكَ ٱلۡقَدِيمِ ﴿٩٥﴾ فَلَمَّآ أَن جَآءَ ٱلۡبَشِيرُ أَلۡقَىٰهُ عَلَىٰ وَجۡهِهِۦ فَٱرۡتَدَّ بَصِيرٗاۖ قَالَ أَلَمۡ أَقُل لَّكُمۡ إِنِّيٓ أَعۡلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ ﴿٩٦﴾ قَالُواْ يَٰٓأَبَانَا ٱسۡتَغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَآ إِنَّا كُنَّا خَٰطِِٔينَ ﴿٩٧﴾ قَالَ سَوۡفَ أَسۡتَغۡفِرُ لَكُمۡ رَبِّيٓۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ ﴿٩٨﴾
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
انتهينا في الآيات السابقة الى أن يعقوب -عليه السلام- فقد بصره حزنًا على يوسف، ثم أمر أبناءه بأن يتوجهوا الى مصر وأن يتحسسوا أخبار يوسف واخيه.
قال تعالى على لسان يعقوب -عَلَيْهِ السَّلامُ- (يٰبَنِيَّ ٱذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْكَافِرُونَ )
وامتثل اخوة يُوسُف لأمر أبيهم ونزلوا الى مصر للمرة الثالثة، ثم يقول تعالى:
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيۡهِ قَالُواْ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهۡلَنَا ٱلضُّرُّ وَجِئۡنَا بِبِضَٰعَةٖ مُّزۡجَىٰةٖ فَأَوۡفِ لَنَا ٱلۡكَيۡلَ وَتَصَدَّقۡ عَلَيۡنَآۖ إِنَّ ٱللَّهَ يَجۡزِي ٱلۡمُتَصَدِّقِينَ ﴿٨٨﴾
يعنى أن اخوة يوسف دخلوا على يوسف يطلبون الطعام، كما طلبوا الطعام في المرة الأولى والمرة الثانية، ولكن كان لهم هدف آخر غير طلب الطعام، وهو أن يتحسسوا من أخبار يوسف وأخيه، كما امر أبيهم يعقوب -عَلَيْهِ السَّلامُ-
يقول تعالى (فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيۡهِ) يعنى فَلَمَّا دَخَل اخوة يوسف عَلَيۡ يوسف
(قَالُواْ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡعَزِيزُ) وهذا خطاب فيها استعطاف
(مَسَّنَا وَأَهۡلَنَا ٱلضُّرُّ) يعنى أصابنا وَأَهۡلَنَا الشدة من الجدب والقحط.
(وَجِئۡنَا بِبِضَٰعَةٖ مُّزۡجَىٰةٖ) قلنا إن يوسف لم يكن يعطي الطعام لا مقابل، بل كل يعطي الطعام مقابل دراهم ودنانير، أو مقابل بضائع بنظام المقايضة، وهذا حقق الثراء لمصر في ذلك الوقت، بالرغم من الجفاف والجدب الذي أصاب مصر والمنطقة كلها.
هنا اخوة يوسف يقولون (وَجِئۡنَا بِبِضَٰعَةٖ مُّزۡجَىٰةٖ) يعنى وَجِئۡنَا بِبِضَٰعَةٖ رديئة أو قليلة
وأصل الإزجاء هو الدفع قليلا قليلا.
ومنه قول الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يُزْجِي سَحَاباً) يعنى يحركه في السماء.
وكانت العرب تقول: "فلان يزجي العيش" يعنى كما نقول "بيزق في الدنيا"
فسميت البضاعة الرديئة بالمزجاة، لأنها تدفع ولا يقبها أحد.
فصاحبها يدفعها يريد أن يتخلص منها، وغير صاحبها يدفعها عنه لا يريد أن يأخذها.
مثل النقود الممزقة، يحاول صاحبها أن يتخلص، واذا رآها من يأخذها فانه يرفضها.
هنا اخوة يوسف يقولون ليوسف (وَجِئۡنَا بِبِضَٰعَةٖ مُّزۡجَىٰةٖ) يعنى نحن نعترف بان البضاعة التي جِئۡنَا بها، هي بضاعة ردئية لا تساوي شيئًا، ولكن هذا هو كل ما نملكه.
ثم قالوا
(فَأَوۡفِ لَنَا ٱلۡكَيۡلَ)
يعنى فاعطنا مقابل هذه البضاعة الرديئة، ٱلۡكَيۡلَ وافيًا كاملًا تامًا، كما لو كانت البضاعة جيدة.
(وَتَصَدَّقۡ عَلَيۡنَآ) يعنى تَصَدَّقۡ عَلَيۡنَآ بأن تسامح في هذه البضاعة الرديئة، وتعطينا مقابل منها بضاعة جيدة.
كما نقول في المثل "الصدقة في البيع والشراء"
وقيل (تَصَدَّقۡ عَلَيۡنَآ) برد أخينا الينا.
(إِنَّ ٱللَّهَ يَجۡزِي ٱلۡمُتَصَدِّقِين)
عبارة فيها استعطاف ليوسف.
لم يقل اخوة ان الله يجزيك بصدقتك، لأنهم لم يكونوا يعرفون أنه دينهم.
وانما قالوا (إِنَّ ٱللَّهَ يَجۡزِي ٱلۡمُتَصَدِّقِين) بصفة عامة.
وهذا يدل على حسن مراقبتهم لله تعالى لأنهم يتحرون الصدق في كلامهم.
بينما كذبوا من قبل كذبا فاحشًا، دون أن تهتز لهم شعرة، حين قالوا (يا أبنانا انا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب)
اذن خطة يوسف والتي كانت بوحي من الله تعالى نجحت في ان يأخذ بأيدي اخوته للتوبة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(قَالَ هَلۡ عَلِمۡتُم مَّا فَعَلۡتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذۡ أَنتُمۡ جَٰهِلُونَ ﴿٨٩﴾
هنا وجد يوسف بأنه قد حقق ما ارده وهو أن يصل بأخوته الى التوبة.
أو أن يوسف قد تأثر بما أصاب اخوته من الشدة، فقال لهم:
(قَالَ هَلۡ عَلِمۡتُم مَّا فَعَلۡتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ)
استفهام يفيد تعظيم وتهويل ما فعلوه، كما تقول: هل تردي ما صنعت؟
(قَالَ هَلۡ عَلِمۡتُم) يعنى انتم عارفين عملتم ايه مع يُوسُفَ لما تآمرتم عليه وألقتوه في البئر.
وعارفين اللى عملتوه مع أخيه "بنيامين" من الإيذاء والمكايدة الإهانة.
وما فعلوه باَخِيهِ فقد كانوا يؤذونه بكل أنواع الإيذاء والإهانة والمكايدة
ثم يقول يوسف (إِذۡ أَنتُمۡ جَٰهِلُونَ) هنا يوسف -لسمو أخلاقه-
يعاتبهم هذا العتاب الرقيق، ويلتمس لهم العذر، في نفس كلمات العتاب.
(إِذۡ أَنتُمۡ جَٰهِلُونَ) يعنى ما فعلتوه كان في وقت جهلكم ، وأنتم الآن لستم كذلك.
وهذه الآية تصديق قوله تعالى في الآية 15 (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) يعنى ستخبرهم بما فعلوه معك، وهم لا يدركون أنك يوسف.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(قَالُوٓاْ أَءِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُۖ قَالَ أَنَا۠ يُوسُفُ وَهَٰذَآ أَخِيۖ قَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيۡنَآۖ إِنَّهُۥ مَن يَتَّقِ وَيَصۡبِرۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ﴿٩٠﴾
قال اخوة يوسف فى دهشة وتعجب ( أَإِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ) يعنى هل أنت يُوسُفُ؟
كيف عرف اخوة يوسف أن هذا يوسف؟
هناك رواية عن ابن عباس، أن يوسف لما قال هذا القول تبسم، فرأوا أسنانه كاللؤلؤ المنظوم، ولم تكن هذه مثل هذه الأسنان الا ليوسف فعرفوه بها.
وهناك رواية أخري عن ابن عباس ايضًا أن يوسف لما قال هذا القول، وضع التاج عن راأسه، وكان في اعلى راسه علامة كالشاة، وكان ليعقوب مثلها ولإسحاق مثلها ولسارة مثلها، فعرفوه بها
وأعتقد أن أخوة يوسف كانوا في حالة شك من أن العزيز هو يوسف، وهناك معطيات تجعلهم يشكون في ان العزيز هو يوسف، منها جمال العزيز الذي لم يكن الا عند أخيهم يوسف، منها اهتمام العزيز بهم منذ أول لقاء معهم، منها أنهم لما وضعوا يوسف في البئر كان في طريق القوافل المتجهة الى مصر، فهو يعلمون أن يوسف ان كان حيًا فهو في مصر، منها أنهم لما دخلوا على يوسف وجدوا أخيهم "بنيامين" دالسًا مع يوسف معززًا مكرمًا، منها أن العزيز اسمه يوسف.
كل هذه معطيات جعلتهم يشكون أن العزيز هو يوسف، فلما قال لهم يوسف (هَلۡ عَلِمۡتُم مَّا فَعَلۡتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذۡ أَنتُمۡ جَٰهِلُونَ)
(قَالُوٓاْ أَءِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ)
(قَالَ أَنَا۠ يُوسُفُ وَهَٰذَآ أَخِي)
يعنى قال لهم: نعم أَنَا۠ يُوسُفُ وَهَٰذَآ أَخِي بنيامين.
(قَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيۡنَآ) يعنى قَدۡ أنعم ٱللَّهُ عَلَيۡنَآ، بأن بدلنا أحوالنا من عسر الى يسر، ومن ضيق الى فرج.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم قال (إِنَّهُۥ مَن يَتَّقِ وَيَصۡبِرۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ)
هذا هو الدرس الأعظم المستفاد من هذه القصة العظيمة.
وهذه الآية التي لو عمل بها العبد لتحقق له السعادة في الدنيا والآخرة.
إِنَّهُۥ مَن يَتَّقِ الله، فيأتمر بأوامره، وينتهي عن نواهيه،
ويصبر على قضاء الله ويرضي به.
ويصبر عن المعاصي.
فان الله تعالى يكرمه بكرمه، ويرحمه برحمته لأن الله -تعالى- لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المحسنين، سواء في الدنيا أو في الآخرة.
وتلك سنته -تعالى- التي لا تتخلف .
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدۡ ءَاثَرَكَ ٱللَّهُ عَلَيۡنَا وَإِن كُنَّا لَخَٰطِِٔينَ ﴿٩١﴾
(قَالُواْ تَٱللَّهِ) يعنى والله
(لَقَدۡ ءَاثَرَكَ ٱللَّهُ عَلَيۡنَا) يعنى لَقَدۡ فضلك ٱللَّهُ عَلَيۡنَا.
يعنى: فضلك عَلَيۡنَا بالنبوة.
وقد ذكرنا في بداية قصة يوسف أن حسد اخوة يوسف وحقدهم عليه.
لأن كل واحد منهم كان يطمع أن يرث النبوة من أبيه يعقوب.
ولما رأوا حب أبيهم يعقوب ليوسف، وايثاره عليهم، خشوا أن يكون هو الذي سيرث النبوة من أبيهم، ولذلك حقدوا عليه، وفعلوا ما فعلوا وألقوه في البئر ليتخلصوا منه، فلا يكون أمام ابيهم الا أن يختار واحدًا منهم ليرث منه النبوة.
يقول تعالى على لسان اخوة يوسف (قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدۡ ءَاثَرَكَ ٱللَّهُ عَلَيۡنَا)
يعنى اعترف اخوة يوسف، بأن الله اختار يوسف واصطفاه وفضله عليهم بالنبوة
وأنه هو الذي يستحق النبوة وليس واحدًا منهم.
وهذا ما تحقق ليوسف، يقول تعالى: (قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدۡ ءَاثَرَكَ ٱللَّهُ عَلَيۡنَا)
يعنى اعترفوا أن الله اختاره واصطفاه وفضله عليهم بالنبوة.
وخرج كل ما في قلوبهم من الحسد ليوسف
(وَإِن كُنَّا لَخَٰطِِٔينَ)
اعتراف منهم بالخطأ
وقلنا إن كل ما فعله يوسف من حبس أخيه عنده وغير ذلك، حتى يصل بهم الى أن يعترفوا بخطئهم، ويأخذ بأيديهم الى التوبة.
هناك فرق بين "الخاطيء" و"المخطأ"
فالخاطيء هو الذي يتعمد الخطيئة.
أما المخطأ فهو لا يتعمد الخطيئة، بل هو يريد الصواب، ولكن لم يوفق اليه.
ولذلك قال تعالى (ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا أو أخطئنا)
وقال تعالي (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم)
ويقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- "رُفِعَ عن أُمَّتي الخطأَ والنِّسيانَ وما استُكْرِهوا عليهِ"
ولذلك يقال فلان أخطأ في الحكم، أو أخطأ في الفتوي، يعنى هو لم يتعمد أن يقول حكما أو فتوي غير صحيحة.
هذا هو المخطأ الذي لا يتعمد الوقع في الخطأ
أما الخاطيء الذي يتعمد الخطيئة.
كما -في قصة يوسف أيضًا- (يوسف أعرض عنها واستغفري لذنبك انك كنت من الخطائين"
هنا يقول اخوة يوسف (وإن كنا لخاطئين)
يعنى نحن نعترف بأننا قد ارتكبنا هذا الاثم وهذا الذنب عن تعمد منا
وهو القاء يوسف في البئر، وايقاع أبيهم في هذا الحزن العظيم.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(قَالَ لَا تَثۡرِيبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡيَوۡمَۖ يَغۡفِرُ ٱللَّهُ لَكُمۡۖ وَهُوَ أَرۡحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ ﴿٩٢﴾
التثريب هو اللوم والتأنيب.
وفي الحديث: " إِذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحدَّ، ولا يثرِّب" أي: لا يعيِّرها بالزنى.
ويقول بشر الشاعر الجاهلى المعروف: فَعَفَوْتُ عَنْهَمْ عَفْوَ غيرَ مُثَرِّبٍ
وَتَرَكْتُهُمْ لِعِقَابِ يَوْمٍ سَرْمَدِ
وأصل التثريب من "الثرب" وهو الشحم الرقيق الذي يغلف الأعضاء الداخلية في الجسم.
فاستعير للتأنيب، لأن الذي يكثر اللوم والعتاب كأنه يضع حاجز بينه وبين من يؤنبه.
مثل هذا الشحم الذي يكون كالغلاف للأعضاء
أو لأن بإزالة الشحم يبدو الهزال، وكذلك التأنيب يذهب بهاء الوجه.
فقول يوسف (لَا تَثۡرِيبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡيَوۡمَۖ)
يعنى لا لوم ولا تأنيب ولا توبيخ ولا تقريع عَلَيۡكُمُ ٱلۡيَوۡمَ.
وكلمة (ٱلۡيَوۡمَ) يعنى هذا يوم يجتمع فيه الشمل، وهو يوم فرح، ولذلك لا أريد أن أعكر صفو هذا اليوم بالعتاب واللوم
(يَغۡفِرُ ٱللَّهُ لَكُمۡۖ وَهُوَ أَرۡحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ)
يعنى أرجو من الله -تعالى- وأدعوه تعالى أن يَغۡفِرُ لَكُمۡ ما فرط منكم من ذنوب وهو -تعالى- أرحم الراحمين بعباده.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وروي أن الرسول ﷺ عندما جاء بجيش كبير لفتح مكة، وكان "أبو سفيان" قائد المشركين يعلم أنه لا يستطيع أن يقف أمام جيش المسلمين، فأسرع يريد أن يؤمن نفسه، فذهب الى صديقه "العباس" عم الرسول ﷺ، فقال له العباس: إذا أتيت الرسول ﷺ فاتل عليه (لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ ٱلۡيَوۡمَ) فدخل "أبو سفيان" على الرسول ﷺ وتلا عليه: (لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ ٱلۡيَوۡمَ) فقال له الرسول ﷺ: "غفر الله لك ولمن علمك"
وبعد فتح مكة الرسول ﷺ اجتمعت قريش أمام الرسول ﷺ وأخذ الرسول ﷺ بعضادتي باب الكعبة، ثم قال:
ما ترونني فاعلاً بكم؟ قالوا: نظن خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم؛ وقد قدرت فقال:
أقول ما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم اليوم.
فقال عمر رضي الله عنه : فَفِضْتُ عَرَقًا من الحياء من قول رسول الله ﷺ; (يعنى سال العرق من كل جسدي) ذلك أني قد كنت قلت لهم حين دخلنا مكة: اليوم ننتقم منكم ونفعل ، فلما قال رسول الله ﷺ ما قال استحييت من قولي .
ويروى أن إخوته لما عرفوه وأرسلوا إليه: إنك تدعونا إلى طعامك بكرة وعشية، ونحن نستحي منك لما فرط منا فيك، فقال يوسف: إنّ أهل مصر وإن ملكت
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
روي أيضُا أن "أبو سفيان بن الحارث" وكان ابن عم الرسول ﷺ و"عبد الله بن أبي أمية" وكان ابن عمة الرسول ﷺ وكانا من أشد قريش عداوة وايذاءا للرسول ﷺ وللمسملين، وشاركا في كل الحروب ضد الرسول ﷺ
فلما كان فتح مكة أرادا أن يدخلا على الرسول ﷺ فلم يأذن لهما، فذهبا الى "أبو بكر" ليشفع لهما فرفض أبو بكر، ثم ذهبا الى "عمر" ليشفع لهما فرفض، فذهب "عبد الله بن أبي أمية" الى أخته "أم سلمة" زوج الرسول ﷺ فقالت أم سلمية للرسول ﷺ "يا رسول الله، ابن عمك، وابن عمتك وصهرك، فقال: الرسول ﷺ "لا حاجة لي بهما"
ثم ذهب "أبو سفيان بن الحارث" الى ابن عمه "على بن أبي طالب" فقال على: أري أن تلقيا رسول الله ﷺ في الحفل –يعنى في اجتماع الناس- فتصيحان (تَاللَّهِ لَقَدْ آَثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ) فإنه لا يرضى أن يكون دون أحد من الأنبياء فلا بد لذلك أن يقول: لا تثريب عليكما، فلما فعلا ذلك قال لهما الرسول ﷺ (لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ يَغۡفِرُ ٱللَّهُ لَكُمۡۖ وَهُوَ أَرۡحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ)
ثم أسلما وحسن اسلامهما، ومات "عبد الله بن أبي أمية" في معركة الطائف.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
هناك رواية عجيبة عن كرم يوسف مع اخوته.
روي أن يوسف كان إذا أراد أن يأكل دعا اخوته ليأكلوا معه.
فأرسلوا اليه وقالوا له: إنك تدعونا الى طعامك صباحًا ومساءًا، وانا نستحي لما كان منا.
فرد عليهم وقال:
إن أهل مصر ينظرونني-وإن ملكت فيهم-بعين العبودية فيقولون: سبحان من بلغ عبداً بيع بعشرين درهماً، ولقد شرفت الآن بكم وعظمت في العيون حيث علم الناس أنكم إخوتي، وأني من ذرية إبراهيم عليه السلام.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(ٱذۡهَبُواْ بِقَمِيصِي هَٰذَا فَأَلۡقُوهُ عَلَىٰ وَجۡهِ أَبِي يَأۡتِ بَصِيرا وَأۡتُونِي بِأَهۡلِكُمۡ أَجۡمَعِينَ ﴿٩٣﴾
قيل أن يوسف بعد أن عفا عن أخوته وقال لهم: (لَا تَثۡرِيبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡيَوۡمَۖ يَغۡفِرُ ٱللَّهُ لَكُمۡۖ وَهُوَ أَرۡحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ)
سألهم عن أبيه يعقوب، فقالوا: ذهب بصره من الحزن!
فغقال لهم يوسف (ٱذۡهَبُواْ بِقَمِيصِي هَٰذَا فَأَلۡقُوهُ عَلَىٰ وَجۡهِ أَبِي يَأۡتِ بَصِيرا)
يعنى يعود اليه بصره بعد أن فقد بصره من شدة الحزن على يوسف.
وهذه معجزة لنبي الله يوسف -عليه السلام-
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وهذه ثالث مرة يأتي فيها ذكر قميص يوسف:
أول مرة (وجاءوا على قميصه بدم كذب) المرة الثانية (وقدت قميصه من دبر) والمرة الثالثة (ٱذۡهَبُواْ بِقَمِيصِي هَٰذَا)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَأۡتُونِي بِأَهۡلِكُمۡ أَجۡمَعِينَ)
يعنى تعالوا معه ومعكم زوجاتكم وابنائكم وأحفادكم.
فلما قال يوسف ذلك، أسرع أخيه "يَهُوذَا" ومد يده وقال:
أَنَا الذي ذَهَبْتُ بِالْقَمِيصِ إِلَى يَعْقُوبَ وَهُوَ مُتَلَطِّخٌ بِالدِّمَاءِ فأحزنته، فأَنَا الْيَوْمَ أحمل قميصك فأسره كما أحزنته.
وقيل إن "يَهُوذَا" من شدة ندمه، وشعوره بالذنب لما فعله، حمل القميص ومشي وهو حاف القدمين، حاسر الرأس من مصر الى الشام
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَلَمَّا فَصَلَتِ ٱلۡعِيرُ قَالَ أَبُوهُمۡ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَۖ لَوۡلَآ أَن تُفَنِّدُونِ ﴿٩٤﴾
(فَصَلَتِ) يعنى تركت المكان كأنها انفصلت عن المكان.
كما في قوله تعالى في سورة البقرة (فلما فصل طالوت بالجنود)
فمعنى (وَلَمَّا فَصَلَتِ ٱلۡعِيرُ)
يعنى وَلَمَّا خرجت ٱلۡعِيرُ وهي الإبل التي تحمل اخوة يوسف، من القرية التي كانوا فيها، وخرجت الى الصراء.
(قَالَ أَبُوهُمۡ) وهو يعقوب، لزوجات أبنائه ولأحفاده، لأن أبناءه كانوا في الطريق من مصر.
(إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ) إِنِّي أشم رائحة يُوسُفَ،
وهذه معجزة لنبي الله يعقوب –عليه السلام-
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقيل إن الريح استأذنت ربها في أن تأتي يعقوب بريح يوسف قبل أن يأتيه البشير، فأذن لها، فأتته بها.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم قال (لَوۡلَآ أَن تُفَنِّدُونِ) الفند هو ضعف العقل بسبب تقدم السن.
وهو كما نقول خرف الشيخوخة.
فقول يعقوب (لَوۡلَآ أَن تُفَنِّدُونِ)
يعنى أنا أشم فعلاً رائحة يوسف، ولكنكم لن تصدقوني، وستقولون إن هذا من خرف الشيخوخة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقيل في قميص يوسف قصة عجيبة، عن مجاهد وغيره، أن هذا القميص هو قميص إبراهيم -عليه السلام- ذلك أنه لما ألقي في النار، احترقت ثيابه، فأتاه جبريل بقميص من حرير الجنة، فالبسه له، فكان هذا القميص عند إبراهيم حتى مات، فورثه منه اسحق، فلما مات اسحق، ورثه يعقوب، فلما شب يوسف، ورأي الرؤيا أن أحد عشر كوكبُا والشمس والقمر يسجدون له، علم يعقوب أن يوسف هو الذي سيرث منه النبوة، فجعل يعقوب هذا القميص في قصبة من فضة، وسد رأسها وعلقها في عنق يوسف، ولم يخبر أحدًا من اخوته بذلك، جعل يعقوب ذلك القميص في قصبة، وسد رأسها، وعلقها في عنقه، , فكانت لا تفارق يوسف أبدًا، فلما ألقي في البئر كانت في عنقه، وظلت معه، فلما أخبر يوسف أنه أباه قد فقد بصره من شدة الحزن عليه، جائه جبريل وقال له: أرسل اليه قميصك، فانه من الجنة لا يقع على سقيم ولا مبتلى إلا عوفي، فلما أخرج يوسف القميص من القصبة، فاحت منه رائحة الجنة، ففاحت رائحة الجنة في الدنيا كلها، فلما شم يعقوب رائحة الجنة، قال ليس في الأرض من ريح الجنة إلا ما كان من ذلك القميص، فلذلك قال إني لأجد ريح يوسف.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقال الإِمام مالك - رحمه الله - أوصل الله - ريح قميص يوسف ليعقوب، كما أوصل عرش بلقيس إلى سليمان قبل أن يرتد إلى سليمان طرفه.
فهي معجزة لنبي الله يعقوب - عليه السلام -.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(قالُواْ تَٱللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَٰلِكَ ٱلۡقَدِيمِ ﴿٩٥﴾
يعنى قالوا له زوجات أبناءه ومن حضره.
وهؤلاء أول ظهور لهم في القصة
يعنى أنت لا تزال تردد نفس الأوهام القديمة اللي عمال تقولها بقالك أربعين.
لإن الذي عندهم ان يوسف قد أكله الذئب منذ أبعين سنة
يقةول قتادة رحمه الله: قالوا ليعقوب كلمة غليظة لم يكن ينبغي لهم أن يقولوها لنبي الله عليه السلام.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(فَلَمَّآ أَن جَآءَ ٱلۡبَشِيرُ أَلۡقَىٰهُ عَلَىٰ وَجۡهِهِۦ فَٱرۡتَدَّ بَصِيرٗاۖ قَالَ أَلَمۡ أَقُل لَّكُمۡ إِنِّيٓ أَعۡلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ ﴿٩٦﴾
(فَلَمَّآ أَن جَآءَ ٱلۡبَشِيرُ)
يعنى فَلَمَّآ جَآءَ يعقوب، (ٱلۡبَشِيرُ) وهو الذي يحمل البشارة من يوسف.
والذي قلنا أنه "يهوذا" وهذا سبق اخوته في القدوم على أبيهم.
(أَلۡقَىٰهُ عَلَىٰ وَجۡهِهِ) ألقي القميص على وجه يعقوب
(فَٱرۡتَدَّ بَصِيراۖ)
الإرتداد هو عودة الشيء الى ما كان عليه.
(فَٱرۡتَدَّ بَصِيراۖ) يعنى عاد مبصرا كما كان.
(قَالَ أَلَمۡ أَقُل لَّكُمۡ إِنِّيٓ أَعۡلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ)
يعنى قَالَ يعقوب لأبنائه أَلَمۡ أَقُل أن عندي علم مِنَ ٱللَّهِ في شأن يوسف أنتم لا تعلمونه.
عندما قال (وأعلم من الله مالا تعلمون)
وقلنا أن هذا العلم هو الرؤيا التي رآها يوسف، فكان يعقوب ينتظر أن تتحقق.
أو كما قلنا أن يعقوب رأي ملك الموت في الرؤيا، وساله هل قبضت روح يوسف، فقال له ملك الموت، لا والله يا نبي الله لم أقبض روحه، ولكن أطلبه هاهنا، واشار الى مصر.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وروري أن البشير وهو "يهوذا" عندما جاء الى يعقوب، وارتد يعقوب بصيرا.
قال يعقوب للبشير كيف تركت يوسف؟
قال: إنه ملك مصر،
فقال يعقوب: ما أصنع بالملك على أي دين تركته؟
قال: على دين الإسلام،
فقال يعقوب: الآن تمت النعمة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
عَنْ لُقْمَانَ الْحَنَفِيِّ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ يَعْقُوبَ لَمَّا أَتَاهُ الْبَشِيرُ قَالَ لَهُ: مَا أَدْرِي مَا أُثِيبُكَ الْيَوْمَ؟ وَلَكِنْ هَوَّنَ اللَّهُ عَلَيْكُ سَكْرَةَ الْمَوْتِ
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(قَالُواْ يَٰٓأَبَانَا ٱسۡتَغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَآ إِنَّا كُنَّا خَٰطِِٔينَ ﴿٩٧﴾
هنا توبة اخوة يوسف.
وقلنا أن يوسف –عليه السلام- عندما احتجز عنده أخيه بنيامين، وجعل اخوته يهذبون الى ديارهم ويعودون ثلاثة مرات، هو يريد أن يصل بهم الى أن يعترفوا بخطئهم، ويريد أن يأخذ بأيديهم الى التوبة.
لو كان يوسف قد صارحهم بأنه أخيهم منذ اول ما دخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون، لظل اخوة يوسف على ما هم عليه من قسوة القلب والعقوق لأبيهم.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(قَالَ سَوۡفَ أَسۡتَغۡفِرُ لَكُمۡ رَبِّيٓۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ ﴿٩٨﴾
قَالَ يعقوب لأبناءه (سَوۡفَ أَسۡتَغۡفِرُ لَكُمۡ رَبِّيٓ)
يعنى لم يطلب لهم يعقوب المغفرة فورًا، وانما أخرهم الى وقت يكون أرجي لقبول الدعاء.
وذلك لعلمه بعظم ذنبهم
فقيل أنه قد أخرهم الى صلاة الليل في وقت السحر، وهو الثلث الأخير من الليل,
وقت الحسر، وهو آخر الليل
روى عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أخرهم إلى السحر لأن دعاء السحر مستجاب"
وروي أن أحدهم مر بِدَارِ "عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ" فَسَمِعْهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ هَذَا سَحَرٌ فَأَغْفِرْ لِي، يقول فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَيْتُهُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: إِنَّ يَعْقُوبَ حِينَ قَالَ لَهُ بَنُوهُ: اسْتَغْفِرْ لَنَا أَخَّرَهُمْ إِلَى السَّحَرِ.
ويقوي هذا التأويل قول الله تعال في سورة "آل عمران" (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ)
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: في الحديث الصحيح " يَنْزِلُ رَبُّنا تَبارَكَ وتَعالَى كُلَّ لَيْلةٍ إلى السَّماءِ الدُّنْيا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، يقولُ: مَن يَدْعُونِي، فأسْتَجِيبَ له؟ مَن يَسْأَلُنِي فأُعْطِيَهُ؟ مَن يَستَغْفِرُني فأغْفِرَ له؟"
وهناك رواية أنها ليلة الجمعة في الثلث الأخير من الليل.
فريوي انه لما جاء وقت السحر قام يعقوب يصلى، فلما فرغ من صلاته، رفع يديه وقال: اللهم اغفر لي جزعي على يوسف وقلة صبري عنه واغفر لأولادي ما أتوا إلى أخيهم يوسف.
فأوحى الله تعالى إليه أني قد غفرت لك ولهم أجمعين.
وروي أنهم قالوا له وقد علتهم الكآبة: ما يغني عنا عفوكما إن لم يعف عنا ربنا، فإن لم يوح إليك بالعفو فلا قرّت لنا عين أبداً، فاستقبل الشيخ القبلة قائماً يدعو، وقام يوسف خلفه يؤمّن، وقاموا خلفهما أذلة خاشعين عشرين سنة.
وروي عن اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: إِنَّ يَعْقُوبَ كان يقوم كل ليلة يدعو الله تعالى، وخلفه يوسف، وخلفهما اخوة يوسف أذلة خاشعين، فأقاموا على ذلك عِشْرِينَ سَنَةً يَطْلُبُونَ الْمَغْفِرَةَ مِمَّا فَعَلَ إِخْوَةُ يُوسُفَ بِيُوسُفَ، ولَا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُمْ، حَتَّى لَقِيَ جِبْرِيلُ يَعْقُوبَ -عَلَيْهِ السلام- فَعَلَّمَهُ هَذَا الدُّعَاءَ:
يَا رَجَاءَ الْمُؤْمِنِينَ لَا تُخَيِّبْ رَجَائِي، وَيَا غَوْثَ الْمُؤْمِنِينَ أَغِثْنِي وَيَا عَوْنَ الْمُؤْمِنِينَ أَعِنِّي، يَا حَبِيبَ التَّوَّابِينَ تُبْ عَلَيَّ.
فَاسْتُجِيبَ لَهُمْ.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"
لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
|