الحلقة رقم (609)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
تفسير وتدبر الآية رقم (1) من سورة "الرعد"- ص 249
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(الٓمٓرۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِۗ وَٱلَّذِيٓ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ ٱلۡحَقُّ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يُؤۡمِنُونَ  (1)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(ألمر) من الحروف المقطعة التى بدأت بها بعض سور القرآن العظيم.
وتحدثنا عن الحروف المقطعة في حلقة خاصة، 
مع بداية تفسير سورة البقرة، وهي الحلقة الحادية عشر.
لكن خلينا نذكر أحد الآراء التى قيلت في الحروف المقطعة.
يعنى كلما يأتي ذكر الحروف المقطعة نذكر أحد الاراء الكثيرة التى ذكرت في الحروف المقطعة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ربما أفضل ما قيل في الحروف المقطعة، أنهم قالوا في الحروف المقطعة:
أنها سر الله فلا تطلبوه.
وقالوا: هي مما استأثر الله بعلمه، فنحن نؤمن بظاهرها، 
ونكل العلم فيها إلى الله تعالى، وقد ورد ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلى وغيرهم من الصحابة والتابعين.
حتى أن بعض السلف جمع الحروف المقطعة، في جملة
(نص حكيم قاطع له سر)

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

لكن ما معنى هذا ؟
ما معنى أن الحروف المقطعة: هي مما استأثر الله بعلمه، 
فنحن نؤمن بظاهرها، ونكل العلم فيها إلى الله تعالى.
البعض يعتقد أن معنى هذا الكلام، أنه عندما أمر على الحروف المقطعة، أنا ماليش دعوة بيها.
وهذا غير صحيح، تعالوا نشرح انها مما استأثر الله بعلمه.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
الحق –سبحانه وتعالى- أنزل القرآن العظيم، وأنزل فيه شرائع، وهذه الشرائع كلها في مصلحة الإنسان.
فالحق سبحانه وتعالى حرم السرقة، فغل يدك عن ممتلكات الناس، ولكنه في نفس الوقت حمى ممتلكاتك أنت من كل الناس.
وحرم القتل، فمنعك من قتل أحد، وحماك في نفس الوقت من أن يقتلك أي أحد.
وحرم الغيبة فمنعك أن تذكر أخاك بما يكره في غيبته، ولكنه في نفس الوقت حماك أنت من أن يذكرك كل الناس في غيبتك بما تكره.
وحرم عليك النظر الى غير محارمك، وفي نفس الوقت حمى كل محارمك من أن ينظر اليهم أحد من الناس.
وهكذا كل الشرائع في القرآن العظيم في مصلحتك.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ولكن قد يستقبل الإنسان بعض الشرائع دون أن يدرك الحكمة منها، 
فهل معنى هذا ألا يأتمر المسلم بأمر الله في هذه الشرائع حتى يعلم الحكمة منها؟
فالله تعالى حرم الخمر ، ولم يدرك الناس حين تحريم الخمر الحكمة من تحريم الخمر، ثم علم الناس بعد مئات السنين أن الخمر له أضرار صحية ونفسة كثيرة، فهل معنى ذلك ألا يمتنع الناس عن شرب الخمر حتى يعلموا الأضرار التى يسببها الخمر.
وحرم الله أكل لحم الخنزير، ولم يكن الناس يعلمون أضرار أكل لحم الخنزير في ذلك الوقت، فهل يجب أن ينتظر الناس مئات السنين حتى يكتشفوا أضرار لحم الخنزير.
وحرم الله الربا، ثم ذكر علماء الاقتصاد بعد مئات السنين أن الربا هو المسئول عن التضخم والغلاء في العالم كله، وأنه يجعل الفقير يزداد فقرًا والغنى يزداد غنى، 
فهل ننتظر حتى نقتنع بأضرار الربا، ثم بعد ذلك نقول أنه حرام.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ولو انتظرت حتى تقتنع بكل أمر من أوامر الله تعالى، ولا تأتمر بأوامر الله تعالى حتى تقتنع بفائدة هذا الأمر لك، فهذا يعنى أنك تفعل هذا الأمر ليس طاعة لله تعالى، وانما تفعله لمصلحة نفسك.
فأنت حين تمتنع عن شرب الخمر وعن لحم الخنزير لأنك علمت أضرارهما، فأنت تفعل هذا ليس طاعة لله تعالى، وانما تفعله حتى تحافظ على صحتك.
والله تعالى لا يريد هذا، الله تعالى يريد أن تأتمر بأوامره لأنه تعالى أمرك بهذا، وأن تنتهي عن نواهيه لأنه تعالى نهاك عنها، فقط.
فلو كان عندك ابنين، واحد يطيعك بمجرد أن تأمره بأي أمر، والآخر اذا أمرته بأي أمر يقول لك اقنعنى به أولًا فاذا اقتنع ووجد فيه مصلحته فعله، واذا لم يقتنع لم يفعله، فأي الإبنين أقرب الى قلبك، لا شك أنه الأول.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ولله المثل الأعلى، الحق –سبحانه وتعالى- لا يريدك أن تؤمن بالقرآن وتعظمه لأنه معجز في فصحاته وفي أحكامه، ولكن يريدك أن تعظم القرآن العظيم لأنه كتاب الله تعالى، ولأنه كلام الله تعالى.
ولذلك أورد هذه الحروف المقطعة، وأمرك أن تؤمن بها، وأن تعظمها، وأن تتعبد لله تعالى بتلاوتها دون أن تعلم معانيها.
ولذلك يقول تعالى في سورة آل عمران ((وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا))
ووجهنا الرسول –صلى الله عليه وسلم- الى تعظيم هذه الحروف لمجرد أنها حروف من القرآن فقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلَامٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ "
هذا هو معنى ما قاله كبار الصحابة: هي مما استأثر الله بعلمه، فنحن نؤمن بظاهرها، ونكل العلم فيها إلى الله تعالى.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اذن الحروف مقطعة.
معناها ايه؟ ما أعرفش معناها.
ولكن أعظمها كما أعظم كل آيات القرآن العظيم.
وأنا أعظمها ليس لأني أدرك معناها، ولكن لأنها من عند الله تعالى.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(الۤمۤر تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ وَٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ٱلْحَقُّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ)
(الۤمۤر تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ) آيَاتُ ٱلْكِتَابِ يعنى آيات القرآن الكريم.
وغالبًا بعد الأحرف المقطعة يأتي ذكر آيات القرآن الكريم.
اشارة الى أن القرآن الكريم مؤلف من نفس الحروف التى يتكلمون بها في لغتهم، ومع ذلك فهم عاجزون على ان يأتوا بمثله، أو بسورة واحدة من مثله، مع أنكم أهل الفصاحة والبلاغة واللغة، وهذا دليل على أن القرآن الكريم، ليس من كلام البشر، وانما هو من كلام الخالق -سبحانه وتعالى-
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ٱلْحَقُّ)
يعنى وَٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن القرآن (ٱلْحَقُّ)
ليس هناك شك في أنه من عند الله تعالى.
ليس هناك شك  في أنك لم تأت به من عند نفسك كما قال المشركون.
يقول مقاتل: نزلت هذه الاية حين قال المشركون: إن محمداً أتى بالقرآن من تلقاء نفسه.
وقوله (مِن رَّبِّكَ) فيه تلطف في الخطاب مع الرسول ﷺ
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
 (وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ)
وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ بهذا الحق الذي أنزل اليك وهو القرآن الكريم
فيه تسلية للرسول ﷺ بأن هذا أمر قضاه الله تعالى، بأن أكثر الناس لا يصدقون بأن هذا القرآن العظيم هو كلام الله تعالى، ولا يؤمنون بنبوة الرسول ﷺ.
والآن برغم أن أعداد المسلمين وصلت الى اثنين مليار مسلم.
ولكن هذا العدد الكبير يمثل خمس سكان العالم
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ)
وهذا فيه مدح لتلك القلة المؤمنة التى آمنت بالنبي ﷺ
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
هذه الآية الكريمة، وهذه البداية للسورة فيه تهيئة السامع للتأمل فيما سيتلى عليه من آيات هذه السورة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم لما ذكر تعالى أن أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ، يبين تعالى في ثلاث آيات تالية الأدلة الداعية الى الإيمان به تعالى، فذكر –تعالى- في ثلاث آيات عشرة أدلة على وجود الله تعالى ووحدانيته وقدرته.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇