Untitled Document

عدد المشاهدات : 642

الحلقة (610) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تفسير وتدبر الآية رقم (2) من سورة "الرَعد"(ٱللَّهُ ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيۡرِ عَمَدٖ.....

الحلقة رقم (610)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
تفسير وتدبر الآية (2) من سورة "يُوُسُف"- ص 249
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(ٱللَّهُ ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيۡرِ عَمَدٖ تَرَوۡنَهَاۖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُلّٞ يَجۡرِي لِأَجَلٖ مُّسَمّٗىۚ يُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَ يُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّكُم بِلِقَآءِ رَبِّكُمۡ تُوقِنُونَ (2)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

تحدثنا في اللقاء السابق عن قول الله تعالي، في الآية رقم (1) من سورة الرعد، بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
 (الۤمۤر تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ وَٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ٱلْحَقُّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ)
وقلنا أن الله تعالى لما قال في نهاية الآية الكريمة (وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ)
بدأ في الآيات التالية يذكر الأدلة التى توجب الإيمان بوجود بالله تعالى، ووحدانيته، فذكرت الآيات عشرة أدلة على ذلك، فيقول تعالى:
 (ٱللَّهُ ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا)
العَمَد وقرأت "عُمُد" جمع "عماد" أو كما نقول عليه "عمود"
و
(ٱلسَّمَٰوَٰتِ) جمع سماء، والسماء لغة هي كل ما أظلك أو كل ما يعلوك.
فالسماء بالنسبة لنا تمتد من أول الغلاف الجوي للأرض حتى آخر مجرة في الكون.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
بعض المفسرون قال أن معنى الآية أن هذه الأجرام الهائلة مرفوعة بدون أعمدة،
وكلمة
(تَرَوْنَهَا) يعنى وأنتم تَرَوْنَ أمام اعينكم هذا الأمر العظيم.
وقال البعض منهم ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة وغيرهم أن المعنى أن هذه ٱلسَّمَٰاوَاٰتِ وما فيها من أجرام هائلة، مرفوعة بِعَمَدٍ ولكن لا نراها.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وبعد تقدم العلم قال العلماء أن هذه الأعمدة التي لا نراها هي قوي الجاذبية التي تمسك بأجزاء هذا الكون الذي نعيش فيه.
حتى ان علماء الفلك غير المسلمين شبهوا قوي الجاذبية في الكون بأسياخ حديد التسليح في البناء، فاذا اختفت قوي الجاذبية انهار هذا البناء.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اذن المعنى اما أن هذه السماوات الهائلة مرفوعة بغير أعمدة، 
أو أنها مرفوعة بأعمدة لا نراها، وسواء هذا التفسير او هذا التفسير فان ذلك يدل على كمال قدرة الله تعالى.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

ثم يقول تعالى (ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ)
ٱلْعَرْشِ هو أعظم مخلوقات الله –عز وجل-
والعرش لا يمكن بحال تصور عظمته، وهناك أثر أن الكون كله على اتساعه كالحلقة في فلاة، أي كالحلقة الصغير الملقاة في الصحراء بالنسبة للسماء الأولى.
هذا الكون الذي قدر علماء الفلك قطره بحوالى 92 مليار سنة ضوئية
والسنة الضوئية هي المسافة التى يقطعها الضوء في سنة كاملة.
والضوء يقطع في الثانية الواحدة ثلاثمائة ألف كيلو متر.
يعنى أن الضوء يدور حول الأرض في الثانية الواحدة أكثر من سبع مرات.
هذا الكون الذي لا يمكن أن يتصور العقل البشري اتساعه، هو بالنسبة للسماء الأولى كالحلقة الملقاة في فلاة.
والسماء الأولى بالنسبة للسماء الثانية كالحلقة في فلاة.
والسماء الثانية بالنسبة للثالثة كالحلقة في فلاة.
وهكذا حتى السماء السابعة.
والسماء السابعة بالنسبة للكرسي كالحلقة في فلاة.
والكرسي بالنسبة للعرش هو كالحلقة في فلاة.
جاء في الحديث  
"والعرش لا يقدر قدره إلا الله عز وجل "
ويقول الراغب الأصفهاني أن عرش الله -تعالى- مما لا يعلمه البشر إلا بالاسم.
وقد ذكر لفظ العرش فى إحدى وعشرين آية، كما ذكر الاستواء على العرش فى سبع آيات من القرآن الكريم.
ورقم سبعة له مكانة خاصة وله سر ليس في القرآن فقط، ولكن في كل الكتب السماوية.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
واستواء الله على العرش، ليس كاستواء البشر.
الإستواء عندنا له عدة معاني، منها الإستقرار، قال تعالى (واستوت على الجودي) يعنى استقرت على جبل الجودي.
وتأتي بمعنى الإستيلاء والقهر، وتأني بمعنى العلو، وتاتي بغير ذلك.
واستواء الله على العرش، ليس كأي معنى من هذه المعاني الكثيرة للإستواء.
أما استواء الله على العرش فهو استواء بلا كيف

وعندما سئل الإمام مالك عن ذلك أطرق طويلًا ثم قال رحمه الله:

"الإستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة"
وروي مثل ذلك عن أم سلمة رضي الله عنها
"الإستواء معلوم" نحن نعلم ما هو الإستواء.
"والكيف مجهول" كيف استوي الله على العرش، 
هذا أمر لا نعلمه.
"والإيمان به واجب" الإيمان باستواء الله على العرش واجب لأنه جاء في القرآن العظيم.
"والسؤال عنه بدعة" السؤال عن كيفية الاستواء بدعة، لأنه لم يؤثر عن أحد من الصحابة أنه سال الرسول عن هذا الأمر,
وأفضل ما قيل في هذا الباب هو قول سفيان الثوري: 
فعل فعلاً سماه استواء.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ)
سَخَّرَ يعنى ذلل وأخضع.
يعنى من مظاهر قدرة الله –تعالى- ومن نعمه على عباده.
أن جعل –تعالى- الشمس، هذا النجم الذي يمكن أن يحتوي في داخله 1,300,000 كُرةً أرضيَّة.
جعل الله تعالى هذا النجم مسخرًا لخدمة البشر.
لأنه لولا حرارة الشمس التي تصل الى الأرض ما كانت هناك حياة على هذه الأرض.
ولا تستطيع الشمس في يوم من الأيام أن تقول إنها لن تشرق، لأنها مذللة وخاضعة بقدرة الله تعالى.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

وكذلك القمر سخره الله تعالى لخدمة البشر، ينير به ظلمة الليل، ونستطيع عن طريق حركة القمر أن نحدد الزمن بدقة فائقة، 
كما أنه يساهم في استقرار المناخ على الأرض.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّـى)
(كُلٌّ يَجْرِي) يعنى الشمس والقمر وغيرهما من الكواكب والنجوم والأجرام السماوية المختلفة، كل هذه الأجرام تتحرك وتجري في مساراتها بسرعة فائقة.
وقد كان الاعتقاد السائد حتى القرن الماضي أن الشمس هي مركز الكون وأن الشمس لا تتحرك، وأن كل شيء يتحرك حولها، وكان هناك اعتقاد سائد –أيضًا- أن النجوم ثابتة لا تتحرك،
وجاء القرآن  في هذه الآية وبلفظ صريح لا يحتاج الى تفسير او تأويل، بل ينتظر فقط خطأه أو صوابه، وذكر أن هذه الأجرام السماوية لها حركة ذاتية، وهو الأمر الذي لم تتوصل إليه البشرية إلا في القرون الأخيرة.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(لأَجَلٍ مُّسَمًّـى) أجل يعنى وقت انتهاء، و" مُّسَمًّـى" يعنى محدد.
فالمعنى أن كل هذه الأجرام لها مدة بقاء محددة عند الله تعالى، اما في الدنيا، بأن يموت النجم او يتلاشي، واما عند قيام القيامة وفناء الدنيا.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ)
يدبِّر الله -تعالى- ويقضى أمور هذا الكون.
فيخلق ويرزق، ويحي ويميت، ويغني ويفقر، ويعز ويذل، ويخفض ويرفع.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ)
يعنى يوضح الآيات الكونية الدالة على وجوده -تعالى- وعلى وحدانيته وعلى قدرته.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(لَعَلَّكُمْ بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ)
يعنى يبين الله -تعالى- هذه القدرة العظيمة رجاء أن تؤمنوا وتصدقوا بلقاء الله تعالى يوم القيامة، وبالثواب والعقاب، والجنة والنار.
لأن الذي قدر على هذه الأشياء يقدر على الإعادة.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وبعد أن ذكر - سبحانه - بعض مظاهر قدرته فى عالم السماوات، أتبعه بذكر بعض مظاهر قدرته فى عالم الأرض:
(وَهُوَ ٱلَّذِي مَدَّ ٱلأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ يُغْشِى ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ.)
وهذا سيكون حديثنا في الحلقة القادمة ان شاء الله تعالى

        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇