الحلقة رقم (615)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
تفسير وتدبر الآيات من (12) الى (16) من سورة "الرَعد"- ص 250
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمُ ٱلۡبَرۡقَ خَوۡفا وَطَمَعا وَيُنشِئُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ ﴿١٢﴾ وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعۡدُ بِحَمۡدِهِۦ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ مِنۡ خِيفَتِهِۦ وَيُرۡسِلُ ٱلصَّوَٰعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ وَهُمۡ يُجَٰدِلُونَ فِي ٱللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ ٱلۡمِحَالِ ﴿١٣﴾ لَهُۥ دَعۡوَةُ ٱلۡحَقِّۚ وَٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ لَا يَسۡتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيۡءٍ إِلَّا كَبَٰسِطِ كَفَّيۡهِ إِلَى ٱلۡمَآءِ لِيَبۡلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَٰلِغِهِۦۚ وَمَا دُعَآءُ ٱلۡكَٰفِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَٰل ﴿١٤﴾ وَلِلَّهِ يَسۡجُدُۤ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعا وَكَرۡها وَظِلَٰلُهُم بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡأٓصَالِ۩ ﴿١٥﴾ قُلۡ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ قُلِ ٱللَّهُۚ قُلۡ أَفَٱتَّخَذۡتُم مِّن دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآءَ لَا يَمۡلِكُونَ لِأَنفُسِهِمۡ نَفۡعا وَلَا ضَرّاۚ قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِيرُ أَمۡ هَلۡ تَسۡتَوِي ٱلظُّلُمَٰتُ وَٱلنُّورُۗ أَمۡ جَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَآءَ خَلَقُواْ كَخَلۡقِهِۦ فَتَشَٰبَهَ ٱلۡخَلۡقُ عَلَيۡهِمۡۚ قُلِ ٱللَّهُ خَٰلِقُ كُلِّ شَيۡء وَهُوَ ٱلۡوَٰحِدُ ٱلۡقَهَّٰرُ ﴿١٦﴾
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمُ ٱلۡبَرۡقَ خَوۡفا وَطَمَعا وَيُنشِئُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ ﴿١٢﴾
يلفت الله –تعالى- الى أنواع متعددة من الظواهر الكونية التى تدل على قدرته تعالى، واشارة الى أن تأخير العقوبة على هؤلاء الكفار ليس عجزًا منه تعالى، فيقول تعالى:
(هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمُ ٱلۡبَرۡقَ خَوۡفا وَطَمَعا)
يعنى هُوَ –تعالى- ٱلَّذِي يُرِيكُمُ ٱلۡبَرۡقَ، فاذا حدث ذلك وقع للإنسان في قلبه شعوران متضاربان: يشعر بالخوف ويشعر بالرجاء
يشعر بالخوف لأن الصواعق يمكن أن تقتل الأحياء، ويمكن أن تذهب البصر، ويمكن أن تسبب الحرائق الهائلة، ويمكن أن يكون نذيرًا لسيل مدمر.
روي الإِمام أحمد أن الرسول ﷺ كان إذا سمع الرعد يقول: "اللهم لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك ".
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
أما الطمع، فلأن ٱلۡبَرۡقَ يصاحبه المطر، وقال لنا العلماء بعد ذلك أن ٱلۡبَرۡقَ يعمل على زيادة خصوبة التربة الزراعية. لأنه يرفع نسبة النيتروجين وغيرها من العناصر المخصبة للتربة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقيل (خَوۡفا وَطَمَعا)
(خَوۡفا) للمسافر (وَطَمَعا) للمقيم.
لأن المسافر يكون عرضة للإصابة بالصواعق، والمطر يكون أذى ومشقة للمسافر، أما المقيم فيكون في مأمن من الصواعق، وينتفع بالمطر
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (وَيُنشِئُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ)
هنا ربط القرآن الكريم في دقة علمية بالغة بين البرق وبين السحاب الثقال.
لأن البرق لا يتكون في السحب الصغيرة.
وانما يتكون فقط في السحب الضخمة، والتى يطلق عليها العلماء الآن السحب الركامية، وعبر عنها القرآن بٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وتعبير " ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ" وهو من التعبيرات المتكررة في القرآن، فيه -أيضًا- دقة علمية
لأن سحابة عرضها 1 كيلوا متر تزن حوالي 500 ألف كيلو جرام.
قد يصل وزن بعض السحب الى ستة ملايين طن
يعنى ما يعادل 6000 حوت أزرق
ولم يكن أحد وقت نزول القرآن يتصور أن هذه السحب التي يحملها الهواء، والتى تطفو فوق الرؤوس يمكن أن تكون بهذا الثقل الكبير جدا.
لا يتكون البرق الا في السحب الضخمة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يقول تعالى (وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعۡدُ بِحَمۡدِهِۦ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ مِنۡ خِيفَتِهِۦ وَيُرۡسِلُ ٱلصَّوَٰعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ وَهُمۡ يُجَٰدِلُونَ فِي ٱللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ ٱلۡمِحَالِ ﴿١٣﴾
(وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعۡدُ بِحَمۡدِهِ)
هذه الآية فيها قولان:
الأول أن صوت الرعد الذي نسمعه هو تسبيح بحمد الله تعالى.
وهذا ليس بمستغرب لأن الله تعالى قال في موضع آخر
(وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ.)
وهذا من الأمور الغيبية والتي لم يكن أن نعلمها الا بإخبار الله تعالى.
بمناسبة هذه الآية العلماء في الغرب سجلوا صوت انتقال الالكترون من مستوي الى مستوي حول نواة الذرة، وضخموا هذا الصوت فوجدوا أنها نبرات مختلفة مما يوحي بانها لغة، وهي بالطبع لغة ليست مفهومة بالنسبة لنا، قال تعالى (وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ.)
اذن هذا هو الرأي الأول أن صوت الرعد هو تسبيح الله تعالى.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
القول الثاني أن ٱلرَّعۡدُ هو اسم ملك من الملائكة، وهو الملك الموكل بالسحاب، وهو الذي يسوق السحاب بأمر الله تعالى، والصوت الذي نسمعه هو تسبيح هذا الملك لله تعالى.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اذن قوله تعالى (وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعۡدُ بِحَمۡدِهِ)
اما أن المعنى أن صوت ٱلرَّعۡدُ هو تسبيح لله تعالى.
أو أن ٱلرَّعۡدُ هو اسم ملك، وهذا الصوت هو تسبيح هذا الملك.
يعنى كلا التفسيرين أن صوت ٱلرَّعۡدُ هو تسبيح الله تعالى، سواء تسبيح ملك او غير ذلك.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وروي أن النبي ﷺ كان إذا سمع ٱلرَّعۡدُ يقول: "سبحان من يسبح الرعد بحمده"
وكان ﷺ يقول "سبحان الذي يسبح ٱلرَّعۡدُ بحمده، والملائكة من خيفته".
وكان ﷺ يقول " سبحان من سبَّحتَ له "
هنا يخاطب ﷺ ٱلرَّعۡدُ، او يخاطب ملك السحاب الذي اسمه ٱلرَّعۡدُ.
ﷺ والتسبيح بحمد الله هو أن تقول "سبحان الله والحمد لله" أو "سبحان الله وبحمده"
ونحن مأمورون بأن نسبح بحمد الله تعالى، قال تعالى (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا)
ولذلك من أذكار الصباح والمساء أن تقول "سبحان الله وبحمده" مئة مرة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(والملائكة مِنْ خِيفَتِهِ) يعنى وتسبح الملائكة –أيضًا- بحمد الله، خوفًا واجلالًا ورهبة من الله تعالى.
في حديث الإسراء، لما عرج بالنبي ﷺ رأي جبريل كالحلس البالي من خشية الله تعالى، يعنى كقطعة القماش الرقيقة البالية، من شدة خوفه من الله تعالى.
روري أن جبريل لما سأل عن خوفه قال "كيف لا أخاف وأبليس كما كان"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَيُرۡسِلُ ٱلصَّوَٰعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ)
أى ويرسل – سبحانه – الصواعق المهلكة فيصيب بها من يشاء إصابته من خلقه.
هناك إحصائية أن هناك 24 ألف حالة وفاة نتيجة الصواعق كل عام.
الى جانب عدد كبير من الإصابات الخطيرة.
كما يمكن أن تكون سببًا لفقد البصر، وضعف السمع
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقد ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآية روايتين:
الرواية الأولى: أنها نزلت في رجل من طواغيت العرب، بعث اليه النبي ﷺ مجموعة من أصحابه يدعونه الى الإسلام، فأخذ يستهزأ بهم ويقول لهم: أخبروني عن رب محمد ما هو، أمن فضه أم من حديد أم لؤلؤ؟ فاستعظم الصحابة ما يقول وسكتوا، فقال لهم: كيف يدعو محمد الى إله لا يعرفه؟! وبينما هو يتكلم جاءت سحابة، فأمطرت ورمت بصاعقة فأصابت هذا الرجل الكافر، فمات وهو جالس بينهم.
فلما رجعوا الى المدينة، استقبلهم بعض الصحابة وقالوا لهم: احترق صاحبكم؟ فقالوا: من أين علمتم؟ قالوا: أوحى الله إلى النبي ﷺ (وَيُرْسِلُ الصواعق فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقيل إنها نزلت في اثنان من العرب وهما: "أربد بن ربيعة" و"عامر بن طفيل" قدما المدينة، وكانا من سادات "بنى عامر" وهي من القبائل القوية في الجزيرة، وكان "عامر بن طفيل" أعور، ومع ذلك كان مشهورًا بجماله، فلما دخل المدينة، استشرف الناس يريدون رؤيته
ثم أقبل "عامر" على الرسول ﷺ وقال له: يا محمد مالي ان أسلمت؟
فقال له الرسول ﷺ: لك ما للمسلمين وعليك ما على المسلمين.
فقال له: أتجعل لي الأمر من بعدك؟
قال له الرسول ﷺ: لا، ذلك إلى الله يجعله حيث يشاء.
قال له: أفتجعلني على الوبر وأنت على المدر؟
قال: ﷺ: لا.
قال: فما تجعل لي ؟
قال ﷺ: أجعل لك أعِنّة الخيل تقاتل عليها، فإنك رجل فارس..
قال عامر: أوليس تلى أعِنّة الخيل الآن؟
ثم قام غاضبًا وهو يقول: أما والله لأملأنها عليك خيلا ورجالا من بني عامر!
فلما انصرف هو و"أربد بن ربيعة" اتفقا على أن يعودا الى الرسول ﷺ وأن يقتلانه، واتفقا على أن يتحدث "عامر بن طفيل" الى الرسول وأن يشغله، ثم يأتي أربد من خلفه ويقتله، فبينما "عامر" يتحدث الى الرسول ﷺ جاء "أربد" وأراد أن يخرج سيفه، فيبست يده على السيف ولم يستطع أن يخرج السيف الا قدر شبر، ثم نزلت صاعقة من السماء فأحرقته، وفر "عامر" هاربًا، ثم مات وهو في الطريق وهو في خيمة امرأة زانية.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ويجوز أن تكون الآية قد نزلت فيهما معًا.
والعبرة بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَهُمۡ يُجَٰدِلُونَ فِي ٱللَّهِ)
يعنى هؤلاء الكفار يجادلون في وحدانية الله تعالى، وفي صفاته، وفي قدرته على البعث.
كقولهم في هذه السورة (أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَهُوَ شَدِيدُ ٱلۡمِحَالِ)
وَهُوَ –تعالى- شَدِيدُ ٱلۡمِحَالِ.
وٱلۡمِحَالِ هو القوة والبطش والعقوبة..
يعنى الله -تعالى- شديد القوة وشديد العقوبة لأعدائه تعالى.
وقيل (ٱلۡمِحَالِ) لغة هو المكر، ومنه الحيلة والاحتيال.
وحين يوصف تعالى بالمكر، كما في قوله تعالى (والله خير الماكرين)
أو قوله تعالى (وَمَكَرُواْ مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ)
فان مكر الله تعالى هو إيصال المكروه إلى من يستحقه من حيث لا يشعر.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
فاذن قوله تعالى (وَهُوَ شَدِيدُ ٱلۡمِحَالِ)
يعنى شَدِيدُ القوة والبطش والعقوبة.
ويعنى شَدِيدُ المكر بهم، من جهة إيصال المكروه لهم من حيث لا يشعرون.
وهذه المعاني كلها متقاربة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(لَهُۥ دَعۡوَةُ ٱلۡحَقِّۚ وَٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ لَا يَسۡتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيۡءٍ إِلَّا كَبَٰسِطِ كَفَّيۡهِ إِلَى ٱلۡمَآءِ لِيَبۡلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَٰلِغِهِۦۚ وَمَا دُعَآءُ ٱلۡكَٰفِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَٰل ﴿١٤﴾
(لَهُۥ دَعۡوَةُ ٱلۡحَقِّۚ وَٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ لَا يَسۡتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيۡءٍ)
قلنا أن مشركي العرب كانوا يؤمنون بوجود الله تعالى، ولكنهم كانوا يعبدون مع الله الأصنام ويقولون أنها تشفع لهم عند الله.
فكان هؤلاء المشركون إذا توجهوا بالدعاء، فانهم لا يتوجهون بالدعاء الى الله تعال، وانما يتوجهون بالدعاء الى هذه الأصنام.
فيقول تعالى في هذه الآية الكريمة تقريعًا وتبكيتًا وتشنيعًا عليهم في التوجه بالدعاء الى غير الله تعالى.
(لَهُۥ دَعۡوَةُ ٱلۡحَقِّۚ)
يعنى الدعاء لله تعالى هو -فقط- الدعاء ٱلۡحَقِّۚ
هو الدعاء الذي ترجي اجابته.
لأنه دعاء لمن يملك الإجابة.
(وَٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ لَا يَسۡتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيۡءٍ)
وَٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِ الله –تعالى- من الأصنام لا يمكن أن يستجيبوا لهم بأي شَيۡءٍ.
وكلمة (شَيۡءٍ) للتحقير يعنى لا يستجيبون لهم أية استجابة حتى ولو كانت شيئا تافها، لأن الشيء هو اسم كل المكونات.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يقول تعالى (إِلَّا كَبَٰسِطِ كَفَّيۡهِ إِلَى ٱلۡمَآءِ لِيَبۡلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَٰلِغِهِ)
هذه لها ثلاثة شروح:
الأول: يعنى يرفع الماء الى فمه، وهو باسط كفه، دون أن يقبض كفه، فيحتفظ كفه بالماء، ولا يصل الماء الى فمه.
الثاني: قاله على بن أبي طالب يعنى يريد أن يتناول الماء بيده وهو على طرف البئر لِيَبۡلُغَ فَاهُ.
الثالث: أنه مثل كانت تضربه العرب في الشيء الذي يستحيل ادراكه.
فكانت العرب تقول: فلان كالقابض على الماء.
يعنى لن يصل الى شيء
يقول الشاعر:
ومن يأمن الدنيا يكن مثل قابض ...
على الماء، خانته فروج الأصابع
وقال آخر
فإنِّي وإيَّاكم وشَوْقًا إليْكُم...
كقابِضِ ماءٍ تَسْتقِيه أنَامِلُه
وقال آخر:
فأصْبَحْتُ مِمّا كان بَيْني وبَيْنَها...
من الوُدِّ مِثْلَ القَابِضِ المَاءِ باليَدِ
فإذن كان هذا مثل كانت تضربه العرب في الشيء الذي يستحيل ادراكه.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اذن الثلاثة شروح لهذا المثل القرآن تفيد نفس المعنى.
وهو ان دعاء الكافرين للأصنام لا يفيد بأي شي
(لَهُۥ دَعۡوَةُ ٱلۡحَقِّۚ) الدعاء لله تعالى هو الدعاء ٱلۡحَقِّۚ، لأنه دعاء لمن يملك الإجابة
(وَٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِهِ) يعنى من الأصنام
(لَا يَسۡتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيۡءٍ) لَا يَسۡتَجِيبُونَ لَهُم بِأي شَيۡءٍ
(إِلَّا كَبَٰسِطِ كَفَّيۡهِ إِلَى ٱلۡمَآءِ لِيَبۡلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَٰلِغِهِ) لن يأتيه الماء أبدًا حتى لو ظل هكذا طول عمره
(وَمَا دُعَآءُ ٱلۡكَٰفِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَٰل)
وَمَا دُعَآءُ ٱلۡكَٰفِرِينَ للأصنام إِلَّا فى ضياع وخسران.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَلِلَّهِ يَسۡجُدُۤ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعا وَكَرۡها وَظِلَٰلُهُم بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡأٓصَالِ ۩ ﴿١٥﴾
(وَلِلَّهِ يَسۡجُدُۤ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعا وَكَرۡها)
السجود هنا يعنى الانقياد والإذعان والخضوع لله تعالى.
فالكون كله خاضع لله تعالى.
كما قال تعالى في سورة البقرة (بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ) أي خاضعون.
فلا يستطيع أي مخلوق فِي ٱلسَّمَٰاوَٰاتِ أوَ فِي ٱلۡأَرۡضِ -حتى الكافر- لا يستطيع أن يخرج عن حكم الله تعالى.
(طَوۡعا وَكَرۡها)
سواء خضع الله طائعًا مختارًا راضيًا بأمر الله وقضاءه، وهم المؤمنون.
أو خضع لله رغمًا عنه -وهو غير المؤمن- لأن أمر الله سينفذ فيه رغمًا عنه.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَلِلَّهِ يَسۡجُدُۤ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعا وَكَرۡها)
ويدخل في السجود طَوۡعا، سجود الملائكة فِي ٱلسَّمَٰاوَٰتِ وَسجود المؤمنين في ٱلۡأَرۡضِ.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
قبل أن نستكمل، قوله تعالى (وَلِلَّهِ يَسۡجُدُۤ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ)
(مَن) تستخدم للعاقل، فهل هذه الآية تعتبر دليل على وجود كائنات عاقلة في الفضاء؟
نقول: قد تكون هذه إشارة الى وجود كائنات عاقلة في الفضاء.
ولكنها لا يمكن أن تكون دليلًا قاطعًا على وجود تلك الكائنات.
لأن الملائكة في السماء، والملائكة كائنات عاقلة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يقول تعالى (وَظِلَٰلُهُم بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡأٓصَالِ)
حتى لو أبي الكافر ان يسجد لله تعالى، فان ظل الكافر يسجد لله رغمًا عنه.
(وَظِلَٰلُهُم بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡأٓصَالِ) الغدو هو أول النهار حين تطلع الشمس والآصال حين تغرب.
والإنسان له ظل في غير هذه الأوقات، ولكن في هذين الوقتين يكون الظل طويلاً وممتدًا وظاهرًا.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(قُلۡ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ قُلِ ٱللَّهُۚ قُلۡ أَفَٱتَّخَذۡتُم مِّن دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآءَ لَا يَمۡلِكُونَ لِأَنفُسِهِمۡ نَفۡعا وَلَا ضَرّاۚ قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِيرُ أَمۡ هَلۡ تَسۡتَوِي ٱلظُّلُمَٰتُ وَٱلنُّورُۗ أَمۡ جَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَآءَ خَلَقُواْ كَخَلۡقِهِۦ فَتَشَٰبَهَ ٱلۡخَلۡقُ عَلَيۡهِمۡۚ قُلِ ٱللَّهُ خَٰلِقُ كُلِّ شَيۡء وَهُوَ ٱلۡوَٰحِدُ ٱلۡقَهَّٰرُ ﴿١٦﴾
قلنا إن مشركي العرب كانوا يؤمنون بوجود الله تعالى، ولكنهم كانوا يعبدون مع الله الأصنام، ويقولون أنها تقربهم الى الله، وتشفع لهم عند الله.
ولكن لم يكن أحد منهم يدعي، ولا يمكن ان يدعي ان هذه الأصنام قد خلقت ٱلسَّمَٰاوَٰاتِ وَٱلۡأَرۡضِ
كما قال تعالى في سورة الزخرف (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ)
هنا يقول تعالى (قُلۡ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ قُلِ ٱللَّهُۚ)
(قُلۡ) أمر للرسول ﷺ أن يقول للمشركين من قومه: مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰاوَٰاتِ وَٱلۡأَرۡضِ؟
يعنى من خلق هذا الكون ويدبر أمره.
ثم جاء بعدها مباشرة بالإجابة: قُلِ ٱللَّهُۚ.
كأنهم بعد أن سمعوا هذا السؤال لم يجروأ أحد أن يأتي بالإجابة.
لأنهم يعلمون ان الإجابة تدينهم في هذا الموقف،
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يقول تعالى (قُلۡ أَفَٱتَّخَذۡتُم مِّن دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآءَ لَا يَمۡلِكُونَ لِأَنفُسِهِمۡ نَفۡعا وَلَا ضَرّاۚ)
سؤال استنكاري.
يعنى مع إقراركم بأن الله خالق السماوات والأرض اتخذتم من غير الله تعالى (أَوۡلِيَآءَ) يعنى آلهة ونصراء، ولا يستطيع واحد منهم أن ينفع نفسه أو يدفع الضرر عن نفسه، فضلًا عن أن ينفع غيره، أو يدفع الضرر عن غيره.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(قُل هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِيرُ أَمۡ هَلۡ تَسۡتَوِي ٱلظُّلُمَٰتُ وَٱلنُّورُ)
هذا مثل ضربه الله -تعالى- للمؤمن والكافر.
فالمؤمن كالمبصر الذي يري حوله، والكافر كالأعمي الذي لا يري شيئا.
والمؤمن كم يمشي في النور، والكافر كمن يتخبط في الظلمات.
فكما لا يستوي ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِيرُ، ولا ٱلظُّلُمَٰاتُ وَٱلنُّورُ
فكذلك لا يستوي المؤمن والكافر.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(أَمۡ جَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَآءَ خَلَقُواْ كَخَلۡقِهِۦ فَتَشَٰبَهَ ٱلۡخَلۡقُ عَلَيۡهِمۡۚ)
سؤال استنكاري.
يعنى هذه الأصنام التي يعبدونها مع الله.
ما خلقتش أي حاجة عشان تخليهم يتلخبطوا ويقولوا انهم شركاء لله ويعبدوها مع الله.
انتم ايه اللى خلاكم تقولوا أنهم شركاء لله.
همه خلقوا حاجة عشان تقولوا أنهم شركاء.؟
وبالتالي عبادتهم لهذه الأصنام محض جهل وسفه.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(قُلِ ٱللَّهُ خَٰلِقُ كُلِّ شَيۡء وَهُوَ ٱلۡوَٰحِدُ ٱلۡقَهَّٰرُ ﴿١٦﴾
(قُلِ ٱللَّهُ خَٰلِقُ كُلِّ شَيۡء)
قُلِ لهم ٱللَّهُ -وحده- هو الخالقُ لكلّ ما في الوجود
(وَهُوَ ٱلۡوَٰحِدُ ٱلۡقَهَّٰرُ)
(وَهُوَ ٱلۡوَٰحِدُ) الواحد الذي لا شريك له ولا ند ولا مثل،
(ٱلۡقَهَّٰرُ) القاهر الغالب لكل شيء
وجميعُ الأشياء تحت قهره وسلطانه وقدرته.
وهو القهار لكل جبار والمذل لكل معاند.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"
لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
|