الحلقة رقم (618)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
تفسير وتدبر الآية (26) من سورة "الرَعد"- ص 252
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(ٱللَّهُ يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقۡدِرُۚ وَفَرِحُواْ بِٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا فِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِلَّا مَتَٰع ﴿٢٦﴾
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(ٱللَّهُ يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقۡدِرُ)
(يَبۡسُطُ) يعنى يوسع
(وَيَقۡدِرُ) يعنى يضيق.
كما في قصة يونس (فظن أن لن نقدر عليه) يعنى نضيق عليه ونعاقبه.
وفي سورة الطلاق (ومن قدر عليه رزقه)
وأصلها أن يكون شيء على قدر شيء، يعنى حاجة على (أد) حاجة.
ولذلك نقول: أنا عامل حاجة على الأد كده، عامل فرح على الأد، عاوز حاجة على أد الإيد.
اذن قوله تعالى: (ٱللَّهُ يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقۡدِرُ)
يعنى الله وحده هو الذي يملك أن يوسع ٱلرِّزۡقَ على بعض عباده،
وهو وحده الذي يملك أن (يَقۡدِرُه) يعنى يضيقه على البعض الآخر.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وما دمت تري بعض الكفار قد وسع الله لهم في الرزق،
فهذا دليل على أن أمر الرزق ليس له علاقة بالكفر ولا بالإيمان.
ولذلك قال بعدها تعليقا على الكافر والعاصي الذين وسع له في الرزق:
(وَفَرِحُواْ بِٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا فِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِلَّا مَتَٰع)
(وَفَرِحُواْ بِٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا) يعنى وفرح المشركون وأهل المعاصي بِٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا.
فَرِحُواْ بما عندهم من أموال وسلطة وقوة وصحة وزوجات وأبناء وعمارات وسيارات
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وفرحهم بالدنيا الذي ذمه القرآن الكريم
هو فرح التكبر والغرور والزهو بالدنيا.
كما نقول "فلان ده فرحان بنفسه"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا فِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِلَّا مَتَٰع)
يعنى ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا بالنسبة للآخرة ما هي إِلَّا مَتَٰع.
المَتَٰاع لغة هو: زاد الراعي.
يعنى حاجة بسيطة يأخذها الراعي حتى يأكلها وهو خارج الى الرعي،
وكان عادة "كف من التمر"
ولذلك تطلق كلمة "المتاع" على الشيء اليسير الذي ينتهي سريعًا.
ولذلك قال (وَمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا فِي ٱلۡأٓخِرَةِ)
ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا بالنسبة للآخرة هي (مَتَٰع)
يعنى شيء يسير جدًا، وما يلبث أن ينقضي.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
روي مسلم أن النبي ﷺ قال "ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم أصبعه هذه في اليم فلينظر بم ترجع"
.
أخرج الترمذي عن عبد الله بن مسعود قال: "نام رسول الله ﷺ على حصير، فقام وقد أثر فى جنبه، فقلنا يا رسول الله: لو اتخذنا لك؟ فقال ﷺ: "مالى وللدنيا، ما أنا فى الدنيا إلا كراكب استظل بشجرة ثم راح وتركها"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
هل تتصور أن رجل بات ليلة واحدة في فندق ليرتاح، لأنه عنده سفر طويل في اليوم التالى ،فلما دخل الى غرفته فلم يعجبه لون الحائط والستائر والأثاث، فنزل وأحضر نقاش وقضي نهاره وليله كله ليغير في الغرفة التى سيغادرها تاني يوم الصبح، حتى أصبح الصباح وغادر الغرفة والتى ضيع فيها وقته وماله وصحته لأنه لم ينم طوال الليل، ثم لم يستطع السفر في اليوم التالى لأنه ضيع ماله وأصبح منهكًا.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ومر الرسول ﷺ بجدي ميت فقال " والله للدنيا أهون على الله من هذا على أهله حين ألقوه"
وورد في بعض الكتب "يا اِبنَ آدمَ خَلَقتُكَ لِلعِبَادةَ فَلا تَلعَب، وَقسَمتُ لَكَ رِزقُكَ فَلا تَتعَب، فَإِن رَضِيتَ بِمَا قَسَمتُهُ لَكَ، أَرَحتَ قَلبَكَ وَبَدنَكَ، وكُنتَ عِندِي مَحمُوداً، وإِن لَم تَرضَ بِمَا قَسَمتُهُ لَكَ، فَوَعِزَّتِي وَجَلالِي لأُسَلِّطَنَّ عَلَيكَ الدُنيَا تَركُضُ فِيهَا رَكضَ الوُحوش فِي البَريَّةَ، ثُمَّ لاَ يَكُونُ لَكَ فِيهَا إِلا مَا قَسَمتُهُ لَكَ، وَكُنتَ عِندِي مَذمُومَا"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
روي عن ابْنُ عَبَّاسٍ قال: يُؤْتَى بِالدُّنْيَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي صُورَةِ عَجُوزٍ شَمْطَاءَ زَرْقَاءَ، أَنْيَابُهَا بَادِيَةٌ مُشَوَّهٌ خَلْقُهَا، فَتَشْرِفُ عَلَى الْخَلَائِقِ، فَيُقَالُ: أَتَعْرِفُونَ هَذِهِ؟ فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ مَعْرِفَةِ هَذِهِ، فَيُقَالُ: هَذِهِ الدُّنْيَا الَّتِي تَنَاحَرْتُمْ عَلَيْهَا، بِهَا تَقَاطَعْتُمُ الْأَرْحَامَ: )اللي خاصم أبوه، واللى رفع قضية على أخوه، والى خد حق أخته) بِهَا تَقَاطَعْتُمُ الْأَرْحَامَ، وَبِهَا تَحَاسَدْتُمْ وَتَبَاغَضْتُمْ وَاغْتَرَرْتُمْ. ثُمَّ يُقْذَفُ بِهَا فِي جَهَنَّمَ، فَتُنَادِي: أَيْ رَبِّ أَيْنَ أَتْبَاعِي وَأَشْيَاعِي؟ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَلْحِقُوا بِهَا أَتْبَاعَهَا وَأَشْيَاعَهَا "
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ومثل هذا ما روي أنه قيل لعيسى -عليه السلام- : لو اتخذت حمارا تركبه لحاجتك؟ قال : أنا أكرم على الله، من أن يجعل لي شيئا يشغلني به .
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ويقول عيسى -عليه السلام- : إن من خبث الدنيا أن الله عُصِّيَ فيها، وإن من خبث الدنيا أن الآخرة لا تدرك إلا بتركها، ألا فاعبروا الدنيا ولا تعمروها.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وروي أن عيسى -عليه السلام- رأى الدنيا في صورة عجوز هتماء عليها من كل زينة، فقال لها كم تزوجت ؟ قالت لا أحصيهم قال : فكلهم مات عنك أو كلهم طلقك ؟ قالت : بل كلهم قتلت ، فقال عيسى -عليه السلام- : "بؤسا لأزواجك الباقين، كيف لا يعتبرون بالماضين" ؟
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
مر سليمان -عليه السلام- في موكبه والطير تظله والجن والإنس عن يمينه وعن يساره، فمر برجل من بني إسرائيل فقال: يا سُليمَان لقد آتاك الله ملكا عظيما، فقال له سُليمَان: لتسبيحة في صحيفة مؤمن، خير مما أُعْطِّيَ سُليمَان. فما أُعْطِّيَ سُليمَان يذهب والتسبيحة تبقى .
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقال لقمان الحكيم لابنه: يا بني، بعْ دنياك بآخرتك تربحهما جميعًا، ولا تبع آخرتك بدنياك تخسرهما جميعًا.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول على - رضي الله عنه -: (ارتحلت الدنيا مدبرة، وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا. فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدًا حساب ولا عمل"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ومر على مع أصحابه على مقابر فقال : يا أهل التربة ، أما الدور فقد سكنت ، وأما الأموال فقد قسمت، وأما الأزواج فقد نكحت، فهذا خبر ما عندنا، فهاتوا خبر ما عندكم، ثم التفت إلى أصحابه فقال: أما لو أُذِّنَ لهم لأخبروكم أن خير الزاد التقوى
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقال على رضى الله عنه في أحد خطبه " إن الدنيا إذا حَلَت أوحلت، وإذا كَسَت أوكست، وإذا جَلَت أوجلت، وإذا أينعت نَعَت، وكم من قبور تبنى وما تبنا، وكم من مريض عدنا وما عدنا، وكم من ملك رُفِعت له علامات، فلما علا، مات".
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقيل لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: صف لنا الدنيا؟ فقال: ما أصف من دار أولها عناء، وآخرها فناء، حلالها حساب، وحـرامها عقاب، من استغنى فيها فـتـن، ومـن افـتـقـر فـيهـا حـزن.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقـال عبد الله ابـن مـسـعـود - رضي الله عنه" -: ليـس أحـد إلا وهـو ضـيـف على الدنيا، وماله عـاريـة، فـالـضـيـف مـرتـحـل، والـعـاريـة مـردودة"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول ابن عباس للتابعين: أنتم أكثر صلاة وأكثر صياما وأكثر جهادا من أصحاب محمد ﷺ وهم كانوا خيرا منكم، قالوا: فيم ذاك يا أبا عبد الرحمن ؟ قال : كانوا أزهد منكم في الدنيا، وأرغب في الآخرة .
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقال الحسـن الـبـصـري - رحمه الله تعالى -: مـن نافـسـك في دينـك فـنـافـســه، ومـن نافـسـك في دنيـاك فـألـقـهـا فـي نـحـره.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقال الفضيل - رحمه الله -: لو كانت الدنيا من ذهب يفنى والآخرة من خزف يبقى، لكان ينبغي لنا أن نختار خزفًا يبقى على ذهب يفنى.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقال حاتم الأصم رحمه الله: مثل الدنيا كمثل ظلِّك إن طلبته تباعد وإن تركتَه تتابَع.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقال وهب بن منبِّه رحمه الله: مَثَلُ الدُّنيا والآخرةِ مثلُ ضَرَّتَين إن أَرْضَيتَ إحداهما أَسْخَطتَ الأُخَرى.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقال ابن تيمية - رحمه الله -: ليس في الدنيا نعيمٌ يشبه نعيم الآخرة إلا نعيم الإيمان.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وكان بعض السلف يقول لأصحابه: انطلقوا حتى أريكم الدنيا، فيذهب بهم إلى مزبلة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
حكي أن هارون الرشيد مر في موكبه، فناداه رجل مسكين وقال: يا هارون! فَهَمَّ الجُندُ أن يأخذوه لأنه ناداه باسمه ولم يقُل: أمير المؤمنين، فقال هارون الرشيد: دعوه، ثم قال للرجل: ماذا تريد؟ قال الرجل: هل غضبت لأني ناديتُك باسمك ؟! إنني أنادي مالك الملك باسمه فأقول: يا الله فلا يغضب، فقال له هارون: أدنُ مني، فاقترب الرجل، فقال له الخليفة: عظني فلقد سئمت قصائد المادحين. فقال الرجل: لو دامت لغيرك ما وصلت إليك. فقال له: زدني، قال: انظر، هذه قصورهم، وانظر إلى الجهة الأخرى فهذه قبورهم.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ولذلك قال أحدهم: "أعقل الناس في الدنيا هم الزهاد"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"
لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
|