Untitled Document

عدد المشاهدات : 52

الحلقة (625) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" (بينَ يَدَي سُورَة إبْرَاهِيم)

الحلقة رقم (625)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(بينَ يَدَي سُورَة إبْرَاهِيم)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

سورة إبْرَاهِيم ترتيبها الأربعة عشر في ترتيب المصحف 
عدد آياتها اثنتان وخمسون آية.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وسميت السورة باسم سورة إبراهيم، مع ان السورة ليس فيها قصة إبراهيم -عليه السلام- لأن السورة انفردت بذكر دعاء إبراهيم -عليه السلام- وجاء هذا الدعاء المبارك في سبع آيات من السورة الكريمة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وسورة إبراهيم سورة مكية يعنى نزلت قبل الهجرة.
لماذا نهتم -ونحن نُعَرِّف بالسورة- إذا كانت السورة مكية أو مدنية؟
أولًا
معرفة إذا كانت السورة مكية أو مدينة تفيد في معرفة الناسخ والمنسوخ، لأنها تعرفني أي آية قبل التانية.
لأن الآية المكية نزلت قبل الآية المدنية.

ثانيًا: يساعد معرفة اذا كانت السورة مكية أو مدنية في التفسير.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
دائمًا في التعريف بالسورة نتناول مقاصد السورة أو أهم محاور السورة.
أهم محور من محاور سورة إبْرَاهِيم هو أنها تتناول قصة الصراع بين أهل الحق وأهل الباطل.
والصراع بين الحق والباطل بدء منذ خلق آدم وسيستمر حتى قيام الساعة.
وتبدأ السورة في قص هذه القصة للصراع بين الحق والباطل، في الآية الأولي، يقول تعالى.

(الٓرۚ كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ إِلَيۡكَ لِتُخۡرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذۡنِ رَبِّهِمۡ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَمِيدِ) 
هذه هي بداية القصة أن الله كَلَّف الجماعة المؤمنة بهذه المهمة، وهي أن يخرجوا ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَاٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ.
لو لم يكلف الله تعالي الجماعة المؤمنة بهذه المهمة لما وقعت المواجهة بين الحق والباطل.
ولذلك كان في الجزيرة العربية قبل بعثة الرسول ﷺ جالية يهودية في المدينة وفي خيبر وفي فدك وتيماء، وكان هناك أيضًا نصارى في نجران والحيرة واليمامة، وكان هناك بعض النصاري في مكة نفسها، ولكن لم تحدث مواجهة بين اليهود والمشركين، أو بين النصارى والمشركين، لأن اليهود والنصارى لم يكونوا مكلفين بهذه المهمة التى كلف الله بها المسلمين بعد ذلك، وهي أن يخرجوا ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَاٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ، حتى علماء اليهود والنصاري، كل واحد قاعد في صومعته ولا ليه دعوة بالدنيا اللي بره دي، 
في قصة بحيرا الراهب في السيرة يقول الراوي أن قافلة قريش حطت رحالها بجوار صومعة الراهب، فخرج اليه، وجعل يتخللهم، فتعجبوا لأنهم كانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج إليهم ولا يلتفت.
ولذلك لم يحدث أي صدام بين اليهود والمشركين، أو بين والنصاري والمشركين.
ولكن بعد بعثة الرسول ﷺ وقع الصدام العنيف بين المؤمنين وبين المشركين، لأن المؤمنين كانوا مكلفين من الله تعالى بأن يخرجوا ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَاٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ.


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

ولذلك فان -كما قلنا- بداية قصة الصراع بين الحق والباطل –والتى هي أهم محاور هذه السورة الكريمة-  في الآية الأولى من السورة، يقول تعالى: (كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ إِلَيۡكَ لِتُخۡرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ ) 
كيف تستطيع الجماعة المؤمنة الضعيفة القليلة العدد، أن تخرج ٱلنَّاسَ -كل ٱلنَّاسَ- مِنَ ٱلظُّلُمَاٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ؟ 
يقول تعالى
(بِإِذۡنِ رَبِّهِمۡ) بمعونة الله وتوفيقه وحوله وقوته.
ثم يقول تعالى
(إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَمِيدِ) 
يعنى إِلَىٰ طريق الله -تعالى- الذي من صفته أنه عزيز لا يغلبه أحد، يعز أولياءه على أعداه. 
(حَمِيدِ) يحمد أفعال أولياءه، فيعطيهم ثواب ما قدموا وبذلوا في سبيله تعالى.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يقول تعالى في الاية الثانية:
(ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ)
يعنى الذي معك في هذه المعركة، والذي معك في هذه المواجهة الشرسة مع أهل الباطل: الله الذي يملك جنود ٱلسَّمَٰاوَٰاتِ وَٱلۡأَرۡضِ، الذي يملك الريح والملائكة، والذي يملك ان يلقي الرعب في قلوب الأعداء.
لذلك انتصر المسلمون في بدر وهم 300 ضد 1000
ثبت المسلمون في مؤتة وهم ثلاثة آلاف أمام مائة ألف.
انتصر المسلمون في اليمامة وهم 13000 ضد المرتدين وهم: 40000
انتصر المسلمون في القادسية وهم ثلاثون ألف أمام مائة ألف .
انتصر المسلمون في اليرموك وهم 25000 والروم 100000
انتصر المسلمون في عين جالوت وهم 20000 والمغول 100000
انتصر المسلمون في "ملاذ كرد" 1071 م عدد المسلمون السلاجقة 30000 والقوات البيزنطية 100000
كيف تحققت كل هذه الإنتصارات المبهرة للمسلمين 
لأن معهم الله
(ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ)

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (وَوَيۡلٞ لِّلۡكَٰفِرِينَ مِنۡ عَذَابٖ شَدِيدٍ)
ثم بين تعالى أن مقابل هذه المهمة لأهل الحق، وهذا التكليف من الله -تعالى- وهي أن يخرجوا ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ، فان أهل الباطل لن يتركوهم في حالهم، ستكون هناك مقاومة من الظلام لإطفاء هذا النور.
ولذلك قال تعالى
(وَوَيۡلٞ لِّلۡكَٰفِرِينَ مِنۡ عَذَابٖ شَدِيدٍ )

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يقول تعالى في الآية الثالثة (ٱلَّذِينَ يَسۡتَحِبُّونَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا عَلَى ٱلۡأٓخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبۡغُونَهَا عِوَجًاۚ أُوْلَٰٓئِكَ فِي ضَلَٰلِۭ بَعِيدٖ) 
يعنى سبب مقاومة أهل الباطل للحق هو أنهم (يَسۡتَحِبُّونَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا عَلَى ٱلۡأٓخِرَةِ) يعنى يَسۡتَحِبُّونَ الشهوات، وكلمة (يَسۡتَحِبُّونَ) يعنى يحبون الشهوات حبًا شديدًا، ويعلمون أن الالتزام بالدين يعنى تخليهم عن الشهوات، وهو لا يستطيعون أن يتخلون عن شهوات نفسه.
(وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ) ويصدون الناس عن طريق الله، لن يتركوكم في حالكم أبدًا.  
(وَيَبۡغُونَهَا عِوَجًاۚ) عاوزين الحال المايل، مش عاوزين استقامة الحق.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يبين تعالى في الآية الخامسة أنك -يا محمد- لست بدعا من الرسل ولست بدعًا من العاملين لهذا الدين (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم تبدأ الآيات تذكر المواجهات بين أهل الحق وأهل الباطل.
يقول تعالى في الآية التاسعة
( أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ ۛ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ ۛ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ ۚ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ)
وبقية الآيات تقرأ ( قَالَتْ رُسُلُهُمْ)
و(قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ ) ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ) هناك مواجهة محتدمة بين أهل الحق وأهل الباطل.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وتقرأ قول الله تعالى (فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ)
يعنى أهل الباطل وضعوا أيديهم على أفواه الرسل، يعنى يمنعون الرسل من الكلام، لأنهم غير قادرين على المواجهة بالحجة، مفلسين، مثل الآن "ذاكر نايك" أو "أحمد سبيع" غير قادرين على مناظرتهم، ولذلك الحل عنهم هو منعهم من الكلام.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
في سور أخري (وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا) سورة لقمان
 
(جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ) يعنى هناك مساحة للكلام للرسل، ولكن الكفار منصرفون عنه، ولكن في هذه المرحلة من الصراع هم يمنعونهم من الكلام أصلًا.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
في الآية الثانية عشر: الرسل والمؤمنون معهم يقولون (ولنصبرن على ما آذيتمونا) يعنى هناك إيذاء شديد جدًا، لأن (ما) تستخدم للتعجب والتفخيم، يعنى هناك إيذاء شديد جدًا للرسل وللمؤمنين.
عندما اشتد تعذيب قريش لضعفاء المسلمين في مكة، جاءوا الى الرسول ﷺ وقالوا له: ألا تَسْتَنْصِرُ لنا ألا تَدْعُو لَنا؟ فقالَ ﷺ: 

قدْ كانَ مَن قَبْلَكُمْ، يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فيُحْفَرُ له في الأرْضِ، فيُجْعَلُ فيها، فيُجاءُ بالمِنْشارِ فيُوضَعُ علَى رَأْسِهِ فيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، ويُمْشَطُ بأَمْشاطِ الحَدِيدِ، ما دُونَ لَحْمِهِ وعَظْمِهِ، يعنى يصل الحديد الذي يعذب به الى العظم،  فما يصده ذلك عن دينه"

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

ثم تدخل قدرة الملك -سبحانه وتعالى (فأوحي إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الأرض من بعدهم) 
هذه هي النهاية الحتمية للصراع بين الحق والباطل.
النهاية الحتمية للصراع بين الحق والباطل هي انتصار الحق على الباطل.
وبعد هذه النهاية الحتمية في الدنيا.
يأتي مشهد النهاية يوم القيامة 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ ۖ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ)
وجاءت بصيغة الماضي للتحقيق
كأنهم دخلوا خلاص واستقروا  
مما يدل على أنه أمر واقع لا شك فيه.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وفي المقابل جائت آيات عذاب الظالمين في الآخرة.
وآيات العذاب في سورة "إبراهيم" هي من أشد آيات العذاب في القرآن كله، ان لم تكن أشدها.

اسمع قول الله تعالى
(مُهْطِعِينَ مُقْنِعِى رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ۖ وَأَفْـِٔدَتُهُمْ هَوَآءٌ) تصوير لمشهد خروجهم من القبر واتجاههم الى أرض المحشر.
ويقول تعالى
(وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَاد * سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمُ النَّارُ) تصوير للحساب
ثم يقول تعالى
(يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ) أحد مشاهد عذاب الظالمين يوم القيامة.
وهذه الآية قال بعض العلماء أنها أشد آية عذاب في القرآن.
يعنى كأن كل جزء من أجزاء جسده يناله لون من العذاب كفيل بأنه يقتله ولكنه لا يموت
.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ولكن الملاحظ أن نهاية الظالمين في الدنيا جاءت في آية واحدة، بل كلمة واحدة (لنهلكن الظالمين) ولكن آيات العذاب جاءت مفصلة، وفي أكثر من آية، أكثر من عشر آيات تتحدث عن عذاب الكفار يوم القيامة.
وهذا متكرر في القرآن كله.
يعنى آيات تحقق النصر للمؤمنين وتمكينهم في الأرض، آيات معدودة، معدودة يعنى قابلة للحصر، أما –في المقابل- الآيات التى تتحدث عن نهايات يوم القيامة، وهي دخول المؤمنين الجنة، ودخول الكافرين النار، فهي كثيرة جدًا لا حصر لها.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وهذه اشارة الى أن جزاء المؤمنين أو الكافرين في الدنيا ليس هو الأساس، انما الأساس هو الجزاء يوم القيامة.
كما قلنا كثيرًا هذه العبارة، أن من هوان الدنيا على الله أنه لم يجعلها ثوابًا لمؤمن ولا عقابًا لكافر.
يعنى لو أعطي الله –تعالى- الدنيا كلها للمؤمن، فانها لا تساوي شيئًا بالنسبة لما أعده من نعيم له يوم القيامة.
ومهما عاقب الكافر في الدنيا، يعنى لو اصابه بأمراض الدنيا كلها، فان ذلك لا يساوي شيئًا –كذلك- بالنسبة لما أعده من عذاب للكافر يوم القيامة.
تعالوا نحسبها.
لو عاش المؤمن أو الكافر في الدنيا مائة سنة أو مائتين سنة، أو ألف سنة، ضع هذه الألف سنة أمام حياة التى لا نهاية لها في الآخرة.
فانها لا تساوي أي شيء.
في علم الرياضيات أي رقم قسمة المالا نهاية تكون النتيجة صفر.
ولذلك فالدنيا بالنسبة للآخرة مهما طالت فهي صفر، لا شيء.

عندما جاء ملك الموت الى نوح –عليه السلام- ليقبض روحه، قال له: يا أطول الأنبياء عمرًا، كيف وجدت الدنيا؟ قال له كدار لها بابان دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر.
فالدنيا مهما طالت فهي بالنسبة للآخرة لا شيء.
ولذلك لم يجعلها الله تعالى لا ثوابا لمؤمن ولا عقابا لكافر. 
لا تستحق أن تكون ثوابًا لمؤمن ولا عقابًا لكافر.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ولذلك المفروض ان اهل الحق لا ينتظرون ثواب أعمالهم في الدنيا 
الدنيا دار عمل والآخرة دار جزاء 
لو أعطاك الله جزاء في الدنيا، يبقي فضل من الله عز وجل .
اذا لم يعطك جزاء في الدنيا فهذا هو الطبيعي

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
من أجل ذلك  البعض الذي قضيته نصر الدين، يريد أن يري الدين عزيز.
هذه نظرة خاطئة، المفروض ان قضيتك هي دخول الجنة 
هؤلاء عندما يفشل في تحقيق نصرة الدين ينتكس 
يقول ما فيش فايدة 
لو كان هدفه دخول الجنة والنجاة من النار فانه لن ينتكس

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وهذا يجرنا الى قضية ثانية هامة.
من الممكن  –جدًا- ألا يري المؤمن ظهور الحق على الباطل في الدنيا.
وليس هناك –في القرآن الكريم- وعدا بالنصر لآحاد المؤمين، الوعد بالنصر من الله –تعالى- لكل المؤمنين.
يعنى ليس شرطًا أن يري كل مؤمن انتصار الحق على الباطل.
ممكن أن يعيش المؤمن طوال حياته والباطل مستعلى على الحق.
وممكن أن يفقد حياته ضحية لهذا الباطل.

 مثل بالسيدة سمية الخياط وزوجها ياسر بن عامر، (والدي عمار بن ياسر) ماتا من شدة التعذيب في مكة.
وكل الذين ماتوا في مكة قبل الهجرة، كل هؤلاء لم يروا انتصار الحق على الباطل.
السيدة خديجة ماتت في مكة، بعد انتهاء سنوات الحصار، يعنى عاشت في أشد فترات استضعاف المسلمين.
 مثل نوح –عليه السلام- تعاقب عليه قبل الطوفان ثلاثة أجيال، كل هذه الأجيال عاشت وماتت وهي مهزومة امام الباطل.
موسي –عليه السلام- وأخيه هارون –عليه السلام- ماتا في فترة التيه، قبل دخول الأرض المقدسة.
أبطال المقاومة في فلسطين الشيخ أحمد ياسين والرنتيسي واسماعيل هنية ويحي السنوار وغيرهم الآلاف هؤلاء عاشوا وماتوا في فترة علو الباطل على الحق.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
من أجل ذلك  التركيز في هذه الآيات في سورة ابراهيم بل وفي القرآن كله على  الجزاء الأخروي، وليس الجزاء الدنيوي.
آيات الإستخلاف والتمكين للمؤمنين في الأرض محدودة محصورة، ولكن آيات الجزاء يوم القيامة سواء للمؤمن أو الكافر كثيرة جدًا لا حصر لها
وفي نفس الوقت آيات الجزاء الدنيوي أو الاستخلاف والتمكين.
تاتي دائمًا مؤكدة بأكثر من أسلوب تأكيد، مثل
(أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ)
مؤكدة بـ (أَلَا) و(إِنَّ) والجملة اسمية، واضافة النَصْرَ الى اللَّهِ.
وهكذا كل آيات الإستخلاف مؤكدة بأكثر من توكيد.
حتى لا تعتقد أنها لأنها قليلة فان هناك شك في حدوثها.
هي ستقع ستقع ولكن ليس شرطًا أن تقع لكل المؤمنين  
ولا يجب أن تكون هي هدفك، ولكن هدفك أيها المؤمن هو دخول الجنة والنجاة من النار.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
سورة ابراهيم تشير الى هذه القضية الهامة بوضوح شديد، يقول تعالى في الآية (42) (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ)
تقول لك تريد أن تشفي غليلك من اللى قتل وعذب وعاث في الأرض فسادًا، ليس شرطًا أن تشفي غليلك منه في الدنيا، بل الطبيعي هو أن يؤخر هذا الى يوم القيامة. 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اذن ملخص ما قلناه أن أحد أهم محاور سورة ابراهيم أنها ملخص لصراع الحق والباطل.
وبدأ هذا الصراع بأن الله كلف أهل الحق بأن يخرجوا ٱلنَّاسَ –كل ٱلنَّاسَ- مِنَ ٱلظُّلُمَاٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ.
ثم مرحلة المواجهة واحتدام الصراع بين أهل الحق وأهل الباطل.
ثم النهاية وهي هلاك الكفار وتمكين المؤمنين.
وهذه النهاية في الدنيا مر عليها القرآن سريعًا.
ولكن ركزت الآيات على النهاية في الآخرة، وهي دخول المؤمنين الجنة ودخول الكافرين النار.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ومن المشاهد التي انفردت بها سورة إبراهيم، حسرة الكفار يوم القيامة، هو خطبة ابليس في جهنم (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) 


❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

من مقاصد سورة ابراهيم الأساسية هو التأكيد على معنى مهم وهو أن أعظم نعمة هي نعمة الإيمان، وأكبر نقمة هي نقمة الكفر والبعد عن الله.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
روي أن أحد الصالحين وقف على جبل عرفات وقال: 
"الحمد لله على نعمة الإسلام، وكفي بها نعمة"
ثم جاء العام الذي بعده، واراد أن يقولها، فسمع نداءًا من قبل السماء يقول له:
"مهلًا يا عبد الله حتى ننتهي من كتابة ثوابها من العام الماضي" 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
مر إبراهيم بن أدهم برجل على قارعة الطريق وهو مقطوع اليدين والقدمين وأعمي ، وربما مر بهم أحد ووضع طعام في فمه اشفاقًا عليه، فلما أقترب منه "إبراهيم بن أدهم" سمعه يقول: 
"الحمد الله الذي فضلنى على كثير ممن خلق تفضيلًا"
فتعجب "إبراهيم بن أدهم" وقال: السلام عليكم.
قال الرجل: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا إبراهيم.
فتعجب "إبراهيم بن أدهم" كيف عرفه، فقال له: كيف عرفتني.؟
قال الرجل: ما جهلت شيئًا منذ عرفت الله.
قال له: أين بيتك؟
قال: قارعة الطريق الذي تري.
قال له: ماذا كنت تقول آنفا.
قال كنت أقول: "الحمد الله الذي فضلني على كثير ممن خلق تفضيلًا"
قال له: بم فضلك وأنت مقطوع الأطراف وأعمي؟
قال هل الرجل:
ويحك يا إبراهيم أم يعطني لسانًا ذاكرًا، وقلبًا شاكرًا.

 

        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇