الحلقة رقم (627)
(تًدَبُر القُرْآن العَظِيم)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
تفسير وتدبر الآيات من (5) الى (8) من سُورَة إبْرَاهِيم (ص 255)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ بَِٔايَٰتِنَآ أَنۡ أَخۡرِجۡ قَوۡمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَذَكِّرۡهُم بِأَيَّىٰمِ ٱللَّهِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰت لِّكُلِّ صَبَّار شَكُور ﴿٥﴾ وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ أَنجَىٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيمٞ ﴿٦﴾ وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكُمۡ لَئِن شَكَرۡتُمۡ لَأَزِيدَنَّكُمۡۖ وَلَئِن كَفَرۡتُمۡ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٞ ﴿٧﴾ وَقَالَ مُوسَىٰٓ إِن تَكۡفُرُوٓاْ أَنتُمۡ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعا فَإِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴿٨﴾
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ بَِٔايَٰتِنَآ)
بعثة مُوسَىٰ -عَلَيْهِ السَّلامُ-كانت قبل بعثة الرسول ﷺ بحوالي 1900 سنة
وقوله تعالى (وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ بَِٔايَٰتِنَآ)
يعنى: أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ بالمعجزات الدالة على صدق نبوته، وهي العصا واليد وغير ذلك من المعجزات الكثيرة
وكثرة معجزات مُوسَىٰ -عَلَيْهِ السَّلامُ- تدل على لجاجة وقسوة قلب من أرسل إليهم:
سواء فرعون وملئه، أو قومه من بنى إسرائيل.
كأنهم لا يكفيهم معجزة واحدة ليؤمنوا بصدق نبوته، ولكنهم يحتاجون الى عدد كبير من المعجزات.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقيل
(بَِٔايَٰتِنَآ) يعنى بآيات التوراة التي انزلت على مُوسَىٰ -عَلَيْهِ السَّلامُ-
ولا مانع من أن تشمل الكلمة المعنيين:
(بَِٔايَٰتِنَآ) يعنى بالمعجزات التي تدل على صدق نبوته، وبآيات التوراة التي انزلت عليه.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(أَنۡ أَخۡرِجۡ قَوۡمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ)
يعنى أَخۡرِجۡ قَوۡمَكَ مِنَ بنى إسرائيل، من ظُّلُمَٰاتِ الكفر والضلال إِلَى نُّورِ الإيمان والهداية.
وقلنا إن التعبير عن الكفر بالظلمات وعن الإيمان بالهداية هو معنى متكرر في القرآن الكريم.
كما قال تعالى:
(الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات)
ودائمًا تأتي ٱلظُّلُمَٰاتِ بصيغة الجمع، وٱلنُّور بصيغة المفردِ، لأن الكفر طرقه كثيرة، (هناك 4000 ديانة في العالم) أما الإيمان فهو طريق واحد، وهو طريق الإسلام.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَذَكِّرۡهُم بِأَيَّىٰمِ ٱللَّهِۚ)
يعنى وَفكرهم وعظهم بما نزل بالأمم الكافرة السابقة مثل أقوام نوح وعاد وثمود وغيرهم.
وكانت العرب تعبر بالأيام عن الوقائع والأحداث الهامة، لأنها تقع فيها، فكانت العرب تقول "أيام العرب" يعنى الوقائع والأحداث الهامة.
كما قال تعالى في سورة آل عمران (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)
فــقوله تعالى (وَذَكِّرۡهُم بِأَيَّىٰمِ ٱللَّهِۚ)
يعنى وَفكرهم وخوفهم بما وقع للأمم الكافرة السابقة عليهم.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبَّارٖ شَكُورٖ ﴿٥﴾
يعنى لا يعتبر بهذه الآيات الا كُلِّ صَبَّارٖ شَكُورٖ.
وصَبَّار صيغة مبالغة على وزن "فعَّال"
ومنه نبات الصبار، عشان بينزل عليه شوية مطر في الشتاء، ويقعد طول الصيف في الحرارة الشديدة.
وشَكُور أيضًا صيغة مبالغة على وزن "فَعُول" كما نقول هذا رجل "أكول"
فإذن صَبَّارٖ: يعنى كثير الصبر، وشَكُورٖ: يعنى كثير الشكر.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
فقوله تعالى (إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبَّارٖ شَكُورٖ)
يعنى لا يعتبر ولا يستفيد بهذه الآيات الا كُلِّ صَبَّارٖ شَكُورٖ.
الا ذو صبر على طاعة الله، وعن معصيته.
و شَكُورٖ لنعم الله عليه.
وخص الصبر والشكر لأن الصبر والشكر من خصال المؤمنين.
قال ﷺ: نعم الْعَبْد عَبْد إِذَا ابْتَلَى صَبَرَ، وَإِذَا أُعْطِيَ شَكَرَ.
فالمعنى أن هذه الآيات لا يعتبر بها ولا يستفيد منها بها الا المؤمنون فقط، والذين من صفتهم الصبر والشكر.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ أَنجَىٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيمٞ ﴿٦﴾
(وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِ)
يعنى امتثل مُوسَىٰ -عَلَيْهِ السَّلامُ- لأمر ربه وقال لِقَوۡمِهِ
(ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ)
تذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ، لأن ذكر النِعۡمَةَ يوجب شكرها.
وكلمة (نِعۡمَةَ) جاءت مفردة، لكنها تأتي بمعنى الجمع.
كما تقول "فلان هذا في نعمة" أو يسألك أحدهم عن أحوالك فتقول "أنا في نِعۡمَةَ والله"
فقول موسي لقومه (ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ) يعنى: ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَ ٱللَّهِ التي أنعم بها عليكم.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(إِذۡ أَنجَىٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡ)
يعنى اذكروا إِذۡ أَنجَاكُم الله مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ، وهم حاشيته وجنوده وأتباعه.
(يَسُومُونَكُمۡ) يعنى يذيقونكم.
(سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ) يعنى أسوأ وأشد أنواع ٱلۡعَذَابِ.
(وَيُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡ)
تحدثنا من قبل عن تذبيح فرعون لأبناء بنى إسرائيل الذكور، واستبقاء الإناث.
وقلنا إن السبب في هذه الخطة الشريرة التي أمر بها فرعون.
هو خوف المصريين من كثرة أعداد بنى إسرائيل في مصر.
لأن المصريون خافوا من أن ينقلب بنو إسرائيل عليهم إذا كثرت أعدادهم في مصر.
خصوصا أن هذا هو ما حدث مع الهكسوس قبل ذلك التاريخ بحوالي 400 سنة، عندما دخل الهكسوس الى مصر واستقروا في الجزء الشرقي منها، وهو ما يعرف الآن بمحافظة الشرقية، وزادت أعدادهم بمرور السنوات، وفي فترة من فترات ضعف دولة الفراعنة استطاعوا الاستيلاء على الحكم والسيطرة على شمال البلاد، فخاف المصريين من تكرار هذه الكارثة مع بنى إسرائيل.
وخاف المصريون أيضُا من أن يتعاون بنو إسرائيل مع أي غزو خارجي، أو أن يساعدوا هذا الغزو على احتلال مصر، كما كانوا متعاونون مع الهكسوس في فترة احتلالهم لمصر.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وفي نفس الوقت كان المصريون يحتاجون الى وجود بنى إسرائيل في مصر.
لأن المصريون كانوا قد استعبدوا بني إسرائيل بعد أن قاموا بطرد الهكسوس، وكانوا يستخدمونهم في الإعمال الشاقة من زراعة وصناعة وبناء وخدمة في المنازل وغير ذلك، وبالتالي كانوا يمثلون طبقة عمال لا يمكن الاستغناء عنها.
مثال في دول الخليج مثل: الإمارات، وقطر، والبحرين، والكويت.
العمالة الخارجية في الإمارات تمثل 90% من السكان، وفي قطر 88% وفي الكويت 75%
لنفرض أن هذه العمالة خرجت من البلد دفعة واحدة.
بصرف النظر على انها يمكن أن تستقدم عمالة جديدة.
ولكن لنفرض عدم إمكانية استقدام عمالة جديدة.
لو خرج هؤلاء الأجانب، تتوقف الحياة بالكامل.
هذا كان هو وضع المصريين مع بنى إسرائيل.
فكان خروج بنو إسرائيل من مصر يمثل كارثة اقتصادية وكارثة اجتماعية على المصريين.
ولذلك كانت هذه الخطة الشريرة المجرمة من فرعون وهو أن يقتل أبناء بنى اسرائيل الذكور في سنة، ولا يقتلهم في السنة التالية، وأن يستبقي النساء فلا يقتلهن، وبالتالي يحافظ على أعداد بنى إسرائيل الموجودة فلا تزيد أكثر من ذلك، و في نفس الوقت يضعف قوتهم- لأن الذكور -الذين يقتلهم- هم القادرون على القتال وحمل السلاح.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (إِذۡ أَنجَىٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡ)
في موضع آخر، في سورة البقرة، قال تعالى (يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡ).
جائت بدون واو.. ما الفرق؟
اذا قلت جاءني الأخوان: عمرو وزيد، يبقي جاءني الأخوان اللي هما عمرو وزيد.
ولكن عندما أقول: جاءني الأخوان وعمرو وزيد.
اذن هؤلاء غير هؤلاء، لأن الواو للمغايرة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
هنا أيضًا في سورة البقرة ليس هناك (واو)
(يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡ).
يعنى سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ هو التذبيح والقتل.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
في هذه الآية جات بالواو (يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ ويُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡ)
يبقي ده غير ده،
يعنى: يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ، أنواع من ٱلۡعَذَابِ متعددة، وأيضًا يُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَأيضًا يَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡ.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
فاذن من غير واو (يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡ)
يعنى فسر سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ بأنه التذبيح والاستحياء.
انما بالواو (يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ ويُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡ)
يعنى هناك أنواع من العذاب غير التذبيح والاستحياء.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لماذا جاءت في البقرة من غير الواو وفي هذه السورة بالواو
لأن المتحدث في سورة البقرة هو الله
انما المتحدث في هذه السورة هو موسي
والأعلى دائمًا لا يذكر التفاصيل
انما الأدني هو الذي يذكر التفاصيل
كما نري رئيس الدولة عندما يتحدث في ميزانية الدولة يأتي بأرقام مجملة لا يدخل في التفاصيل.
انما المحافظ أو الوزير يمكن أن يتحدث في التفاصيل.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
هناك وقفة أيضًا مع كلمة (يَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡ)
(يَسۡتَحۡيُونَ) يعنى يتركوهم أحياء فلا يقتلوهن.
فهل عدم قتل نساء بنى إسرائيل يعتبر لون من ألوان العذاب؟
عندما يأتي عدم قتل النساء كنوع من أنواع العذاب الشديد، فالمعنى أنهم لا يقتلون النساء حتى يتخذهن اماء، ومعنى أن يتخذهن اماء أنهم كانوا يطئون نساء بنى اسرائيل.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اذن يذكرهم موسي -عليه السلام- بهذه النعمة العظيمة، وهي أن الله تعالى أنجاهم من آل فرعون الذين كانوا يذيقونهم أسواء أنواع العذاب، وذكرهم بأسوأ نوعين من أنواع العذاب، وهو أنهم كانوا يقتلون أبنائهم، ويتخذون نسائهم اماء.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى على لسان موسي (وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآء مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيم)
يعنى كان ذلك العذاب الشديد اختبار وامتحان من الله تعالى لكم.
أو أن المقصود هو أن تنجية الله لكم من هذا العذاب هو اختبار من الله لكم.
يعنى أنتم الآن بعد تنجية الله لكم من هذا العذاب، أنتم الان في اختبار من الله لكم.
كما قال تعالى (وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً)
(وَفِي ذَٰلِكُم) يعنى َوفِي الإنجاء من العذاب
(بَلَآء مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيم) اختبار عظيم من الله تعالى.
لأن الاختبار بالنعمة قد يكون أشد من الاختبار بالشدة.
هناك من ينجح في اختبار الشدة ولا ينجح في اختبار النعمة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكُمۡ لَئِن شَكَرۡتُمۡ لَأَزِيدَنَّكُمۡۖ وَلَئِن كَفَرۡتُمۡ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٞ ﴿٧﴾
هذا من تكملة كلام مُوسَىٰ -عَلَيْهِ السَّلامُ- لقومه.
أن مُوسَىٰ -عَلَيْهِ السَّلامُ- يرشد قومه الى سنة من سنن الله -تعالى- التي لا تتخلف.
يقول تعالى على لسان موسي (وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكُمۡ)
(تَأَذَّنَ) يعنى أعلم.
كانت العرب تقول "آذن فلان بالأمر" يعنى أعلمه به.
ومنه الأذان للصلاة
وصيغة التفعليل (تَأَذَّنَ) تفيد المبالغة.
يعنى أعلم –تعالى- وأعلن اعلانًا واضحًا لا التباس فيه.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكُمۡ لَئِن شَكَرۡتُمۡ لَأَزِيدَنَّكُمۡ)
اللام لام القسم للتأكيد، يعنى لَئِن شَكَرۡتُمۡ نعمى عليكم لَأَزِيدَنَّكُمۡ من هذه النعم.
وشكر النعمة لا يكون بمجرد أن تقول الحمد لله.
ولكن شكر النعمة يكون بأن تستخدم هذه النعم في طاعة الله، ولا تستخدمها في معصيته.
قال أحدهم شكر الله ألا تتقوى بنِعَمِهِ على معاصيه.
فاذا استخدمت نعم الله في طاعة الله زادك الله من نعمه عليك.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ولله المثل الأعلى.
عندك ولدين وكل واحد تعطيه مصروف: واحد يروح يشتري بالمصروف سجائر ومخدرات، والثاني يشتري بها كتب دينية وعلمية يقرئها ويتثقف.
من الطبيعي أن تمنع المصروف عن الأول، وتزود المصروف للثاني.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكُمۡ لَئِن شَكَرۡتُمۡ لَأَزِيدَنَّكُمۡ)
يعنى لَأَزِيدَنَّكُمۡ من نعمي عليكم.
وقال البعض لَأَزِيدَنَّكُمۡ من نعمي في الآخرة، لأن الدنيا أهون من ذلك.
وقيل لَأَزِيدَنَّكُمۡ من طاعتى.
ويمكن أن تشمل كل هذه المعاني:
لَأَزِيدَنَّكُمۡ من نعمي عليكم في الدنيا وفي الآخرة ومن طاعتي.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
بمناسبة الشكر حكي أنَّ داود عليه السلام قال: أي ربِّ كيف أشكرك وشكري لك نعمة مجددة منك عليّ؟
يعنى أنا لما أشكرك، هذا الشكر في حد ذاته نعمة تستوجب شكر ثاني.
فاذا شكرت يستوجب شكر ثالث، والشكر الثالث يستوجب شكر رابع وهكذا.
فإذن كيف أشكرك؟
أي ربِّ كيف أشكرك وشكري لك نعمة مجددة منك عليّ؟
فأوحي اليه الله: يا داود الآن شكرتني.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
حكي أحد كبار رجال الأعمال أنه نشأن في بيئة فقيرة، وعمل في عدة وظائف، وكان برغم فقره كان يخصص جزء من دخله للصدقة، فكان كلما تصدق يجد بركة في رزقه، وزباده في الفرص، وبدأ يدخل في مشاريع كبيرة، حتى أصبح من كبار رجال الأعمال في مجاله.
وفي أحد المقابلات قال: أدركت أن الشكر لا يكون فقط بالكلمات
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى: (وَلَئِن كَفَرۡتُمۡ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيد)
يعنى وَلَئِن كَفَرۡتُمۡ بنعم الله عليكم، بأن استخدمتم هذه النعم في معصية الله تعالى
(إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيد)
تهديدٌ بالعذاب
وفي الحديث "إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه "
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَقَالَ مُوسَىٰٓ إِن تَكۡفُرُوٓاْ أَنتُمۡ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعا فَإِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴿٨﴾
يعنى وَقَالَ مُوسَىٰٓ لقومه من بنى اسرائيل إِن تَكۡفُرُوٓاْ أَنتُمۡ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعا
(فَإِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ)
فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عن شكركم وغَنِيٌّ عن طاعتكم.
لا يحتاج -تعالى- الى أحد، في حين أن الخلق جميعًا فقراء اليه، محتاجون اليه في كل شيء.
(حَمِيدٌ) يعنى هو -تعالى- المحمود في ذاته وصفاته وأفعاله، حتى وان لم يحمده الحامدون.
سواء شكرتم الله أو لم تشكروه فالله غنى عن شكركم لا يحتاج الى هذا الشكر.
سواء شكرتم الله أو لم تشكروه فالله محمود في ذاته، لا يحتاج الى حمد أحد.
أنتم المستفيدين من شكر الله، وأنتم الذين تضرون أنفسكم إذا تركتم شكر الله.
في الحديث القدسي الذي رواه مسلم في صحيحه:
"يا عِبَادِي، إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يا عِبَادِي، لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا علَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنكُمْ؛ ما زَادَ ذلكَ في مُلْكِي شيئًا، يا عِبَادِي، لوْ أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا علَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ؛ ما نَقَصَ ذلكَ مِن مُلْكِي شيئًا
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"
لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
|