Untitled Document

عدد المشاهدات : 2444

خطبة: قيام الليل 1

((قيام الليل 1/2))

من سلسلة العبادات- الصلاة- الحلقة التاسعة

الخطيب: الشيخ/ وائل فوزي

تاريخ الخطبة: 1432- 2011

المكان: مسجد "الوادي" بمبدنة نصر - "السيدة مريم- عليها السلام" بمنطقة الهجانة

مدة الخطبة: 30 دقيقة

أما بعد

بدأنا منذ عام ونصف تقريبًا حديثنا عن العبادات، وتناولنا موضوع الصلاة في ثماني خطب متتالية: فتحدثنا عن الأذان وفضيلته، وتحدثنا عن فضيلة الوضوء، ثم خطبة عن الصلاة وأهميتها وعقوبة تارك الصلاة، ثم خطبة عن الخشوع في الصلاة وكيفية الخشوع في الصلاة، ثم خطبة عن نوافل الصلاة، ثم الصلاة في جماعة، ثم خطبة خاصة عن صلاة الفجر، وخطبة عن صلاة الجمعة، واليوم الخطبة التاسعة –وربما الأخيرة- من سلسلة الصلاة فنتحدث عن قيام الليل، ليكون حديثنا عن قيام الليل هو مسك الختام في الحديث عن الصلاة

وأنا قصدت أن يكون حديثنا عن الصلاة بهذا الترتيب، أسبغنا الوضوء، حافظنا على الصلاة في أول وقتها، خشعنا في الصلاة، صلينا النوافل، صلينا في المسجد، حافظنا على صلاة الفجر، حافظنا على أداء صلاة الجمعة بجميع آدابها، ناقصلك ايه دلقتى، ناقص "قيام الليل"

قيام الليل هو عبادة الأنبياء والأولياء والمقربين، قيام الليل هي العبادة التى اذا جربتها مرة لن تتركها بعد ذلك بالمرة

قيام الليل في القرآن

الحق –سبحانه وتعالى- حث على قيام الليل في القرآن في أكثر من موضع، من ذلك مثلًا:

-         يقول تعالى في سورة الإسراء (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا) وهنا قال تعالى "نَافِلَةً لَّكَ" ولم يقل "نَافِلَةً عليك" عَسَى و عَسَى من البشر تفيد الشك، ولكنها من الله تفيد التحقيق، لأنه تعالى من كرمه لا يدع أن يعطي عباده ما أطمعهم فيه .

"عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا" ثواب قيامك يا محمد وتهجدك، وتركك النوم ووقوفك بين يدي الله عز وجل هو أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا و المقام المحمود هو مقم الشفاعة العظمي يوم القيامة، وسمي بذلك لأنه يحمده على هذا المقام الأولون والآخرون

شوف ثوابك انت عند الله عندما تؤدي وتحافظ على صلاة التهجد أو صلاة الليل، ثواب الرسول المقام المحمود، ثوابك انته ايه ؟

-         ولذلك في آية أخرى في سورة السجدة، يقول تعالى ( تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ *
فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) كلمة " تَتَجَافَى" جاية من الجفوة، هناك جفوة بينه وبينه فراشه، مش طايق فاشه، مش طايق سريره، عشان نفسه يقوم  بين يدي الله عز وجل في جوف الليل، وشوف قالك بعد ذلك (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) يقو ابن عباس: الثواب أجل وأكبرمن أن يعرف

-         ويقول تعالى في سورة الذاريات (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) هناك ثلاثة مراتب: اسلام، وايمان، واحسان، فالإحسان هو أعلى المراتب، ما صفات هؤلاء المُحْسِنِينَ ؟ قالك: كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ، أي قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا ينامون، وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ، ووقت السحر هو الوقت قبل الفجر بحوالي نصف ساعة، ثم قال تعالى: وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ، في آية أخرى في سورة المعارج يقول تعالى (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُوم ٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) و الحَقٌّ المَعْلُوم هو مقدار الزكاة 2.50% ولكن عندما تحدث تعالى عن المُحْسِنِينَ في سورة الذاريات لم يقل حَقٌّ مَعْلُوم لأن المُحْسِنِينَ لا يكتفون بزكاة أموالهم فقط، ولكنهم يتصدقون بأكثر من زماة المال، كما أنهم لا يكتفون بالصلوات الخمس فقط، ولا حتى بنوافل الصلاة، ولكنهم يقومون الليل، ولا ينامون من الليل الا قليلًا منه

-         ويقول تعالي في سورة الفرقان ((وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا))

شوف الفرق بين هذه الصورة وبين من يبيت على معصية، في ناس بتبات على التليفون، وفي ناس بتبات على التشات

-         يقول تعالى في سورة المزمل ((يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * ُقمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلا * نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلا * إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلا * وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا))

وسورة المزمل من عتائق السور التى نزلت في اول البعثة، قيل أنها الآية الثانية أوالثالثة، والرسول –صلى الله عليه وسلم- يتعرض لإيذاء شديد جدًا واستهزاء، فدخل الرسول –صلى الله عليه وسلم- الى فراشه وتزمل بثياب النوم حتى يدفع الهم، فيخاطبه الحق –سبحانه وتعالى- ويقول له: ليس بالنوم تدفع الهم عن قلبك يا محمد، ولكن قم بين يدي، ومش حتقوم ساعة ولا ساعتين، لا نصف الليل، أو أقل من النصف بقليل، أو أكثر من نصف الليل "وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا" يعنى قرائتك في صلاة الليل تكون بترتيل، بهدوء، بتركيز وتدبر وتفكر، ثم يقول تعالى " إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا" حيثية هذا الأمر، حيثية أو سبب الأمر بقيام الليل أنك ستسقبل القرآن العظيم المهيب وما فيه من تكاليف فلابد أن تستعد له يا محمد " إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلا" أفضل عبادة وأكثرها تأثيرًا على القلب والنفس هي عبادة الليل "إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلا" عندك جهاد طويل في النهار، فلذلك عليك أن تستعين على هذا الجهاد بصلاة الليل

ولذلك كان قيام الليل في أول الأمر فرض على المسلمين، وظل قيام الليل على المسلمين فرض لمدة سنة كاملة، حتى نزل التخفيف في آخر سورة المزمل، ولكنها ظلت فرض على الرسول –صلى الله عليه وسلم- وأصبحت نافلة على المسلمين، طيب لماذا كانت فرض ؟ لأن المسلمين يواجهون في مكة الكثير من الإيذاء فلابد لهم من طاقة روحية كبيرة حتى يستطيعون تحمل ايذاء أهل مكة، مكة مليئة بالمعاصى فلابد من قيام الليل لمقاومة هذه المعاصى، زي الوضع الآن تمامًا، المجتمع مليء بالمعاصى، عاوز تواجه هذه المعصى وأنت قوي عليك بقيام الليل، عاوز تواجه سخافات وحماقات البشر عليك بقيام الليل

-         لذلك تجد أن قيام الليل من أكثر الأمور التى كان يتعهد الرسول –صلى الله عليه وسلم- أصحابه فيها، تجد مثلًا الرسول –صلى الله عليه وسلم- يقول لزوجته السيدة حفصة بنت عمر "نعم الرجل عبد الله، لو كان يصلي من الليل" عبد الله هو أخيها عبد الله بن عمر، والحديث في البخاري، يقول سالم مولى عبد الله، رواي هذا الحديث : فكان عبد الله لا ينام من الليل إلا قليلا، "نعم الرجل عبد الله، لو كان يصلي من الليل" أنت أيضًا يا أخي نعم الرجل لو كنت تصلى بالليل، وأنت نعم المرأة ونعم الفتاة لو كنت تصلين بالليل

-         روى البخاري أيضًا أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- يقول لعبد الله بن عمرو بن العاص "يا عبد الله، لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل فترك قيام الليل"

-         روى البخاري أيضًا: الرسول - صلى الله عليه وسلم- يمر على على بن أبي طالب وفاطمة في الليل ويقول لهما: ألا تصليان،  يقول على: يا رسول الله، أنفسنا بيد الله، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا، فانصرف الرسول - صلى الله عليه وسلم- يقول على: ثم سمعته وهو مول، يضرب فخذه، وهو يقول: {وكان الإنسان أكثر شيء جدلا} يقول على "فما تركنا قيام الليل بعد ذلك ابدًا

قيام الليل في السنة

-         من أول النصائح التى يقولها الرسول - صلى الله عليه وسلم- للصحابة بعد الهجرة هي المحافظة على قيام الليل: عن عبد الله بن سلام  -رضي الله عنه- قال : لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، انجفل الناس قِبَلهُ،وقيل : قد قدم رسول لله صلى الله عليه وسلم، قد قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت في الناس لأنظُرَ، فلما تبينت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول شيء سمعتهُ تكلم به أن قال: (( يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام)) رواه أحمد والترمذي وابن ماجه

-         روى الترمذي من حديث بلال قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- "عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله، ومنهاة عن الإثم، وتكفير للسيئات، ومطردة للداء عن الجسد"

-         وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- "ان في الجنة غرفة يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها" فقال أبو موسى الأشعري: لمن هي يا رسول الله ؟ قال"لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وبات قائما والناس نيام"

-         عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- "من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين ، و من قام بألف آية كتب من المقنطرين"

"من قام بعشر آيات" يعنى بعد صلاة العشاء، صليت ركعتين، قريت فيهم بأواخر سورة البقرة مثلًا "لم يكتب من الغافلين"

"ومن قام بمائة آية كتب من القانتين" الْقَانِتِينَ يعنى المطيعين، وهي من صفات الذين يغفر الله تعالى لهم في سورة الأحزاب، يقول تعالى "وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ"

"و من قام بألف آية كتب من المقنطرين" ألف آية يعنى زي ما تقري كده جزئي تبارك وعم، "والمقنطرين" يعنى أجر عظيم جدًا جدًا، انما شوف الرسول –صلى الله عليه وسلم- بيشجعك ازاي و ازاي بيعلي طموحك في قيام الليل

-         روى الحاكم عن على بن أبي طالب قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-أتاني جبريل، فقال: "يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب ما شئت، فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس"

-         روى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-  " أفضل الصلاة بعد الفريضة، صلاة الليل"

-         يقول الرسول –صلى الله عليه وسلم- "ركعتان يركعهما العبد في جوف الليل خير له من الدنيا وما فيها ولولا أن أشق على أمتي لفرضتهما عليهم"

 

قيام النبي صلى الله عليه وسلم

-    انظر الى قيام الرسول –صلى الله عليه وسلم- في الليل، فاكر عندما تحدثنا عن الخشوع في الصلاة، ذكرنا الحديث الذي رواه مسلم من حديث حذيفة بن اليمان يقول: يقول: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى، فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسلا، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ، ثم ركع فجعل يقول "سبحان ربي العظيم" فكان ركوعه نحوا من قيامه، ثم قال "سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد" ثم قام طويلا، قريبا مما ركع، ثم سجد فقال "سبحان ربي الأعلى" فكان سجوده قريبا من قيامه

-    عبد الله بن مسعود يقول: "صليت مع ال