بين يدى رمضان
الخطيب: وائل فوزي
تاريخ الخطبة: 30 شعبان 1430- 21 أغسطس 2009
المكان: مسجد "السيدة مريم- عليها السلام" بمنطقة الهجانة
مدة الخطبة: 25 دقيقة
عناصر الخطبة
1. أحاديث في فضل الصيام وشرحها
أما بعد،،،
غداَ –إن شاء الله تعالى- أول يوم في رمضان، في مثل هذا اليوم منذ حوالي ألف وأربعة مائة وثلاثون عاماً خطب رسول الله خطبة بليغة حفظتها كتب السنة
o عن سلمان الفارسى –رضى الله عنه- قال: خطب رسول الله في آخر يوم من شعبان فقال : أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم، شهر مبارك ، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعا، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يزاد فيه رزق المؤمن، من فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء. قالوا: ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم . فقال: يعطي الله هذا الثواب من فطر صائما على تمرة أو على شربة ماء أو مذقة لبن، وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار
رواه البيهقي وابن حبان
اذن في هذه الخطبة وصف الرسول شهر رمضان بأنه شهر مبارك، شهر كله بركة لذلك تجد الكثيرين بداية هدايتهم في شهر رمضان، أو كان شهر رمضان هو سبب هدايتهم
"شهر عظيم، شهر مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر" طبعاً هي ليلة القدر، وليلة القدر سميت بهذا الإسم لأن قدرها عظيم، وهي خير من ألف شهر، يعني عبادة هذا الليلة خير من عبادة ألف شهر ، وألف شهر يعني أكثر من ثلاثة وثمانون عاماً، يعني اذا عبدت الله تعالى في هذه الليلة فكأنك عبدته تعالى أكثر من ثلاثة وثمانون عاماً
" جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعا" قيام ليله اللي هيه صلاة التراويح، أو صلاة القيام، كل هذه –حتى لا يختلط علينا الأمر- كل هذه مسميات لعبادة واحدة، وهي قيام الليل
" من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه" نحن نعلم أن ثواب الفريضة أكبر دائماً من ثواب النافلة، وهي أقرب إلى الله تعالى وأحب إليه، يقول تعالى في الحديث القدسي "ما تقرب إلىَّ عبدي بشيء أحب إلىَّ مما افترضته عليه" فأنت عندما تؤدي نافلة في رمضان، فكأنك أديت فريضة في غير رمضان
طب الذي يؤدي فريضة " كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه" وهذا من بركة شهر رمضان، إحنا قلنا " شهر مبارك"
"وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة" وقد قلنا لأن "الصوم هو نصف الصبر" وقال تعالى "إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب" ولذلك قال "والصبر ثوابه الجنة"
"وشهر يزاد فيه رزق المؤمن، من فطر فيه صائما" يكون له ثلاثة جوائز "مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء" يعني من أجر الصائم
" قالوا: ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم" يعني رجل فقير، أو طالب لسه في المدرسة أو الجامعة "فقال: يعطي الله هذا الثواب من فطر صائما على تمرة أو على شربة ماء أو مذقة لبن" يعني مجرد بق لبن، عاوز تصوم شهر رمضان مرة ومرتين وثلاثة، فطر صائم، اشترى كيلو سمن وكام كيلو رز ومكرونة وزيت واعمل شنطة واديها لأسرة محتاجة، شوف الشنطة دي حتفطر كام شخص، وحتفطر كام يوم، واحتسب هذا الثواب عند الله تعالى، اعزم رحمك، أقاربك، ابيك وأمك وأخوتك ومعارفك، وخلي نيتك أن تفطر صائم، ست البيت وهي في المطبخ، انتي عاوزة تقعدي في المطبخ كل هذا الوقت وفي رمضان دون أن تحصلى ثواباً، لأ وانتي بتطبخي خلي نيتك أنك تفطرين صائماً، بدل ما تتخنقي مع جوزك انه عزم أهله أو عزم أصدقاءه، أنتي ترحبي بذلك لأن في ذلك مغفرة لذنوبك وعتقاً لرقبتك من النار، ولك مثل أجر الصائم
"وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار" طبعاً حافطينها دي، أول عشرة أيام هي أيام الرحمة، وبعد كده ثاني عشرة أيام هي أيام المغفرة، وآخر ثلاثة أيام هي أيام العتق من النار، وقد قلنا في الخطبة السابقة أن هذا الترتيب له حكمته، لأنك تدخل رمضان وأنت مثقل بكثير من الذنوب والمعاصى، لذلك أنت في حاجة الى أن ينظر اليك الله تعالى بعين الرحمة، فاذا رحمك غفر لك، فاذا غفر لك أعتق رقبتك من النار، وهذا العنق من النار هو أعظم ما في رمضان، لأن العتق من النار يعني الحق –سبحانه وتعالى- آلى على نفسه ألا يعذبك بالنار، أصبح لك براءة من العذاب، والحق –سبحانه وتعالى- اذا أعتقك فلن يؤسرك مرة أخرى، لأن العربي الكريم اذا أعتق لا يؤسر مرة أخرى، يعني من أخلاقيات العرب اذا أعتق عبداً لا يعيده في الأسر مرة أخرى، العربي الكريم لا يفعل هذا أبداً، فاذا كان هذا هو شأن العربي الكريم فما بالك بأكرم الأكرمين، واحد يقولي طب افرض بعد أعتق رقبتي وقعت في ذنب بعد ذلك، ما هوه من عتقه لك أن حسناتك تغلب سيئاتك، وطاعتك تغلب معصيتك
خاب بالك أنت ممكن أن تكون قد أعتقتك في أي رمضان سابق، في رمضان الماضى مثلاً، أو الذي قبله مثلاً، ولكنك لا تعلم، وممكن يكون بقالك عشرين سنة بتصوم، ولم تعتق رقبتك، طب ما الفرصة سانحة أمامك أن تعتق رقبتك من النار هذا العام، عرفت بقي لبه يقول الرسول "رغم أنف عبد أدرك رمضان ولم يغفر له" ما ينفعش يعدي عليك رمضان وأنت لم تغفر ذنوبك ولم تعتق رقبتك من النار، لو حدث ذلك فقد خسرت حسراناً كبيراً جدا
* * *
o وعن أبي هريرة –رضى الله عنه قال: قال رسول الله "إذا كان أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب ، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب ونادى مناد : يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة" رواه البخارى
هذا الحديث الصحيح يتحدث عن أحداث أول ليلة في رمضان، أول ليلة اللي هيه هذه الليلة، اليوم بعد صلاة المغرب ستحدث أربعة أحداث عظيمة
الحدث الأول هو تصفد الشياطين ومردة الجن، وتصفد الشياطين يعني تسلسل وتقيد، الشياطين تقيد مع دخول أول ليلة في رمضان، عدوك اللدود ابليس لن يكون له عليك سبيل طوال شهر رمضان
والعلماء تحدثوا في معنى تصفيد الشياطين، أو تقييد الشياطين، قال البعض أن التي تقيد هم رؤساء الشياطين، ابليس وأعوانه، فتبقي بقية الشياطين تائهة بلا قيادة تجمعها، ويكون كيدها شديد الضعف، والبعض قال جميع الشياطين تقيد، سواء رؤساء الشياطين أو صغارهم، والبعض قال أن ذلك مجاز عن ضعف الشياطين، وسواء كان هذا التفسير أو ذاك فان المحصلة هو أن الشياطين في رمضان لا يكون لها سلطان على بنى آدم، وأنت تشعر في رمضان بقوة ونشاط للعبادة، وتشعر أنك قادر بسهولة نسبية على البعد عن المعصية، وبالصبر عن المعصية، والصبر على الطاعة، وتشعر –سبحان الله- مع أول ليلة في رمضان بانشراح في الصدر، هذا الانشراح في الصدر سببه تقييد الشياطين
* * *
وعن أبي هريرة –رضى الله عنه قال: قال رسول الله "أعطيت أمتي خمس خصال في رمضان لم تعطهن أمة قبلهم خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا ويزين الله عز وجل كل يوم جنته ثم يقول يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤنة ويصيروا إليك وتصفد فيه مردة الشياطين فلا يخلصوا فيه إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره ويغفر لهم في آخر ليلة قيل يا رسول الله أهي ليلة القدر قال لا ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله"
""أعطيت أمتي خمس خصال في رمضان لم تعطهن أمة قبلهم" أول هذه الخصال "خُلُوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك" وقل "خُلُوف" ولا تقل "خَلَوف" والخُلُوف هو تغير رائحة الفم نتيجة الصيام، هذه الرائحة التي قد تنفر منها، هي أطيب عند الله تعالى من رائحة المسك، يعني أطيب من أي ريح في الدنيا
ثاني خاصية "وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا" الملائكة تستغفر لك طوال ساعات الصيام، حوالي خمسة عشر ساعة الملائكة في استغفار مستمر لك، والملائكة عندما تستغفر لك فهذه بشارة بالغفران، لأن الملائكة مستجابة الدعوة، لأنهم (لا يعصون الله ما أمرهم) وفي رواية "وتستغفر لهم الحيتان حتى يفطروا" والحيتان يعني الأسماك، ملايين أو مليارات الأسماك في جميع بحار ومحيطات العالم تستغفر لك حتى تفطر
" ويزين الله عز وجل كل يوم جنته ثم يقول" يعني يقول للجنة" يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤنة" وفي رواية " يلقوا عنهم المؤنة والأذي"ويصيروا إليك" الحق –سبحانه تعالى- بنفسه يزين جنته، يذكرني ذلك بقصة رواها مولانا الشيخ/ الشعرواي –رحمه الله- أنه ذهب الى الولايات المتحدة، ونزل في فندق شديد الفخامة، يحط ايده تحت الحنفية تنزل ميه، وطعام هي، وجميع الوفد المرافق كان منبهر بهذا الفندق، انما الشيخ الشعرواي، وانظر الى أهل الآخرة كيف يستقبلون نعيم الدنيا، قال لهم: اذا كان هذا ما أعد العباد للعباد، فما بالكم بما أعد رب العباد للعباد
"وتصفد فيه مردة الشياطين فلا يخلصوا فيه إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره" أي في غيره من الشهور، وقد تحدثنا في هذه النقطة
"ويغفر لهم في آخر ليلة" هذا ما في أجمل هذا الحديث، طبعاً هناك مغفرة في كل ليلة، وهناك عتق من النار في كل ليلة، ولكن في آخر ليلة تكون هناك المغفرة لأعداد ضخمة غفيرة
"قيل يا رسول الله أهي ليلة القدر" هذه الليلة العظيمة هي ليلة القدر "قال لا ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله"
* * *
وعنه قال "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهما"
تشعر في هذا الحديث أن هناك ذنوب صغيرة تكفرها الصلوات الخمس، وهناك ذنوب أكبر لا تكفرها إلا صلاة الجمعة، ولكن بشرط أن تكون صلاة الجمعة كما تحدثنا عنها في خطبة سابقة عن صلاة الجمعة، أن تكون في المسجد قبل أن يصعد الإمام على المنبر، وتنصت إلى الإمام جيدًا، ثم هناك ذنوب أكبر من ذلك لا يكفرها إلا رمضان
انظر كل الأحاديث تتحدث عن المغفرة، رمضان فرصة سانحة لمغفرة ذنوبك، وقد قلنا في الخطبة السابقة الحديث "رغم أنف عبد أدرك رمضان ولم يغفر له" يعني خسر خسراناً مبيناً وخسراناً عظيما هذا الذي أتي عليه رمضان ولم تغفر له جميع ذنوبه، ما ينفعش يعدي رمضان دون أن تغفر كل ذنوبك
* * *
وعن عبد الله بن عمر –رضى الله عنهما- قال قال رسول الله "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام أي رب منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعني فيه قال فيشفعان" رواه أحمد
حديث رائع، الصيام يأتي يوم القيامة مجسداً، يوشفع لك ويقول " أي رب منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه" ويأتي القرآن، أيضا مجسد، تخيل القرآن وهو يأتي يوم القيامة مجسد، ويقول "منعته النوم بالليل فشفعني فيه" والحديث بيرشدك إلى أفضل وقت لقراءة القرآن يكون بالليل، والقرآن كلام الله تعالى، وصفة من صفات الليل، فاذا شفع لك فلابد أنه سيشفع، وانظر الى الحديث انتهى بقول رسول الله "فيشفعان" يعني تقبل شفاعتهما، والحديث صحيح رواه أحمد
* * *
o وعنه قال "للصائم عند فطره دعوة لا ترد"
من فضل الصيام، أن الصائم له دعوة لا ترد، شوف التعبير الجميل "لا ترد" لا تضيع هذه الفرصة، قبل ما تفطر تبقي محضر دعوة اليوم، يعني يوم أنا حدعي يأن يرزقني الله تعالى بالصحة، ويوم بأن يبارك لي في ذريتي، ويوم أن يوزقني طاعته، ويوم بأن يوفقني في عملي، ويم يساعدني أحفظ قرأن، ويوم أدعي للأمة، وهكذا000
* * *
هناك ثلاثة أحاديث شديدة الشبه، وهي أحاديث صحيحة
أول حديث "من صام رمضان إيمانا واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"
الحديث الثاني "من قام رمضان إيمانا واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"
الحديث الثالث "من قام ليلة القدر إيمانا واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"
دعني أسالك: عاوز تحج ؟ أيوه طبعا نفسي أحج، طب ما بتحجش ليه، والله مادياً العملية مش مضطبة، طب عاوز تحج ليه ؟ عشان تغفر كل ذنوبي، وأرجع كما ولدتني أمي وهكذا، طب ما قدامك الفرصة، ثلاثة أحاديث تتحدث عن مغفرة جميع ذنوبك
أول حديث "من صام رمضان إيمانا واحتساباً" يعني إيه "إيمانا واحتساباً" ايمانا يعني طاعة لله تعالى، واحتساباً يعني أنت ترجو الثواب من الله تعالى "غفر له ما تقدم من ذنبه" ما تقدم من ذنبه يعني جميع الذنوب التي ارتكبتها في حياتك، ويقول العلماء أن هذا الحديث يشمل صغائر الذنوب وكبائر الذنوب أيضا
عندك فرصة ثانية "من قام رمضان إيمانا واحتساباً" اللي هيه صلاة التراويح، احرص عليها، اعتبرها في رمضان شيء مقدس، أكيد كل يوم بعد الفطار حتحس انك تقيل وعاوز تريح وتعبان، ده شيء طبيعي كل الناس، لأ اقهر أي شيء ممكن
|