Untitled Document

عدد المشاهدات : 2251

خطبة: غزوة بدر

غزوة  بدر

الخطيب: وائل فوزي

تاريخ الخطبة: 14 رمضان 1430- 4 سبتمبر 2009

المكان: مسجد "السيدة مريم- عليها السلام" بمنطقة الهجانة

مدة الخطبة: 25 دقيقة

 

أما بعد،،،

ستهل علينا –إن شاء الله تعالى- بعد ثلاثة ايام ذكرى غزوة بدر، لأن غزة بدر وقعت في السابع عشر من شهر رمضان، في السنة الثانية من الهجرة

وحديثنا اليوم –ان شاء الله تعالى- عن غزوة بدر، وقد اخترت أن يكون حديثنا عن غزة بدر من خلال آيات القرآن الكريم التي تناولت أمر هذه الغزوة المباركة

لمذا، لأننا سنتعرف بذلك على أحداث الغزوة، وما فيها من عبر ودروس غالية، وفي نفس الوقت سنعرف تأويل هذه الآيات القرآنية الكريمة

أحداث غزوة بدر مذكور معظمها في بعض آيات سورة "الأنفال"

أول هذه الآيات التي نتناولها، هي قوله تعالى في الآية الخامسة

((كما اخرجك ربك من بيتك بالحق وان فريقا من المؤمنين لكارهون))

لو تخيلنا خريطة الجزيرة العربية: مكة في الجنوب، ثم المدينة، ثم الشام في الشمال، معنى ذلك أن أي تجارة لقريش متجهة إلى الشام لابد أن تمر على المدينة، والرسول  أراد أن يحارب قريش في تجارتها، طبعا المشهور والذي نقرأه كثيراً في كتب السيرة، أن الرسول  أراد الاستيلاء على القافلة حتى يرد بعض ما سلبته قريش من المهاجرين، لأن الصاحبي كان اذا أراد الهجرة من مكة الى المدينة، اشترط عليه أهل مكة أن يترك جميع أمواله، وأن يهاجر بلا درهم واحد، فالرسول  هاجم عير قريش حتى يرد بعض هذه الأموال التي سلبتها قريش من المهاجرين

هذا التفسير قد يكون صحيحاً، ولكن السبب الحقيقي لمهاجمة عير قريش أنها كانت خطوة من خطوات الحصار الاقتصادي على مكة، لأن تجارة قريش هي مصدر أموالها، وأموال قريش هي مصدر قوتها وطغيانها، كانت هي الأجنحة التي تطير، والمخالب التي تفتك بها، فأراد الرسول  أن يقص تلك الأجنحة، وأن يقلم هذه المخالب

ولذلك عندما علم الرسول  أن عيراً عظيمة قد خرجت من مكة تريد الشام، وكانت أعظم عير وأجمعها لأموال قريش، حتى قوم ما فيها بخمسين ألف دينار، وعلى رأس هذه القافلة سفيان بن حرب، ويحرسها ثلاثة وعشرون رجلاً من الحداة، والحادي هو الذي يوجه القافلة ويحرسها في نفس الوقت

الرسول  خرج يريد هذه القافلة في مائة وخمسون من المهاجرين، حتى بلغ "العُشْيْرَة" فوجد العير قد مضت، فعاد الى المدينة يترقب عودة العير

وبث الرسول  عيونه في الجزيرة، وأخذ يترقب أنباء هذه العير، حتى عَلِمَ أنها قد فصلت من الشام عائدة الى مكة، والرسول  لا يريد أن تفوته العير في ايابها كما فاتته في ذهابها، فاستنهض لها ما خف من أصحابه، وقال لهم "هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا اليها، لعل الله أن يغنمكموها"

خرج الرسول  ومعه ثلاثمائة وبضعة عشر من المهاجرين والأنصار، في يوم السبت 12 رمضان سنة 2 من الهجرة، حتى بلغ "بيوت السقيا" وهي آبار عذبة على بعد نحو ميل من المدينة، فضرب عسكره هناك وأخذ يستعرض الجند، وأخذ يرد صغارهم لأنهم لا يقوون على حمل السلاح، فكان ممن ردهم "عبد الله بن عمر" و "وزيد بن ثابت" وغيرهم

يروي "سعد بن أبي الوقاص" يقول: رايت أخي "عمير بن ابي الوقاص" يتواري، فقلت: مالك يا أخي ؟ فقال: اني أخاف أن يراني رسول الله  ويستصغرني فيردني، واني أحب الخروج لعل الله أن يرزقني الشهادة، كان سن "عمير" ست عشرة سنة، ولكن الرسول  رأي "عمير" فقال له: ارجع، فبكي عمير فأجازه الرسول  فكان سعد يقول: كنت أعقد له حمائل سيفه

خرج الرسول  من "بيت السقيا" في ثلاثمائة وثلاثة عشر من المهاجرين والأنصار، حوالي سبعون من المهاجرين، وحوالي مائتان وأربعون من الأنصار، ولم يكم معهم من الخيل غير فرسين اثنين، ولا من الركاب سوى سبعين بعيراً

طيب همه ثلاثمائة وثلاثة عشر، وهناك سبعين بعيرا، فكانوا يتبادلون الركوب عليها، كل ثلاثة أو اربعة يَعْتَقِبُون بعيراً فكان الرسول  وعلى بن أبي طالب، ومرثِدْ بن أبي مَرْثد يعتقبون بعيراً، وأبي بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف بعتبون بعيراً وهكذا

كان الرسول  يأخذ دوره في المشى والركوب كواحد منهم، وعلى ومرثد يقولان له: اركب يا رسول الله حتى نمشى عنك، فيقول: "ما أنتما بأقوي منى على المشى، وما أنا بأغنى عن الأجر منكما"

طبعا في هذا الأثناء، كما أن الرسول  كان يتحسس أخبار العير، كان أبو سفيان كذلك يتحسس أخبار محمد، لأنه يعلم أن الرسول  يترقب القافلة حتى تعود، وعندما علم أبو سفيان أن الرسول  استنفر أصحابه لمهاجمة القافلة، قام بأمرين: الأول: استأجر "ضمضم بن عمرو الغفارى" الى مكة ليستنفرها لحماية أمواله، الأمر الثاني أخذ يتقدم بمنتهي الحذر، حتى قرب من ماء بدر، وتقدم العير بنفسه يسأل عن أخبار المسلمين، فعلم أن راكبين كانا قد نزلا على تل، وأناخا راحلتهما هناك، حتى سقيا ثم رحلا، فذهب أبو سفيان الى هذا التل، ونظر في مناخ الأبل، وأخذ شيئاً من ابعارها، وفركه بيده، فوجد فيها آثار النوى، فقال: هذه والله علائف يثرب، فرجع مسرعا الى العير، وأخذ يضرب وجوهها ويحولها عن السير عن بدر، وتوجه بها الى ساحل البحر، وبذلك استطاع أن ينجو بأموال قريش

كل هذه الأحداث وصلت الى الرسول  الوضع الآن المسلمون في مواجهة المشركين، وأمامهم حل من اثنين، اما ينسحبوا ويعودوا إلى المدينة، وإما يدخلوا في حرب مع قريش، وجمع الرسول  صحابته واستشارهم: ما ترون في قتال القوم؟ فكره فريق منهم لقاء قريش لأنهم غير مستعدون للقتال، كان هناك أعداداً يمكن أن تخرج، وكان يمكن أن يخرجوا بأعداد أكبر من الخيول، فقالوا: هلا ذكرت لنا القتال فنستعد ! فيقول الرسول : ما ترون في قتال القوم ؟ قيجيبه أحدهم، لا والله ما لنا بقتال العدو طاقة، وانما أردنا العير

((يجادلونك في الحق بعدما تبين كانما يساقون الى الموت وهم ينظرون))

الحق: هو الخروج للقتال

بعدما تبين: أي بعدما تبين أن الخروج للقتال هو الحق، لأن الحق –سبحانه وتعالى- قد وعد الرسول  احدي الطائفتين، اما العير أي القافلة، واما النفير، اي الإنتصار على جيش قريش، وطالما قد فلتت منهم العير، فلابد أن يتحقق وعد الله تعالى في النفير

كانما يساقون الى الموت وهم ينظرون: هناك "سوق" وهناك "قيادة" القيادة تكون من الأمام، والسوق يكون من الخلف، فمعني الآية كأنهم يدفعون الى الموت دفعا، "وهم ينظرون" أي وهم يرون بشاعة الموت

اذن وصلنا الى أن الرسول  استشار صحابته، فرأي فريقاً منهم العودة الى المدينة لأنهم خرجوا يريدون العير، وقد ذهبت العير، وهم غير مستعدون للمعركة

الرسول  تغير وجهه، لماذا لأنه بعبقريته السياسية يعلم ما للإنسحاب من عواقب وخيمة، ستضعف جداَ هيبة المسلمين في الجزيرة، تغير وجه الرسول  وقرأ ذلك المسلمون فقام فريق منهم يدعون للقتال، أول من قام أبو بكر فقال فأحسن، ثم قام عمر فقال وأحسن، ثم قام "المقداد بن عمرو" فقال: يا رسول الله امض لما أراك الله، فنحن معك، والله لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى (اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون) ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه فقال له رسول الله  خيراً ودعا له، ثم قال رسول الله  أشيروا علي أيها الناس ! وإنما يريد الأنصار وذلك أنهم حين بايعوه بالعقبة قالوا يا رسول الله إنا برآء من ذمامك حتى تصل إلى ديارنا فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمتنا نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا فكان رسول الله  يتخوف أن لا تكون الأنصار ترى عليها نصره إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه، وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو خارج بلادهم، فلما قال ذلك رسول الله  قال له سعد بن معاذ: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله0 قال: أجل0 قال: "يا رسول الله آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة لك، فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا، إنا لصبر في الحرب، صدق عند اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر على بركة الله"

فَسُرَّ رسول الله  بقول سعد ونشطه، ثم قال سيروا وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم

((وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين))

وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين: وهي كما قلنا اما العير أي القافلة، واما النفير، اي الإنتصار على جيش قريش

وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم: أي تريدون العير لأنها بلا خطر، والقافلة يحرسها حوالي عشرون من الحداة، بينما جيش قريش قوامه ألف مقاتل

ويريد الله أن يحق الحق بكلماته: كلماته أي بوعده

ويقطع دابر الكافرين: دبر الشيء أي خلفه، فقطه دابرهم أي لايكون لهم أثر بعد ذلك

((اذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم اني ممدكم بالف من الملائكة مردفين ))

والذي استغاث هو الرسول  في ليلة المعركة خلد الجيش إلى النوم، وبقي الرسول  يصلى طوال الليل تحت شجرة، ويدعو الله تعالى ويقول "اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم ائتني ما وعدتني، اللهم ان تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض" رواه مسلم عن عمر بن الخطاب، حتى سقط الرداء عن كتفي الرسول  وأبو بكر خلف الرسول  يعيد الرداء الى كتفه ويبكي ويقول: يا نبي الله  بعض مناشدتك ربك، فان الله منجز لك ما وعدك

(( اذ يغشيكم النعاس امنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الاقدام))

المسلمون عندما نزلوا في بدر نزلوا بعيداً عن الماء، وكانت بينهم وبين الماء رمال تغوص فيها الأقدام، وأصاب المسلمون حرج شديد في الوصل الى الماء ليشربوا وتشرب دوابهم ويتطهروا، ولم يكن قد رخض لهم في التيمم، وأخذ الشيطان يوسوس للمسلمين، ويقول لعهم أن العطش سيقطع رقابهم، ويذهب قوتهم، وانتم تصلون وأنتم جنب، وتزعمون أنكم أولياء الله، وفيكم رسوله

ثم جاءت نجدة السماء، وأنزل الله تعالى عليهم المطر، فشرب المسلمون وتطهروا، وملأوا الأسقية، وسقوا الركائب، وتلبد الرمل تحت اقدامهم، فسهل عليهم السير

والمسلمون بعد أن شربوا وملأوا أسقيتهم هدموا جميع آبار بدر حتى لا يشرب منها المشركون

وبعد ذلك اصابتهم غشية من النعاس، فانقلوا نياماً، في ليلة المعركة نام الجيش كله، وهذا أمر في غاية الصعوبة، لأن الإنسان عندما يكون قلقاً لا يستطيع النوم

والنعاس هو مقدمةالنوم، وهي حالة بين البقظة والنوم، لأنهم لو ناموا نوماً عميقاً يمكن أن ينقلب عليهم عدوهم

 

وأخذ الرسول  يعدل صفوف أصحابه وفي يده قدح يعدل به القوم فمر بسواد بن غزية وهو مستنتل من الصف فطعن في بطنه بالقدح وقال استو يا سواد فقال يا رسول الله أوجعتني وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدني قال فكشف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بطنه وقال: استقد قال: فاعتنقه فقبل بطنه0 فقال: ما حملك على هذا يا سواد قال: يا رسول الله حضر ما ترى فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك فدعا له رسول الله  بخير وقال له: استو يا سواد

وقبل أن تبدأ المعركة ، تقدم ثلاثة من رجال قريش وهم : عتبة بن ربيعة، وأخوه شيبة، وولده الوليد يطلبون من يبارزهم من المسلمين . فتقدم ثلاثة من الأنصار، فصرخوا بهم قائلين : "يا محمد ، أخرج إلينا نظراءنا من قومنا من بني عمنا" فقدم الرسول عليه الصلاة والسلام عبيدة بن الحارث ، وحمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب . فبارز حمزة شيبة