فقد تحدثنا في الخطبة السابقة في ذم الانشغال بعيوب الناس عن عيوب النفس، وتحدثنا عن ذم خلق الشماته، وقد كان السبب الذي دفعنى لاختيار هاذين الموضوعين هو أننى وجدت الكثير والكثير جدًا من الناس منذ أحداث 25 يناير قد وقع في براثن هذين الخلقين الذميمين
وبعد الخطبة قال لى أحد الاخوة الأفاضل أنه لا يشمت في رموز النظام السابق وانما هو يعتبر بما حدث لهم، وأنا أتفق معه في أن نعتبر بجميع ما مر بنا من أحداث في الشهور الماضية، وأن نعتبر بما حدث لبعض رموز النظام السابق، ولذلك اخترت موضوع هذه الخطبة تحت عنوان "الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"
حديثنا اليوم –ان شاء الله تعالى- عن هذا الموضوع شديد الأهمية وهو موضوع "الظلم"
أنواع الظلم:
أولًا: ظلم الإنسان لربه: وذلك بألا يؤمن الإنسان بخالقه ويكفر بالله -عز وجل- وهذا هو أعظم الظلم، يقول تعالى في سورة لقمان: {يا بنى لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم}
ثانيًا: ظلم الإنسان لنفسه: وذلك بارتكاب المعاصي والآثام، والبعد عن طريق الله تعالى واتباع طريق الشيطان
ثالثًا: ظلم الإنسان للإنسان: وذلك بأن يعتدي الظالم على الناس في أنفسهم أو أموالهم أو أعراضهم
يقول الحسن: الظلم ثلاثة: ظلم لا يغفر، وظلم يغفر، وظلم لا يترك، فأما الظلم الذي لا يغفر فالشرك بالله، وأما الظلم الذي يغفر فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه، وأما الظلم الذي لا يترك فظلم الناس بعضهم بعضا
النهي عن الظلم
وقد نهى الله –سبحانه وتعالى- عن الظلم، وتوعد الظالمين أشد الوعيد، فقال تعالى في سورة ابراهيم {ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص في الأبصار}
وقال تعالى {فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم}
وقال تعالى {أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّـٰلِمِينَ}
يقول ميمون بن مهران: إن الرجل يقرأ القرآن وهو يلعن نفسه، قيل له: وكيف يلعن نفسه؟ ! قال: يقول: {أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّـٰلِمِينَ} وهو ظالم .
روى مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا رَوَى عَنْ اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنَّهُ قَالَ: (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا)
كذلك روى البخاري ومسلم عن الرسول –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: إن الله لَيمْلِي للظالم (أي: يؤخر عقابه) حتى إذا أخذه لم يفْلته، ثم قرأ: {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد} حديث متفق عليه
روى مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"
وسأل الرسول –صلى الله عليه وسلم- أصحابه يومًا فقال (أتدرون ما المفلس؟)، قالوا: الْمُفْلِسُ فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال الرسول –صلى الله عليه وسلم-: (إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعْطَي هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيتْ حسناته قبل أن يقْضِي ما عليه أُخِذَ من خطاياهم فطُرحت عليه ثم طُرح في النار) رواه مسلم والترمذي
وقد حث النبي على أداء الحقوق إلى أصحابها، قبل أن يأتي يوم القيامة فيحاسبهم الله على ظلمهم، قال الله : (لَتُؤَدَّن الحقوقُ إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقَاد (يُقْتَص) للشاة الجلحاء من الشاة القرناء) مسلم
"الشاة الجلحاء" هي التى بلا قرون، و "الشاة القرناء" هي التى لها قرون، تأتي شاة في الدنيا لها قرون تستقوي على شاة بلا قرون فتنطحها، فتأتي الشاة بلا قرون في الآخرة فتأخذ حقها من الشاة التى نطحتها وتقتص منها، اذن فكل مخلوق سيأخذ حقه يوم القيامة، ليس الانسان فقط ولكن كل مخلوق سيأخذ حقه كاملًا ممن ظلمه يوم القيامة
ويقول الرسول –صلى الله عليه وسلم- في حديثٍ متفق عليه : (من ظلم قيد شبر من الأرض، طُوِّقَه من سبع أرضين)
الذي يروى هذا الحديث الشريف هو "سعيد بن زيد" رضي الله عنه، وهو أحد العشرة المبشرون بالجنة، والقصة أن امرأة تدعى "أروى بنت قيس" خاصمته في بعض أرضه، يعنى هذه المرأة عندها قطعة أرض ملاصقة لأرض "سعيد بن زيد ، فطمعت في قطعة من أرضه، كانت قطعة أرض مميزة وفيها بئر، فطمعت في هذه القطعة من الأرض، وضمتها إلى أرضها، وادعت أنها أرضها، وأخذت تكلم في هذا رجالًا من قريش، واستعدت عليه"مروان بن الحكم" والى المدينة
فقال "سعيد بن زيد" لعماله: دعوها وإياها، يعنى ايه ؟ يعنى سيبولها حتة الأرض اللى هيه عيزاها، معقولة ! طب دي الأرض دي بتاعتك00 حقك00 قالك: ضنًا بالوقت في خصومات ومنازعات، وهذا باب عظيم في علو الهمة ومكارم الأخلاق، في ناس بالها طويل قوي، ممكن تقعد طول عمرها في قضايا ومشاكل، إنما الأكابر من الصحابة زي "سعيد بن زيد" ماعندهاش وقت للكلام ده
قال "سعيد بن زيد" لعماله: دعوها وإياها، ثم قال هذا الحديث الشريف، فاني سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول (من ظلم قيد شبر من الأرض، طُوِّقَه من سبع أرضين) يعنى الذي يأخذ قطعة من الأرض دون وجه حق، ولو مقدار شبر، وهو أقل المقادير عادة بالنسبة للأرض "طُوِّقَه من سبع أرضين" يعنى سيكون هذا الإثم ملازمًا له يوم القيامة لزوم الطوق، وقيل يأتي يوم القيامة وجميع ما ظلم من الأرض في عنقه من سبع أرضين
عشان كده بنقول خلى بالك قوي، خلى بالك تاخذ أي قطعة أرض ليست من حقك، بقي فيه عصابات الآن للاستيلاء على الأراضي، الوعيد فيها شديد جدًا
وقد عاقب الحق –سبحانه وتعالى- هذه السيدة "أروى بنت قيس" يقول راوي الحديث "طلحة بن عبيد الله" فرأيتها عمياء تلتمس الجدر، وتقول أصابتني دعوة سعيد بن زيد، وبينما هي تمشى مرت على بئر فوقعت فيه فكان قبرها، تخيل البئر اللي عملت عليه كل هذه المشاكل، أصبح قبرها، وقعت في البئر، ما عرفوش يطلعوها، ردموا عليها البئر وأصبح قبرها
دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ
روى أبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضى الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-قَالَ: "ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْوَالِدِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ"
وروى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضى الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَالْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا اللَّهُ فَوْقَ الْغَمَامِ وَيَفْتَحُ لَهَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ"
وروى البخاري عن معاذ بن جبل قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ"
وروى احمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ وَإِنْ كَانَ فَاجِرًا فَفُجُورُهُ عَلَى نَفْسِهِ"
وروى احمد عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "اتَّقُوا دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا فَإِنَّهُ لَيْسَ دُونَهَا حِجَابٌ"
وروى السيوطي عن عبد الله بن عمر قال: قال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "اتقوا دعوة المظلوم، فإنها تصعد إلى السماء كأنها شرارة"